Skip to main content

Full text of "تحميل جمع مؤلفات د. نور الدين أبو لحية"

See other formats


8 ا 
١‏ 1 4 / 
ظ ١‏ 
١‏ 7 
١‏ 1 1 

لجمعية العلماء والطرق | 


1 ١ 







5 نور الدين أبو لحية ا 


1 دار الأنوار النشر ول - 








هذا الكتاب 
يحاول هذا الكتاب التعرف على المنابع 
الفكرية التي يستقي منها كل من جمعية 


الصوفية» لاعتقادنا بأن تلك المنابع هي 
التفسير الصحيح. بل والوحيد لكل ما 


7ه 








دراسات وبحوث 


إفة 


الاتجاهات الفكرية 


لجمعية العلماء المسلمين والطرق الصوفية 


ؤرانفة علي 

د. نور الدين أبو لحية 
الطبعة الثانية 
11-16 


دار الأنوار للنشر والتوزيع 


+١ 


حم 





فهرس المحتويات 


مقدمة 
الفصل الأول 
الاتجاه الفكري لجمعية العلماء ومشروعها الإصلاحي 
المبحث الأول: الاتجاه الفكري لجمعية العلماء 
المطلب الأول: التوجه السلفي وعلاقة جمعية العلماء به: 
أولا ‏ حقيقة السلفية: 
ثانيا - موقف جمعية العلماء المسلمين من التوجه السلفي 
عبد الحميد بن باديس: 
البشير الإبراهيمي: 
أبو يعلى الزواوي: 
العربي التبسبي: 
مبارك الميلي: 
الطيّب العقبي: 
ثالثا المدارس السلفية وموقف جمعية العلماء منها 
١-المدارس‏ السلفية وتنوعها: 
" - موقف جمعية العلماء من المدارس السلفية: 
المطلب الثاني: السلفية المحافظة وعلاقة جمعية العلماء بها 
أولا علاقة جمعية العلاء بالسلفية المحافظة: 
١‏ التحذير من الشرك: 
 "‏ التحذير من البدع: 


33 


33 


١ 


>30 


7/ 


7/ 


لا 


>33 


>33 


رض 


75 


5: 


6 


النموذج الأول: ابن باديس وشيخه ابن عاشور: 
النموذج الثاني: الشيخ البشير الإبراهيمي والطريقة العلاوية 
٠‏ الدعوة إلى العودة إلى المصادر الأصلية لاستنباط الأحكام: 
5 - الموقف من الحكام: 
المطلب الثالث: السلفية التنويرية وعلاقة جمعية العلماء بها 

أولا حقيقة التنوير: 

ثانيا ‏ رواد السلفية التنويرية وعلاقة الجمعية بهم: 
جمال الدين الأفغاني: 
محمد عبده: 
محمد رشيد رضا: 

ثالثا ‏ مبادئ السلفية التنويرية وموقف الجمعية منها: 
١‏ الاهتام بالقرآن الكريم: 
” -معارضة التقليد: 
 "”‏ إعادة الاعتبار للمقاصد الشرعية: 
الاهتام بفقه السنن: 
الانفتاح على المعارف المختلفة: 
١‏ الاهتمام بالتمدن: 
٠‏ الاهتام باللغة العربية: 

المبحث الثاني: المشروع الإإصلاحي لجمعية العلماء 
المطلب الأول: الإصلاح الديني عند جمعية العلماء 

ظاهرة الإلحاد: 
ظاهرة التبشير: 


0» 


3 


1١ 


11 


الا 


7” 


84 


84 


2724 


6: 


1ك/ 


/ا/ 


45 


1: 


4/ 


المطلب الثاني: الإصلاح التربوي عند جمعية العلماء 
١‏ محو الأمية: 
 '"‏ التعليم الابتدائي: 
٠‏ التعليم العالي: 
المطلب الثالث: الإصلاح الاجتماعي عند جمعية العلماء 
المطلب الرابع: الإصلاح السياسي عند جمعية العلماء 
الموقف من التجنيس: 
الموقف من الإدماج: 
خاتقة الفصل 
الفصل الثاني 
الاتجاه الفكري للطرق الصوفية ومشروعها الإصلاحي 
المبحث الأول: الاتجاه الفكري للطرق الصوفية 
المطلب الأول: حقيقة التصوف وعلاقة الطرق الصوفية به 
أولا- حقيقة التصوف والطرق الصوفية: 
١‏ - حقيقة التصوف 
لغة: 
اصطلاحا: 
١‏ حقيقة الطرق الصوفية 
ثانيا علاقة الطرق الصوفية بالتصوف 
١‏ الاتجاه المعارض للعلاقة بين التصوف والطرق الصوفية 
"_الاتجاه المؤيد للعلاقة بين التصوف والطرق الصوفية 
المطلب الثاني: التصوف السلوكي وعلاقة الطرق الصوفية به 


١77 


١ 


١6ه‎ 


١9 


1١17 


١175 


١/١ 


أولا ‏ تعريف السلوك: 
ثانيا شروط السلوك الصوفي: 
١‏ - الشيخ المرشد: 
١‏ تعريقه: 
١‏ -دوره في السلوك: 
*-الذكر: 
تعريفه: 
دوره في السلوك: 
ثالثا بمارسات السلوك الصوفي: 
١‏ -_الورد الصوفي: 
تعريف الورد: 
أوراد الطرق الصوفية: 
؟-_الخلوة: 
تعريف الخلوة: 
الغاية منها: 
كيفية الخلوة: 
ثالثا ميسرات السلوك ومنشطاته: 
١‏ السماع والرقص: 
*-السياحة: 
المطلب الثالث: التصوف العرفاني وعلاقة الطرق الصوفية به 
أولا استعمال اللغة الرمزية والشاعرية: 
ثانيا ‏ التفسير الباطن: 


١ا/‎ 


رفيا 


رفيا 


١ا/ك‎ 


1١87 


1١87 


19 


19 


19 


ثالثا- حقيقة الكون وعلاقته بالله: 
المبحث الثاني: المشروع الإصلاحي للطرق الصوفية 
المطلب الأول: الإصلاح الديني عند الطرق الصوفية 
١‏ الاهتمام بالشعائر التعبدية: 
١‏ -نشر السلوك الصوفي: 
المطلب الثاني: الإصلاح التربوي عند الطرق الصوفية 
أولا ‏ المؤسسات التعليمية للطرق الصوفية: 
ثانيا ‏ المقررات الدراسية: 
المطلب الثالث: الإصلاح الاجتماعي عند الطرق الصوفية 
أولا ‏ تحقيق الوحدة الاجتماعية: 
ثانيا ‏ إزالة الفوارق الاجتاعية 
ثالثا_ الصلح بين المتخاصمين 
رابعا التكافل الاجتماعي: 
خامسا ‏ مواجهة الانحرافات الاجتماعية: 
المطلب الرابع: الإصلاح السيامي عند الطرق الصوفية 
أولا تجنب المواجهة المباشرة مع الاستعمار: 
ثانيا ‏ المحافظة على الشخصية الجزائرية: 
الثا- تقريب المستعمر من الإسلام: 
خاتمة الفصل 
الفصل الثالث 
آثار التوجهات الفكرية على العلاقة بين الجمعية والطرق الصوفية 
المبحث الأول 


إحرم 


حرم 


ار 


ارم 


504 


3” 


551 


00 


1710 


ا 


ا 


رم 


التهم الموجهة من جمعية العلماء للطرق الصوفية 
المطلب الأول: تبمة التعبد بالبدعة والخرافة 
أولا ‏ البدعة: 
١‏ انعدام الطرح العلمي: 
” - إعطاء المختلف فيه حكم البدعة: 
٠‏ التركيز على قضايا فرعية جدا: 
5 - تقديمها لمواجهة البدع على مواجهة الاستعمار والتبشير: 
ثانيا ‏ الخرافة: 
المطلب الثاني: الوقوع في الكفر والشرك 
الأول: زيارة الأضرحة وإقامة الموالد 
الثاني: القول بالحلول والاتحاد 
الثالث: بعض الفروع الفقهية 
الرابع: بعض الدعاوى: 
المطلب الثالث: تهمة ابتزاز الأموال 
الملاحظة الأولى: 
الملاحظة الثانية: 
المطلب الرابع: مداهنة الاستعمار 
اللبحث الثاني: التهم الموجهة من الطرق الصوفية لجمعية العلماء 
المطلب الأول: بمة الجهل والغرور 
المطلب الثاني: تهمة المسارعة إلى التكفير 
المطلب الثالث: #همة مخالفة جماهير العلماء 
أولا مخالفة الجمعية لفقهاء المذاهب الأربعة: 


رم 


نيص 


عض 


ك/ا” 


اا 


اا 


اا 


51 


اليا 


اليا 


716 


71/ 


ددن 


رفدنا 


احرضن 


م 


إحدسنا 


ثانيا ‏ مخالفة الجمعية لأئمة السلفية المحافظة: يحض 

ثالثا ‏ مخالفة الجمعية لأئمة السلفية التنويرية: ل 

المطلب الرابع: تهمة العنف في التعامل مع المخالف م 
خاتمة الفصل م 


4 


مقدمة 

لا يخفى أن للاتجاهات الفكرية تأثيرها الكبير في المواقف والمعاملات وجميع التصرفات» 
فالفكر هو مقدمة السلوك ومنبعه وأصله الذي منه يستمد» ومن المجانبة للصواب أن نحلل 
أي قضية دون الرجوع إلى منابعها الفكرية التي منها انطلقت» وخاصة إذا مست القضية تاريخ 
أمة وثقافتها ودينها. 

وانطلاقا من هذا التصور البديبي والمنهجيء. نحاول في هذا الجزء أن نتعرف على المنابع 
الفكرية التي يستقي منها كل من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والطرق الصوفية, لاعتقادنا 
بأن تلك المنابع هي التفسير الصحيح. بل والوحيد لكل ما حصل من توافق أو خلاف. 

وعلى الرغم من بديهية هذا الطرح ومنهجيته إلا أنا - للأسف - لم نر تطبيقيا حقيقيا له في 
الواقع البحثي والأكاديمي فبما يرتبط بالتعامل بين الجمعية والطرق الصوفية» فقد دأب أكثر 
من اطلعنا على دراساتهم على الاقتصار على الرجوع لرجال الجمعية في مواقفها من الآخر 
واعتبار ما ذكرته هو الحقيقة المطلقة من جميع جوانبهاء من غير النظر فيه كتبه الآخر أو دافع به 
عن نفسه. أو التعرف على الأصول التي جعلته يعتقد ذلك الاعتقاد. 

وقد أدى هذا المنهج إلى تحول أكثر الباحثين إلى مجرد أبواق تردد ما ذكره الإبراهيمي أو ابن 
باديس أو الميلي أو غيرهم من غير أن يكلف هؤلاء أنفسهم التحقيق في مدى صحة ما قالواء أو 
الرجوع للذي شنت تلك الحرب للتحقق من مدى صحة الجرائم التي اتهم بها. 

بناء على هذا التنبيه أو النقد الذي رأينا ضرورة طرحه نحاول في هذا الباب أن نتجنب هذا 
الخطأ العلمي والمنهجي والأخلاقي» وذلك بالرجوع إلى كل طرف من طرفي التعامل للتعرف 
على المدرسة الفكرية التي ينتمي إليهاء وعلى المشروع الإصلاحي الذي يحمله من غير أن نسيء 
به الظنء أو نقوله مالم يقل» أو نتجنى عليه بأي جناية تصطدم مع العلم والدين والأخلاق. 


ولا نكتفي بذلكء بل نحاول أن نرجع إلى مصادر الفكر ومنابعه التي منها يستمد» ذلك أن 
النظرة الموضوعية التي هدانا إليها ما وقع في جميع التاريخ الديني والثقاني للعالم الإسلامي هو 
أن جمعية العلماء في حقيقتها ليست سوى امتداد لمدرسة أو مدارس فكرية وسلوكية موجودة 
منذ فجر التاريخ الإسلامي. 

والطرق الصوفية لا تختلف عنها في ذلك فلها هي الأخرى امتدادها التاريخي والجغرافي في 
جميع العالم الإسلامي. 

وكا أن للمدرسة الأولى علماؤها ورجاها الذين ينافحون عنهاء فكذلك للمدرسة الثانية 
علماؤها ورجالها وأطروحاتها. 

ولهذا فإن من المخالفة للمنهج العلمي أن ندرس كلا التيارين مبتورا عن الجذور التي أنبتته 
بالشكل الذي هو عليه. 

انطلاقا من هذا قسمنا هذا الجزء إلى ثلاثة فصول: 

حاولنا في الفصل الأول أن نتعرف على المدرسة الفكرية التي تنتمي إليها جمعية العلماء 
المسلمين الجزائريين» والمشروع الإصلاحي الذي تريد تنفيده في الواقع الجزائري. 

وني الفصل الثاني تناولنا المدرسة الفكرية التي تنتمي إليها الطرق الصوفية» والمشروع 
الإصلاحي الذي تريد تنفيذه في الواقع الجزائري. 

وفي الفصل الثالث: تناولنا أثر الاتجاهات الفكرية والإصلاحية لجمعية العلماء والطرق 
الصوفية في التعامل بينهما. 


الفصل الأول 
الاتجاه الفكري للجمعية العلماء ومشروعها الإصلاحي 

من الصعوبات التي واجهتنا في هذا البحث التحديد الدقيق للتوجه الفكري الذي يجتمع 
عليه أعضاء الجمعية» وسبب ذلك واضح بسيطء وهو أن الجمعية في أصلهاء وى| عرفنا في 
الجزء السابق» تكونت من الطبقة الجزائرية المثقفة» وكانت هذه الطبقة قد تشكلت قناعاتها 
الفكرية قبل دخوها الجمعية» وبالتالي دخلت إلى الجمعية بذلك التوجه الفكري الذي تحمله. 
ولهذا ضمت بين جنباتها وخاصة في بداية تأسيسها الصوني والإباضي والمالكي والسلفي 
وغيرهم من التيارات. 

وحتى بعد حصول الانشقاق انتسب إليهاء بل وعمل في إطار نشاطاتها بعض الطرق 
الصوفية» وقد ضربنا أمثلة على ذلك في الجزء السابق. 

وهذا ما دعانا إلى التمييز في تحديد الاتجاه بين أمرين: 

الأول: هو القناعات الفكرية لأعضاء الجمعية» والتي هي نتاج الثقافة الخاصة بكل عضوء 
والتي على أساسها يبرز الاعتدال أو التشدد أو التسامح مع الآخر. 

الثاني: هو المشروع النهضوي الذي أتت به الجمعية أو توحدت عليه. 

وهذا ما يجعل من جمعية العلماء المسلمين نسقا خاصا يختلف عن كثير من الحركات 
الإسلامية» بل حتى مع الطرق الصوفية. 

فالحركة الوهابية - مثلا - والتي كان لها وجود فاعل في وقت الجمعية كانت صاحبة توجه 
فكري واحد» وصاحبة مشروع نمبضوي واحد. 

والطرق الصوفية كذلكء مهما اختلفت مشاربها أو تسمياتها لا تختلف فيم| بينها إلا في 
الطقوس الظاهرية المارسة» أما التوجه الفكري» فيجمع بينها جميعا حتى أننا لا نستطيع أن 


نميز تعابير الشيخ ابن عليوة - المعاصر للجمعية» والذي كان المعارض الأكبر لها - مع أي 
صوفي في أي طريقة داخل الجزائر أو خارجها. 

وهذا ما جعلنا بدل أن نغرق في التعميم نبحث عن التصنيف المناسب لأعضاء الجمعية من 
الناحية الفكرية» ثم عن التصنيف المناسب الذي يجمعها في مشروعها النهضويء ولهذا قسمنا 
هذا الفصل إلى مبحثين: 

الملبحث الأول: الاتجاه الفكري لجمعية العلماء 

المبحث الثاني: المشروع الإصلاحي لجمعية العلماء 

ونحب أن ننبه أننا في كلا المبحثين نراعي مواقف أعلام الجمعية الكبار ممن يمكن اعتبارهم 
ناطقين رسميين باسم الجمعية كابن باديس والإبراهيمي ولميلٍ والعقبي والعربي التسيى 
وغيرهم من الذين تولوا مناصب حساسة في الجمعية» أما من عداهم, فنستأنس بذكره دون أن 
نحمل الجمعية تبعاته» سواء في ذلك التوجهات الفكرية أو المشاريع الإصلاحية. 

فلا نستطيع مثلا أن نعتبر الجمعية معتزلية الاعتقاد باعتبار أن بعض أفرادها إباضية» وهم 
يتبنون الكثير من الآراء المعتزلية» ولا نستطيع كذلك عند الحديث عن مشروعها السياسي أن 
نعتبرها متخاذلة في مواقفها من الاستعمار أو الثورة لأن بعض أفرادها كان كذلك". 

وقد دعانا إلى هذا التنبيه ما نراه في بعض الدراسات المناوتة خصوصا من اختيار بعض 


النماذج في التوجهات الفكرية أو الإصلاحية لتبنى على أساسها المواقف. 


)١(‏ انظر في الرد على القول بأن الجمعية خذلت الثورة ولم تشارك فيها وكانت في صف المندمجين. رد الشيخ عبد الرحمن شيبان» 
(حقائق وأباطيل) ط ”. مطبعة ثالة» الجزائر 9 .7٠١‏ 


المبحث الأول: الاتجاه الفكري لجمعية العلماء 

يتفق معظم الدارسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين على تصنيفها ضمن (الحركات 
السلفية) التي كانت في ذلك الحين في أوج نشاطها. 

وهذا التصنيف ليس قاصرا على الدراسات الحديثة» بل كل من تحدث عن الجمعية في ذلك 
الوقت كان يعتبر توجهها توجها سلفيا محضا لا يختلف عن التوجهات السلفية في ذلك الحين: 

فهذا الشيخ محب الدين الخطيب يقول في جريدة (الفتح) التي كان يشرف عليها: (جاءتنا 
من المغرب الأوسط (الجزائر) رسالة نافعة -إن شاء الله- أَلّفها العلامة السلفي الأستاذ الشيخ 
عبد الحميد بن باديس من كبار العلماء المصلحين في الديار المغربية)!") 

وكتب الشيخ محمّد القرّي من فاس قصيدة إثر الاعتداء على عبد الحميد بن باديس وأرسلها 
إلى (الشهاب)» وقال في مقدّمة الرسالة الملحقة بالقصيدة: (جناب مدير مجلّة الشهاب المحترم. 
تحيّة وسلاما. الرجاء منكم أن تنشروا على صفحات -الشهاب- الأغْر القصيدة التالية بمناسبة 
نجاة العلامة السلفي المصلح السيّد عبد الحميد بن باديس من ضربة الشقي الأثيم ولكم مزيد 
الشكر)”) 

وقد وردت تصريحات كثيرة من علاء الجمعية - سنسرد بعضها في هذا المبحث - تعلن 
تبنيها لهذا المنهج» ولذلك سننطلق من هذا الإعلان والتصريحء ولكنا لا نكتفي به فالسلفية 
مدارس متعددة» وآراء متضاربة وأحيانا متناقضة» وهو ما يحوجنا إلى التعرف على نوع المدرسة 
التي تنتمي إليها الجمعية. 

وبناء على هذاء فقد قسمنا هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب: 

المطلب الأول: التوجه السلفي وعلاقة جمعية العلماء به 


)١(‏ نشر في مجلّة الشهاب في العدد67 بتاريخ ” رمضان ١154‏ ه. 


)١(‏ (الشهاب) عدد 87 الصادر يوم الخميس 7١‏ رجب 40 ١ه‏ ” أبريل 19717م. 
15 


المطلب الثاني: السلفية المحافظة» وعلاقة جمعية العلماء بها 

المطلب الثالث: السلفية التنويرية» وعلاقة جمعية العلماء مها 

المطلب الأول: التوجه السلفي وعلاقة جمعية العلماء به: 

أولا ‏ حقيقة السلفية: 

لغة: يطلق السلف ويراد به لغة أحد ثلاثة معان(0: 

الأول: التسوية» ومنه سلف- بفتح السين واللام- الأرض .من باب نصرء سواها بالمسلفة 
-بكسر الميم- شيء تسوى به الأرض. 

الثاني: بمعنى مضى وتقدم» من سلف يسلّفء ومنه السلاف المتقدمون» وسلف 
الرجل:آباؤه المتقدمون. وجمعه أسلاف وسلافء. قال ابن منظور: (السلف الجاعة المتقدمون 
في السير أو في السن أو في الفضل أو في الموت» والسلف أيضا العمل المتقدم في الإنسان)(") 

الثالث: بمعنى السَّلمء نوع من أنواع البيوع يعجل فيه الثمن وتضبط السلعة بالوصف إلى 
اجل معلوم, فالثمن مقدم على تسليم السلعة. 

وقد وردت كلمة سلف في القرآن الكريم مرادا بها معنى واحدا وهو السبق والتقدم في 
الزمن ومنه قوله تعالى: (فُلْ لِلَّذِينَ كَمَرُوا إن يَنْتَهُوا ُغْفَرْ كم مَاقَدْ سَكَفَ وَِنْ يَعُودُوا قَقَدْ مَضَتْ 
سَنَهُ اْأوَّلِينَ1 [الأنفال الآية 7*8]»»أي يغفر لهم ما تقدم ومضى من الذنب. 

اصطلاحا: 

نجد أحيانا من بعض الكتاب والباحثين خلطا بين مصطلح (السلف»)» ومصطلح 
(السلفية)» أو (التمذهب بمذهب السلف»» وهذا يستدعي منا البحث عن المراد من كليهماء 


(1) ينظر تار الصحاحء محمد بن أبي بكر بن عبد القادرالرازي باب السين ص 75 5؟» ومفردات القرآن الكريم للراغب الأصفهاني 
باب السين ص4 88. 


2( ابن منظورء لسان العربء دار صادرء بيروت» ١5/7/94‏ 


وبذلك يتضح لنا سر اختلاف المدارس السلفية» ذلك لأن لكل منها سلفه الخاصء أو فهمه 
الخاص للمراد بالسلف. ذلك أن كل تيار يزعم أن له سلفه الخاص الممتد إلى العصور الأولى 
للإسلاء". 

١‏ لفظ (السلف): يطلق لفظ السلف عادة على القرون الثلاثة المفضلة بنص قوله يَل: (إن 
خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)”"» ذلك أنه ورد في الحديث 
اعتبار هذه القرون قرونا نموذجية في تمثيلها للإسلام وفهمها له» فقد ورد في تتمه الحديث: ( 
ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون 
ويظهر فيهم السمن)7"" 

وقد اختلف العلماء في تحديد (السلف) المرادين - بناء على هذا اختلافا شديدا - سواء من 
حيث تعيين المدة الزمنية بدقة» أو من حيث السلف المرادون في الحديث,. والعادة الجارية عند 
المحدثين أن المراد مهم هم أهل الحديث» وخاصة من كان منهم في زمن الرواية» وعند الصوفية 
يشمل الطائفة الأولى من الصوفية» والذين أرخ هم القشيري في رسالتهء وهكذا نجد لكل 
طائفة سلفها الخاص بهاء وشروطها الخاصة بهم. 

” - لفظ (السلفية): ى) اختلف في المراد من لفظ (السلف) وقع الخلاف في المراد من لفظ 
(السلفية)» وربما يمكن حصر الخلاف في مذهبين على أساسههما صنفت بعد ذلك التيارات 
الكثيرة: 


المذهب الأول: وهو أن (السلفية) ليست مذهبًا إسلاميًا محددّاء بل هي - ى) يعبر د. محمد 


)١(‏ لدرجة أن في الشيعة فرقة يقال لما (السلفية)» يطلق عليها كذلك (الإخبارية)» وهم كأهل الحديث بالنسبة للسنة (انظر: السيد 
علي حسين الجابري» الفكر السلفي عند الشيعة الاثني عشرية » رسالة لنيل الماجستير من كلية الآداب في جامعة بغداد » وطبع 
الكتاب في بيروت ‏ منشورات عويدات » الطبعة الأولى » ( 191/1 م ) 

(؟) محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاريء الجامع الصحيح المختصرء دار ابن كثير» اليمامة - بيروت» ط "ا ١1/‏ 5 1ج" 5/78 737. 
(؟) صحيح البخاري» ”5/7 77. 


سعيد رمضان البوطي - مرحلة زمنية مباركة» محصورة بالقرون الثلاثة الأول من عمر هذه 
الآمة("» وبذلك يصبح المراد بالسلف هو نفسه المراد بالسلفية. 

وبالتالي لا يمكن اعتبار السلف الصالح بهذا الاعتبار مصدرا للتشريع أو لفهم الدين» وإنما 
يمكن فقط اعتبارهم في الخيرية التي تعني الالتزام والتطبيق الفعلي للإسلام. 

وعلى هذا التفسير نجد أكثر المذاهب الفقهية والعقدية والصوفية.. فكلهم يجل السلف 
ويحترمهم» ولكنه في نفس الوقت لا يلتزم بفهومهم أو اجتهاداتهم» بل نجد فقيها كبيرا كأبي 
حنيفة يقول: (ما جاءً عن الله تعالى فعلى الرأس والعينين» وما جاءًَ عن رسول الله يله فسمعاً 
وطاعة وما جاءَ عن الصحابة رضي الله عنهم تخيرنا من أقوالهم, ولم نخرج عنهم؛ وما جاءً عن 
لعن فقا رن ري 0ه 
بمذهبهم, وإن) يجب التمذهب بمذهبهم. 

وقد ظهر هذا النوع من السلفية» والتي يمكن أن نطلق عليها (سلفية الاتجاه) ابتداء من 
عصر الإمام أحمد بن حنبل (ت١5١ه)ء‏ وتحديدا بعد موقفه من قضية (خلق القرآن)» فقد 
اعتبر ذلك الموقف تاريخاً فاصلا بين (الابتداع باسم الدين)» و(التمسك بالأصول العقدية 
الصحيحة من منابعها من القرآن والسنة وفهم السلف).. وبعده صارت السلفية اتجاهاً فكرياً 
على ساحة الفكر الإسلامي» ويمثل خطوطاً منهجية تحاول أن تبتدي بدي من تراه صا حا من 
0 


.. د. محمد سعيد رمضان البوطي: السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلاميء دار الفكر» دمشق» ص9‎ )1١( 
(؟) شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسيء المبسوطء دراسة وتحقيق: خليل محي الدين الميسء دار الفكر للطباعة والنشر‎ 
)”/11١(م5000 والتوزيع» بيروت» لبنان» الطبعة : الأولى» 0ه‎ 
- 58 م» ص‎ 7٠٠١ 5 (؟) انظر: د. محمد أحمد عبد القادرء ملامح الفكر الإسلامي بين الاعتدال والغلوء دار المعرفة الجانبية» مصرء‎ 
07 

19 


وبذلك فإن هذا الاتجاه ليس مذهباً محدد المعالم كالمذاهب الفقهية مثلا ولا هو جماعة محددة 
التقاسيم ك (الإخوان المسلمين) بل هو -ك| يعبر عنها أصحابها - (روح تسري في العالم 
الإسلامي منذ عهود التابعين واشتهر باسم (السلف»» أو (أهل الآثر)» ويقابله من الجانب 
الآخر (أهل الرأي)» أو (المتصوفة). أو (المتكلمون)» أو غيرهه"". 

ولذلك فإن أكثر التعاريف التي يوردها القائلون بهذا هي تعاريف سلبية أكثر منها إيجابية 
أي أنهم يعمدون إلى النفي أكثر منهم إلى التحديد الدقيق» كما نرى في تعريف عبد ال رحمن عبد 
الخالق الذي هو علم من أعلام السلفية المعاصرين» فهو يعرف السلفية بقوله: (المراد بمذهب 
السلف ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين» 
وأتباعهم وأئمة الدين تمن شهد له بالإمامة وعرف عظم شأنه في الدين» وتلقى الناس كلامهم 
خلفاً عن سلف. كالأئمة الأربعة وسفيان الثوري والليث بن سعد وابن المبارك والنخعي 
والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السئن» دون من رمي بالبدعة أو شهر بلقب غير مرضي 
مثل: الخوارج والروافض والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة. فكل من التزم بعقائد وفقه 
هؤلاء الأئمة كان منسوبا إليهم وإن باعدت بينه وبينهم الأماكن والأزمان» وكل من خالفهم 
فليس منهم وإن عاش بين أظهرهم وجمع بهم نفس المكان والزمان)(") 

ويرى هؤلاء على عكس الفريق السابق أن التمذهب بمذهب السلف ليس جائزا فقط. 
وإنما هو واجب لا يصح العدول عنه؛ كما جاء في رد علم من أعلام السلفية المعاصرين» وهو 
الشيخ الفوزان على البوطي في قوله السابق» وهوني كتاب تحت عنوان (نظرات وتعقيبات على 
ما في كتاب السلفية لمحمد سعيد رمضان من الحفوات)» جاء فيه: (هذا الكلام يثير الدهشة 
والاستغراب» كيف يكون التمذهب بالسلفية بدعة والبدعة ضلالة ؟ وكيف يكون وهو اتباع 
)1١(‏ انظر : د.موسى زيد الكيلاني» الحركات الإسلامية في الأردن وفلسطين» ص77717. 


(١؟)‏ عبد الرحمن عبد الخالق» لأصول العلمية للدعوة السلفية» الدار السلفية» الكويت الطبعة: الثانية» ١74‏ هب ص 0. 
٠‏ 1 


لمذهب السلف. واتباع مذهبهم واجب بالكتاب والسنة وحق وهدي؟.. فالتمذهب بمذهب 
السلف سنة وليس بدعة» وإنا البدعة التمذهب بغير مذهبهم)!" 

ونحب أن نشير هنا إلى أنه من الصعوبة فهم (السلفية) على هذا الاعتبار لأن هناك انتقائية 
كبيرة في تحديد أعيان السلف المرادين» فالكثير من الأعلام الذين وجدوا في العهود الأولى من 
الإسلام» والذين صنفهم هذا التيار في إطار الخوارج والروافض والمرجئة» والجهميّة, 
والمعتزلة.. وغيرهم ضالون لا يجوز الأخذ عنهم, بل يجب الرد عليهم. 

ولهذا نجدهم بدل تعميم لفظ (السلف». أو (السلف الصالح) يعمدون إلى ذكر أسامي 
المرادين مع أنها لم تحدد في الحديث, فيذكرون (الآثمة الأربعة» والسفيانيين» والليث بن سعد 
وابن مبارك النخعي, والبخاري» ومسلم وسائر أصحاب السئن)(") 

ولكنهم مع ذلك يقعون في تناقضات أخرى ذلك أن من ذكروهم كان فيم| يينهم خصومات 
إلى حد التكفير» فهذا الإمام أحمد بن حنبل كان يرى أن الإمام أبا حنيفة كان من المرجئة!"» 
والمرجئ في تصورهم ضال منحرف ومبتدع!» وقد كفرته باقي الفرق0.. وفوق ذلك نراه 
يقول بخلق القرآن”"» وفي تصورهم أن كل من يقول بخلق القرآن فهو جهمي. وكل جهمي 


كافر. 


)١(‏ الشيخ الفوزان» نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية لمحمد سعيد رمضان من الحفوات, الرئاسة العامة لإدارات البحوث 
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد» مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية 
والإفتاء والدعوة والإرشاد - العدد" 7؟» ص١١7.‏ 
هه د. محمود عبد الحليم: السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب» ص١١‏ . 
(؟) أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين» المكتبة العصرية» بيروت» .7١7/١‏ 
(؛) ابن حجر: لسان الميزان» مكتب المطبوعات الاسلامية» 7/ .١57‏ 
(5) البغدادي: الفرق بين الفرق» دار الآفاق الجديدة» بيروت» ط 5 19/47م, ص ١5/8‏ . 
(5) الأشعري: مقالات الإسلاميين /١‏ 717. 
5" 


ثانيا موقف جمعية العلماء المسلمين من التوجه السلفي 

وردت التصريحات الكثيرة من أعضاء الجمعية تنص على توجهها السلفيء بل وتفتخر بهذا 
التوجه. وتدعو إليه» وتعتبر الدعوة إليه من صميم أهداف الجمعية الذي أسست لأجله. 

وسنكتفي هنا بعرض بعض هذه التصريحات من أعضاء الجمعية» وخصوصا الكبار منهم 
لنبرهن بذلك على توجهها السلفي. 

أما فهم الجمعية للمراد من (السلفية)» والمبادئ المرتبطة بذلك» فسنتحدث عنها عند 
الحديث عن أنوع المدارس السلفية التي ارتبطت بها. 

عبد الحميد بن باديس: 

صرح عبد الحميد بن باديس في مواضع كثيرة من خطبه ومقالاته ورسائله على توجهه 
وتوجه جمعيته السلفي» فهو يقول في رسالته: (العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية 
والأحاديث النبوية): ( القرآن هو كتاب الإسلامء السئة القولية والفعلية - الصحيحة- تفسير 
وبيان للقرآن» سلوك السلف الصالح -الصحابة والتابعين وأتباع التابعين- تطبيق صحيح 
هدي الإسلام فهوم أئمة السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب 
والسنّة)00 

ويقول في كلمته التي ألقاها في حفل ختم تفسير القرآن الكريم بالجامع الأخضر بقسنطينة: 
(فإننا والحمد لله نربي تلامذتنا على القرآن من أوّل يوم ونوّجه نفوسهم إلى القرآن في كل يوم» 
وغايتنا التي ستتحقق أن يكوّن القرآن منهم رجالا كرجال سلفهم)”" 

وشهد له بهذا التوجه السلفي رفيق دربه الشيخ البشير الإبراهيمي في كلمته التي ألقاها في 
حفل ختمه تفسير القرآن الكريم» فقال: (هذا هو اليوم الذي يختم فيه إمام سلفي تفسير كتاب 


.١7ص هه‎ ١5٠05 ابن باديسء العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية» دار البعث» ط١» سنة‎ )١( 


)06١ /١( آثار ابن باديس‎ )١( 
>” 


الله تفسيرا سلفيا ليرجع المسلمون إلى فهمه فهم| سلفيا...)7") 

وقال في مقال له حول الحفل نفسه: (وأراد الله فحقق للأستاذ أمنيته من ختم التفسيرء 
وللأمّة رجاءها في تسجيل هذه المفخرة للجزائر» ولأنصار السلفية غرضهم من تثبيت أركانهم 
بمدارسة كتاب الله كاملا...)() 

وقال في موضع آخر: (أتمٌ الله نعمته على القطر الجزائري بختم الأستاذ عبد الحميد بن 
باديس لتفسير الكتاب الكريم درساً على الطريقة السلفية... ولا معنى لذلك كلّه إلا أن إحياء 
القرآن على الطريقة السلفية إحياء للأمّة التي تدين لله به)”) 

وقال مثنيا عليه بعد وفاته بهذا التوجه: (باني النهضتين العلمية والفكرية بالجزائر؛ وواضع 
أسسها على صخرة الحق» وقائد زحوفها المغيرة إلى الغايات العلياء وامام الحركة السلفية؛ 
ومنشيئع مجلة (الشهاب) مرآة الإصلاح وسيف المصلحينء؛ ومربي جيلين كاملين على الهداية 
القرآنية وال هدي المحمدي وعلى التفكير الصحيح» وحُحيي دوارس العلم بدروسه الحية» ومفسّر 
كلام الله على الطريقة السلفية في مجالس انتظمت ربع قرن» وغارس بذور الوطنية الصحيحة» 
وملقن مباديهاء علم البيان» وفارس المنابر» الأستاذ الرئيس الشيخ عبد الحميد بن باديس» أول 
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» وأوّل مؤسّس لنوادي العلم والأدب وجمعيات 
التربية والتعليم» رحمه الله ورضي عنه)””) 

البشير الإبراهيمي: 

وقد صرح في مواضع كثيرة عن توجهه السلفي وفخره به. ومن تصريحاته الدالة على 
)١(‏ ابن باديس» مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير» من منشورات وزارة الشؤون الدينية» ص4717. 
(؟) مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير» ص 407 . 


فيه مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير» ص ١5‏ . 
(4) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (”7/ 0857) 


لد 


تعظيمه لهذا الاتجاه قوله في رده على الشيخ عبد الحي الكتاني: (لقد كان من مقتضى كون الرجل 
محدّنًا أن يكون سلفيّ العقيدة وقَاًا عند حدود الكتاب والسنّة» يرى ما سواهما من وسواس 
الغباط ور التيكوة شوق الايعولان ارو ةين بالتمح سات لقيو راقو انك 
همم المحدّثين عن تقليد الأئمة المجتهدين» فكيف بالمبتدعة الدجالِين؛ وعرفوا بالوقوف عند 
الآثار والعمل بهاء لا يعْدونها إلى قول غير المعصوم إلا في الاجتهاديات المحضة التي لا نص 
فيها؛ ولكن المعروف عن هذا المحدّث أنه قضى عمره في نصر الطرقية وضلالات الطرقيين 
ومحدثاتهم بالقول والفعل والسكوتء وأنه خصم لدود للسلفيين» وحرب عوان على السلفية» 
وهل يرجى من نشأ في أحضان الطرقية» وفتح عينيه على ما فيها من مال وجاه وشهوات ميسّرة 
وغاير سق املك أن كوة فار للقن الدنا عله عاد 1 

ثم وضح شروط التحقق ب (السلفية)» فقال: (إن السلفية نشأة وارتياض ودراسة. فالنشأة 
أن ينشاً في بيئة أو بينك كل: ما فيها تجرى غل السئة عملة لا قولا؛ والدراسة أن يدرس من 
القرآن والحديث الأصول الاعتقادية» ومن السيرة النبوية الجوانب الأخلاقية والنفسية» ثم 
يرؤض نفسه بعد ذلك على الهدي المعتصر من تلك السيرة وثمن جرى على صراطها من 
السلف)7) 

وصرح بهذا وفي رسالة وجهها إلى الملك سعود يقول فيها: (حضرة صاحب الجلالة الملك 
سعود ملك المملكة العربية السعودية- الرياض.. يا صاحب الحلالة: ما زلنا نعتقد أن 
جلالتكم أعلم الناس بالحركتين الإصلاحية السلفية» والثقافية العلمية العربية بالجزائر» وأعلم 
الناس بآثارهما الطيبة في الأمّة الجزائرية» وإنكم أكبر أنصارهما والمقدّرين لثمراتهم| والعاملين 


)5 44 /7( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


)0( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (7/ )0 
3 


على تغذيتها والمرجوّين لاحتضاخب|..)() 

وق أوسالة وتجيها إل ليع عتند رن تاراهم آل التي جاه قبهال أدكركم الك 
بالجانب الغربي من وطن العروبة ومنابت الإسلام الأولى ومجرى سوابق المجاهدين الأولين 
خوانًا في العروبة وهي رحم قوية» وني الإسلام وهو سبب مرعيء وني ذلك المعنى الخاص 
من الإسلام وهو السلفية التي جاهدتم وجاهد أسلافكم الأبرار في سبيل تثبيتها في أرض الله 
وقد لقوا من عنت الاستعمار وجبروته ما أَهمّهم وأهمٌ كل مسلم حقيقي يعلم أن الإسلام رحم 
شابكة بين بنيه أين| كانواء وأن أقل واجباته النجدة في حينها والتناصر لوقته)() 

أبو يعلى الزواوي: 

وقد صرح بانتائه لهذا التوجه. وشهد له به» فمن تصريحاته قوله في مقاله الذي نشر في 
جريدة الشهاب: (...وساءني كثيرا إذ فشلت في سعي في الصلح والهدنة والاتفاق على قواعد 
نجري عليها نحن معشر السلفيين) ثم أمضى هذا المقال: (الزواوي السلفي إمام مسجد سيدي 


رمضان)”" 


ا 


وقال: (ثمٌ بقي أن أقول: أنه لا ينبغي بحال ونحن سلفيون إسلاميون شرعيون مقيدون 
بالقوانين الإلحية والدولية أن تكون أعمالنا من قبيل الرجم بالغيب أو التشفي والإنتقام من 
عسى أن يكونوا برءاء) 

وقال في رسالته إلى الكاتب السلاوي الفاسي: (لأننا سلفيون دعاة الإصلاح العام في الدّين 
وما ألصق به وفي الجنس وما هو فيه... ونخصٌ - نحن السلفيُّون- بشيء أدق مما يكون؛ وما 


هو هذا الثىء ؟ وهو التدقيق والتحقيق في الأقوال والأفعال» والحذر من الخطأ والخطل في 


)5١ /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)57١ /0( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


(0) أحجمد حماني» صراع بين السئة والبدعة اخ ا 


القول والعمل)(" 

وقال - مشيدا بطريقة السلف في العقيدة والتوحيد -: (إن خير طريقة في العقيدة التوحيدية 

يقة السلف التي هي اتباع ما ثبت عن الله وعن رسوله من غير كثرة التأويل والدخول في 
الأخذ والرد من الجدل في المتشابه وإيراد الشبه والرد عليها)(”) 

وقال متبرئا من غير المنهج السلفي: (أما أنا ومن على شاكلتي من إخواني الكثيرين فلا 
شريعة لنا ولا دين ولا ديوان إلا الكتاب والسنة وما عليه محمد وأصحابه وعقيدة السلف 
الصالح أي فلا اعتزال ولا ماتريدي ولا أشعري وذلك أن الأشاعرة تفرقوا واختلفوا أي 
المتقدمون منهم والمتأخرونء ووقعوا في ارتباك من التأويل والحيرة في مسائل يطول شرحها م 
تصف بعد فعلام؟ وقل آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر »كما قال تعالى: (قُلٍ 
لهنم ذَرْهُمْ في حََوْضِهمْ يَْعَبُونَ (النساء: 27)91) 

وعند ذكره لأسباب تفرق المسلمين ذكر البعد عن المنهج السلفيء فقال: (إن كثرة التفريق 
والاختلاف في التعاليم الدينية مزق الآمة كل ممزق» وهذا ما أدركه كل مسلم جاهلا كان أو 
عالماء فلزم إذن عدم التفريق وذلك إنا يكون بتوحيد التعاليم قدما وحديثا وهذا أمر صعب 
ولكن على غير العاملين بحديث النجاة وهو قوله 8# : (إلا واحدة وهي ما أنا عليه 
وأصحابي)!) فعلام نغفل هذا أو نتعامى ونعمل بائة مذهب وبألف ملة وطريقة)0*) 


.51//7 أحمد حماني» صراع بين السنّة والبدعة‎ )١( 

(؟) أبويعلى الزواويء الاسلام الصحيحء مطبعة المنار» مصرء سنة 1154ه (ص:5١)‏ 

(؟) أبويعلى الزواويء الإسلام الصحيح» ص44. 

(؟) الترمذيء السئنء تحقيق: بشار عواد معروفء دار الغرب الإسلامي - بيروت» ١998‏ م 4/ 77”. 


(5) أبويعلى الزواويء الإسلام الصحيح» ص7١١.‏ 
"> 


السلفي. 

العربي التبسبي: 

وقد صرح بتوجهه السلفي في مواضع كثيرة من مقالاته ورسائله وغيرهاء ومن ذلك قوله 
في رسالته (بدعة الطرائق في الإسلام): ( وبعون الله سأجعل كل حجّة من حجج الطرائق التي 
اشتهرت بهاء وذاعت بيننا منفردة ببحث وأقيسها بعصر السلف. فإن وُجد ها أصلٌ بينهم (أي 
السلف الصالح) قبلناها وعملنا مهاء وعززناها. ومالم نجد له أصلا في أيامهم» وعرف بينهم 
اعتقدنا أنه بدعة محدثة)() 

وقال: (ونحن نعرض عملهم هذا ونقيسه بالمهدي النبوي وعمل السلف. فذلك الدين» 
ومالم يعرف في تلك الأيّام بعموم أو خصوص فليس من الدين» فإنكاره قربة» والاعتراف به 
بدعة)() 

وقال في موضع آخر: (إن هذا الإرشاد الذي يجب القيام به تبليغا للدين نيابة عنه صل الله 
عليه وسلم, يجب أن يكون مستمدا من أصول التشريع الإسلاميء التي هي الكتاب الحكيم؛ 
والسيرة النبوية» والسنة المطهرة» وهدي السلف الصالح.» وفهوم أئمة الإسلام» الذين يحكمون 
أصول الدين في أقوالهم وآرائهم ويقولون كلهم راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر» إشارة 
لقبره صل الله عليه وسلم» ويقولون الدين حاكم في أقوال الرجالء وأقوالهم محكومة خاضعة 
لأدلة الدين. فعلى هذه الأصول التي هي مصدر التشريع الإسلامي ينبني الإرشاد الديني)” 

مبارك المبلي: 


وقد صرح بهذا التوجه وانتصر له في مواضع كثيرة» ومن ذلك قوله في مقال له بعنوان 


6 العربي التببى» بدعة الطرائق في الإسلام» دط» دت» ص4؟. 
6 العربي التبسبي» بدعة الطرائق في الإسلام» ص ٠‏ 2 


0 نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحمد عيساوي؛ ص 08 
0" 


(المصلحون والمرجفون): (من أين فهمتم إنكارنا الولاية الثابتة بالكتاب الذي دعوناكم ولا 
نزال ندعوكم إلى طرح ما يخالفه؟ وفي أيّ جملة رأيتم عدم الاعتراف بالكرامة» وهي عقيدة 
السلف ونحن سلفيّون نرجو أن نلقى الله كذلك)70) 

وقال في (رسالة الشرك ومظاهره): (فنحن بالعقيدة السّلفية قائلون» ولما مات عليه 
الأشعري موافقون)() 

الطيب العقبي: 

وسلفيته أشهر من أن يستدل لماء فقد قال عنه الشيخ أحمد حماني: (كان الشيخ العقبي في 
دروسه وخطبه ومقالاته ينهج نبج السلفيين في إحياء السنة وإماتة البدعة وا هجوم بشدّة على 
البدع والضلالات والأوهام والخرافات)7) 

وقال هو عن نفسه في في قصيدته (إلى الدّين الخالص)!) : 

أها السائل ‏ عن معتقدي 2 يبتخي مني ما يحوي الفؤاد 


إننى لشت ببدعى ولا خارجى دأبه طول العناد 


7 


إلى أن يقول: 
مذهبي 2 شرع النبى المصطفى واعتقادي سلفئٌ ذو سداد 


خطتى علم وفكر نظر ف شؤّون الكون ببحث واجتهاد 


وطريق الحق ‏ عندي واحد مشربي مشرب قرب لا ابتعاد 


)00 جريدة المنتقد» العدد 5 .١‏ 
6 رسالة الشرك ومظاهره.» ص”7. 
(؟) صراع بين السئة والبدعة ”/ 175. 


5( الطيب العقبى» قصيدة إلى الدين الخالص» د.ط.د.ءت» ص3. 
5 


ثالثا المدارس السلفية وموقف جمعية العلماء منها 

إن هذه التصريحات التي نقلناها - مع أهميتها - لا يمكن من خلالها وحدها أن نتعرف على 
التوجه الفكري لجمعية العلماء المسلمين» وذلك لسببين: 

الأول: أن اسم السلفية تتنازعه تيارات مختلفة» بل أحيانا متناقضة» حتى أن البعض يعتبر 
سلامة موسى سلفي("' على الرغم من توجهه التغريبي» وذلك لادعائه أن اللغة العربية عاجزة 
عن استيعاب الثقافة المعاصرة» وكأنها لا تستطيع أن تعبر إلا عن الواقع السلفي الذي ازدهرت 

بالإضافة إلى هذاء فقد ظهرت على الساحة الإسلامية الكثير من المناهج» والتي تعتبر نفسها 
جميعا مناهج سلفية على الرغم من التناقضات الكثيرة بينها. 

الثاني: وهو نتيجة لما قبله» وهو أن هناك خلافا شديدا بين الكتاب المعاصرين حول مدى 
سلفية الجمعية أو أعضائهاء فبين| نجد بعضها يحاول أن يثبت (سلفية ابن باديس) مثلاء مثل 
ما كتبه الحاج عيسى!"» أو أبو عبد المعز محمد علي فركوسء نجد في المقابل من يكتب الكتب 
والمقالات المطولة التي لا تمنحه هذه النسبة» ونفس الشيء يقال عن سائر أعضاء جمعية العلماء 
إلا من ندر منهم. 

وبناء على هذا نحاول في هذا المطلب أن نتعرف - أولا- على أنواع المدارس السلفية» ثم 
عن موقف جمعية العلماء المسلمين منهاء لنحدد من خلال ذلك الاتجاه الدقيق لجمعية العلماء. 

١‏ -المدارس السلفية وتنوعها: 


6 انظر: حموده سعيدي» المخطاب الإييستيمولوجي في الفكر الفلسفي العربي المعاصر : حدوده وآفاقه» أطروحة لنيل دكتوراه 
الدولة في الفلسفة» تخحصص : إيبستيمولوجياء إشراف : د. عبد الله شريط» السنة الجامعية : 7٠٠7-7٠٠7‏ ص١‏ 0.. 
6 كتب الحاج عيسى كتاب (الرد النفيس على الطاعن في العلامة ابن باديس) ناقش فيه ما ورد في كتاب (الرد الوافي على من زعم 


أن ابن باديمس سلفي) للمدعوة ام ايوب» حيث أخرجت الشيخ ابن باديس من السلفية بأدلة رد عليها الشيخ محمد حاج عيسى. 
31> 


بناء على ما ذكرنا سابقا من التنازع في التعامل مع مصطلح (السلفية)» فقد ظهرت مدارس 
كثيرة تحمل هذا الاسم وقد كان ولا زال الخلاف بينها شديدا إلى درجة التناقض. 

وقد كتب محمد عمارة في هذا كتابا بعنوان (السلفية.. واحدة؟.. أم سلفيات؟) تناول فيه 
قضية التنوع والتناقض بين المدارس السلفية على الساحة السياسية والإعلامية في العام 
الإسلامي» بل على مستوى العالم ككل7". 

وقد خلص في نتيجة بحثه إلى أن السلفية (قد توزعتها العديد من التوجهاتء. فطرأ عليها 
الكثير من الانشقاقات فمنها ما يسمى بالسلفية العلمية التي تحاول استلهام المشروع 
التجديدي لابن تيمية.. ومنها السلفية الجهادية التي سلكت طريق العنف والتغيير.. ومن هذه 
السلفية المعاصرة فصيل بلغ في الغلو والجمود حدوداً فاقت الخيال حتى لقد كتب بعضهم في 
تفكير آئمة السلفية مثل ابن القيم الذي قالوا عنه : (إنه زائغ مبتدع كذاب وقح بليد غبي جاهل 
ضال مضل خارجي ملعون كافر)» وقال أحد كتاب هذه السلفية الظلامية عن ابن تيمية: (إنه 
لا تؤخذ منه أحكام الولاء والبراء ولقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرجل المسكين)!) 

وفي موضع آخر عبر عن النتيجة التي يدل عليها الواقع الدعوي والسياسي المعاصرء فقال: 
(وهكذا نجد أنفسنا تاريخياً وحديثاً أمام عدد من السلفيات» وليس أمام سلفية واحدة ىا 
يحسب كثير من السلفيين ومن خصوم السلفيين)” 

وكمثال على هذا التنوع» نحب أن نذكر دراسة مهمة عن الحركة السلفية في مصر وتنوعهاء 
وهي دراسة ميدانية صنفت الحركات السلفية المصرية إلى أربع سلفيات: السلفية التقليدية» 
)١(‏ صدر الكتاب ضمن ساسلة (في التنوير الإسلامي)» من أربعة مباحث رئيسية» تناول الأول منها تحرير للمفاهيم والمصطلحات 
المحددة كمحور للدراسة:» بين| تناول الثاني تاريخ ظهور المصطلح منذ أيام الدولة العباسية» أما المبحث الثالث فقد تناول تطور 
السلفية طيلة القرون الماضية؛ بينا تناول المبحث الرابع السلفية في العصر الحديث. 


(؟) محمد عمارة» السلفية.. واحدة؟.. أم سلفيات؟ نبضة مصرء القاهرة» 7٠١8‏ , ص 5. 


(”) محمد عمارة» السلفية.. واحدة؟.. أم سلفيات؟ ص/ل. 


والسلفية العلمية» والسلفية ا حركية» السلفية الحديثية ( أهل الحديث )7) 

فالسلفية التقليدية: ودف - بحسب دعاتها - إلى تنقية الدين ما يرونه من البدع خاصة 
المرتبطة بالتصوف والأضرحة» وكذلك منع المسلمين من الإفتتان بالحضارة الغربية ومرتكزاتها 
الفكرية المخالفة للإسلام.. ووسيلة التغيير عندهم تنحصر في الدعوة عبر خطب الجمعة 
والدروس الدينية في المساجد بالإضافة إلى الدعوة الفردية. 

السلفية العلمية: وهي السلفية التي تعتمد مهج الشيخ محمد ناصر الدين الألبان» 
وتتلخص رؤيتها في أن ما لحق بالمسلمين من تدهور حضاري سببه الأحاديث الضعيفة 
والموضوعة والإسرائيليات والآراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح وبالتالي فالتغيير 
الإسلامي لابد من أن يمر بالمراحل التالية: 

أولا- التصفية: وهي أن يقوم علماء المسلمين بتنقية الكتب الشرعية كلها من الأحاديث 
الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح. 

ثانيا- التربية: حيث يتم دعوة وتربية أغلبية المسلمين على هذه الكتب الصافية من أي 
أخطاء. 

الثا- المفاصلة: حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون ب أنزل الله 
ويعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل وينذرون الحكام واعوانهم بالرجوع عن باطلهم وإلا 
سيواجهون جهادا إسلاميا من أهل الحق ويطالب كل المسلمين بتحديد موقفهم بشكل واضح 
إما مع أهل الحق وإما مع أهل الحكم وهنا حكمهم هو حكم أهل الباطل. 

رابعا- الجهاد: وهو في حالة ما إذا رفض الحكام الإلتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق 


فحينئذ يجاهدهم أهل الحق لأن الصفوف في هذه الحالة ستكون قد تمايزت فصار بعض الشعب 


)١(‏ انظر: موقع التغيير على هذا الرابط: /160://3001031117'.6198501.6010» ولم أجد هذه الدراسة منشورة. 
5 


مع الحق وبعضه مع الباطل وهنا سيكون الفريقان المتصارعان واضحين لا بس فيهم| فلا يقع 
ضحايا لا علاقة لهم بالصراع بل يكون أى إنسان إما مع هذا الفريق أو ذاك. 

السلفية الحركية: وقد نشأت في نفس الوقت الذي نشأت فيه السلفية العلمية (متتصف 
السبعينات من القرن العشرين الميلادي) بقيادة عدد من الدعاة الشباب حينذاك» ولم يختلف 
هذا الرافد السلفي عن السلفية العلمية إلا في شيء واحد وهو الاعلان عن كفر الحاكم الذي 
لايحكم بالشريعة الاسلامية باسمه أيا كان اسمه. 

سلفية أهل الحديث: وقد ظهر هذا الاتجاه - وإن كان في أصله تابع للسلفية العلمية - في 
أوائل الثمانيناتا فانجرف بعض السلفيين نحو دراسة المصطلح وعلم العلل ومعرفة الصحيح 
من الضعيف | بالاضافة لإلقاء الخطب والدروس الوعظية والعلمية للعامة وللخاصة ومن 
هؤلاء أبو إسحاق الحويني أ ومصطفى العدوي | وأسامة القوصي | ومحمد سعيد رسلان 
وغيرهم. 

هذا نموذج عن استعداد المدارس السلفية للخلاف» وقد عقب كاتب الدراسة على كلامه 
هذا بقوله عند ذكر بعض التيارات السلفية: (هذا الكلام قبل أحداث ثورة ١5‏ يناي رأولنا كتاب 
( الدولة السلفية ) نبين فيه التتعحولات السياسية والفكرية عند هذا الفصيل السلفي) 

ولعل السر في هذا الاختلاف والاستعداد له هو تنوع السلف أنفسهم, فالسلف ليسوا فردا 
واحداء ولا فكرا واحداء ولا منهجا واحداء ولذلك ما أسهل أن يجد كل من يريد أن يصف 
نفسه بالسلفي من السلف من يؤيده في دعواه. 

ولكنا مع هذا رأيناء ومن خلال تتبع الفروق الكبرى بين المدارس السلفية القديمة 
والمعاصرة أن هناك تياران كبيران» يجتمعان في لقب السلف. ويختلفان بعد ذلك اختلافات 
شديدة يصعب معها اجتماعهم لأنها تصل إلى حد التناقضء وقد عبرنا عنهما ب (السلفية 
المحافظة)» و(السلفية التنويرية) 


تدرا 


وقد رأينا أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد ذكرته| واستفادت من كليهماء وإن كانت 
أكثر ميلا من السلفية الثانية منها إلى السلفية الأولى. 

١‏ - موقف جمعية العلماء من المدارس السلفية: 

من خلال أدلة كثيرة سيتم استعراضها رأينا أنه يمكن تحديد التوجه الفكري لأعضاء جمعية 
العلماء المسلمين الجزائريين ضمن صنفين من التوجهات كلاهما يطلق عليه - اصطلاحا- 
(سلفية)» وهما (السلفية التنويرية)» و(السلفية المحافظة)» فبعض أعضاء الجمعية» وخصوصا 
ابن باديس كان أميل إلى السلفية التنويرية منه إلى السلفية المحافظة» وفي المقابل نجد الطيب 
العقبي أكثر ميلا إلى السلفية المحافظة منه إلى السلفية التنويرية» ولعل هذا من الأسباب التي 
عجلت بالخلاف بين الرجلين الكبيرين المؤسسين للجمعية. 

وذلك لأن الخلاف بين كلتا السلفيتين خلاف حاد. رغم بعض النقاط المشتركة بينهماء 
ويدل على ذلك أن السلفية المحافظة وإلى الآن تعتبر محمد عبده ممثل السلفية التنويرية مبتدعا 
ضالاء إلى غيرها من المواصفات التي تصفه بها. 

ومثل ذلك نجد محمد عمارة الذي يصرح بأنه امتداد للسلفية التنويرية ينتقد التيار السلفي 
المحافظ انتقادا حادا إلى درجة اعتباره خطرا على الإسلام0". 

ولكنا مع ذلك يمكننا - بشيء من التحفظ - أن نذكر بأن جمعية العلماء - وخصوصا في 
موقفها من الطرق الصوفية - حاولت أن تمزج بين كلتا السلفيتين» فهي ترد على التخلف 
الطرقي والخرافة الطرقية باعتبارها سلفية تنويرية» وترد على تفاصيل المارسات الطرقية بالأدلة 
التي تراها باعتبارها سلفية محافظة» ولهذا نراها تستعير من رسائل الوهابية وكتبها ما تدعم به 
مقولاتها. 
الع نلك با و ا مثلا: (نحن في مواجهة خطر السلفية النصوصية) (المعتزلة.. ص(0) وانظر 


كتبه: (نظرة جديدة..) ص (1)» و(الإسلام والمستقبل)» ص (59؟). 
00 


ومع ذلك. فإن هذا لا يعني أن جمعية العللاء تقمصت كلتا المدرستين تقمصا كلياء أو أنها 
تلقت تعاليمها منهم| فقط» وإن| هناك اتفاق كبير بينها وبين كلتا المدرستين» ويوضح هذا أن 
ابن باديس يخبر عن نفسه أنه اتهم بالعبدوية!"'» | اتبم بعد ذلك بالوهابية من غير أن يكون له 
اطلاع كبير على مؤلفات كليهماء يقول في ذلك في مقال تحت عنوان (عبداويونء ثم وهابيون» 
ثم ماذا؟): (لما قفلنا من الحجاز وحللنا بقسنطينة عام ١977‏ مء وعزمنا على القيام بالتدريس 
أدخلنا في برنامج دروسنا تعليم اللغة وأدبهاء والتفسيرء والحديث. والأصولء ومبادئ 
التاريخ» ومبادئ الجغرافية» ومبادئ الحسابء. وغير هذا.. ونحبب الناس في فهم القرآن» 
وندعو الطلبة إلى الفكر والنظر في الفروع الفقهية» والعمل على ربطها بأدلتها الشرعية» 
ونرغبهم في مطالعة كتب الأقدمين ومؤلفات المعاصرين: لما قمنا مبذا وأعلناه قامت علينا وعلى 
من وافقنا قيامة أهل الجمود والركود». وصاروا يدعوننا - للتنفير والحط منا (عبداويين) دون 
أن أكون - والله - يوم جئت قسنطينة قرأت كتب الشيخ محمد عبده إلا القليل» فلم نلتفت إلى 
قولحم ولم نكترث لإنكارهم, على كثرة سوادهم؛ وشدة مكرهمء ومضينا على ما رسمنا من 
خطة» وصمدنا إلى ما قصدنا من غاية» وقضيناها عشر سنوات في الدرس لتكوين نشئ علمي 
لم نخلط به غيره من عمل آخر.. وكانت هذه المرة غضبة الباطل أشدء ونطاق فتنته أوسع. 
وسواد أتباعه أكثر» وتمالاً علينا دعاة الجمود والبدعة» وعليهها بنيت صروح من الجاه» ومنها 
جرت أنهارالمال» وأصبحت الجاع الداعية إلى الله بدعون من الداعين إلى أنفسهم (الوهابيين) 
ووالله ما كنت أملك يومتذ كتابا لابن عبد الوهاب» ولا أعرف من ترحمة حياته إلا القليل» 
ووالله إنم| هي أفيكات قوم مهرفون با لا يعرفون» ويحاولون من إطفاء نور الله مالا يستطيعون. 


وسنعرض عنهم اليوم» وهم يدعوننا وهابيين» كا أعرضنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا 


)١(‏ وهي إشارة إلى محمد عبده. 
53 


عبدواويين ولنا أسوة بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين)1" 

ونفس المقولة رددها الشيخ البشير الإبراهيمي» فقد قال: (ويقولون عنا إننا وهابيون» كلمة 
كثر تردادها في هذه الأيام الأخيرة حتى أنست ما قبلها من كلمات : عبداويين» وإياضيين 
وخوارج...فنحن بحمد الله ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحق)”") 

المطلب الثاني: السلفية المحافظة وعلاقة جمعية العلماء بها 

يطلق الكثير لقب (الوهابية) على هذا النوع من السلفية» باعتبار أن المؤسس الأكبر لهذا 
التيار هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب» وهو لقب اختلف السلفيون المحافظون في قبوله وعدم 
قبوله(» ولذلك آثرنا بدل تلقيبهم به تلقيبهم بالمحافظين» وذلك لأنهم يتبنون المنهج المحافظ 
التقليدي الذي يرفض الكثير من الأدواب والأساليب المعاصرة. 


وقد عرفهم أمير البيان شكيب أرسلانء فقال: (لا ينكر أن الوهابية هي نبضة في الإسلام 


.7/8 7/7 آثارابن باديس:‎ )١( 
.1171" / آثار الابراهيمي:‎ (0 
(؟) الكثير من خصوم هذا النوع من المدارس السلفية أطلقوا لقب (الوهابية) عليهاء لكن بعضهم يتحاشى من هذا اللقب. (انظر‎ 
تعقيب الشيخ صالح الفوزان على كتاب (محمد بن عبد الوهاب) لعبد الكريم الخطيب (مجلة كلية أصول الدين) ع١ ص58)»‎ : 
حيث خطأ الفوزان إطلاق اسم الوهابية على دعوة الشيخ من ناحية اللفظ ومن ناحية المعنى» وانظر :ما كتبه الشيخ عبد الله الجبرين‎ 
حول هذا الإطلاق في مجلة البحوث الإسلامية ع9» ص75١). ولكن فيم| بعد نجد أنصار هذا التيار وعلماءه لا يتتحاشون استعمال‎ 
كلمة (الوهابية) (انظر : رسالة (الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية) لابن سحان, و(أثر الدعوة الوهابية) لمحمد حامد الفقي»‎ 
و(الوهابيون والحجاز) لمحمد رشيد رضا و(الثورية الوهابية والفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم) للقصيمي و(حقيقة المذهب‎ 
الوهابي) لسليمان الدخيل.‎ 
(وعلى كل حال فنظرا إلى تلك المحاولات التي‎ : )١15 يقول مسعود الندوي في كتابه (محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم: ص‎ 
بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة هذا الاسم منتقد أشد الانتقاد ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة‎ 
والافتراء فلا أرى حرجاً في هذه التسمية) (نقلا عن: الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف. دعاوى المناوتين لدعوة‎ 
)97 الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقضء طبعة الدرر السنية» ص‎ 
وقد كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تطلق على هذا النوع من السلفية لقب (الوهابية) كما سنرى.‎ 

ه 


عظيمة ممتدة في أكثر بلاد العرب وني الهند» والقائمون بها أولو تعصب شديدء وربما أفرطوا في 
مبادئهم وغلوا في عقائدهم شأن جميع المذاهب التي لا يقف أتباعها عند الحد الذي وضعه 
أصحابهاء ولكن المقرر أنها حركة إنابة إلى العقيدة الحق وهدي السلف الصالح واقتفاء أثر 
الرسول يَدد والصحابة ونبذ الخرافات والبدع» وحظر الاستغاثة بغير الله ومنع التمسح بالقبور 
والتعبد عند مقامات الأولياء ولذلك يسمونها عقيدة السلف ويلقب الوهابيون أنفسهم 
سفليين)(0 

بناء على هذاء سنحاول في هذا المطلب أن نبحث في ناحيتين ربا تكونان دليلين كافيين 
لإثبات مدى صلة الجمعية بهذا التيار السلفي: 

أما أولاهماء فهي إثبات مدى العلاقة التي تربط أعضاء الجمعية بهاء من خلال تصريحاتهم» 
أو غيرها. 

وأما الثانية» فهي إثبات مدى الاتفاق في المبادئ بين الجمعية وبين هذا التيار السلفي. 

ونحسب أن الثانية كافية في الدلالة لأن المبادئ هي الأساس في الاتفاق أو الاختلاف» 
ولكنا أحبينا أن نضم إليها الأولل» حتى نعرف أنواع المصادر التي كانت تعتمد عليها الجمعية 
في تعاملاتها مع المخالفين» وخصوصا أصحاب الطرق الصوفية. 

أولا ‏ علاقة جمعية العلماء بالسلفية المحافظة: 

بها أن مصطلح السلفية منذ فترة طويلة صار لا يطلق إلا على هذا التوجه المحافظ» فإنا نرى 
الكثير من الباحثين وغيرهم حملوا النصوص التي عبر فيها أعضاء الجمعية عن توجههم 
السلفي على هذا النوع من التوجه حتى أن هناك من ألف الكتب والرسائل للدلالة على هذاء 
كرسالة الدكتور عبد الحليم عويس المعنونة ب (أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في الفكر 


6 لوثروب ستوداردء حاضر العالم الإسلامي» ترجمة» تحقيق: شكيب أرسلانء دار الفكر العربي» الحاشية رقم .:356/١ )١(‏ 
775" 


الإسلامي الإصلاحي بالجزائر)» والتي ذكر فيها أن أول من حمل راية الدعوة السلفية هو 
المؤرخ الجزائري (أبو راس الناصري) الذي اجتمع بتلاميذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب في 
الحج وذاكرهم في أمور إلى أن انتهى به الأمر بالاقتناع أوكان ذلك بحضور وفد حجيج كان 
يرأسه ولي عهد المغرب آنذاك0". 

ومنها كتاب الدكتور تركي رابح (الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد بن عبد 
الوهاب في طريق الإصلاح والسلفية - دراسة مقارنة)”") 

ومنها رسالة الباحث محمد حاج عيسى الجزائري (أصول الدعوة السلفية من كلام ابن عبد 
الوهاب وابن باديس)1") 

ومن الأدلة التي يستدل بها هؤلاء على هذا هو أن أعداء الجمعية كانوا يرمون الجمعية بهذه 
التهمة» حتى أن الأمر وصل بهم إلى تحريض إدارة الاحتلال الفرنسي على الجمعية مدعين 
عليهم مبذه التهمة» فكان أن أصدر الكاتب العام للشؤون الأهلية والشرطة العامة (ميشال) 
قراره المشهور بتاريخ ( 15 فبراير 1918 م)» وبما جاء فيه: (أنبي إِلّ من مصادر متعددة أن 
الأهالي دخلت عليهم الحيرة والتشويش بسبب دعاية تنشر في أوساطهم يقوم بها إما دعاة 
استمدوا فكرتهم من الحركة الوهابية السائدة بمكة» وإما حجاج جزائريون تمكنت فيهم عاطفة 
التعصب الإسلامي.. وإما جمعيات كجمعية العلماء المؤسسة بالجزائر بقصد افتتاح مدارس 
عربية حرة لتعليم القرآن والعربية.. إن المقصد العام من هذه الدعاية هو نشر التعاليم 
والأصول الوهابية بين الأوساط الجزائرية بدعوى الرجوع بهم إلى أصول الدين الصحيح 


١7٠5 دار الصحوة|‎ ١ عبد الحليم عويس أ أثر الإمام محمد بن عبدالوهاب في الفكر الإسلامي الإصلاحي بالجزائرأ مصرأ|‎ )١( 
. 1١ هجري أص‎ 
.5 57 (؟) عده ضمن ما طبع له في كتابه (الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح الإسلامي والتربية في الجزائر)؛ طه» ص‎ 
.717 أشار إليها في رسالته (عقيدة العلامة عبد الحميد بن باديس السلفية وبيان موقفه من الأشعرية)» ص‎ )*( 

0 


وتطهير الإسلام من الخرافات القديمة التي يستغلها أصحاب الطرق وأتباعهم» ولكن لا يبعد 
أن يكون في نفس الأمر وراء هذه الدعاية مقصد سياسي يرمي إلى المس بالنفوذ الفرنسوي.. لا 
يخفى أن أكثر رؤساء الزوايا وكثيرا من المرابطين المعظَّمِين في نفوس الأهالي اطمأنت قلويهم 
للسيادة الفرنسوية» وبمقتضاه صاروا يطلبون الاعتماد على حكومتنا لمقاومة الأخطار التي 
أمست تهددهم من جراء تلك الجمعية التي لا يزال أنصارها يتكاثرون يوما فيوما بفضل دعاية 
متواصلة الجهود. ماهرة الأساليبء وعلى اللأخص فيا بين الناشئة المتعلمة بالمدارس القرآنية) 
00( 

إلى أن قال: (وعليه فإني أعهد إليكم أن تراقبوا بكامل الاهتمام ما يروج في الاجتماعات 
والمسامرات الواقعة باسم الجمعية التي يترأسها السيد ابن باديس» ولسانها الرسمي في الجزائر 
العاصمة الشيخ الطيب العقبي» كما يجب أن تشمل مراقبتكم المكاتب القرآنية المقصود استبدال 
الطلبة القائمين مها بطلبة اعتنقوا الفكرة الوهابية)() 

ومن الأدلة التي يبستدلون بها كذلك بعض التصريحات من أعضاء الجمعية الكبار» ومنها 
خصوصا ما كتبه الشيخ عبد الحميد بن باديس من مقالات يعرف فيها بالدعوة الوهابية 
وبشيخها وقائدها الأول ابن عبد الوهابء والتي كانت تحت عنوان ( من هم الوهابيون ؟ ما 
هي حكومتهم ؟ ما هي غايتهم السياسية ؟ ما هو مذهبهم ؟ 0(" والتي كتبها في وقت اشتدت 
فيه الحجمة من طرف العلماء» وخصوصا علماء الطرق الصوفية ضدها. 

فقد أرجع هجمتهم عليها إلى أسباب سياسية» وهي بالتالي تفتقر إلى المصداقية العلمية» 


يقول في ذلك: ( وصار من يريد معرفتهم لا يجد لما موردا إلا كتب خصومهم الذين ما كتب 


.4 ه / 7 أوت 19175 م ص‎ ١14 جمادى الأولى‎ ١9 ١ جريدة البصائر العدد‎ )١( 
.4 أوت 19175 م ص‎  / ه‎ ١14 جمادى الأولى‎ ١9 ١ جريدة البصائر» العدد‎ )( 


فيه نشرها في جريدة النجاح (الأعداد ١1/9‏ و0٠18و١61‏ 2 أكتوبر / نوفمبر ١975‏ م» انظر: "آثاره (ه/ 07 
50 


أكثرهم إلا تحت تأثير السياسة التركية التي كانت تخشى من نجاح الوهابيين نمضة العرب كافة 
وأقلهم من كتب عن حسن قصد من غير استقلال في الفهم ولا تثبت في النقل فلم تسلم كتابته 
في الغالب من الخطأ والتحريف.. وأنّى تُعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك؛ أم كيف 
تُؤخذ حقيقة قوم من كتب خصومهم؛ ولا سيم إذا كانوا مثل الصنفين المذكورين؟)7" 

لكنه في موضع آخر يشرح مذهبها مصورا له بنفس صورة المنهج الذي تبنته جمعية العلماء» 
وكأنه يريد من خلال ذلك أن يقرب هذه الحركة للمجتمع الجزائري الذي كان شديد النفور 
عنها بحكم مصادمتها للإسلام التقليدي الذي ألفه. فهو يقول مثلا: ( قام الشيخ محمد بن عبد 
الوهاب بدعوة دينية» فتبعه عليها قوم فلقبوا ب : (الوهابيين) لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه 
؛ فإن أتباع النجديين كانوا قلبه ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليين ؛ يدرسون الفقه في كتب 
الحنابلة» ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد؛ فإن أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنيين 
سلفيين ؛ أهل إثبات وتنزيه» يؤمنون بالقدر ويثبتون الكسب والاختيار» ويصدقون بالرؤية 
ويثبتون الشفاعة» ويرضون عن جميع السلف. ولا يكفرون بالكبيرة» ويثبتون الكرامة.. وإن| 
كانت غاية دعوة ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع, في 
الأقوال والأعمال والعقائد» والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم بعد 
انحرافهم الكثير» وزيغهم المبين.. لم تكن هاته الغاية التي رمى إليها بالقريبة المنال ولا السهلة 
السبل» فإن البدع والمخرافات باضت وفرخت في العقولء وانتشرت في سائر الطوائف وجميع 
الطبقات على تعاقب الأجيال في العصور الطوال؛ يشب عليها الصغير» ويشيب عليها الكبير» 
أقام لها إبليس من جنده من الجن والإنس أعوانا وأنصاراء وحراسا كبارا من زنادقة منافقين» 


ومعمّمين جامدين محرفين» ومتصوفة جاهلين» وخطباء وضاعين.. فه| كانت - وهذا الرسوخ 


)١(‏ آثارابن باديس:77/0. 
كن 


رسوخهاء وهذه المنعة منعتها - لتقوى على فعلها طاتفة واحدة ك (الوهابيين) في مدة قليلة» 
ولو عدت ها نادي مد العناقه واركيية جنا اط مف دسق القنرة) ا 

إلى أن قال : ( إن الغاية التي رمى إليها ابن عبد الوهاب» وسعى إليها أتباعه. هي التي لا 
زال يسعى إليها الأئمة المجددونء والعلماء المصلحون في جميع الأزمان ) 

فثناء ابن باديس على الوهابية مهذاء خاصة في ظل الانتقادات الكثيرة التي كانت توجه لهم 
جعل المنتصرون لهذه النسبة يجعلون هذا من أدلة كونه من هذه المدرسة» خاصة اعتبارهم أنهم 
(أهل إثبات وتنزيه)» و(سنيون سلفيون) فقد كان الفقهاء والعلاء وخاصة من مدارس 
المتكلمين يرمون الوهابية بأهم (مجسمة ومشبهة وحشوية)7" 

وقال في موضع آخر يرد على أحد خصوم الوهابية: (ثم يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب 
الوهابيء أَمَتعُدٌ الدعوة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة» وطرح البدع والضلالات 
واجتناب المرديات والمهلكات نشرا للوهابية» أم أن نشر العلم والتهذيب وحرية الضمير 
وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح نشر للوهابية؟ إذا فالعالم المتمدن كله 
وهابي! فآئمة الإسلام كلهم وهابيون ! ما ضرنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمة الإسلام)7) 


ومنها انتصار الشيخ عبد الحميد بن باديس لدعوة السلطان المغربي محمد بن عبد الله وابنه 


.) 38-987 /65( آثارابن باديس:‎ )١( 

(؟) ومن ذلك قول أب الفداء إساعيل التميمي المغربي في كتابه المسمى (المنح الإلمية في طمس الضلالة الوهابية): (ويحكي عنهم - 
أي الوهابية - أغهم اتبعوه - أي ابن تيمية - في القول بالتجسيم؛ وحملوا على ذلك ظواهر القرآن الكريم تعالى الله عم| يقولون علواً 
كبيراً.. وكانوا أجدر باللحوق بأهل الأصنام لأنهم إذا اعتقدوا أن معبودهم جسم لم يعبدوا الله ولا عرفوا منه إلا الاسم..) ((المنح 
الإلهية في طمس الضلالة الوهابية) الكويت؛ ص 4). (نقلا عن: الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف. دعاوى المناوئين 
لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض. ص5 )١5‏ 


(؟) آثار ابن باديس: (60/ 1/7-74857). 


سليمان!» وهو من أنصار الوهابية الكبار في المغرب الأقصىء فقد نشر الشيخ عبد الحميد بن 
باديس خطبة للسلطان السلفي سليان المذكورء وقدم لما مقدمة ضمنها تزكية هذا السلطان 
وطلب من خطباء الجزائر أن يخطبوا مهاء وعنونها بقوله (لا تخلوا الأرض من قائم لله بالحجة)» 
ثم قال: (من المعلوم عند أهل العلم أن تما حفظ الله به دينه وأبقى به حجته؛ أن لا تنقطع الدعوة 
إلى الله في هذه الأمة والقيام على الحق والإعلان بالسئن» والرد على المنحرفين والمتغالين 
والزائغين والمبتدعين» وأن أهل هذه الطائفة معروفة مواقفهم في كل جيلء محفوظ آثارهم عند 
العلماء» غير أن غلبة الجهل وكثرة أهل الضلال قد تحول دون بلوغ صوتهم إلى جميع الناس» 
فترى أنصار الباطل كلم| ظهر داع من دعاة الحق في ناحية اعترضوه بسكوت من سكت من 
قبله؛ وأوهموا أتباعهم المغرورين بهم أن هذا الداعي جاء بدين جديد» فيكون من أعظم ما يرد 
به عليهم ويبصر أولئك المغترين مهم نشر ما تقدم من كلام دعاة الحق وأنصار ال هدى في سالف 


١9/7 يقول الدكتور محمد عابد الجابري في مقال : الأصالة والتحديث في المغرب ( نشر في مجلة الثقافة عدد 1/1 / سبتمبر أكتوبر‎ )١( 
ص 30-54): (هكذا أصبحت الوهابية أساسا لإيديولوجيا الإصلاح في المغرب في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف‎ 
الأول من القرن التاسع عشرء لقد ظهرت الملامح الأولى للوهابية في المغرب في الاتجاه الديني السلفي الذي عرف به السلطان محمد‎ 
بن عبد الله (17240-117/01) الذي كان ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية‎ 
...وكان يحض الناس على مذهب السلف من الاكتفاء بالاعتقاد الملأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل» وكان يقول عن نفسه‎ 
أنه مالكي مذهبا حنبلي اعتقادا. ومن أعماله في هذا الاتجاه هدمه لزاوية أبي الجعد وتشريده لأهلها ونقله لشيخها منفيا إلى مراكش»‎ 
وإصداره لمنشور يحدد المواد التي يجب الاقتصار على تدريسها في المساجد؛ القرويين وغيرهاء والمراجع التي يجب اعتمادها دون غيرها‎ 
في الفقه والنحو والأدب والسيرة والحديث والتفسير» وقد ورد في خحتام هذا المنشور مايلي: من أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق‎ 
وعلوم الفلسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لا يدرون أنهم لا يدرون» ومن تعاطى‎ 
ما ذكرناه في المساجد ونالته العقوبة فلا يلومن إلا نفسه ... وسواء كان السلطان محمد بن عبد الله متأثرا في آرائه ومواقفه تلك‎ 
بالدعوة الوهابية التي كان الحجاج المغاربة ومنهم الفقهاء ينقلون أخبارها ومضامينها إلى المغرب | يؤكد ذلك جوليان أو أن ذلك‎ 
كان من اجتهاده الخاص كما يميل إلى القول به بعض كتاب التاريخ الوطني في المغربء فإن الإجماع حاصل على أن الوهابية كانت‎ 
وقد خلف أنخاه اليزيد (17475-11/9) الذي‎ ,»)1877-1١1/947( بصورة علنية إيديولوجية الدولة في عهد ابنه السلطان سليمان‎ 


رحب رسميا بالوهابية وطبق تعاليمها وراسل القائم بها في الحجاز آنذاك الأمير عبد الله بن سعود ) 
١‏ 


الزمان» ولهذا ننشر فيا يل خطبة جليلة لمولانا السلطان سليان ابن سيدي محمد بن عبد الله» 
أحد مفاخر ملوك المسلمين في القرن الثاني عشر في القطر الشقيق المغرب الأقصىء وقد كان 
هذا الإمام عاملا بعلمه آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا للسنة محاربا للبدعة» معلما للأمة 
ما علمه الله» منفذا فيها لأحكام الله» وقد نشر هذه الخطبة في رسالة خاصة إخواننا المصلحون 
في المغرب ورجوا من المخطباء أن يخطبوا مها كما كان أمر صاحبها رحمه الله تعالى أن يخطب مها في 
زمانه» فنقلناها من تلك الرسالة ونحن نرجو من خطباء الجزائر أن يخطبوا مها على الناس إن 
كانوا لهم ناصحين)(") 

ومن الآدلة كذلك الثناء الكثير الذي كان يبديه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي كل حين 
للوهابيين والدعوة الوهابية» ومن ذلك قوله ردا على أعداء الوهابية: (ولا دافع لهم إلى الحشد 
إلا أنهم موتورون لهذه الوهابية التي هدمت أنصابهم ومحت بدعهم فيه وقع تحت سلطانها من 
أرض الله وقد ضج مبتدعة الحجاز فضج هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة)(") 

ثم بين أن دعوتهم ودعوة الوهابيين دعوةٌ واحدة» فقال : (ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة» 
ونحن نعمل في طريق الإصلاح الأقلام وهم يعملون فيها الأقدام» وهم يعملون في الأضرحة 


المعاول ونحن نعمل في بانيها المقاول)7) 
بل إن الإبراهيمي كتب في الوهابية والوهابيين أرجوزتين في غاية القوة والجمالء أما الأولى» 
فبعثها لبعض علماء نجدء. قال فيها): 


3 


إن" ]ذه ١ل‏ تيل معنا" ٠‏ بوقريفة كدي , ارارق “خنبنا 


.1780 آثار ابن باديس:"/‎ )١( 

(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 177) 
(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي )١715 /١(‏ 
(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (5/ )١757‏ 


والضيع.. “عق “ميان حفن كفا .نودي الرابحيه. القدينا 


0 2 ع 


موطدا على التقى2 موؤْسّسا ‏ في شيخةٍ حديثهم يجلو الأسى 


ومما جاء فيها قوله!": 


مورشم ا اركن نا لقي وم < زونك اإكازط. األذ:. “ديكا 
والقزةة ق» كل ٠البلة-‏ عدننا. ١خذلان.‏ يلق. “كد 'مدرسا 
إلى آخر الأرجوزة الممتلئة بالثناء على الوهابية والوهابيين7" أما الثانية» فتوجه إلى بععض 


علماء نجد0"), ومما جاء فيها قوله: 


قوت كوم ف زا النقاظة بوالا كان معريقت ...طون “المت 


وكنت تَجْدِنَ الحوى من الصغرٌ ‏ أهيمٌ في بَذْر الدّجى إذا سَمَرْ 


وَمَذهبِي لحب عَلٌ وَعمّر ‏ والخلفاع الصّالحين في الزمر 


)١71/ /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
انظر الأرجوزة كاملة - مع شرح غريبها - في آثار الإبراهيمي: (5/ 55 -0خ*ا)‎ 6 
.)175-171 / 5( (؟) آثار الإبراهيمي:‎ 

رذ 


هذا وَلا أَخْصُرُهُمْ في اثني عَشَر ‏ لا ولا أَرْمَعْهِمْ فول «الدية 


ومن ذلك ما كتبه الشيخ أبو يعلى الزواوي في مقال بعنوان (الوهابيون سنيون» وليسوا 
بمعتزلة كى) يقولون هنا عندنا بالجزائر)(" جاء فيه: ( لما ستلت عن هذه الكلمة (الوهابية)» 
وعن عقيدة الإخوان النجديين» وسمعت أذناي من سألوني ومن غيرهم قوهم : إن الوهابيين 
معتزلة» وإن الحجاج منقبضون بسبب هذه الكلمة - الوهابية أو المعتزلة - المخالفة على زعمهم 
؛ أجبت بالاختصار أن الإخوان الوهابيين حنابلة يتعبدون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل 
الذي هو أحد المذاهب الأربعة المشهورة). 

إلى أن قال: ( إن ابن عبد الوهاب حنبلي» وإنما هو عالم إصلاحي وأتباعه - السلطان ابن 
السعود ورعيته وإمارته النجدية - إصلاحيون سلفيون سنيون حقيقيون على مذهب أحمد 
الإمام» وعلى طريقة الإمام تقي الدين ابن تيمية في الإصلاح والعناية التامة بالسنة)!". 

ومن ذلك ما كتبه الأستاذ محمد السعيد الزاهريء فقد قام بنشر مقال لوزير المعارف 
با مغرب الأقصى محمد الحجوي تحت عنوان (الوهابيون سنيون حنابلة)7" قال في التقديم له ما 
نصه : ( كتب معالي الأستاذ الحجوي فصلا قيّا عن الوهابية والوهابيون أردنا أن تتحف به 
قراءنا ليطلعوا على ما يقول العلماء الأعلام في الوهابية» وعلى ما يتمنون لها من سعة الانتشار» 
ونحن ننشر هذا الفصل كرد على لغط هؤلاء المشاغبين المغرضين الذين لا يزالون يرموننا بأننا 
وهابية» ويرمون الوهابية بالكفر والمروق من الدين ) 


ومن ذلك ما كتبه الشيخ الطيب العقبي في ( العدد ؟ ) من جريدة (السنة)(» يقول: ( هذا 


.7 م.) ص‎ 1١971 ه/ 5 مايو‎ ١1750 نشره في ( العدد 18 ) من في جريدة الشهابء ؟ ذي القعدة‎ )١( 
9 المصدر السابق» ص‎ (2 
.)9" مياص‎ ١97 ه/ 0" سبتمير‎ ١705 (؟) وذلك في في ( العدد ” ) من جريدة الصراط السوي ( ه جمادى الثانية‎ 
07 م ص‎ ١977 أبريل‎ ١ ه/‎ ١751١ ذي الحجة‎ ١١ ( جريدة (السنة» العدد؟,»‎ )5( 
5 


وإن دعوتنا الإصلاحية - قبل كل شيء وبعده - هي دعوة دينية محضة, لا دخل لها في السياسة 
ألبتة» نريد منها تثقيف أمتنا وتبذيب مجتمعنا بتعاليم دين الإسلام الصحيحة» وهي تتلخص 
في كلمتين : أن لا نعبد إلا الله وحدهء وأن لا تكون عبادتنا له إلا ب! شرعه وجاء من عنله.. ثم 
ما هي هذه الوهابية التي تصورها المتخيلون أو صورها لهم المجرمون بغير صورتها الحقيقة؟ 
أهي حزب سيامي ؟... أم هي مذهب ديني وعقيدة إسلامية كغيرها من العقائد والمذاهب 
التي تنتتحلها وتدين بها مذاهب وجماعات من المسلمين ؟ وإذا كانت الوهابية : هي عبادة الله 
وحده با شرعه لعباده فإنها هي مذهبنا وديننا وملتنا السمحة التي ندين الله بها وعليها نحي 
وعليها نموت ونبعث إن شاء الله من الآمنين) 

بالإضافة إلى هذاء فقد كان من الكتب التي درسها الشيخ العقبي في مجالسه العلمية كتاب 
(كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب7". وهو من أخطر كتب الوهابية» وأكثرها 
تحاملا على ما سميناه (الإسلام التقليدي) إلى درجة الحكم على أصحابه بالشرك الأكير". 

ومن ذلك قول الشيخ أحمد حماني مثنيا على المدرسة الوهابية: (أول صوت ارتفع بالإصلاح 
والإنكار على البدعة والمبتدعين ووجوب الرجوع إلى كتاب الله والتمسك بسنة رسول الله 37 
ونبذ كل ابتداع ومقاومة أصحابه. جاء من الجزيرة العربية وأعلنه في الناس الإمام محمد بن 
عبد الوهاب أثناء القرن الثامن عشر )1750-١75915(‏ وقد وجدت دعوته أمامها المقاومة 
الشديدة حتى انضم إليها الأمير محمد بن سعود وجرد سيفه لنصرتها والقضاء على معارضيها 
فانتتصرت...وكانت مبنية على الدين وتوحيد الله سبحانه في ألوهيته وربوبيته ومحو كل آثار 
الشرك الذي هو الظلم العظيم» والقضاء على الأوثان والأنصاب التي نصبت لتعبد من دون 


.84 انظر كتاب (الطيب العقبي ودوره في الحركة الوطنية الجزائرية) للأستاذ أحمد مريوش» ص‎ )١( 
سنرى الأمثلة الكثيرة عن تأثر الجمعية خصوصا مبارك الميلى بهذا الكتاب.‎ )١( 


ه: 


الله أو تتخذ للتقرب بها إلى الله ومنها القباب والقبور في المساجد والمشاهد)() 

وهكذا نجد كل من انتسب للجمعية من قريب أو بعيد يعتبر الوهابية مدرسة إصلاحية 
كبرى» وهي تصريحات يراها هؤلاء كافية لاعتبار الجمعية فرعا من فروع الحركة الوهابية في 
الجزائر. 

وفي مقابل هؤلاء نجد من الوهابيين أنفسهم من ينكر هذه النسبة» ويستدل لذلك بالكثير 
من الأدلة» ولعل أهمها ارتباط الجمعية بالسلفية التنويرية مع الفارق الشديد بين كلتا 
السلفيتين. 

ونحن في هذا المقام لا نستطيع أن نستعجل بالحكم على الجمعية من خلال بعض تصريحاتهاء 
ولكنا نحب أن نذكر أن في الجمعية ميلا خاصاالهذه المدرسة في جانب واحدء. وهو الموقف من 
الطرق الصوفية» ومن العادات المرتبطة بهاء فإن الجمعية في هذه الحالة تصبح وهابية بامتيا 
ولعل أحسن مثال على هذا التقارب الشديد بين الجمعية والمدرسة الوهابية ما كتبه الشيخ 
مبارك المي تحت عنوان (رسالة الشرك ومظاهره)» فقد اهتمت هذه الرسالة با يهتم به 
الوهابيون من القبور ونحوهاء واعتبار ذلك شركا جلياء مع أن ذلك مما انفردت به الوهابية 
عن غيرها من الحركات. 

والدارس لتلك الرسالة لا يراها في الحقيقة إلا نسخة من (كتاب التوحيد) لابن عبد 
الوهاب» وقد قال الشيخ في مقدمتها معترفا بهذا: (وبعد تمام التأليف» وقبل الشروع في الطبع 
؛ اتصلت بهدية من جدة» من الأخ في الله السيد محمد نصيف(" ؛ تشتمل على كتاب (فتح المجيد 


بشرح كتاب التوحيد) لابن عبد الوهاب» فعلقت منه فوائد ألحقتها بمواضعها معزوة إليه 


.)50 /١( أحمد حماني» صراع بين السنة والبدعة‎ )١( 
وقد كان من الوهابية الكبار الذين كانت لهم علاقات كبيرة مع الجمعية إلى درجة أخهم منحوه الرئاسة الشرفية» انظر: جريدة‎ 6 
.١98 1١ أكتوير‎ ١ الجزائر‎ »127/7 - ١1/7 البصائر» عدد‎ 

55 


ولو اطلعت عليه قبل كتابة الرسالة ؛ لخفف علي من عناء ابتكار العناوين وتنسيقها)(" . 

بل إن الشيخ وإمعانا في البرهنة على هذا التوجه قام بإهداء رسالته إلى الملك عبد العزيز 
ونجليه سعود وفيصلء» وشيخ الإسلام في ذلك العهد الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ”". 

وقد عبر ابنه الأستاذ محمد الميلٍ في كتابه (الشيخ مبارك الميلي ؛ حياته العلمية ونضاله الوطني 
) عن توجه والده في هذه الرسالة» فقال: ( إن هذا العمل - أي رسالة الشرك ومظاهره - 
يكشف عن مدى الترابط بين الفكر الإصلاحي الديني والسيامي في المشرق وني الجزائر» أي 
انه يسجل مظهرا من مظاهر الوحدة الفكرية بين المغرب العربي والمشرق» وهي وحدة تحققت 
بفعل عامل الدين الإسلامي واللغة العربية في نفس الوقت. فأوجه الشبه بين حركة جمعية 
العلماء وتيارات الفكر السلفي في المشرق عديدة» فقد اعتمدت في دعوتها على كتب ابن تيمية 
وابن القيم وكتابات محمد بن عبد الوهاب.. ولم يكن محض صدفة أن نجد في خزانات الرعيل 
الأول من جمعية العلماء أهم كتب الفكر السلفي التي كانت قد طبعت على نفقة المرحوم عبد 
العزيز آل سعود. وكذلك مطبوعات (المنار))9) 

وسنرى أمثلة أخرى كثيرة على هذا عند ذكر فروع الخلاف بين الجمعية والطرق الصوفية. 

ثانيا مبادئ السلفية المحافظة وموقف الجمعية منها 

من خلال استقراء التراث الضخم الذي ألفه علاء الوهابية في السعودية ومصر وال هند 
وباكستان وغيرها من المناطق المتأثرة بالمدرسة الوهابية» نجد اجتماعها على النواحي التالية: 

١‏ - محاربة مظاهر الشرك بكل أنواعه وأشكاله القولية والعملية - على حسب ما يؤصلون 


)00 رسالة الشرك ومظاهره.» ص /7. 
)١(‏ كما جاء في رسالة له إلى الأستاذ عبد القدوس الأنصاري مؤرخة في ( 9٠‏ ذي القعدة ١7057‏ ه/ 3١‏ يناير ١972‏ م)» نشرت 
في مجلة المنهل الحجازية ( م 328 ج ١17‏ ذو الحجة ١7941‏ ه / ديسمبر /ا/191 م ص 1١9178‏ ) 


فة محمد الميلي» الشيخ مبارك الميلٍ ؛ حياته العلمية ونضاله الوطني» دار الغرب الاسلامي» لبنان» ص8١١.‏ 
اا 


له- وخصوصا ما يرتبط منه بتعظيم الأولياء وزيارة القبور والتبرك والتوسل والاستغاثة 
ونحوهاء مما يعتبرونه مناقضا لتوحيد الألوهية. 

؟ - التحذير من البدع أيّا كانت» كلية أم جزئية» وحقيقية أم إضافية. 

*'- دعوتهم إلى العودة إلى المصادر الأصلية في استنباط الأحكام. 

4 - عدم الاهتمام بالسياسة» وأحيانا كثيرة يرون لزوم طاعة السلطان مهم| كان» ولهذا نجد 
ذلك الاتفاق العجيب بين آل سعود وآل الشيخ» فلآل سعود الدنياء ولآل الشيخ الدين. 

انطلاقا من هذه المبادئ الكبرى» نحاول هنا أن نبحث عن موقف جمعية العلماء المسلمين 
الجزائريين منهاء لتكتشف من خلالها مدى قرمها من الوهابية» أو مدى بعدها عنها. 

١‏ التحذير من الشرك: 

مع أن التحذير من الشرك متفق عليه بين الأمة جميعاء لأنه أصل الإسلام» والهدف من بعثة 
الرسل - عليهم الصلاة والسلام- إلا أن هذه المدرسة تتصور نفسها هي القائم الواحد في 
الأمة على هذا الثغر. 

وهي تختصر مفهوم الشرك عادة في بعض الظواهر البسيطة التي لا تخرج عن بعض 
التعبيرات الرمزية عن المحبة والولاء ونحوها لأناس يعتقد فيهم الصلاح, أو لمواضع يعتقد 
فيها البركة» وأكثر تلك المواضع اهتماما من جهة هذه المدرسة هي المقابر والأضرحة المنتشرة في 
العالم الإسلامي. 

وقد عبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة كتب بها إلى عبد الرحمن بن عبد الله 
السويدي أحد علاء العراق يذكر له فيها حقيقة دعوته» وما ورد فيها قوله: (أخبرك أني ولله 
الحمد متبع» ولست بمبتدع» عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السئة والجماعة الذي 
عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة» لكني بيّنت للناس إخلااص 


الدين لله ونبيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم» وعن اشتراكهم فيم| 


0 


يعبد الله به» من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك ما هو حق لله الذي لا يشركه فيه 
ملك مقرب ولا نبي مرسلء وهو الذي دعت إليه الرسل من أوَهم إلى آخرهمء وهو الذي 
عليه أهل السنَّة والجماعة)!" 

وكتب الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في بيان دعوة جده الشيخ عبد الوهاب يقول: 
(إن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إنم| دعا الناس إلى أن يعبدوا الله لا شريك له 
ولا يشركوا به شيئاً وهذا لايرتاب فيه مسلم إنه دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه)7”" 

ويبين الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في رسالته التي بعثها إلى أهل 
الحجاز وعسير واليمن معتقدهم وما يدعون إليه فيقول: (اعلموا أن الذي نعتقده وندين الله 
به وندعو الناس إليه ونجاهدهم عليه هو دين الإسلام الذي أوجبه الله على عباده وهو حقه 
عليهم الذي خلقهم لأجله. فإن الله خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به في عبادته أحداً من 
المخلوقين لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلاً عن غيرهما ... ونأمر بهدم القباب و:هدم ما بني 
على القبور» ولا يزاد القبر على شبر من التراب وغيره)'"ا 

هذا هو التصور العام الذي يناضل من أجله الوهابية» وقد قاموا لأجله بهدم الأضرحة. 
والقضاء على الكثير من الآثار التي كانت مخزنا مهما للتاريخ الإسلامي. 

وعند محاولة المقارنة بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والجمعية من هذه الناحية نجد 
نقاط وصل كثيرة» سنرى تفاصيلها في محلها من هذا الجزء والجزء الثالث» ولكنا هنا نكتفي 
ببعض الشواهد على ذلك للدلالة على المطابقة التامة بين الوهابية والجمعية في هذه الناحية. 


."5 / 0 : مجموعة مؤلفات الشيخ (الرسائل الشخصية)‎ )١( 
(مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)» طكءء : مطبعة المنار» مصر 5 5 1ه لا‎ (20 
7911074٠0 / ١ ه١7805 (؟) عبد الرحمن بن قاسم (جمع)» (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) ط ؟» المكتب الإسلاميء بيروت‎ 


باختصار. 
5 


ولعل أقرب شاهد إلى ذلك ما ذكرناه في الفصل السابق من قيام جماعة تعرف بجماعة الشيخ 
مبارك الميلي باعتراض أفراد قبيلة أراس من سكان فج أمزالة عند عودتها من زيارتبها لمقام الشيخ 
الزواوي بالروفاك والاعتداء عليها بالسب والشتمء (لولا تدخل الفرنسيين وتفريقهم لهم 


لوقعت بينهم ملحمة عظيمة)”" 

وهذا يدل على أن هناك استنساخا حصل في الجزائر» يراد منه إعادة ما فعله الشيخ محمد ابن 
عبد الوهاب إلى الجزائر. 

والدارس لرسالة الشرك ومظاهره يكتشف هذا بوضوح. فهو يعتبر الكثير من القضايا 
الخلافية من الشرك. 


ومثله ولعله أكثر منه جرأة» وأقرب إلى المدرسة الوهابية الطيب العقبي» الذي اقتصرت 
دعوته وإصلاحه على مقاومة ما يسميه شركاء ومن قصائده في هذا قوله!": 


قائا أو قاعدا أدعو به إن ذا عنديى ‏ شرك وارتداد 


لا أناديه ولاا أدعو ‏ سوى خالق الخلقى ‏ رؤوف بالعباد 
من له أسساؤه الحسنى وهل أحد يدفع ما الله أراد؟ 
مخلصا ديني له ممتثلا أمره لاا أمر من زاغ وحاد 
وقد اشتهر الشيخ الطيب العقبي بهذا إلى درجة أن أصبح ارتباط النهي عم| يسمى (مظاهر 
الشرك) عند كثير من العامة باسم (العقبي)» ويقال لمن يسلك سبيله في الجزائر العاصمة 


)00 مامي إسماعيل : فتنة ميلة» النجاح» العدد١‏ /141» يوم ٠‏ "ماي 5 ص5. 


2( من قصيدته إلى الدين الخالص» ص ”3. 


ونواحيها ب (العقبي)(1) 

ولأجل ما أحدثه من فتنة بسبب هذه المواقف منع من التدريس» وقد جاء في منشور ميشال 
الذي به أوقف الشيخ عن التدريس ما يلي: (إن القصد العام من هذه الدعاية ‏ أي دعوة العقبي 
هو نشر تعاليم وأصول الوهابية بين الأوساط الجزائرية بدعوى الرجوع بهم إلى أصول الدين 
الصحيح وتطهير الإسلام من الخرافات القديمة التي يستغلها أصحاب الطرق وأتباعهم)!" 

ومثلهم| الشيخ البشير الإبراهيمي» فقد كان يحمل حملة شديدة على نفس المظاهر التي 
يعتبرها الشيخ ابن عبد الوهاب شركا جليا مكفراء وهو يقلده في ذلك تقليداء أو يتبعه اتباعاء 
بل يزيد عليه في الحدة والشدة في بعض المواقف كهذا الموقف الذي يصف فيه بعض الموالد 
التي تقام في منطقة وهرانء ولا يتحرج أن يرمي بالشرك كل من حضرها أو حضر لاء لا 
يستثئني من ذلك أحداء يقول في ذلك: (هذه الزرد التي تقام في طول العمالة الوهرانية وعرضها 


هي أعراس الشيطان وولائمه» وحفلاته ومواسمه؛ وكل ما يقع فيها من البداية إلى النهاية كله 


)١(‏ ورد ذكر هذا في الملتقى السلفي المشهور (ملتقى أهل الحديث)» فقد ذكر بعض أعضائه هذاء فقال - مجيبا زميلا له من العاصمة- 
: (إن أما ما ذكرته من إطلاق كلمة (عقبي ) على من عرف بعداوته للطرق الصوفية والضلالات» فهذا صحيح.ء وليس في الجزائر 
العاصمة وسهول متيجة فقطء بل حتى في الغرب الجزائري» فأنا من مدينة الشلف أورد لك هذه الحادثة التي وقعت معي في أحد 
الأيام من صيف 5 ٠٠١‏ م وذلك عندما كنت في طابور الانتظار عند طبيب الأسنان» وكان قبالتي شيخ طاعن في السن أبيض اللحية» 
وكان في الشيخ شيء من الفضول خاصة عندما رأى إعفائي للحيتي فأخذ يجاذبني أطراف الحديث وانتهينا إلى مسألة الطواف بالقبور 
والاستغاثة بالمقبور واخذت أنكر بشدة هذه السلوكات الشركية البعيدة عن الإسلام وكان الشيخ يوافقني في كل ما أقول ولا 
يعارضني ولما انتهيت من محاضرتي له قال لي: (هاه ..راك عقبي كبير)» فاستغربت الامر وغمرت بالفضول فقلت له: (ماذا تعني 
بالعقبي؟) فقال: (إنه عالم كبير في الجزائر اسمه الطيب العقبي كان يحارب البدع والصوفية خاصة بن عليوة )» ثم سألته عن علاقته 
به فقال أنه عندما كان صغيرا وكان منتسبا للكشافة الإسلامية ذهب في جولة إلى البليدة للسماع لمحاضرة الطيب العقبي حول 
الإصلاح أو شيء من هذا القبيل» وهذا يتكرر خاصة عندما نجادل أقطاب التصوف والطرقية الذين يعرفون شيئا من العلم فينبزوننا 
بالعقبيين ( انظر: ملف «(الطيب العقبي: مصلح أضاعه قومه)» من ملتقى أهل الحديثء على هذا الرابط 
7-١١51‏ مطم. لدع عط نواه طك/رط /صم. طخعع ل طاح اطق . نذاننا/حام//: مخخط) 


(؟) البصائر: ١ع"‏ ص7. 


وه 


رجس من عمل الشيطان وكل داع إليهاء أو معين عليهاء أو مكثر لسوادها فهو من أعوان 
الشيطان)00 

ويضيف معللا سر هذا الموقف المتشدد قاتلا: (كلما اتتصف فصل الربيع من كل سنة تداعى 
أولياء الشيطان في كل بقعة من هذه العمالة إلى زردة يقيمونها على وثن معروف من أوثانهم» 
يسوّله لهم الشيطان وليّا صا مًاء بل يصوّره لهم إَِا متصرفًا في الكونء متصرقًا في النفع والضرٌ 
والرزق والأجل بين عباد الله وقد يكون صاحب القبر رجلا صا خًاء فا علاقة هذه الزرد 
بصلاحه؟ وما مكاءها في الدين؟ وهل يرضى بها لو كان حيّا وكان صا ًا الصلاح الشرعي؟)7" 

؟ - التحذير من البدع: 

وهو الركن الثاني من الأركان التي تعتبرها الوهابية أصلا من أصول دعوتهاء ومع كون 
ذلك بديبية عند جميع المذاهب والطوائف الإسلامية بمن فيهم أصحاب الطرق الصوفية» إلا 
أن للوهابية تصورها الخاص للبدعة» وهي تنتهج في ذلك ما نمهجه الشاطبي في الاعتصام. 
والذي ينص على أن كل مالم يرد في النصوص من أمور العبادات بدعة» حتى لو كان له أصل 
في الشريعة إذا لم ترد النصوص بفعله من النبي يي أو السلف الصالح. 

وبناء على هذا أنكر الشاطبي على القائلين بتقسيم البدع إلى حسنة وسيئة» وهو القول الذي 
اشتهر به العز بن عبد السلام» وكثير من الفقهاء وتبناه الصوفيةا معتيرا أن (هذا التقسيم أمر 
مخترع لايدل عليه دليل شرعي» بل هو في نفسه متدافع ؛ لآن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها 
دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده؛ إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على 
وجوب أو ندب أو إباحة لا كان نَّمّ بدعة ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو 


لخي فيها. فالجمع بين تلك الأشياء بذعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (9/ 077٠١‏ 
بك 


إباحتها: جمع بين متنافيين)7") 

وكا أن الجمعية اعتمدت آراء المتشددين في مفهوم البدعة والموقف منهاء وهي تتفق في 
ذلك تمام الاتفاق مع الوهابية» فهي كذلك اختارت طريقتهم في التعامل مع ما تراه بدعة» ولو 
وقع فيه الخلاف بين العلماء» وقد جعلها هذا تقع في صدام لا مع الطرق الصوفية وحدهاء بل 
حتى مع المدارس المقاصدية التي مثلها سابقا العز بن عبد السلام» ومثلها في عصر الجمعية 
الشيخ محمد الطاهر بن عاشورء لأن هذه المدارس ترى انفتاح الشريعة على الجديد الكثير الذي 
يخدم مقاصد الشريعة. 

وسنحاول هنا باختصار أن نذكر نموذجين لمواقفها تما تراه بدعة» مثل النموذج الأول 
الشيخ عبد الحميد بن باديس مع شيخه ابن عاشورء وهو إمام المدرسة المقاصدية في هذا 
العصرء والثاني هو الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مع الطرق الصوفية عموماء والطريقة 
العلاوية خصوصا. 

وقد اخترنا لهذين النموذجين مسألة واحدة أولتها الجمعية أهمية كبرى» وهي مسألة قراءة 
القرآن على الموتى» وتشييع الجنائر بالذكر» ونحو ذلك ما يضعه الفريق المتشدد ضمن ما يسميه 
(بدع الجنائز) 

النموذج الأول: ابن باديس وشيخه ابن عاشور: 

وقد حصل هذا الخلاف بين الشيخ ابن باديس وشيخه ابن عاشور بسبب مسألة (قراءة 
القرآن الكريم على على الأموات)» وهل هي بدعة؛ أو ليست بدعة. 

ونرى - أنها بها أعطيت من أهمية من خلال جريدة البصائر» وبا أثارت من ضجة وقتها - 


خير مثال يدل على تشدد الجمعية في موقفها ما تراه بدعة» وأن ذلك التشدد لا يتوقف عند حد 


)١91/١( أبو إسحاق الشاطبيء الاعتصام, دار النشر : المكتبة التجارية الكبرى» مصرء‎ )١( 
لك‎ 


مواجهة الطرق الصوفية وحدهاء بل يتعداه إلى المدارس الأخرى» وخاصة المدرسة المقاصدية. 

وبدأ هذا الخلاف الحاد الشديد بسبب فتوى أصدرها الشيخ ابن عاشور حول جواز قراءة 
القرآن الكريم على الموتى» ونصها | ورد في البصائر هو: (أن السنة في المحتضر وف تشييع 
الجنازة وفي الدفن هو الصمت للتفكر والاعتبار. فإذا نطق الحاضر فليكن نطقه بالدعاء 
للميتء بالمغفرة والرحمة فإن دعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب مرجوة الإجابة. وأما قراءة 
القرآن عن الميت حين موته وحين تشييع جنازته وحين دفنه فلم تكن معمولا بها في زمان رسول 
الله يه وزمان الصحابة» إذ لم ينقل ذلك في الصحيح من كتب السنة والأثر مع توفر الدواعي 
على نقله لو كان موجودا. إلا الأثر المروي في قراءة سورة يس عند رأس الميت» عند موته على 
خلاف فيه ولحذا كان ترك القراءة هو السنة» وكان أفضل من القراءة في المواطن الثلاثة 
المذكورة» وحينئذ فتكون قراءة القرآن في تلك المواطن إما مكروهة وإما مباحة غير سنة» فتكون 
مندوبة في جميعهاء وإما مندوبة في بعضها دون بعض )7 

ونحب أن نبين قبل طرح موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس منهاء ومن شيخه بسببها أن 
نبين أن الشيخ ابن عاشور من أركان علم المقاصد الكبار» أو هو (المعلم الثاني») - على حد 
وصف محمد الطاهر الميساوي - بعد (المعلم الأول) الذي هو الشاطبيء, وله فيها إضافات 
محترمة لقيت عناية من الباحثين!"» بالإضافة إلى إدخاله علم المقاصد في البرنامج الدراسي 
لجامعة الزيتونة. 


ولعل رأيه في هذه المسألة» وفي ذلك الحين الذي حاول المستعمر فيه طمس الموية الوطنية 


)١(‏ انظر: آثار ابن باديس: ("/ /ا/ا. 

)١(‏ من أبرز ما أضافه ابن عاشور لعلم المقاصد ذلك النوع من المقاصد الذي خصص له القسم الثالث من كتابها وسماه (مقاصد 
التشريع الخاصة بأنوع المعاملات)» ومن ضمنها: مقاصد أحكام العائلة.. مقاصد التصرفات المالية.. مقاصد الشريعة ني المعاملات 
المنعقدة على الأبدان.. مقاصد أحكام القضاء والشهادة.. المقصد من العقوبات. 


6: 


للشعوب المستعمرة» وإبعادها عن دينها وكتابها وقيمهاء ينطلق من رؤية مقاصدية بإباحة بل 
استحباب كل ما يخدم الهوية ويحفظ الدين بغض النظر عن كونه فعل في عهد الرسول 45 أو لم 
يفعلء ما دام لا يتصادم مع الشريعة ومصادرها. 

لكن الشيخ عبد الحميد بن باديس المشبع بم ذكره الشاطبي» وبا تتبناه الوهابية لم يرض هذه 
النظرة» بل رأى أن في فتح هذا الباب تحريفا للشريعة وتصرفا فيهاء وأن ذلك ليس مأذونا به في 
حال من الأحوال. 

ولذلك نرى ابن باديس في خطابه لشيخه ورده عليه قاسيا شديدا يكتب المقالات الطوال 
في الرد عليهاء وعلى المنهج الذي اعتمده» وينتصر فيها بقوة لمنهج الشاطبي» وينقل أدلته عليه 
بل يضيف إليها. 

ونرى لأجل هذا أن هذه الردود هي أحسن وثيقة تبين موقف الجمعية نما تتصوره من 
البدع» ومصادرها في ذلك» وهي بذلك تيسر على الباحث معرفة وجوه الاستدلال ومصادره 
الذي تعتمده اجمعية. 

وبناء على هذاء فسنحاول ‏ هنا أن نحلل هذه الوثيقة المهمة» لا لتكتشف الموقف من 
البدعة» والآدلة الشرعية عليها فقط» بل لنرى كذلك منهج التعامل مع من تتصوره الجمعية 
مبتدعا كائنا من كان. 

يبدا الشيخ عبد الحميد بن باديس - كعادة التيار السلفي عموماء والوهابيين خصوصا- 
قبل الحديث عن تجريح البدعة تجريح المبتدع» ومحاولة اكتشاف الدوافع وراء بدعته» والتحذير 
منه بعد ذلك. 

ويتجلى هذا كله واضحا من خلال العنوان الذي كتب فيه رده على الشيخ ابن عاشورء فقد 


عنون المقال ب (شيخ الإسلام بتونس يقاوم السنة» ويؤيد البدعة» ويغري السلطة 


عاك 


ل 

ونلاحظ هنا أن ابن باديس يعتبر الشيخ ابن عاشور مقاوما للسنة» ومؤيدا للبدعة مع أن 
المسألة التي ذكرها الشيخ مسألة خلافية قديمة لها من يؤيدها من الفقهاء القدامى» وخاصة من 
الفقهاء الذين ينتتهجون منهج المدرسة المقاصدية إلا أن الشيخ ابن باديس لم ينظر إليها بتلك 
الصورة» بل نظر إليها بنفس الشدة التي ينظر إليها التيار السلفي عموما إلى المسائل الخلافية. 

وقد بدأ مقاله بهذا الاستهلال القاسي» والذي يقول فيه: (نطق (شيخ الإسلام) - والحمد 
لله- بعد سكوت مألوف منذ السنين الطوال» وإن كان أتى با لا يرضي الله ورسوله. والحق 
ودليله» فقد نطق على كل حال. ولقد كان نطقه متوقعا لدينا. فقد كان المقال المنشور بالعدد 
الحادي عشر من (البصائر) الموجه إلى علماء الزيتونة عامة وشيخي الإسلام به خاصة. قنبلة 
وقعت وسط أولئك النائمين والمتناومين أزعجتهم في مراقدم ونبهت من كان غافلا عنهم من 
الناس» حتى لقد تسابق الناس إلى ذلك العدد يطلبونه بأضعاف ثمنه ى) أخبرني تلامذتي الذين 
رجعوا من تونس لتعطيل القراءة بجامع الزيتونة بسبب البلاغ المشهور وما لحق تلامذة الجامع 
من سجن وتغريب)"" 

ولم يكتف الشيخ ابن باديس بهذا الاستهلال القاسي في خطاب شيخه. بل راح يصفه 
بالعجب والغرور ومواجهة أنصار السنة» وهو موقف يذكرنا تماما بموقف مشايخ الوهابية 
عموما مع المخالف لمم مهما كان» يقول ابن باديس مخاطبا شيخه: (إننا نشكر لشيخ الإسلام 
المالكي هبوطه إلى الميدان» وإن كان هبط إليه هبوط المغيظ المحنق الذي أنساه الغيظ والحنق ما 
يناسب مقامه من التحري والاتزان» فتعثر في أذيال العجب والتعظم عثرات أهوت به مرات 


في مهاوي الخطأ والتناقض حتى تردى في هودة إذاية أنصار السنة باللسان» ومحاولة إذايتهم بيد 


.0377 /"( ه 4 ؟ أفريل 977١م الآثار:‎ ١704 صفر‎ ١ الجزائر» الجمعة‎ ١7 البصائر: السنة الأولى» العدد‎ )١( 


(؟) ابن باديس» الآثار: (/ 1/7) 
5ه 


العدوان.. شيخ الإسلام يقاوم السنة- ويؤيد البدعة-! ويغري (السلطة) بالمسلمين!! هذا- 
والله- عظيم وإن كان القارئ يود أن يعرف من هو هذا الذي تحلى بهذا اللقب وأتى مهذه الشنع 
التي لا يأتي بها من ينتمي انتماء صادقا للإسلام من عامة المسلمين فكيف بشيخ الإسلام؟ نعم 
كل أحد يتعجب نباية العجب أن يصدر هذا من شيخ الإسلام. ويزيد كاتب هذه السطور 
عجبا آخر فوق عجب كل أحد أن شيخه وأستاذه وصديقه الشيخ الطاهر بن عاشور هو الذي 
يأتي بهذا الباطل ويرتكب هذا الذنب)" 

ولكن ابن باديس مع هذا التشدد الذي دفعه إليه نصرة ما يعتقده من حق, يعدل أحيانا عن 
هذا الموقف المتشدد ليبين أن غرضه منه نصرة الحق والسنة» لا نصرة النفس والهوى. ليذكرنا 
وز وار و امبو ل لجرو لزر ادا يودي دا رعق ارا 
جتاون البنائوية )0 (شَيْحْ الإشلام حي بإَْنا بون اع لكاي ل المحْضُوم 
فَمَأحُودُ مِنْ قَْلِهِ وَمَتْدُولة)1" 

وهكذا فعل الشيخ ابن باديس مع شيخه ابن عاشورء فقد قال فيه: (إنني امرؤ جبلت على 
حب شيوخي وأساتذتي وعلى احترامهم إلى حد بعيد» وخصوصا بعضهم, وأستاذي هذا من 
ذلك الخصوصء ولكن ماذا أصنع إذا ابتليت بهم في ميدان الكفاح عن الحق ونصرته؟ لا 
بي والامساام أدبن تكله تمان دل إِنْ كَانَ آبَاؤٌكُمْ وَأَبنَاوْكُمْ وَإِحْوَانَكُمْ وَأَرْوَاجَكُمْ 


اي ا يي له ويه > ه 


وَعَبشيرد 2 فَتَرفتَمُوهَا وَتَاَة تخْشَوْنَ َسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْتها أَحَبٌإِلَيَكُمْ ِنَ الله 


ره 
10 


وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ في سَبلِهِ فنَرتَصُوا حَنَّى يَأَتيّ الله بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَندِي الْقَوْمَ الْمَاسِقِينَ) [التوبة: 


01/7 /( ابن باديس» الآثار:‎ )١( 
(؟) وهي قوله: (الرَّجَاءُ أُضعففُ مَنَازِلٍ المُِيدِينَ)» انظر: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية» مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد‎ 
07/8 /7( 1 910/5- ١91" وإياك نستعين» تحقيق : محمد حامد الفقي» دار الكتاب العربي - بيروت. الطبعة الثانية»‎ 
.)7/ /57( مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‎ 2١ 
ه١‎ 


5 إلا مقاومتهم ورد عاديتهم عن الحق وأهله)(" 

وابن باديس مع موقفه المتشدد هذا يعترف لشيخه بالتبحر في العلم والتحقيق» فقد عرفه ‏ 
كما يذكر ‏ ( في جامع الزيتونة» وهو ثاني الرجلين اللذين يشار إليها بالرسوخ في العلم 
والتحقيق في النظر والسمو والاتساع في التفكير أولما العلامة الأستاذ شيخنا (محمد النخلي) 
القيرواني رحمه الله وثانيهنا العلامة الأستاذ شيخنا (الطاهر بن عاشور)”) 

وهو يقر كذلك بأن شيخه لم يكن معارضا للإصلاح الذي تمثل في ذلك الوقت بمدرسة 
محمد عبده» ويقر بدروه في تربيته على حب العربية والاعتزاز بها كى) اعتز بالإسلام. 

ولكنه مع هذا الإقرار يرى أن المناصب التي تولاها الشيخ هي التي جعلته يفتي تلك 
الفتوىء لا التحقيق العلمي» ولا المنهج المقاصدي الذي أصل له» وكان يعتمد عليه في فتاواه. 
ولا الأخذ با أخذ به الكثير من الفقهاء في عصور الإسلام المختلفة ابتداء من العصر الأول. 

وهذا المنهج يذكرنا أيضا با فعلته الجمعية في مناقشاتها الفقهية مع الطرق الصوفية» كى| 
سنرىء فهي لا تكتفي بالردود العلمية عليهاء بل تضم إلى ذلك اتبامها في دوافعها ونياتها» وهو 
منهج يطغى على التيار السلفي عموما في مناقشاته مع الآخر. 

يقول ابن باديس مقارنا بين شيخيه النخلي وابن عاشور: (مات الأستاذ النخلي على ما عاش 
عليه» وبقي الأستاذ ابن عاشور حتى دخل سلك القضاءء فخبت تلك الشعلة وتبدلت تلك 
الروح فحدثني من حضر دروسه في التفسير أنه- وهو من أعرف إنكاره على الطرق اللفظية 
وأساليبها- قد أصبح لا يخرج عن المألوف في الجامع من المناقشات اللفظية على طريقة عبد 
الحكيم في مماحكاته وطرائق أمثاله وبقي حتى تقلد خطة شيخ الإسلام» ووقف هو وزميله 
الحنفي في مسألة التجنيس المعروفة منذ بضع سنوات» ذلك الموقف حتى أصبح اسمه لا يذكر 
)١(‏ ابن باديسء الآثار: (/ 01/5 


(؟) ابن باديس» الآثار: (”/ 5 017 
مه 


عند الآمة التونسية إلا با يذكر به مثله. وها هو اليوم يتقدم بمقال نشره بجريدة (الزهرة) في 
عدد يوم الاثنين الرابع عشر من هذا الشهر الحرم يقاوم فيه السنة ويؤيد فيه البدعة ويغري 
السلطة بالمسلمين.. فهل ابن عاشور هذا اللقب بشيخ الاسلام» هو ابن عاشور أستاذي الذي 
أعرف؟ لا! ذلك رجل آخر مضى قضى عليه القضاء وأقبرته المشيخة» وقد أديت له حقه با 
ذكرته به. وهذا مخلوق آخر ليس.. موقفه اليوم أول مواقفه ولا أحسبه يكون آخرها. وإنني لا 
أود أن يكون آخرها فإن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى معرفة ما ينطوي عليه مثله من 
ينتتحلون ألقابا مخترعة في الإسلام» ولا يفضحهم مثل مقال هذا الرجل)”) 

بعد هذاء وفي أعداد تالية من البصائرء بدأ الشيخ عبد الحميد بن باديس يناقش شيخه في 
المسألة» ويعتمد في الأدلة التي يسوقها على نفس الأدلة التي اعتمد عليها قبله الشاطبي في 
الاعتصام, بل يحاكم شيخه إلى الشاطبي مع أن الشيخ ابن عاشور ‏ كما يرى كل باحث منصف 
- لا يقل في فقهه وفهمه للمقاصد عن الشاطبي نفسه. 

لكن ابن باديس مع ذلك يخاطبه قائلا: (لم ينصف فضيلته الشاطبي في الصورة التي صور 
بها كلامه وفيها رواه به. وكل ذلك لأجل أن يتوصل إلى تهوين ارتكاب بدعة القراءة في المواطن 
الثلاثة لأنها من المكروه الذي لا يعاقب على فعله)7) 

وانطلاقا من هذا راح الشيخ ابن باديس يلخص استدلالات الشاطبي» بل ويزيد عليهاء 
وسنرى تفاصيل ذلك عند الحديث عن مصادر الجمعية في موقفها من البدعة في الفصل الأول 
من الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

النموذج الثاني: الشيخ البشير الإبراهيمي والطريقة العلاوية 

وقف الشيخ البشير الإبراهيمي مع الشيخ ابن باديس وأنكر الكثير تما يتصوره من (بدع 


)179 /9( آثار ابن باديس‎ )١( 
8ه‎ 


الجنائز)» ومن ذلك ما كتبه في جريدة البصائر تحت عنوان (إما سئة وإما بدعة)(" يرد بها على 
مقال تحت عنوان (المصلحون يحاربون لا إله إلا الله) نشرته جريدة (لسان الدين) التابعة 
للطريقة العلاوية. 
فيه المعركة مع الطرقيين معركة سنة أو بدعة» يقول: (المسألة بيننا لا تتجاوز أحد أمرين: إما 
باعتبار الإسلام الجامع بيننا. أما إذا كان الطرف الآخر لا يدين بها ندين فا كان لنا أن نأخذ من 
على غير ملتنا با وجب علينا أخذ أنفسنا به.. الأمر - يا لله لهذا الدين- بيننا وبين إخوان لنا في 
الدين والجنس والوطن. إخواننا فيها وإن كانوا لا يراعونها ولا يراعون عهدها وميثاقها الذي 
واثقنا الله به)(") 

ثم تحدث بنفس المنهج الذي انتهجه الشيخ ابن باديس من مراعاة قاعدة الترك» واعتبرها 
المعيار الذي يميز به بين السنة والبدعة» يقول في ذلك: (من باب ما هو معلوم من الدين 
بالضرورة إذا قلنا إن تشييع الجنائز على عهد الرسول يِه كان بها يناسب جلال الموت ورهبته» 
والذي يتناسب وينسجم مع التشيبع هو الخشوع والتذكر والاعتبار بمن حملوا على الأعواد. 
والخشوع معروف هو غير الصراخ والعويل والضجيج والتهويل وقد شيع الرسول كل 
أصحابه وبناته» وشيّعه أصحابه من بعده وشيّع الصحابة- رضوان الله عليهم - بعضهم بعضًا 


كذلك على هيئة واحمة رهيبة تأثيرها في مشاهديها تأثير ما بعده من تأثير)() 


/١( فيفري 219777 بدون توقيع» وهو ني آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ ١9 257 نشر المقال في جريدة (البصائر)» عدد‎ )١( 
)004 

(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 5894) 

(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 5894) 


ثم استعرض بعض ما ذكره الطرقيون من أدلة على تلك الأذكار التي تشيع بها الجنائز» ورد 
عليهاء قال: (إنهم يقولون ان ذكر الله في تشييع الجنائز يلهي باقي المشيّعين عن لهو الحديث» 
نحن معهم على هذا بشرط أن يكون الذكر تفكرًا واعتبارًا لا طبلًا ومزمارًا. أمااما هم عليه من 
رفع أصواتهم في التشييع بلا إله إلا الله وبم| سوّلت لهم أنفسهم وزين هم شياطينهم فهو منكر 
أنكره الله ورسوله وأصحابه والأيمة المرتضون.. إن لا إله إلا الله لا توضع في غير مواضعها يا 
قوم! فا لكم إذا قيل لكم لا تضعوها في غير محلهاء ومنه الجهر بها في التشييع قلتم متجرئين إننا 
نحارب لا إله إلا الله؟ كبرت كلمة تخرج من أفواهكم)(" 

وهو يدعو الطرقيين إلى مراعاة مذهب مالك ني هذه المسائل» كما دعا قبله الشيخ ابن باديس 
شيخه ابن عاشور إلى هذه المراعاة» يقول في ذلك: (ولو كانوا ممن يبتغي إلى الله سبيلًا ىا 
يزعمون لكفاهم أن ينظروا كتاب الجنائز من موطأ مالك - رضي الله عنه - أو من البخاري أو 
مسلم أو غير هذه من كتب الحديث الصحيحة ولكنهم إشربوا حب البدعة حتى الثالة. فا لنا 
نجادلهم بالحديث وبالكتاب المنير؛ وهم لم ينقادوا حتى للفقهاء الذين يدعون أنهم لهم 
مقلدون؟!)0") 

٠‏ الدعوة إلى العودة إلى المصادر الأصلية لاستنباط الأحكام: 

وهذا هو القاسم المشترك الأكبر بين المدارس السلفية» فقد انتقدت جميعا انصراف العلوم 
الإسلامية عن المصادر الأصلية» والتصاقها بالمصادر الدخيلة من الفلسفة والاجتهادات 
العقلية المجردة عن الرجوع إلى النقل الصحيح. 

وانطلاقا من هذا وقفت الجمعية موقفا سلبيا من (علم الكلام) الذي ترك الأدلة القرآنية 


الواضحة البسيطة إلى أدلة معقدة لا تثمر يقينا ولا إيماناء يقول ابن باديس: (أدلة العقائد 


)5894 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 5894) 
5١‏ 


مبسوطة كلها في القرآن العظيم بغاية البيان ونهاية التيسير.. فحق على أهل العلم أن يقوموا 
بتعليم العامة لعقائدها الدينية» وأدلة تلك العقائد من القرآن العظيم» إذ يجب على كل مكلف 
أن يكون في كل عقيدة من عقائده الدينية على علم» ولن يجد العامي الآدلة لعقائده سهلة قريبة 
إلا في كتاب الله» فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا في تعليم العقائد للمسلمين إليه 
أما الإعراض عن أدلة القرآن» والذهاب مع أدلة المتكلمين الصعبة ذات العبارة الاصطلاحية» 
فإنه من الجر لكتاب الله وتصعيب طريقة العلم على عباده وهم في أشد الحاجة إليه» وقد كان 
من نتيجته ما نراه اليوم في عامة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه)(" 

ومثل ذلك السنة المطهرة فهي صنو القرآن في التعريف بعقائد الإسلام» والبرهنة عليهاء 
وقد نص على هذا الشيخ ابن باديس في مواضع كثيرة من مقالاته.» من ذلك ما نشره في مجلة 
الشهاب عند بيانه للمنهج المثالي الذي كان ينمي به رسول الله يل المعاني العقدية في نفوس 
الناس» قال: (كان الأعرابي الجاهل المشرك يأتي للنبي- صل الله عليه وآله وسلم- فيؤمن به 
ويصحبه يتعلم منه الدين» ويأخذ عنه ال هدى, فيستنير عقله بعقائد الحق وتتزكى نفسه بصفات 
الفضلء وتستقيم أعماله على طريق الهدىء فيرجع إلى قومه هادياً مهدياًء أما ما يقتدي به. 
ويؤخذ عنه ى) اقتدى هو بالنبي- صل الله عليه وآله وسلم- وأخذ عنه. فعلى كل مؤمن أن 
يسلك هذا السلوك فيحضر مجالس العلم التي تذكره بآيات الله وأحاديث رسوله ما يصحح 
عقده ويزكي نفسه ويقوم عمله وليطبق ما يسمعه على نفسه وليجاهد في تنفيذه على ظاهره 
وباطنه وليداوم على هذا حتى يبلغ إلى ما قدر له من كمال فيه فيرجع وهو قد صار قدوة لغيره» 
في حاله» وسلوكه)”) 

وانطلاقا من هذا كان ابن باديس يرى أن المنهج الكلامي لا يصل بالإنسان إلى اليقين الذي 
)١(‏ آثار ابن باديس /١(‏ 7177) 


(؟) الشهاب: ج5. م9» ص 777 --779. غرة محرم 1187ه - ماي "1913 م.. نقلا عن الآثار: /١‏ 591. 
,1 


يوصله إليه القرآن الكريم» يقول في ذلك: (قلوبنا معرّضة لخطرات الوسواس بل للأوهام 
والشكوك, فالذي يثبتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم» ولقد 
ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم ومماحكات المتكلمين ومناقضاتهم, فا ازدادوا 
إلا شكا وما ازدادت قلوبهم إلا مرضاء حتى رجع كثير منهم في أواخر أيامهم إلى عقائد القرآن 
وأدلة القرآن فشفوا بعد ما كادوا كإمام الحرمين والفخر الرازي)(2 

ولأجل هذا يرى الكثير من الباحثين أن ابن باديس لم يكن من المدرسة الأشعرية كا يذكر 
البعضء ويؤيد هذا اعتباره تأويلات الأشعرية من الخطأ الضارء إذ قال في ترجمته للشيخ محمد 
رشيد رضا: (دعاه شغفه بكتاب الإحياء إلى اقتناء شرحه الجليل للإمام المرتضي الحسينيء فلا 
طالعه ورأى طريقته الآثرية في تخريج أحاديث الإحياء فتح له باب الاشتغال بعلوم الحديث 
وكتب السنة» وتخلص مما في كتاب الإحياء من الخطأ الضار وهو قليل» ولاسيم| عقيدة الجبر 
والتأويلات الأشعرية والصوفية والغلو في الزهد وبعض العبادات المبتدعة)() 

وعلى نفس المنهج كان الشيخ العربي التبسي - الذي تولى مهمة الإفتاء في الجمعية سنين 
طوالاء بل كان رئيس لحنة الفتوى فيها - يقول في بيان مصادر استدلاله للفتاوى: (وقد رأينا 
هذا الزاعم يقول إِنْ الأخذ بظواهر أقوال النبيّ يه وأعماله اجتهاد. والاجتهاد قد انقضت 
أيّامه وماتت رجاله. وبذلك يجب على المسلمين أن يتركوا كل آية من الكتاب» وكل قول وعمل 
من رسول الله» ولا بيتدون بشيء من كتاب ربّهم ولا من سنة نبيّهم» وعليهم أن يقتصروا على 
ما كُتب في الفروع, يحلّون ما أحلّتء ويحرّمون ما حرّمتء ويوالون من والت ماداموا غير 
مجتهدين. هذه هي مقالة هذا المفتي المزهّدة في كتاب الله» الصادّة عن سئة رسول الله يل » وهي 
باطلة بإجماع المسلمين من يوم أن بعث نبيّهم إلى اليوم» ذلك أن العوامٌ والعلماء يعملون بأقوال 
)١(‏ آثار ابن باديس )1١15 /١(‏ 


(؟) آثار ابن باديس (5/ )١91/‏ 
ل 


النبيّ ي: وأعماله من غير توقف على أحد منهم لوصوم إلى رتبة الاجتهاد وهذا أمر معلوم 
من عصر الصّحابة إلى اليوم» والله يقول الحق وهو يبدي السبيل)7" 

وهو يؤرخ للانحطاط الذي وقعت في الأمة بتاريخ إعراضها عن السنة النبوية» يقول في 
ذلك: (لست أعرف ابتداءه تاريخياً ( يعني الانحطاط ) ولكني أستطيع أن أحدّده بظهور آثار 
التغير في هذه الأمّة وأزعم أنه يبتدئ من يوم أضاع الناس السئة المحمّدية» وركنوا إلى بدع 
الرّجال التي صرفتهم عن التّربية المحمّدية والأخلاق الإسلامية» وظهر في الشّعبِ رؤساء 
ينسبون إلى الذين» فكان وجودهم سببا في انقسام في الوحدة» واختلاف في الكلمة» وذيوع 
الأهواء» تير جماعات الأمّة إلى نزاعات تفت عضد الوحدة المقصودة للدّين» حتى أصبح 
الحبّ والبغض ليسا في الله كما هي القاعدة الدّينية» واتَحَذ النّاس رؤساء جهّالا بدعيين يعدّونهم 
من أولياء الله وخواصٌ عباده المقرّبِين عنده. ففينت بهم جهلة الأمّة وأشباه الجهلة» فنصروهم 
على عماية واتبعوهم على غواية وصار الدين ألعوبة في يد هؤلاء الرؤساء وأتباعهم)(" 

ومثلما رأينا ابن باديس ينكر على ابن عاشور وقوعه في البدعة» فإنا نرى كذلك نفس الموقف 
من العربي التبسي ينكر على ابن عاشور إعراضه عن السنة» وذلك في فتوى له بعنوان (صلاة 
العيد لمن فاته في اليوم الثاني سنة)7") 


وقد قدمت لما الجمعية!" بهذا التقديم المهين للشيخ ابن عاشور: (علمنا ما وقع للناس من 


.١ ه ص‎ ١1707 شوال/‎ /٠1/ 1977//17م الموافق‎ /١1/ الجمعة‎ .4١ السنة الثالثة» عدد‎ 2١ انظر: جريدة البصائر» السلسلة‎ )١( 
.7 شوال/ 1707 ها ص‎ /٠1/ 1937م الموافق‎ /17 /١١/ الجمعة‎ »4١ السنة الثالثة» عدد‎ »١ (؟) جريدة البصائرء السلسلة‎ 

(؟) نشرت هذه الفتوى في جريدة البصائرء السلسلة الأولى» السنة الثالثة» عدد »٠١7‏ الجمعة /٠4‏ مارس/197”8م الموافق 
١‏ خرم/ 017 اه ص ١‏ و73 ولا 

(؛) ذكر الدكتور أحمد عيساوي أن هذه المقدمة التوضيحية بقلم» وتوقيع إدارة تحرير جريدة البصائر التي كان صاحب الامتياز فيها 
آن صدور هذه الأعداد الشيخ (محمد خير الدين)» ورئيس التحرير والمدير المسؤول الشيخ (مبارك بن محمد الميلي)» انظر: الدكتور 


أحمد عيساوي» منارات من شهاب البصائر للشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي ١108(‏ لمالا اه/ 114١‏ -/1951١م)‏ ص”573 7. 
5 


اضطراب في حكم صلاة عيد الفطر في هاته السنة فذكرنا لهم حديث أبي عمير في العدد 
التسعين!"» ولكن من الناس من يطمئن لقول مصنف فقيه ولا يطمئن - والعياذ بالله - لسماع 
الحديث الصحيح. فنشرنا تثبيتا لهم ملخص مقالين أضاف كاتبها إلى ذلك الحديث أقوال 
الأئمة من المالكية وغيرهم. وبعد هذا كله طلعت علينا المجلة الزيتونية!" بفتوى شيخ الإسلام 
المالكي بتونس تحمل على ما نشرنا في الموضوع حملة سيئة القصد والآدب, مخطئة في العلم 
والنظر» حتى أنبا ختمت بضرب مثل يحقر المتمسكين بذلك الحديث. ويعلق أصحاب المجلة 
على ذلك المثل بالشرح إظهارا لسرورهم بهذا الأدب؟.. وتعريضا بأن المخاطب به لا يفهمه. 
وقد كتب الأستاذ الشيخ العربي التبسي مقالا نقض به تلك الفتوىء التي إن دلت على شيء فهو 
أن شيخ الإسلام أصبح للعلماء الأحرار شيخ خصام لا لإحقاق حق وإبطال باطل ولكن 
لحاجة في نفس الشيخ يعلمها هو ومن عرف حرصه على مشيخة جامع الزيتونة وشدة أسفه 
على تملصها منه» وسعيه بكل وجه لاستعادتها. ولكثرة مواد الجريدة تأخر نشر هذا المقال القيم 
إلى اليوم. ولكنه ليس من تأخير البيان عن وقت الحاجة)7) 

ونحن في هذا المقام لا نملك إلا أن نتأسف على هذا الخطاب الذي لا يوجه للشيخ ابن 
عليوة أو الشيخ الحافظيء وإنما يوجه إلى الشيخ ابن عاشور المعروف بعلمه ونظراته المقاصدية 
الإصلاحية. 


(1) جريدة البصائرء السلسلة 2١‏ السنة الثالثة» عدد .4٠‏ الجمعة /١1/‏ 1977/17م الموافق /٠1‏ شوال/ 11207 ه ص ١‏ و27 
نقلا عن: منارات من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحمد عيساوي» ص 777. 

() المجلة الزيتونية لسان حال جامع الزيتونة. أسست سنة 1975م ورئس تحريرها الشيخ محمد الشاذلي بن القاضي. انظر: محمد 
بن قفصية» أضواء على تاريخ الصحافة التونسية» دار بوسلامة للطباعة» نوتس»ء دون طبعة» دون تاريخ» ص 75/8 نقلا عن: منارات 
من شهاب البصائر (آثار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي) للدكتور أحمد عيساوي» ص777. 

(؟) جريدة البصائر» السلسلة الأولى» السنة الثالثة» عدد »٠١7‏ الجمعة 5 /٠‏ مارس/ 1978م الموافق ٠١‏ / محرم/ /1701ه ص ١‏ 


هه 


وهذا المثال كاف ليرينا مدى تعمق المنهج الوهابي في النقد وني التعامل مع الآخر وفي عدم 
رعاية حرمة أي كان ما دام مخالفا في أذهان وسلوكات الجمعية» وهو ما يقربها كثيرا من 
الوهابية» بل يكاد يجعل منها فرعا من فروعها في الجزائر. 

5 - الموقف من الحكام: 

وهذا من النقاط الفارقة بين الجمعية والطرق الصوفية» فالوهابية ترى عدم التدخل في 
السياسة مطلقاء وترى الطاعة المطلقة للحاكم مهما كان(ابين| تختلف الجمعية معها في هذه 
الناحية» فصحف الجمعية ونشاطها السياسي - كى| سنرى في المبحث الثاني - يبعدها تماما عن 
هذا النوع من السلفية» ولذلك لقي موقف أعضاء الجمعية من الديمقراطية نقدا لاذعا شديدا 


من الوهابية المعاصرين» لدرجة أنهم بدعوا الجمعية بجميع أعضائها بسببه. 


)١(‏ عبر عن ذلك الشيخ ابن عثيمين» وهو من علمائهم الكبار في هذا العصرء فقال في (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح 
لعثيمين - شرح العقيدة الواسطية» دار الثرياء الطبعة الأولى» ١51١9‏ ه) في فصل تحت عنوان (منهج أهل السنة والجماعة في الأمر 
بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الخصال) (8/ /2501: (أهل السنة رحمهم الله يخالفون أهل البدع تماماء فيرون إقامة احج مع 
لأمير» وإن كان من أفسق عباد الله.. فهم يرون إقامة الحج مع الأمراء» وإن كانوا فساقاء حتى وإن كانوا يشربون الخمر في الحج. لا 
يقولون: هذا إمام فاجرء لا نقبل إمامته؛ لأهم يرون أن طاعة ولي الأمر واجبة» وإن كان فاسقاء بشرط أن لا يخرجه فسقه إلى الكفر 
لبواح الذي عندنا فيه من الله برهان» فهذا لا طاعة له» ويجب أن يزال عن تولي أمور المسلمين» لكن الفجور الذي دون الكفر مها 
بلغ» فإن الولاية لا تزال به» بل هي ثابتة» والطاعة لولي الأمر واجبة في غير المعصية.. خلافا للخوارج» الذين يرون أنه لا طاعة 
للإمام والأمير إذا كان عاصياء لأن من قاعدتهم: أن الكبيرة تخرج من الملة. وخلافا للرافضة الذين يقولون: إنه لا إمام إلا المعصوم» 
وإن الأمة الإسلامية منذ غاب من يزعمون أنه الإمام المنتظرء ليست على إمام, ولا تبعا لإمام» بل هي تموت ميتة جاهلية من ذلك 
الوقت إلى اليوم» ويقولون: إنه لا إمام إلا الإمام المعصوم, ولا حج ولا جهاد مع أي أمير كان؛ لأن الإمام لم يأت بعد.. لكن أهل 
السنة والجماعة يقولون: نحن نرى إقامة الحج مع الأمراء سواء كانوا أبرارا أو فجاراء وكذلك إقامة الجهاد مع الأمير» ولو كان فساقاء 
ويقيمون الجهاد مع أمير لا يصلي معهم الجماعة» بل يصلٍِ في رحله) 

ثم علل ذلك بقوله: (فأهل السنة والجماعة لدمهم بعد نظرء لأن المخالفات في هذه الأمور معصية لله ورسوله» وتجر إلى فتن عظيمة.. 
فا الذي فتح باب الفتن والقتال بين المسلمين والاختلاف في الآراء إلا الخروج على الأئمة؟! فيرى أهل السنة والجماعة وجوب إقامة 


الحج والجهاد مع الأمراء» وإن كانوا فجارا) 





15 


وقبل أن ننقل مواقف الوهابية المعاصرين من الجمعية بسبب هذاء نذكر بعض النصوص 
التي صرح بها بعض أعضاء الجمعية» والتي لقيت هذا الاستياء من طرف الوهابية المعاصرين. 

وأوهم ابن باديس» فقد قال في خطاب له في عرض حالة الجمعية الأدبية: (نعم نهضنا مضة 
(بنينا على الدين أركانها فكانت سلاما على البشرية) لا يخشاها- والله- النصراني لنصرانيته ولا 
اليهودي ليهوديته بل ولا المجومي لمجوسيته ولكن يجب- والله- أن يخشاها الظالم لظلمه 
والدجال لدجله والْخائن لخيانته)7) 

ومن ذلك ما نشره مخاطبا الشعب الجزائري بحاسة قائلا(": (ها هم اليوم يريدون خدعك؛ 
ويحاولون استعمالك آلة لأغراضهم ضد أصدقائك الإنسانيين.. أيها الشعب الكريم: كن- 
كلك- مع الحكومة الفرنسوية الممثلة للشعب الفرنسي الديموقراطي أصدق قثيل.كن كلك 
ضد كل متعصب ضد أي جنس وأي دين. كن متحدا فبالاتحاد- فقط- تبلغ غايتك الشريفة 
الإنسانية. كن مستيقظا منظماء لتبرهن على أنك شعب ل تريد إلا العيش وال حرية والسلام. 
ارفع عقيرتك بالاحتجاج ضد جميع الذين يستعملون العنف والقسوة والأساليب الشيطانية 
الخفية ليحدثوا الفتنة والشغب ضد فرنسا والجزائر. ناد من كل قلبك: لتحيى الجزائر! لتحهى 
فرانسا الشعبية! ليسقط الظلم والاستعباد! ليسقط أضداد الأجناس وحرية الأديان 
والأفكار!)7) 

ومن التصريحات التي ينكرونها في هذا الباب على الإبراهيمي قوله. وهو يتحدث عن 
الديمقراطية» ويثني عليها: (والديمقراطية رأي يوناني نظري جميل» منسوب إلى اسم صاحبه؛ 


)١(‏ آثار ابن باديس ("/ /801ه) 
(؟) نشرت جمعية العلماء المسلمين على الأمة الجزائريين منشورين في أيام حادثة مقتل الشيخ كحول سنة 1100١ه‏ - 1975م 
تحضها على ملازمة الهدوء والسكون وتدعوها إلى الثقة بالعدالة الفرنسوية (انظر: آثار ابن باديس (”/ )١١9‏ 
(؟) آثار ابن باديس (”/ )١7١‏ 
/ا 


وهو قائم على أن الشعب هو مصدر السلطة» ومن ثمٌ فهو صاحب الحق في الحكم والتشريع» 
وعلى أن الأفراد متساوون في هذا الحق» ويناقضه رأي آخر يوناني النشأة أيضًا. اصطرع الرأيان 
في ميدان الجدل, ثم اصطرعا في ميدان العمل حتى أصبحا مذهبين في سياسة الحكم, وبابين في 
فلسفة الاجتماع, وكانت هذه الآراء الجميلة في الحياة مثل رأي ديموقراط تدور بين فلاسفة 
اليونان وقياصرة الرومان» أولئك يدرسونها جدلاء وهؤلاء يدرسونها عملاء إلى أن اتتصف 
الله للحق بالإسلام» فجاء بالشورى والمساواة- حك من الله- وأين حكم العقول من حكم 
خالق العقول؟ وجاء عمر فلقن العالم درسًا عمليًا في المثل الأعلى للحكم, ثم جاءت الحضارة 
الغربية المجتهدة في إثمار الحقولء المقلدةٌ في أثمار العقول» وكان من آثار التعصب فيها للآريّة 
والمسيحية أنها آثرت الديمقراطية على العْمّرية» آثرتها في التسمية والنسبة» أما في التطبيق 
والعمل» فإن هذه الحضارة- وهي حاضنة المتناقضات- اتسعت لرأي ديمقراط ولرأي 
مبكيافيلٌ صاحب كتاب "الأمير". فإذا أرادت التلبيس ألبست الثاني ثوب الأول)(2 

ويشتد نكيرهم عغندما يعتير أنها مظلومة» وآن الداعي للها مأجورء وهو بذلك يقررها 
ويشرعنهاء وهذا نص تصريحه الذي لقي الإنكار الشديد من الوهابية المحافظين: (ل تُظلّم هذه 
الكلمة ما ظلمت في هذه العهود الأخيرة» فقد أصبحت أداة خداع في الحرب وني السلم 
جاءت الحرب فجندها الاستعمار في كتائبه» وجاء السلم فكانت سرابًا بقيعة» ولقد كثر 
أدعياؤها ومدّعوها والداعون إليهاء والمدّعي لها مغرور والداعي إليها مأجورء والدعيّ فيها 
لابسٌ ثوب زور.. أصبح استعمار الأقوياء للضعفاء ديمقراطية» وتقتيلهم للعزل الأبرياء 
ديمقراطية» ونقض المواثيق ديمقراطية.. لك الله أيتها الديمقراطية!)() 

ومن التصريحات التي ينكرونها على الشيخ العربي التبسي قوله: (ثم جاء دور من أدوار 


)508 /7( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


)0( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي مر ممه) 
8 


تحديد علاقة الدولة الفرنسية بالأديان وذلك حين صدر قرار 9 ديسمبر ١405‏ القاضي بفصل 
الدين عن الدولة» وكان موقف الحكومة الاستعمارية في الجزائر من الدين الإسلامي أنه ليس 
بدين» وليس بأهل لأن تطبق عليه قوانين فصل الدين عن الدولة.. إن هذه المسألة لا ينبغي 
للديمقراطيين كيفم| كان دينهم وكيفما كانت جنسيتهم أن ينظروا إليها كمسألة بين الحكومة 
الاستعمارية وبين المسلمين الجزائريين. بل الواجب على كل ديمقراطي حر الضمير أن ينظر 
للمسألة من جهتها الديمقراطية التي هي فصل الدين عن الدولة ووجوب احترام الناس في 
أديانهم وعقائدهم» وشعائر دينهم» ومنع الحكومة من التفريق بين الأديان التي يعيش معتنقوها 
في وطن واحد وحتى يعيش الناس في وثام واتفاق ومع حكومة واحدة. هذا موقف - أيها 
الديمقراطيون- يجب علينا أن نقفه كلما حاولت الحكومة أن تعتدي على مظهر من مظاهر 
الديمقراطية)() 

حتى الشيخ الطيب العقبي - مع رضاهم الشديد عنه - إلا أنهم في هذا الموقف ينكرون 
عليه قوله المنشور في جريدة (الشهاب»» وهو قوله:(..ويكفي في نظري لربط العلائق بين 
المتدينين من المسلمين والمسيحيين أن يعمل كل منهما بها جاءت به تعاليم دينه الصحيح» ومتى 
حققوا العمل ب| جاء به (سيدنا عيسى) و(سيدنا محمد) يي عليهما من مظاهر العدل وال رحمة 
كانوا أمة واحدة تعمل لخير الإنسانية وصالح هذا المجتمع الإنساني الذي يجب أن تراعي له 
كرامته ويجب أن لا يحتقر أو يبان في حال من الأحوال)”) 

ويعتبرون هذا مخالفا لقول النبي ي: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم 


وقد ضلوا فإنكم إما أن تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق فإنه لو كان موسى حيا بين أظه ركم ما 


21940١ العربي التبسبي: مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر» جمع: شرفي أحمد الرفاعي قسنطيئة» دار البعث‎ )١( 
ماما‎ 
)١917ه:توأ (غرة جمادى الأولى:: 0 11ه/‎ )7777/١١( (؟) الشهاب‎ 

54 


أل لنإلا نيع 

وقد دافع الباحث محمد حاج عيسى - مع توجهه الوهابي- عن هذا الموقف في كتابه: (الرد 
النفيس على الطاعن في العلامة ابن باديس)(". حيث قال في مطلبه الثالث: (قضية تحكيم 
الشريعة): (..إن المتكلم بلفظ الديمقراطية قد لا يعني بذلك مبدأها الأصلي الذي هو الحكم 
للشعب الذي هو كفرء ى| لا يعني فصل الدين عن الدولة» وهو من الأسس التي تقوم عليها 
الأنظمة الديمقراطية» ولكن بعضهم يعني بها حرية التعبير والانتقاد بالطرق السليمة» ومنه ما 
يستعمله السياسيون المسلمون في معنى حرية المعارضة السياسية المنظمة» وقد يراد بها حرية 
العقيدة بحيث لا يضيق على أهل الديانات المختلفة وتضمن لهم حرية ممارسة شعائرهم 
الدينية» فيجعلونها مقابلة للحكم الجبري الديكتاتوري» وهذه المعاني لا ترقى إلى كونها من 
نواقض الإسلام أو لا تعني بالضرورة أن المعبر بها مرتد كافر أو مضلل للناس» وحرية التعبير 
وحرية العقيدة وإن كانت لما ضوابطها الشرعية المخالفة للطريقة الديمقراطية» فإنه في باب 
المداراة يجوز استعمال اللفظ المشترك الذي يفهم منه السامع شيئا ويريد به المتكلم شيئا آخرء بل 
هذا هو معنى التورية التي لا شك في جوازها في حالة الاضطرار» وأنها من الكذب المباح كى| 
قال إبراهيم - عليه السلام - للملك الظالم عن سارة بأنها أخته هو يقصد في الدين والملك فهم 
أنها أخته في النسب )7) 

وقد رد التيار الأكثر تشددا على هذا بأن كلامه فيه (مغالطة وأغلاط من وجوه عدة: منها: 
تأويله السمج لكلام ابن باديس في الديمقراطية وتشنيعه على من رد عليه فيها بكلام حق وقال: 
(تضليل الشعب بفكرة الديمقراطية» والديمقراطية هي الكفر عينه إذ أنها تنادي بوجوب 


)73"/ /9( مسند أحمد بن حنبل‎ )١( 
محمد حاج عيسىء (الرد النفيس على الطاعن في العلامة ابن باديس)» د.ط» د.ت» (ص: +ه05-5؟)‎ 6 


(؟) الرد النفيس على الطاعن في العلامة ابن باديس» (ص: 5-1707 76). 
7 


إخضاع الحكم للشعب. والحكم لله عز وجل في شريعتنا وعقيدتناء فكيف خفي هذا على الشيخ 
ابن باديمس؟.. - ومنها: تكلف الأعذار في حمل الكلام غير ما يحتمل» كقوله: (إن المتكلم بلفظ 
الديمقراطية قد لا يعني بذلك مبدأها الأصلي الذي هو الحكم للشعب الذي هو كفرء ى| لا 
يعني فصل الدين عن الدولة» وهو من الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية)» وكلام 
ابن باديس في الديمقراطية واضح وضوح الشمسء ويعني كل ما سبق ومنها مبدأها الأصلٍ 
كما عبر الرّاد.. ومنها: قول الكاتب - عن معاني الديمقراطية أنها (لا ترقى إلى كونها من نواقض 
الإسلام أو لا تعني بالضرورة أن المعبر بها مرتد كافر أو مضلل للناس)» وهذا فيه من المغالطة 
ما فيه» حيث أوهم القاري أن القول بها ليس من نواقض الإسلام وأن من رد على خطأ ابن 
باديس وأمثاله من الكتاب الإسلاميين القائلين بالديمقراطية؛ فقد يلزم منه تكفيرهم.. وليّعلم 
الآخ الكاتب - عفا الله عنه ‏ أن (الديمقراطية > الكفر)» وأنها ليست من الإسلام, أما تكفير 
القائل مها فإنَّ رد الخطأ لا يلزم منه الحكم بالتكفير» أما التضليل فقد ضل الشيخ ابن باديس - 
وغيره - عن الحق في هذه المسألة وغيرها..و الحكم بالتكفير في مثل هذه القضايا لأهل العلم 
الراسخين وليس لكل من هب ودب)”" 

وهكذا نجد الرسائل والمقالات والمدونات بين الطرفين من الوهابية المتشدد منهمء والأقل 
تشدداء منهم من يتهم ابن باديس والجمعية» ومنهم من يدافع عنهم» والكل متفق على أن ظاهر 
ما قاله وما قاله أعضاء الجمعية معه منكرء والفرق بينههما أن المتشدد يأخذ بظواهر الألفاظ. 
والأقل تشددا يؤول ويلتمس الأعذار. 

المطلب الثالث: السلفية التنويرية وعلاقة جمعية العلماء بها 

السلفية التنويرية هي المدرسة الثانية من مدارس السلفية الكبرى» وهي وإن كانت تتفق 
)0 ورد هذا النقد في منتديات الآفاق السلفية في موضوع تحت عنوان (الشيخ بن باديس- رحمه الله تعالى- والديمقراطية) ضمن 


سلسلة ( التنبيهات السّلفية..) على هذا الرابط: (26-7720:1 م ام 0 2ع6 تالاه طك اعم . لم3 زط قمطة .362 -اه//:مخغخط) 
الا 


معها في الاسم, فإنها تختلف معها في المسمى اختلافا شديدا يصل أحيانا إلى حد الصراع. 

فالتنويريون يتهمون المحافظين بالجمود والتخلف والحرفية» والمحافظون يتهمون 
التنويريين بالعقلانية والبدعة والضلالة. 

فهذا محمد عبده زعيم السلفية التنويرية يقول منتقدا السلفية المحافظة: (... اللهم إلا فئة 
زعمت أنها نفضت غبار التقليد» وأزالت الحجب التي كانت تحول بينها وبين النظر في آيات 
القرآن ومتون الأحاديث لتفهم أحكام الله منهاء ولكن هذه الفئة أضيق عطنا وأحرج صدرا 
من المقلدين» وإن أنكرت كثيرا من البدع» ونحت عن الدين كثيرا تما أضيف إليه وليس منه 
فإنها ترى وجوب الأخذ ب يفهم من اللفظ الوارد والتقيد به بدون التفات إلى ما تقتضيه 
الأصول التي قام عليها الدين» وإليها كانت الدعوة» ولأجلها منحت النبوة» فلم يكونوا للعلم 
أولياء ولا للمدنية أحباء)(") 

وقد علق الشيخ رشيد رضا على قوله هذا بقوله: ( يعني ببذه الفئة أهل الحديث ومن 
يسمون الوهابية» فقد كان يحمد منهم ترك البدع والاهتداء بالسئن وتقديم الأثر على آراء 
البشر» وينكر عليهم ضيق العطن دون ما أرشدت إليه النصوص من علوم الأكوان ومقدمات 
المدنية والعمران التي تعتني بها الأمة وتعلو كلمة الملة)7") 

وهذا فهد الرومي من السلفية المحافظة يذكر المستجدات الفكرية والعلمية الحديثة» فيقول: 
(.. وهال الأمر علاء المسلمين» وذهبوا للرد على تلك الأفكار مذاهب شتى. وحاولت فئة 
منهم التوفيق بين الدين والعلم وبينت للناس أن الدين الإسلامي الحق لا يحارب العلم ولا 
ينافي العقل وأنه دين العقل والحرية والفكر. وذهبت تبين للناس ذلك المنهج وتقيم الدين 
الإسلامي على العقل - الذي لا يقر أرباب الثقافة الغربية غيره حكم) - وبينت أن ليس في 


6 محمد عبده» الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية» دار الحداثة» ط ١18/5‏ مص .١158- ١١17‏ 


إف6 محمد عبده» الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية (هامش)» ص .١7/‏ 
8 


الإسلام ما لايقره العقل وحاولت أن تفسر القرآن الكريم على هذا المنهج وهذا الأساس وكان 
لهذه المدرسة العقلية رجال كان لهم نشاط واسع في نشر هذه الثقافة ومكافحة الاستععار 
ومقاومة الحجوم على الدين وإلقاء التبعة عليه في التخلف الحضاري.. وكان من رجال هذه 
المدرسة المؤسسين لها جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وتلاميذه محمد مصطفى المراغي 
ومحمد رشيد رضا وغير هؤلاء كثير.. وسميت ممضتهم هذه بالنهضة الإصلاحية وكان لهذه 
المدرسة آراء كثيرة تخالف رأي السلف وشطحات ما كانوا ليقعوا فيها لولا مبالغتهم الشديدة 
في تحكيم العقل في كل أمور الدين حتى جاوزوا الحق والصواب وشكك بعض رجال الفكر 
الإسلامي الحديث في نزاهة المؤسسين لهذه المدرسة أعني جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد 
عبده مستدلين على ذلك ببعض علاقاتهم وما ورد في كتاباتهم)”" 

وهذا سان بن فهد العودة مع اعتداله في كثير من المواقف يقول عن هذه المدرسة: (إن 
المدرسة العقلية اسم يطلق على ذلك التوجه الفكري الذي يسعى إلى التوفيق بين نصوص 
الشرع وبين الحضارة الغربية والفكر الغربي العاصرء وذلك بتطويع النصوص وتأويلها تأويلا 
جديدا يتلاءم مع المفاهيم المستقرة لدى الغربيين» ومع انفجار المعلومات والاكتشافات 
الصناعية الحائلة في هذا العصرء وتتفاوت رموز تلك المدرسة تفاوتا كبيرا في موقفها من النص 
الشرعي, ولكنها تشترك في الإسراف في تأويل النصوصء سواء كانت نصوص العقيدة» أو 
نصوص الأحكام, أو الأخبار المحضة» وفي رد ما يستعصي من تلك النصوص عل التأويل)7" 

ويقول آخر بلهجة أشد: (وقد سلك مسلك هؤلاء الزائغين جمال الدين الإيراني المتأفغن» 


ومحمد عبده المصريء. ومحمد رشيد رضاء ومحمد مصطفى المراغي» ومحمد فريد وجدي» 


)1١(‏ فهد الروميء منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير» دار الرسالة» الطبعة الرابعة» ١4١5‏ ص55. 
(؟) سلمان العودة» حوار هادئ مع محمد الغزالي» الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد» 
الطبعة الأولى» ذو القعدة ١504‏ ه. ص4. 

لف 


ومحمود شلتوت» وعبدالعزيز جاويشء وعبدالقادر المغربي» وأحمد مصطفى المراغيء وأبو ريّة 
صاحب الظلمات» وأحمد أمين صاحب (فجر الإسلام) و(ضحاه) و(ظهره)7" 

ومع هذا البون الشديد بين المدرستين إلا أن الكثير من المؤرخين والمفكرين استعملوا هذا 
المصطلح في كتاباتهم (سلفية)» ينعتون به مفكري عصر النهضة؛ وزعماء الحركات الإسلامية 
الكبرى التي ظهرت في العالم الإسلامي» مثل رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغانٍ ومحمد 
عبده» ومن تبعهم أو سار على نبجهم أو اتفق معهم في مبادئهم كأبي شعيب الدكالي والعربي 
العلوي والزعيم علال الفاسي من المغرب الأقصىء وابن باديس والإبراهيمي من الجزائر. 
وسالم بوحاجب والطاهر ابن عاشور من تونس» وحسن البنا من مصرء ومحمد إقبال في ا هندء 
وعلي شريعتي في إيران» والمودودي في باكستان!". 

وبا أن لجمعية العلماء علاقة كبرى بهذا التيار السلفي إلى درجة أن الكثير من الباحثين 
يعتبرونها امتدادا له» فإنا نحتاج إلى ما احتجنا إليه في المطلب السابق من إثباتات» وهي نوعان: 

الأول: إثبات علاقة الجمعية مع رواد هذه المدرسة. 

الثاني: إثبات مدى الاتفاق في المبادئ بين الجمعية وهذه المدرسة. 

وقد خصصنا كل قسم منهما بفرع خاصء وقدمنا لذلك بفرع حول حقيقة التنوير. 

أولا حقيقة التنوير: 

لغة: التنوير كلمة مشتقة الو أي الضياء. والنور: ضد الظلمة» والتنوير: وقت 


)١(‏ أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعيء ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر وبيان بعد محمد رشيد رضا عن 
السلفية» دط.ط 7 ص7. 


6 جموعة من المؤلفين» الموسوعة الفلسفية العربية» معهد الانماء العربي» بيروت» المجلد الثاني» مادة السلفية» ص ينيفة 
7 


أسفار الصبح» يقال: قد نور الصبح تنويراً. والتنوير: الإنار:/"2. 

اصطلاحاً: 

ربها يكون الفضل في نشأة مصطلح (التنوير) - بمفهومه الحديث - إلى الثقافة الغربية قبل 
الثقافة العربية الإسلامية!", ذلك أنه بالتأمل البسيط لدلالة المصطلح والتعرف على المبادئ 
التي يراد بها منه نجد نقاطا كثيرة مشتركة: 

فمفهوم التنوير (+601180601060) في الثقافة الغربية يقصد به اتجاه ثقافي ساد أوروبا 
الغربية في القرن الثامن عشر بتأثير من المثقفين الذين عرفوا باسم المتفلسفين وكانوا صحفيين 
وكتاباً ونقاداء ورواد صالونات أدبية من أمثال (فولتير)» (وديدرو)» و(كوندرسيه)» 
و(هولباخ)» و(بيكاريا) 

وقد اتخذ هذا الاتجاه من العقل والطبيعة والتقدم» ركائز لنشر وجهته العلانية 
(566111311512) والعلمانية (2)501611615127. وكان شعار التنوير الغربي (العلم للجميع)؛ 
وكانت روح التنوير إلحادية» بل وشديدة العداء للكنيسة وللسلطة متمثلة في الدولة» وللخرافة 
والجهل والفقر» ولهذا اتخذ أصحابه من العلم سبيلاً لتنوير العقل وتحريره من ظلمة الجهل 
ونشر المعارف الحديثة» ومن الصحافة طريقاً لتثقيف الرأي العام وتربيته وتوعيته» ومن النقد 


)١(‏ انظر: ابن منظور: لسان العرب؛ ج 5» ص »5017١‏ وأيضاً الطاهر أحمد الزاوي الطرابلسي» مختار القاموسء الدار العربية 
للكتابء ليبيا - تونس» ط /ا/81١701.‏ ص 5 57.. 

(؟) هذا بالنسبة له كمصطلح لاتجاه فكريء أما دلالته - كمنهج فكري- فهي موجودة بقوة في الثقافة الإسلامية» فهذا (ابن رشد) 
يستخدمه في دعوته إلى إعمال العقل في النص الديني في مقولة (التأويل)» والتي يعرفها بأنها (إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية 
إلى الدلالة المجازية)» والتأويل عنده من شأن الراسخين في العلم وليس من شأن الجمهور؛ ولهذا يمتنع تكفير المؤول. فالذي يكفر 
هو الذي يتوهم أنه مالك للحقيقة المطلقة. وهذا الوهم هو الذي يحد من سلطان العقل. وقد أراد (ابن رشد) إزالة هذا الوهم بحيث 
لا يبقى سوى سلطان العقل. وهذا هو جوهر( التنوير) (انظر: مراد وهبه. ملاك الحقيقة المطلقة» دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع» 


)١٠١8 ص‎ 


درباً للوقوف على الحقيقية(1". 

انطلاقا من هذا فهم (التنوير) في العالم الإسلامي فهان متناقضانء ولكل منهما رواده 
ومفكروه ومشروعه الإصلاحي: 

أما الفهم الأول. فأخذ من التنوير صورة مطابقة للأصل الغربي» فعرف «التنوير) بأنه 
(الاتصال المباشر بالغرب واقتفاء أثر الفلاسفة العقليين الأحرار في إعادة بناء الحضارة العربية 
الحديثة)7) 

وعرفه آخر: بأنه حركة فكرية عقلية إلحادية» أنكر أصحاءها وجود الله والكتب السماوية» 
والبعث» والآخرة. وانصبت جهودهم على إصلاح المجتمع!". 

وأما الفهم الثان» فأخذ روح التنوير ومبادئه الكبرى دون انحرافاته المتمثلة في الإلحاد 
والمواجهة التامة مع الدين» لأن الإسلام ليس كالمسيحية» وقد عوض ذلك بمواجهة الأفكار 
الدخيلة على الإسلام» ولهذا ربط بين السلفية والتنوير» وقد كان على هذا النهج (محمد عبده) 
فقد وصف الأمم المتنورة بأنها الأمم المتمدينة؛ فهو يوحد بين (التنوير والتمدن)» ولا يربط بين 
التنوير والإلحاد. 

بل إن بعض المفكرين المسلمين يعر فون (التنوير) بأنه (اتباع النور والهدى المبين» واقتفاء أثر 
النبي عليه الصلاة والسلام)» ووصفوه بأنه الفجر الذي يبدد ظلمات الجهل والجهالة» ومن ثم 
فهو مختلف اختلافاً جزئيا وكلياً عن تعريف الغربين له("). 


)١(‏ عبد المنعم الحفني» موسوعة الفلسفة والفلاسفة» ج »١‏ مكتبة مدبولي» القاهرة» ط7؛ 1499.. ص 4504 - وأيضاً عصمت 
نصارء اتجاهات فلسفية معاصرة. في بنية الثقافة الإسلامية» دار الحداية للطباعة والنشر والتوزيع» القاهرة» ط 167٠07‏ ص 17. 
(؟) عصمت نصارهء اتجاهات فلسفية معاصرة» ص ١6‏ . 
(؟) عصمت نصارء إتجاهات فلسفية معاصرة» ص 1760١5‏ . 
(:) عصمت نصارء إتجاهات فلسفية معاصرة» ص9١‏ . 

"7 


ثانيا ‏ رواد السلفية التنويرية وعلاقة الجمعية بهم: 

كما حصل الاختلاف في مفهوم التنوير» فقد حصل الاختلاف بين الرواد التنويريين الكبار, 
فلهذا نجد منهم الذي يتخذ من الإسلام مادته الأساسية للتنوير» وينطلق في ذلك من الإسلام 
الأول قبل نشوء الفرق» ويركز خصوصا على القرآن الكريم؛ كالأفغاني ومحمد عبده ورشيد 
رضا. 

ونجد منهم من يرفض ذلكء ويعتبر الغرب والثقافة الغربية بجميع أركانها ومبادئها هي 
أساس التنوير» ولعل أحسن من يمثل هذا التيار سلامة موسى» وطه حسين» وأحمد لطفي 
السيد» وغيرهم. 

بالإضافة إلى من اختلف في تصنيفهم الباحثون كرفاعة الطهطاويء. وعبد الرحمن 
الكواكبي» وقاسم أمين, وغيرهم. 

وبا أن بحثنا مرتبط بالسلفية التنويرية التي أثرت في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» 
فسنذكر - باختصار- بعض التنويريين الكبار الذين نرى أن لهم آثرا في فكر الجمعية ومشروعها 
الإصلاحي. 

جمال الدين الأفغاني: 

يعد جمال الدين الأفغاني (18910-1894 م) أول من صاغ المشروع الإصلاحي الحديث 
المتمثل في (الإسلام في مواجهة الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل)7"» وقد حاول - من 
خلال مشروعه الإصلاحي - أن يجيب على كيفية تمكن لأمم الإسلامية من قهر التخلف 
واللحاق بالأمم المتقدمة على أساس من ذاتيتها وهويتها. 

وحاول -لذلك- رصد بعض القوانين العامة لنهضة الشعوب وسقوطها؛ وهي (قوانين 


.١١ ص‎ »١999 حسن حنفي: جمال الدين الأفغاني» المائوية الأولى للكتابء القاهرة‎ )١( 
7 


التقدم والتخلف) على أساس أن النهضة هي القاعدة والتخلف هو الاستثناء» فالنهضة بالدين 
والعمل» والسقوط بالدين دون العمل؛ والسبب الرئيسي في تدهور أحوال المسلمين هو تركهم 
حك الدين والسما جنا 

وهو يرى أن إصلاح ذلك لا يكون إلا بالرجوع إلى ينابيع العقيدة الإسلامية الصافية» وقد 
اتخذ من ذلك قاعدة في شكل قانون هو: (ترك ما كان سبباً للصعود يؤدي إلى ال بوط 
والنو )ا 

وقد يتصور البعض أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظر إليه نظرة سلبية» | تنظر إليه 
السلفية المحافظة» ولكن الواقع خلاف ذلك!", فالجمعية وإن لم تكن قريبة منه بقدر قربها من 
الشيخ محمد عبده ورشيد رضا إلا أنها كانت تعتبره من كبار المصلحين» بل أب الإصلاح 
الحديث. 

فهذا الإبراهيمي في خطبة له بعنوان (الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني)!" بمناسبة 
ذكراه يعتبره أب المصلحينء ويقر بفضله على الإصلاح الحديث؛ فيقول: (الذكرى من الذكرء 
فاذا تذكرون في هذه الليلة عن جمال الدين الأفغاني» وماذا تدخرون من آثارها في نفوسكم 
لليالي المقبلة من أعمالكم؟ اذكروا أنه كان عانًا شجاعًاء قوّالّا للحق جرينًا فيه» واذكروا أنه كان 
لا يخشى في كلمة الحق يقوها ولا في الحق يدعو إليه لومة لائم» واذكروا أن جميع الثغر التي أتينا 
منها فعِلَة العلل فيها آتية من سكوت علماء الدين وبعدهم عن شؤون المسلمين العامة. وقد 
جزاه الله في الدنيا جزاءً عاجلًا فرزقه طرارًا من التلامذة المستعدين» نفخ فيهم من روحه. 


ورباهم على مباديه. وكانوا من بعده حمل فكرته. الشارحين لما بالعمل» وحسبكم بالأستاذ 


6 حسن حنفي: جمال الدين الأفغاني» ص 180.. 
)١(‏ وهذا من النواحي التي ينكرها السلفيون المحافظون على جمعية العلماء» ويبدعونها بسببها. 
(©) انظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (0/ )١97‏ 

7” 


الإمام محمد عبده.. وإن جمال الدين اقتحم هذا الميدان فكان حجة لبعض العلماء» وحجة على 
بعضهم. رحمة الله على جمال الدين جزاء ما قدّمه للإسلام والمسلمين» وكفاء ما سنّه للعلماء من 
أسى حسنة لم نزل نتقلّب في أعطافهاء وندين له بالفضل فيها)”" 

ويعتبره في موضع آخر واضع (أساس الوطنية الإسلامية على صخرة الإسلام الصحيح) 
والذي أهاب (بالمسلمين أن ينفضوا أيديهم من ملوكهم ورؤسائهم وفقهائهم, لآنهم أصل 
بلائهم وشقائهم)”" 

ويرد الإبراهيمي بقوة على من يسميهم (علماء القشور والرسوم) الذين ينظرون إلى الأفغاني 
على أنه (ليس عانًا دينيا بالمعنى الذي يفهمونه من الدين (لأن العالم الديني عندهم هو حاكي 
أقوال وحافظ اصطلحات وراوي حكايات؛ (أما أصحاب العقول الْتَدَبْرة والأفكار المثمرة» 
والبصائر النيّرة» والموازين الصحيحة للرجالء فإنهم يرون في الأفغاني عايًا أي عالم» وفردًا 
انطوى على عالم» وحكيًا أي حكيم, وأنه أحيى وظيفة العالم الديني وأعاد سيرتها الأولى» 
وأنعش جدها العائرء وجدّد رسمها الدائر.. كان العالم الديني في أن الإسلام أقوى نفودًا 
وأوسع سلطة من الخليفة والملك والأمير» وكان الأمراء القاسطون يخشون ذلك النفوذ الواسع 
ويضيقون به ويتترمون منه)7) 

محمد عبده: 

يعتير محمد عبده ( ١405-1١59‏ م) باتفاق الباحثين مصلحاً اجتماعياً ودينياًء ورائداً من 
الرواد الكبار للفكر الإسلامي» وقد كرس جميع جهوده في سبيل الإصلاح.. وقد استطاع من 
خلال المناصب التي تقلدها أن يلعب دوراً في النهضة الفكرية والدينية الحديثة. 


.١1957/65:ىميهاربإلا آثار‎ )١( 
.504 / (؟) آثار الإبراهيمى:‎ 


(؟) آثار الإبراهيمى: 7/6 .١95‏ 
273 


وقد أسس مع أستاذه جمال الدين الأفغاني جريدة (العروة الوثقى) (18/5 م) واتفق معه 
على أن سبب ضعف المسلمين يعود إلى ضعف العقيدة وجهلهم بأصول الدين» وأن علاج 
ذلك لا يكون إلا بالرجوع إلى ينابيع الدين الصافية» وهو يذكرنا تماما بالاتفاق الذي حصل 
بين ابن باديس والإبراهيمي» ولكن الفرق بينهما هو أن ابن باديس والإبراهيمي ظلا على اتفاق 
تام» بين| اختلف الأفغاني مع محمد عبده في وسيلة الإصلاح: 

بيدا سلك «الأفغاني) سبيل السياسية» رأى (محمد عبده) أن الوسيلة هي التعليم 
والتهذيب؛ لاعتقاده أن ارتقاء المعارف هو سبب تقدم الأمم في الثروة والقوة» ومن أجل ذلك 
اقترح تعميم المدارس الوطنية وإصلاح البرامج الدينية!". 

وبعد عودة الإمام إلى مصر - بعد نفيه إلى بيروت- رأى أن ينهج خبجاً يحقق له غرضه في 
الإصلاح الديني» فعمد إلى مسالمة الإنجليزء اعتقاداً منه أن المستعمر لا يقاوم إلا بإنارة الشعب 
وتثقيفه الثقافة الدينية الصحيحة» وهو نفس ما فعلته الجمعية في مواقفها من فرنساء وعللت 
نفس التعليلن: 

وبناء على هذا طرح محمد عبده مشروعه المتمثل في تحقيق ثلاثة أهداف كبرى للإصلاح» 
نذكرها هنا باختصار لنرى مدى توافقها مع المنهج الذي اعتمدته الجميعة: 

١‏ -الإصلاح ديني: حيث دعا إلى تحرير الفكر من التقليد والجمود» وفهم الدين على طريقة 
سلف الأمة قبل ظهور الخلاف» والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى» واعتبار الدين 
من ضمن موازين العقل. فليس هناك تعارض بين العقل والنقل. 

كما دعا إلى إصلاح العقيدة وتنقيتها من الخرافات» ولهذا ركز على إصلاح الأزهر» وأكد 


على ضرورة التكامل بين الدين والعلم من جهة» وبين العقل والوجدان من جهة أخرى؛ لأن 


)00 محمد عبده: رسالة التوحيد» قدم لحا وعرف عنها وعن مؤلفها الشيخ حسين يوسف الغزالء دار إحياء العلوم» بيروت» ط 


.7 »لياص‎ ١01/ 


الدين الكامل هو علم وذوقء أو فكر ووجدان"". 

١‏ -الإصلاح اللغوي: فقد أدرك محمد عبده أن دعوته للاتصال بالغرب لن تحظى بالأهمية 
في ظل جمود اللغة العربية وهجمات المستشرقين عليهاء فنهض (عام ١847‏ م) -مع أصدقائه- 
لتكوين أول مجمع للغة العربية في مصرء وهو (المجمع البكري) من أجل إصلاح اللغة العربية 
وجعلها أداة صالحة للمساهمة في التحرير الفكري. 

الإصلاح السياسي: فقد دعا محمد عبده إلى إيقاظ الرأي العام إزاء الحاكم» فك| للحاكم 
حق على الشعبء كذلك للشعب حق على الحاكم» وكانت دعوته عن طريق الصحافة والتعليم 
ومجلس الشورى/". 

ونرى من خلال هذا العرض المختصر لمشروع محمد عبده الإصلاحي توافقا تاما مع 
ا جمعية» ولذلك نراها تثني عليه» بل تعتمده» بل تعتبر له الفضل في السبق والريادة 
والأستاذية. 

وربا تعود بوادر هذا التأثير إلى زيارة الشيخ محمد عبده للجزائر» حيث استقبل استقبالا 
حافلا كان له تأثيره النفسي في الجزائريين لتقبل الإصلاح على الطريقة التنويرية» حتى أن 
البعض يعتبر من الدوافع الكبرى للإصلاح تلك الزيارة» يقول عمار طالبي: (ومن الدوافع 
التي أدت إلى الإصلاح كذلك وساعدت عليه- إلى جانب المجلات والجرائد والكتب التي 
كانت تصل إلى الجزائر- زيارة الأستاذ محمد عبده إلى تونس والجزائر سنة )١907( ه١77 ١‏ 
في الصيف وقد مهد لتآثير هذه الزيارة» مجلة المناره ومن قبلها العروة الوثقى» فكان الطلبة 


والشيوخ يطالعون هذه الصحف ويتداولونها)”) 


.١5 محمد عبده: رسالة التوحيد» ص‎ )١( 
.١9 انظر: محمد عبده: رسالة التوحيد» ص‎ )١( 


(؟) من مقدمة عمار طالبى لآثار ابن باديس: .757/1١‏ 
8م 


ويقول صالح خرفي عنها: (الزيارة الشخصية للشيخ محمد عبده كانت كفيلة بتعزيز بدايات 
النهضة الإصلاحية الحديثة في الجزائره والوصول بها إلى حد الحزب الديني المصلح؛ حتى إن 
الشيخ رشيد رضا قال - وهو يؤرخ لزيارة الإمام محمد عبده أقطار المغرب العربي في مستهل 
القرن العشرين - : (وقد وجد له في تونس والجزائر حزبا دينيا يتتمي إليه من حيث لم يكن 
يعلم)!" 

ويشير ابن باديس إلى ريادة الشيخ محمد عبده للإصلاح فيقول: (أول من نادى بالإصلاح 
الديني علما وعملا نداء سمعه العالم الإسلامي كله في عصرنا هذا هو الأستاذ الإمام الشيخ 
محمد عبده» وأول من قام بخدمته بنشرة إسلامية عالمية هو تلميذه حجة الإسلام السيد محمد 
رشيد رضا صاحب المنار. رحمهم الله وجازاهما عن الإسلام والمسلمين خيرا ما جازى به 
المجددين لهذا الدين)() 

وهذا التصريح يدل على أن ابن باديس متأثر بالسلفية التنويرية أكثر من تأثره بالسلفية 
المحافظة» ذلك أن السلفية المحافظة ترى أن ريادة الإصلاح للشيخ محمد بن عبد الوهاب لا 

وهكذا نرى الإبراهيمي وغيرهما من أعضاء جمعية العلماء يبجلون الشيخ محمد عبده. 
ويعتبرونه أب الإصلاح الإسلامي الحديث, يقول الإبراهيمي: (لا نزاع في أن أول صيحة 
ارتفعت في العالم الإسلامي بلزوم الإصلاح الديني والعلمي في الجيل السابق لجحيلنا هي صيحة 
إمام المصلحين الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده- رضي الله عنه- وأنه أندى الآئمة المصلحين 
صونًا وأبعدهم صيتا في عالم الإصلاح. فلقد جاهر بالحقيقة المرة» وجهر بدعوة المسلمين في 
مشارق الأرض ومغاربها إلى الرجوع إلى الدين الصحيح والتماس هديه من كتاب الله ومن سنة 
(1) صالح خرفي : المدارس والمعاهد العلياء دورها في النهضة العربية لحديثة. المجلة الجزائرية للتربية» عدد 5» ص /7”7. 


)57 /7( آثار ابن باديس‎ )١( 
م‎ 


نبيه)() 

ولأجل هذا التوافق وهذه الإشادة نرى الشيخ ابن عليوة يقتبس في رده على الجمعية» 
ودفاعه عن التصوف أو الأحوال الصوفية من الشيخ محمد عبده؛ ليواجههم بهاء ويثبت لهم أن 
محمد عبده مع توجهه السلفي لم يكن ينكر على الصوفية» بل كان ينتصر لهم» بل كان فوق ذلك 
صوفيا عرفانيا بامتياز. 

ومن ذلك ما ذكره في رسالة (الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف؟'" من اقتباسه من 
محمد عبده قوله: (والصوفي نسبة إلى الصوفية وهم طائفة من المسلمين همهم من العمل إصلاح 
القلوب وتصفية السرائر والاستقبال بالأرواح وجهة الحق الأعلى جل شأنه حتى تأخذهم 
الجذبات لله عمن سواه وتفنى ذواتهم في ذاته وصفاتهم في صفاته والعارفون منهم البالغون إلى 
الغاية من سيرهم في أعلى مرتبة من الكمال البشري بعد النبوة)”" 

ثم عقب على ذلك بقوله: (وني ظني أنه لا شيء أبين من هذا فبما نريد إثباته وزاد على ذلك 
حضرة الكاتب ما أثبته للصوفية من تأثير الإرادة وغيرها من الخوارق التي تعتبر عند البعض 
من أهل العصر الحاضر من الخرافات ولا مستند لهم في ذلك إلا سوء الظن وعدم اعتبارهم ما 
للروح من الكمالات والخصائص الذاتية وهذا من حضرة الكاتب أبلغ ما يعتبر في الصراحة 
وأوضح ما يتأتى في التعريف)*) 

وسنرى المزيد من مواقف محمد عبده من التصوف. وخاصة التصوف العرفاني في محلها من 


هذه الرسالة» ومن خلاها سنعرف الفوارق الكبرى بين الجمعية والمدرسة التنويرية» 


.١ا/ا//١ آثار الإبراهيمى:‎ )١( 
له هي عدة مقالات في مجلة البلاغ الجزائري جمعت في رسالة واحدة» رد بها الشيخ على ما كتب في جريدة (الشهاب)‎ 
." ص75‎ ,199٠ (؟) أحمد بن عليوة المستغانمي» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوفء المطبعة العلاوية» مستغانم» ط”»‎ 


(:) أحمد بن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص”7. 
الله 


وخصوصا الشيخ محمد عبده» ونعرف أن الجمعية لم تستفد من الشيخ محمد عبده إلا بتعض 
مواقفه الإصلاحية» أما الجذور الفكرية لهاء فإن بينها وبينها بونا بعيدا. 

محمد رشيد رضا: 

يعتبر محمد رشيد رضا ( 18765 م- 19170 م) أقرب الرواد الإصلاحيين الثلاثة إلى جمعية 
العلماء المسلمين الجزائريين» ولعله الواسطة التي وصل بها فكر الأفغاني وعبده إلى الجمعية ىا 
وصل إلى العالم الإسلامي. 

ولعله الواسطة أيضا في ذلك الموقف الذي وقفته الجمعية في نصرة الوهابية» فقد تصدى 
الشيخ رشيد للدعاية المناوثة لعلماء نجد. وكان يطلق عليهم في رسائله إلى شكيب أرسلان 
(الوهابية»» وعندما انتتشرت الدعاوى ضدهم بعد افتتاح الطائف وزع ألوفاً من رسالة (الحدية 
السنية والتحفة النجدية) ونشر مقالات في الدفاع عنهم والرد على خصومهم. وقد قال له شيخ 
الأزهر أمام ملا من العلماء: (جزاك الله خيراً بها أزلت عن الناس من الغمة في أمر الوهابية)(" 

واستمرت صلات رشيد رضا مع علاء نجد وزعمائها إلى وفاته.. وكانت له مثل هذه 
الصلات مع السلفيين في مختلف بلدان العالم الإسلامي. 

ولا حاجة لنا إلى ذكر التصريحات التي تدل على مدى تأثر أعضاء الجمعية بالشيخ محمد 
رشيد رضاء فهي كثيرة جداء وقد كتب ابن باديس تفاصيل حياة وفكر الشيخ رشيد في 
الشهابء وأطنب في الثناء عليه. 

أما البشير الإبراهيمي» فله معه ذكريات» فقد التقى به في دمشق خلال إقامته فيها -١91١5(‏ 
وقد ذكر أنه كان يستعيد ذكرياته معه عند لقائه مع ابن باديس» وأن ذلك كان سببا 


في التفكير في إنشاء الجمعية» يقول: ( ولا أنسى مجلساً كنا فيه على ربوة من جبل قاسيون في 


6 شكيب أرسلانء السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة» مطبعة ابن زيدون» دمشق» ص 557". 


فة6 سجل مؤقر جمعية العلماء» ص 0 
:6 


زيارة من زياراته لي» وكنا في حالة حزن لموت الشيخ (رشيد رضا) قبل أسبوع من ذلك اليوم» 
فذكرنا تفسير المنار» وأسفنا لانقطاعه بموت صاحبه فقلت له. ليس لإكاله إلا أنت» فقال لي 
: ليس لإكاله إلا أنت» فقلت له : حتى يكون لي علم رشيد» وسعة رشيد» ومكتبة رشيد. 
ومكاتب القاهرة المفتوحة في وجه رشيد. فقال لي واثقاً مؤكداً : إننا لو تعاونا وتفرغنا للعمل 
لأخرجنا للأمة تفسيراً يغطى على التفاسير من غير احتياج إلى ما ذكرت)27) 

وقد كان الشيخ رشيد رضا يبادل الجمعية وأعضاءها نفس المشاعر» فقد تحدث عن 
الإصلاح في الجزائر في أكثر من موضع من مجلة المنار» كما أنه كان يتابع فيها باهتمام أوضاع 
الجزائر السياسية والاجتماعية والثقافية» ويرد على أسئلة الكثير من الجزائريين كالزواوي وعبد 
القادر الجزائري وغيرهما. 

ومن أمثلة تلك المواضع التي تحدث فيها عن الجمعية ما ورد في مجلة المنار عدد (شوال من 
سنة 17417 ه)/ وفي قسم (تقريظ المطبوعات)» كتبت عن جريدة الشهاب تقول: ( الشهاب: 
صحيفة تصدر في مدينة قسنطينية من قطر الجزائر في المغرب الإسلامي» وهي إصلاحية نحبي 
مذهب السلفء وتقاوم الخرافات والبدع, يصدرها الأستاذ الفاضل الناصح عبد الحميد بن 
باديس.. فنتمنى لما طول العمر ودوام النفع» ونتمنى مع ذلك أن يعرف المسلمون لها قيمة 
خدمتها فيؤدوا لها حقها)!" 

وفي عدد (ربيع الأول 170١‏ ه) كتبت تقول عن (جمعية علماء المسلمين في الجزائر): (نبغ 
في بلاد الجزائر في هذا العهد جماعة من العلماء المصلحين يبثون في البلاد الدعوة إلى الحق والخير 
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالدروس والخطابة والكتابة في الصحف حتى إنهم 
أنشأوا عدة جرائد ويحلات عطلت حكومة الجزائر بعضها فخلفها غيرها.. وأشهر هؤلاء 


)557 آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (؟/‎ )١( 
7/95 /79 (؟) مجلة المنار:‎ 


العلماء الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس منشئ مجلة الشهاب الإصلاحية التي خلفت 
جريدته (المنتقد) والأستاذ الشيخ الطيب العقبي والأستاذ الشيخ سعيد الزاهري وكلهم من 
جمع بين العلم والعقل والرأي وحسن البيان قولاً وكتابة وخطابة» وقد فكر هؤلاء منذ سنين 
في تأليف جمعية علمية تكون المرجع المعتمد لمسلمي هذا القطر في جميع أمور دينهم تزول بها 
هذه الفوضى الدينية العلمية التي تصدى للتعليم والإرشاد والإفتاء في ظلماتها كثير من 
الجاهلين والدجالين المضلينء وبعد التشاور مع إخوانهم من العلماء ومحبي الإصلاح والإرشاد 
من وجهاء المسلمين المستنيرين وفقوا لتأليف هذه الجمعية في العام الماضي واختاروا لرياستها 
الأستاذ العلامة المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس صاحب الشهاب المير» وَظَاهَرَهُمْ على 
تأليفها جنيع أهل البصيرة وال هدى من العلماء والأدباء وأصحاب الصحف الإسلامية)(2 

وفي عدد (ربيع الثاني 1١12517‏ ه) كتبت تقريضا لكتاب (الإسلام الصحيح) الذي ألفه 
الشيخ الزواوي أحد أعضاء جمعية العلماء» وما جاء فيه: (.. حمله على تأليفه فيما نرى ما حدث 
في بلاد الجزائر في هذا العهد من النهضة الإسلامية ؛ إذ قام فيها بعض أهل العلم بمقاومة 
خرافات أهل الطريق ودجلهم والتقاليد المبتدعة» وأنشئت لذلك صحف مخصوصة قامت 
بالواجب قيامًا يفوق ما كنا نظن في هذه البلاد» وقد تناولتها بعض الصحف الخرافية 
وعارضتها بنشر الثناء على بعض رجال الصوفية ومشايخ الطرق وأصحاب الزوايا المعروفة» 
وقد وقف صاحب هذا الكتاب موقمًا وسطًا بين المختلفين بنشر كتاب في التعريف بالإسلام 
أصوله وفروع عبادته وآدابه» مع ميل ظاهر لتأييد ما كان عليه السلف الصالح بعبارات لطيفة 
فهو من أنصار الإصلاح الإسلامي المعتدلين)7") 

ثالثا ‏ مبادئ السلفية التنويرية وموقف الجمعية منها: 
)١(‏ مجلة المنار: ؟"/ 5 00. 


(؟) مجلة المنار (79/ 0/ا5) 
كم 


مع بعض الاختلافات التي رأيناها في منهج رواد السلفية التنويرية نجد بعض القواسم 
المشتركة» والتي يمكن اعتبارها مبادئ أساسية لهذا التيار السلفي» وسنذكر أهم هذه المبادئ 
هناء لنرى مدى توافقها مع الاتنجاه الفكري والإصلاحي لجمعية العلماء» لتتعرف بذلك على 
مدى القرب والبعد بين كلا التيارين» ما عرفنا ذلك في المطلب السابقء بينها وبين السلفية 
المحافظة. 

١‏ الاهتام بالقرآن الكريم: 

يتجلى التوجه السلفي التنويري بأعماقه المختلفة في منهج تعامل الجمعية مع القرآن الكريم 
عند بيان ابن باديس لمظاهر هجر القرآن الكريم» وأنه لا يقتصر على هجر تلاوته أو حفظه. 
وإنما يشمل تغييبه عن جميع مناحي الحياة ابتداء من التصورات العقدية» وانتهاء بالتدبر فيه 
لاستنباط كل ما يتعلق بالحياة. 


ل 


فقد عرض عند تفسيره لقوله تعالى: (وَقَالَ الرَسُولُ يَا رَبّ إِنْ قَوْمِي اتخذُوا هَذَا الْفَرْآنَ 
مَهُجُورًا [الفرقان: -]7”٠‏ كما عرض من قبله ابن القيه- تعدّد مظاهر ال هج رو أن لكلّ هاجر 
حظه من هذه الشكوىء فقال: (ونحن- معشر المسلمين- قد كان منا للقرآن العظيم هجر كثير 
ف الزمان الطويل وإن كنابه مؤمنين)7) 


ثم استعرض نواحي الحجر التي تعامل بها المسلمون في هذا الزمن الطويل مع القرآن 


.5 0/8/١ آثار ابن باديس:‎ )١( 

(؟) فقد قال في الفوائد: تحت عنوان (فائدة هجر القرآن أنواع)» قال بعدها: (أحدها هجر ساعه والايهان به والإصغاء إليه» والثانٍ 
هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه» وإن قرأه وآمن به» والثالث هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه 
واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم» والرابع هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه» والخامس هجر 
الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائهاء فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به وكل هذا داخل في قوله 
تعالى: (وَقَالَ الرّسُولُ يَارَبّ إِنَّ كَوِْي اغَدذُوا هَذَا الْقَرَآنَ مَهْجُورًا [الفرقان: ]٠" ٠‏ (انظر: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد 
الله ابن القيم الجوزية» الفوائد» دار الكتب العلمية - بيروتء الطبعة الثانية » ١91‏ 1917/7 (ص: 87) 

/ا/ 


الكريم» وبدأها بالعقيدة» فمع أن القرآن الكريم (بسط عقائد الإييان كلها بأدلتها العقلية 
القريبة القاطعة فهجرناهاء وقلنا تلك أدلة سمعية لا تحصل اليقين وأخذنا في الطرائق الكلامية 
المعقدة وإشكالاتها المتعددة واصطلاحاتها المحدثة مما يصعب أمره على الطلبة فضلاً عن 
العامة)() 

ومثل ذلك الفروع الفقهية» فقد (بِيّن القرآن أصول الأحكام وأمهات مسائل الحلال 
والحرام ووجوه النظر والاعتبار مع بيان حكم الأحكام وفوائدها في الصالح الخاص والعام 
فهجرناها واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية مجردة بلا نظرء جافة بلا حكمة, محجبة وراء 
أسوار من الآلفاط المختصرة تفني الأعمار قبل الوصول إليها)7) 

ومثل ذلك علم الأخلاقء فقد (بِيّن القرآن مكارم الأخلاق ومنافعها ومساويء الأخلاق 
ومضارهاء وبيّن السبيل للتخلٍ عن هذه والتحلي بتلك مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس 
والسلامة .من الخبية بقذسيتها .فهسرثا ذلك كلها ووضعنا” أوضاعا “من «خيدك أنفسنا 
واصطلاحات من اختراعاتنا خرجنا في أكثرها عن الحنيفية السمحة إلى الغلو والتنطع» وعن 
السنة البيضاء إلى الأحداث والتبدع» وأدخلنا فيها من النسك الأعجميء والتخيّل الفلسفي ما 
أبعدها غاية البعد عن روح الإسلام» وألقي بين أهلها بذور الشقاق والخصام وآل الحال بهم 
إلى الخروج من أثقال أغلالها والاقتصار على بقية رسومها للانتفاع منها ومعارضة هداية القرآن 
مها) 00 

ومثل ذلك ما ورد في القرآن الكريم من آيات كونية» فقد (عرض القرآن علينا هذا الكون 


وعجائبه ونبهنا على ما فيه من عجائب الحكمة ومصادر النعمة لننظر ونبحث ونستفيد ونعمل» 


.5 0/8/١ آثار ابن باديس:‎ )١( 
.5 0/8/١ آثار ابن باديس:‎ )١( 


(؟) آثار ابن باديس: .5٠9 7/١‏ 
ف 


فهحجرنا ذلك كله إلى خريدة العجائب وبدائع الزهور والحوت والصخرة وقرن الثور!)”) 

وابن باديس بهذا الانتقاد المؤلم للواقع الإسلامي في عصور الانحطاط. يجعل من القرآن 
الكريم الوسيلة الكبرى للإصلاح, فالتعامل الصحيح معه هو الذي يثمر الإصلاح الصحيح. 

وبناء على هذا التصور اعتبرت الجمعية العودة إلى القرآن بكل ما تحمله العودة من معان هو 
الهمدف الأكير للعملية الإصلاحية جميعا. 

فقد اعتبر الشيخ البشير الإبراهيمي أن السبب الأكبر في كل الهزائم التي لحقت المسلمين 
هو بعدهم عن القرآن الكريم» يقول في ذلك: (ما أضاع المسلمين ومزّق جامعتهم ونزل بهم 
على هذا الدرك من الموان إلا بعدهم عن هداية القرآن» وجعلهم إياه عضين» وعدم تحكيمهم 
له في أهواء النفوس ليكفكف منهاء وفي مزالق الآراء ليأخذ بيدهم إلى صوابهاء وفي نواجم 
الفتن ليجلي غماءهاء وفي معترك الشهوات ليكسر شرتباء وفي مفارق سبل الحياة ليهدي إلى 
أقومهاء وفي أسواق المصالح والمفاسد ليميز هذه من تلكء وفي مجامع العقائد ليميز حقها من 
باطلهاء وفي شعب الأحكام ليقطع فيها بفصل الخطابء وإن ذلك كله موجود في القرآن 
بالنص أو بالظاهر أو بالإشارة أو الاقتضاء)() 

وهكذا الأمر بالنسبة للسنة النبوية المطهرة» التي هي صنو القرآن الكريم في الهداية والتذكير 
والبيان» فقد اعتبرت الجمعية من وظائفها الكبرى إحياء السنة» وإعادة تدريسهاء وقد تحدث 
ابن باديس بألم عن الواقع التعليمي الذي لم يكتف بهجر القرآن» بل راح بهجر السنة أيضاء 
فقال: (علَّمنا القرآن أن النبي- صل الله عليه وآله وسلم- هو المبين للناس ما نزل إليهم من 
رمهمء وأن عليهم أن يأخذوا ما أتاهم وينهوا عما نباهم عنه فكانت سنته العملية والقولية تالية 
للقرآن» فهجرناها ى| هجرناه وعاملناه بها عاملناه» حتى إنه ليقل في المتصدرين للتدريس من 
)١(‏ آثار ابن باديس: 0/8/١‏ 5. 


)١(‏ آثار الإبراهيمى:5/ ١77‏ وما بعدها من مقال بعنوان (دولة القرآن). 
114 


كبار العلماء في أكبر المعاهد من يكون قد ختم كتب الحديث المشهورة كالموطأ والبخاري ومسلم 
ونحوها مطالعة فضلاً عن غيرهم من أهل العلم وفضلاً عن غيرها من كتب السنة. وكم وكم 
وكم بِيّن القرآن وكم وكم وكم قابلناه بالصد والمحجران)(" 

وقال الشيخ محمد خير الدين!" في خطبة ضمن مؤتمر جمعية العلماء المنعقد بنادي الترقي 
بالجزائر سنة ١47”0(‏ م): (أيها الإخوة الكرام: إن انتسابنا لهذه الجمعية معناه التعاهد والتعاون 
على تنفيذ المرامي التى ترمي إليهاء والمباديء التى تسعى لماء وأصول هذه المباديء هي: إحياء 
نفوس المسلمين)2) 

وبا أن حفظ القرآن الكريم هو الكفيل بنشره في المجتمع» فقد دعا ابن باديس إلى الاهتمام 
بهذه الناحية» فقال: (قد تقاصرت همم المسلمين في هذه المدة الأخيرة عن تعليم القرآن وتعلمه» 
فقل الحافظون له» فعلى كل من نصب نفسه لإرشاد المسلمين في دينهم أن يحثهم على العناية 
بحفظ كتاب ريهم» وعلى الكْتَابٍ أن يطرقوا هذا الموضوع الكثير النواحي» هذا يأتيه من ناحية 
فضل القرآن» وذلك من ناحية اختيار المعلمين وما هي الصفات المطلوبة فيهم» والآخر من 
ناحية أسلوب التعليم وما هو أقرب إلى التحصيل من أي الأساليب» ورابه من ناحية تحسين 
حال المعلمين وتوفير أجرتهم» وكل هذه النواحي يلزم أن تتعدد فيها الكتابة حتى تحدث تأثيرا 


في المجتمع وتكون رأيا عاما في الموضوع)') 


.5٠9 7/١ آثار ابن باديس:‎ )١( 

)١(‏ محمد خير الدين: ولدة ببسكرة سنة7 ١10‏ وبها حفظ القرآنء توجه إلى جامع الزيتونة بتونس وتخرج منها بشهادة التطويع 
سنة1970» رجع إلى الجزائر بعد تخرجه في نفس السنة» من أوائل من انخرط في تأسيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) انظر: 
(الشهاب الجزائرية: العدد/ 58 بتاريخ/ 7١8‏ ماي )١977‏ و(مذكرات الشيخ محمد خير الدين) 

(؟) سجل مؤقر الجمعية» ص 9 7. 


(؛) آثار ابن باديس (7/ 07١19‏ 


ونحب أن ننبه هنا إلى أن كلتا المدرستين السلفيتين المحافظة والتنويرية وقفتا على طرفي 
نقيض في هذا الجانبء فبين| أعطت السلفية المحافظة للسنة المطهرة أهمية كبرى إلى درجة 
تقديمها أحيانا كثيرة على القرآن الكريم نفسه. نجد على خلافها السلفية التنويرية» فهي مهتم 
بالقرآن أكثر من اهتمامها بالسنة» بل إنها في تعاملها مع السنة تحاكمها إلى القرآن» وقد تنكر ما 
صح من السنة إن عارض ما صرح من القرآن. 

وهذه نقطة خلاف جوهرية بين كلا المدرستين, ولهذا نجد السلفية المحافظة تحمل حملة 
شديدة على ابن باديس بسبب موقفه من بعض الأحاديث. 

وكمثال على ذلك موقفه من مسألة (والدي المصطفى #)» والتي تصر المدرسة الوهابية 
على اعتبارهما من أهل النار» بل تعتبر ذلك عقيدة تيز أهل السنة عن غيرهم؛ لكن ابن باديس 
يخالف ذلك» مستدلا لذلك بقوله تعالى: (وَمَا كُن مُعَذَّينَ حَنَّى نَبْعَتَ رَسُولًّا] [الإسراء: ]١‏ 
وقوله: [أَنْ تَقُونُوامَا انا من بَشِر وكا تَذِير فَقَدْ جَاءكُمْ بَشِيد وَكذِيرٌوَاللهعَلَ كُلٌ َيْء قَدِير) 
[المائدة: ١4‏ ] وغيرهماء ومقدما لها على ما ورد في ذلك من الأحاديث,» وقد أبرز وجه الدلالة 
فيها على ما ذهب إليه» فقال: (كلها آيات قواطع في نجاة أهل الفترة» ولا يستثنى من ذلك إلا 
من جاء فيهم نص ثابت خاص كعمر بن لحي أول من سيب السوائب وبدل في شريعة إبراهيم 
وغير وحلل للعرب وحرم فأبوا النبي يي ناجيان بعموم هذه الأدلة» ولا يعارض تلك 
القواطع حديث مسلم عن أنس: أن رجلا قال للنبي يَلِ: يا رسول الله» أين أبي؟ قال: في النار. 
فلم| قفا الرجل دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار)(" لأنه خبر آحاد فلا يعارض القواطع وهو 


قابل للتأويل» يحمل الأب على العم مجازا يحسنه المشاكلة اللفظية ومناسبته لبر خاطر الرجل 


بيروت».(١/‏ ضحفق 
1١‏ 


وذلك من رحمته- صل الله عليه وآله وسلم- وكريم أخلاقه)(" 

وقد أثار هذا الموقف من حديث الآحاد حفيظة السلفية الوهابية فكتبت الكثير من الردود 
على ابن باديس» لتخرجه من الطائفة الناجية المنصورة طائفة الوهابية» لتدخله في طوائف 
البدع» مع أنه عاش حياته جميعا يدعو إلى نبذ البدع» بل وحريها. 

وسأقتبس هنا نصا من كتاب قد خصص لذكر المواقع التي خرج فيها ابن باديس من السنة 
والسلفية» وقد قالت كاتبته المدعوة (أم أيوب) في معرض ذكرها لهذا الموقف في كتامها المتداول 
في النوادي السلفية بكثرة (الرّد الوافي على من زعم بأنْ ابن باديس سلفيّ): (وهذا الاستدلال 
مردود جملة وتفصيلا إذ أنْ والديٌّ الرّسول ييه وردت فيهما نصوص صحيحة في السّنة دلت 
على أنَّها من أهل الثّاره وليس من حقّنا أن نضرب ببذه النصوص عرض الحائط طالما أنّها 
نصوص صحيحة صحّت متنا وسنداء ولا يجوز الإعراض عن السّنة الثبوية والاكتفاء 
بالقرآن الكريم وحده..وللأسف هذا ما فعله الشيخ ابن باديس في هذه المسألة.. وإلى القارئ 
الكريم أسوق كلامه ليتبيئن للجميع كيف وقع ابن باديس" في أخطاء جسيمة برئت منها ذمة 
علاء السّلفية الحقيقيئين)7) 

؟ - معارضة التقليد: 

وهو مبدأ مشترك بين جميع المدارس السلفية» فالسلفية - ى| عرفنا - تعني طرح كل اجتهاد 
مستحدث يتعارض مع اجتهادات السلفء أو يزاحم اجتهادات السلفء. ولمذا فإن أول ما 
يناقض الاجتهاد ويقف في طريقه هو التقليد وعقلية المقلد. 

ولهذا نرى محمد عبده وتلميذه يعتبران التقليد من أهم أسباب انحطاط الأمة وتخلفهاء 


حيث سارت الأمة بطريق تخالف فيه نصوص القرآن الواضحة لأجل آراء لم تتلق لاعن طريق 


0177 آثار ابن باديس (؟/‎ )١( 


ده أم أيوب نورة حسن غاوي» الرّد الوافي على من زعم بأنْ ابن باديس سلفئٌ» د.ت.د.ط. ص ”7. 
15 


التقلية: 

ومن الأمثلة التي استشهدا بها لذلك ما نقلاه عن الفخر الرازي عن أحد شيوخه قائلاً: (قد 
شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء قرآت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في بعض المسائل» 
وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات» فلم يقبلوا تلك الآيات» ولم يلتفتوا إليها وبقوا ينظرون 
إلى كالمتعجبء يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت 
على خلافها. ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل 
الدنيا)() 

ويعلق الشيخ رشيد على ذلك بقوله: (إن الرازي - رحمه الله تعالى - كان يقرر هذه الحقيقة 
عندما يفسر آياتها وينساها في مواضع أخرىء فيتعصب للأشعرية في أصول العقائد» وللشافعية 
في فروع الفقه. لا سيم| فيا يخالفون فيه الحنفية» وهذا هو أصول الداء الذي يشكو من بعض 
أعراضه عند الكلام في مسائل الخلاف مع الغفلة عن سببها. أما الإمام الغزالي فقد تجرد عن 
التعصب للمذاهب كلها في نهايته» ووصف الدواء في بعض كتبه كالقسطاس المستقيم» ولكنه 
لم يوفق إلى تأليف أمة تدعو إليه وتقوم به)!" 

ويستنتج من هذا ضرورة الإصلاح لمواجهة التقليد» فيقول: ( إذا كان الرازي وشيخه 
يقولان ني علماء القرن السابع» والغزالي يقول ني علماء القرن الخامس ما قالوا فاذا نقول ني أكثر 
علماء زماننا وهم يعترفون ب| نعرفه من كونهم لا يشقون لأولئك غبارا ؟ ألسنا الآن أحوج إلى 
الإصلاح منا إليه في تلك العصور التي اعترف هؤلاء الآئمة بآن الظلمات فيها غشيت النورء 


حتى ضل بالاختلاف الجمهور ؟ بلى» وهو ما نعاني فيه ما نعاني وإلى الله ترجع الأمور)”) 


.4 ١ص‎ »5 مءج‎ ١99٠١ محمد رشيد بن علي رضاء تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)» الهيئة المصرية العامة للكتاب»‎ )١( 
. 5١ إفة6 تفسير المنار» ج 5» ص‎ 


فة تفسير المنار» ج 5» ص 5١‏ . 
17 


وقد كان هذا هو نفس منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» والذي نص عليه ابن باديس 
بقوله: (إن الذي يسع المعلمين ليس هو مذهبا بعينه وإنم| هو الإسلام بجميع مذاهبه وقد كنا 
ولازلنا لا نلتزم مذهب مالك في كل جزئية)”" 

ونرى الشيخ التبمبي رئيس لحنة الفتوى في الجمعية يتحدث عن مقام الإمام مالك. ويعقب 
عليه بقوله: (لو قدرلمالك أن يبعث حيا من قبره لقال في نسبة هذا الرهط إليه المخالفين لوصاياه 
المعطلين لروح مذهبه ما قال عيسى صلوات الله وسلامه عليه في أولئك الذين كذبهم بقوله: 
(مَا قُلْتُ كم إلا مَا أَمَرَْيِي به أن اعبدُوا اللهرَيُ وَرَبَكُمْ وَكُدْتُ عَلَيْهِمْ شّهيداً مَادمْتُ فِيهم قََا 
َوَْيئِي كُنْتَ أَنْتَ الوّقِيب عَلَيْهمْ وَأَنْتَ عَلَ كُلّ قَّيْءِ شّهِيدٌُ) (المائدة:/0١١)‏ والله يشهد وأولوا 
العلم يشهدون أن مالكا بريء من كل نابذ لسنة عمليا أو قومة بدعوى التمذهب بمذهب 
مالك)0) 

وسنرى عند عرض تفاصيل الخلاف بين الجمعية أمثلة كثيرة تدل على نبذها للتقليد 
ولذلك فهي : 0 تتفق تماما مع هذه المدرسة في هذه الناحية. 

*- إعادة الاعتبار للمقاصد الشرعية: 

بعد رفض رواد المدرسة التنويرية للتقليد الحرفي للمذاهب الفقهية دعوا إلى النظر المقاصدي 
لأحكام الشريعة بعيدا عن الحرفية التي وقع فيها الفقهاء» وخاصة في عصور التقليد. 

ولحذا نجد رشيد رضا يعتبر أن المراد بكلمة (الفقه) - كما وردت في المصادر الأصلية - 
عبارة عن (مقاصد الشريعة وحكمها). وليست:(علم أحكام الفروع) المعروفء فالمعنى 
الأخير مستحدث مثلم| يبن ذلك الغزالي والحكيم الترمذي والشاطبي وغيرهم» وعلى ذلك 


.195 مارس‎ 7٠١/١١ البصائرءع‎ )١( 
.198 مارس‎ ٠4 /:1١7 (؟) البصائرءع‎ 
9 


كان رؤوس المسلمين في عصر النبي والخلافة الراشدة من أهل الفقه المقاصدي في الغالب00. 
ولأجل هذا نجد اهتمام الشيخ محمد عبده وتلميذه بكتاب (الموافقات أصول الشريعة) 
للشاطبيء فهما كثيراً ما كانا يوصيان به طلابهماء كما ينقل ذلك الشيخ عبد الله دراز في مقدمة 
بالإضافة إلى أن رشيد رضا قام بنشر رسالة نجم الدين الطوني في رعاية المصلحة في أحد 
أعداد مجلة (المنار)» وأيد ما جاء فيها من نظرية تقديم المصلحة على النص في حال التعارض"". 
بل إنه كان يرى أن العمل فيما ليس له حكم في الكتاب والسنة برأي أولي الأمر في كل زمن 
بشرطه. هو أولى من العمل برأي فقهاء القرون الحالية باعتباره أقرب للمصلحة» يقول في 
ذلك: ( إن الأحكام السياسية والقضائية والإدارية - وهي ما يعبر عنها علاؤنا بالمعاملات- 
مدارها في الشريعة الإسلامية على قاعدة درء المفاسد وحفظ المصالح أو جلبها)» ويستشهد 
لذلك بترك عمر وغيره من الصحابة إقامة الحدود أحيانًا لأجل المصلحة» ويعقب على ذلك 
بقوله: (فدل ذلك على أنها تقدم على النص)7) 
لذا اشترط أن يكون أصحاب الرأي عالمين بالنصوص ومقاصد الشريعة وعللها حتى لا 
يخالفوها وليتيسر لهم ردع المتنازع فيها إليها". 


ومن التطبيقات على هذا المبدأ موقف رشيد رضا من (الرق)»» فقد برر جواز منع الرقيق 


)0 تفسير المنار» ج 4 ص ١15١‏ . 

)١(‏ انظر:مجلة المنار: ج4» ص١‏ 7/ء وقد قال في مقدمة نشره لها: (وقد طبعت في هذه الأيام مجموعة رسائل في الأصول لبعض أئمة 
الشافعية والحنابلة والظاهرية منها : رسالة للإمام نجم الدين الطوفي الحنبلي المتوفى سنة ١7‏ تكلم فيها عن المصلحة ب ل ثَرَ مثله 
لغيره من الفقهاء» وقد أوضح ما يحتاج إلى الإيضاح منها في حواشيها الشيخ جمال الدين القاسمي أحد علماء دمشق الشام المدققين 
فرأينا أن ننشرها بحواشيها في المنار؛ لتكون تبصرةً لأولي الأبصار) 

[فة مجلة المنار: ج9. ص١‏ 7/. 


5( المنان ج ه.)ص7١5.‏ 


بتحريم المباح طبقاً للمصلحة؛ وذلك أنه عد المصلحة أصلاً في الأحكام السياسية والمدنية 
يرجع إليه في غير تحليل المحرمات أو أبطال الواجبات7". 

ونرى أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في هذا الباب خصوصا قصرت تقصيرا كبيراء 
بل كانت فيه أميل إلى السلفية الحرفية منها إلى السلفية التنويرية» ولهذا حصلت خلافات بينها 
وبين الشيخ ابن عاشور في بعض المسائل كما ذكرنا سابقا. 

ولعل أهم ما يدل على مخالفتها للمقاصدية هو اهتام بفروع خلافية بسيطة في واقع 
استععماري يريد أن يستأصل الحوية من جذورها. 

وكمثال بسيط على هذا ما ذكره الشيخ ابن عليوة في مقدمة رسالته (القول المعتمد في 
مشروعية الذكر بالإسم المفرد!" في بيان غرضه من تأليفهاء فقد قال مخاطبا بعض 
الإصلاحيين: (أما بعد أيها الأخ المحترم» فقد كنت تشرفتٌ بزيارتكم صحبة صديق الجميع 
حضرة الشيخ.. وبمناسبة ما دار بيننا من الحديثء في تلك السويعات التي رأيتكم فيها موغر 
الصدر على إخوانكم العلاويين» حسبا لاح لي في ذلك الحين» لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم 
مولعون بإجراء الاسم المفرد على ألسنتهم» وهو قوهم: ( الله ). فظهر لكم أن ذلك ما يستحق 
عليه العتاب» أو نقول العقاب, لأنكم قلتم إنهم يلهجون بذكر ذلك الاسم بمناسبة أو غير 
مناسبة» سواء عليهم في الأزقة» أو غيرها من الأماكن التي لا تليق للذكر حتى أن أحدهم إذا 
طرق الباب يقول: ( الله )» وإذا ناداه إنسان يقول: ( الله )» وإذا قام يقول: ( الله )» وإذا جلس 


يفول )ل قن ةلله هنا حرق با الحديق) 1 


)00 المنار. ج0. ص 4. 
)١(‏ نشرها على جريدة (البلاغ الجزائري) عدد 59 و١/و١ال.‏ 
له ابن عليوة» القول المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم المفرد» المطبعة العلاوية» مستغانم» الطبعة الثانية» صضصاكء وسئرى المسألة 


بتفاصيلها في الباب الرابع من هذه الرسالة. 
15 


فإنكار الجمعية لمثل هذا عجيب» خاصة في واقع يريد أن يمحو فيه المستعمر اسم الله من 
ألسنة الجزائريين. 

ولا يغرنا بعد هذا ما ورد في بعض تصريحات وشعارات الجمعية من اعتمادها المقاصد 
الشرعية» لأن العبرة بالأفعال لا بالآقوال» وللأسف فقد كانت في هذا الباب بعيدة جدا عن 
الأقوال» وسنرى النماذج الكثيرة المثبتة لهذا في الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

5 الاهتام بفقه السنن: 

وهذا ما نلاحظه في جميع تراث المدرسة التنويرية ومن تبعهاء با فيها مدرسة جمعية العلماء» 
ولذلك اهتمت بالتفسير السنني للقرآن الكريم» وهو ما لا نلاحظه في السلفية المحافظة التي 
اهتمت بالتفسير الحرني البعيد عن الاهتام باستنباط السئن الإلحية في الكون والمجتمع. 

ولعل أول من أحيا هذا الاتجاه في التفسير والاستنباط جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد 
عبده في مقالاته| في العروة الوثقى» فقد نحيا فيه منحى يؤكد وجهتها في الإصلاح ووقوفه| 
على كثير من سنن الله تعالى في كونه ونواميسه في عباده. 

وقد وصف تلميذهم رشيد رضا تأثير تلك المقالات في نفسه. فقال: (كنت من قبل اشتغاللي 
بطلب العلم في طرابلس الشام مشتغلاً بالعبادة ميالاً إلى التصوف وكنت أنوي بقراءة القرآن 
الإتعاظ بمواعظه لأجل الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا ولما رأيت نفسي أهلاً لنفع الناس بم 
حصلت من العلم -على قلته صرت أجلس إلى العوام في بلدنا أعظهم بالقرآن مغلباً الترهيب 
على الترغيب والمخنوف على الرجاء والإنذار على التبشير والزهد في الدنيا على القصد والاعتدال 
فيها» حتى ظفرت بنسخ من جريدة العروة الوثقى في أوراق والدي فأئّرت في قلبي تأثيراً 
شديداً ودخلت بها في طور جديد من حياتي وأعجبت جد الإعجاب بمنهج تلك المقالات في 


الإستشهاد والإستدلال على قضاياها بآيات الكتاب وما تضمنه من تفسيرها مما لم يحم حوله 


4/ 


أحد من المفسرين على اختلاف أساليبهم في الكتابة ومدارهم في الفهم)!" 
وقد لخص هذه الأمور التي انفردت بها العروة الوثقى ما لم يحم حولا أحد من المفسرين 


١‏ - بيان سئن الله تعالى في الخلق ونظام الاجتماع البشري وأسباب ترقي الأمم وتدليها 
وقوتها وضعفها. 


؟ - بيان أن الإسلام دين سيادة وسلطان وجمع بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة ومقتضى 
ذلك أنه دين روحاني واجتماعي ومدني وعسكريء وأن القوة الحربية فيه لأجل المحافظة على 
الشريعة العادلة والهداية العامة وعزة الملة لا لأجل الإكراه على الدين بالقوة. 

؟ - بيان أن المسلمين ليس لهم جنسية إلا دينهم فهم إخوة لا يجوز أن يفرقهم نسب ولا 
لغة ولا حكومة". 

وفي موضع آخر يؤكد الاهتمام الكبير الذي أولته السلفية التنويرية لفقه السنن» فيقول: (إنَ 
مسلك جريدة العروة الوثقى ني الدعوة إلى الإصلاح الإسلامي من طريق إرشاد القرآن وبيان 
سنن الله تعالى في الإنسان والأكوان قد فتح لي في فهم القرآن باباً لم يأخذ بحلقته أحد من 
المفسرين المتقدمين» فهناك فرق بين فهم عبده وأستاذه (الحكيم) للقرآن وبين أفهام المتقدمين 
الذين كانت حظوظهم من تفسير الآية كتابة سطرين أو بضعة أسطر أكثرها في غير سبيل 
هدايتها)”) 

بل إنا نكاد نلحظ الخيلاء في تعابير رشيد رضا عندما يصف تفسير المنار بكونه (التفسير 


الوحيد الجامع بين صحيح المأثور وصريح المعقول الذي يبين حكم التشريع وسنن الله في 


.١١/1 تفسير المنار‎ )١( 
.١1١/1 (؟) المنار‎ 


له تفسير المنار» ج ٠‏ اءص71.. 
م17 


الإنسان وكون القرآن هداية للبشر في كل زمان ومكان ويوازن بين هدايته وما عليه المسلمون 
في هذا العصر)(" 

بل إن الشيخ محمد عبده رأى أن ما استنبطه في تفسيره من إشارات سننية ليس شيئا بجنب 
ما في القرآن الكريم من بيان في هذا الباب» ولذا دعا إلى تأسيس علم السئن وتدوينه» فيقول: 
(إرشاد الله إيانا إلى أن له في خلقه سنناً يوجب علينا أن تجعل هذه السئن علا من العلوم المدونة 
لنستديم ما فيها من الهداية والموعظة على أجمل وجه. فيجب على الأمة في مجموعها أن يكون 
لهم قوم يبينون لهم سنن الله في خلقه ىا فعلوا في غير هذا العلم من العلوم والفنون التي أرشد 
عليها بالقرآن بالإجمال وقد بينها العلماء بالتفصيل عملا بإرشاده كالتوحيد والأصول والفقه. 
والعلم بسئن الله تعالى من أهم العلوم وأنفعها والقرآن يحيل عليه في مواضع كثيرة وقد دلنا 
على مأخذه من أحوال الآمم إذ أمرنا أن نسير في الأرض لاجتلائها ومعرفة حقيقتها)!" 

وهو يرد على الاعتراض الموجه عادة من طرف السلفية المحافظة» والذي ينص على أن 
السلف لم يدونوا هذا العلم فيذكر أنهم لم يدونوه ىا لم يدونوا باقي العلوم» ولكنهم كانوا 
يدركونه ويحسنون توظيفه في النصر والتجارب وإن لم يسموه باسمه فليسمه الناس (علم 
السنن) أو (علم الاجتماع) أو (علم السياسية الدينية) فلا حرج في التسمية". 

ويذكر فضائل هذا العلم مرغبا فيه» فيقول: (إن علم السنن أعظم الوسائل لكمال العلم 
بالله -تعالى - وصفاته ومن أقرب الطرق إليه وأقوى الآيات الدالة عليه وهو أعظم العلوم التي 


يرتقي بها البشر في الحياة الاجتاعية المدنية فيكونون بها أعزاء أقوياء سعداء وإنما يرجى 


)١(‏ صفحة الغلاف من كل أجزاء المنار. 
إفة6 المنار.جج :»ص5١ ..١١9-1١‏ 


فيه المنار» ج١»‏ ص ٠١‏ 71-5.. 
48 


الاستفادة منه إذا نظر فيه إلى الوجه الرباني والوجه الإنساني جميعاً)”" 

وهو يعتب على تقصير المسلمين في الأخذ بهذا العلم مع أهميته» فيذكر أن المفسرين المتقدمين 
منهم والمتأخرين (م يقصروا في شئ من علم الكتاب والسنة ىا قصروا في بيان ما هدى إليه 
القرآن والحديث من سئن الله تعالى في الأمم والجمع بين النصوص في ذلك والحث على الاعتبار 
بهاء ولو عنوا بذلك بعض عنايتهم بفروع الأحكام وقواعد الكلام لأفادوا الأمة ما يحفظ دينها 
ودنياها وهو ما لا يغني عنه التوسع في دقائق مسائل النجاسة والطهارة والسلم والإجارة فإن 
العلم بسنن الله تعالى لا يعدله إلا العلم بالله تعالى وصفاته وأفعاله بل هو منه أو طريقه الملوصل 
إليه)(") 

وقد سار ابن باديس على هذا ال هدي» وبنى تفسيره عليه» ونقتصر على مثال واحد هناء فقد 
قال في تفسيره لقوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدٌ الَْاجِلَةَ حجنا لَهُ فِيها ما نَسَّاءُ كَنْ ثُرِيدُ ثم جَعَلَنَا لَه 
نيلها مَذْمُومًا مَدْحورًا (18) وَمَنْ را لسر وَسَعَى اسَمْيَا وَهوَ م ويك 
كَانَ سَعْيْهُمْ مَشْكُورًا) [الإسراء: 018 14]: (وقد أفادت هذه الآيات كلّهاء أنَّ الأسباب 
الكونية التي وضعها الله تعالى في هذه الحياة» وسائل لمسبباتهاء موصلة بإذن الله تعالى من تَسّك 
بها إلى ما جعلت وسيلة إليه» بمقتضى أمر الله وتقديره وسّته في نظام هذه الحياة والكون» ولو 
كان ذلك المتمسّك بها لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يصدق المرسلين.. ومن مقتضى هذا 
أن من أهمل تلك الأسباب الكونية التقديرية الإلهية» ول يأخذ بها لم ينل مسبباتها ولو كان من 
المؤمنين» وهذا معلوم ومشاهد من تاريخ البشر في ماضيهم وحاضرهم..)7) 

ويقسم العباد على هذا الأساس إلى أربعة أقسام: 


)00 المنار جلا ص,>72١5.‏ 
6 المنار جلا ص١ .5١‏ 


(؟) آثار ابن باديس )5١١ /١(‏ 


١‏ مؤمن آخذ بالأسباب الدنيوية» فهذا سعيد في الدنيا والآخرة. 

١‏ ودهري تارك لماء فهذا شقي فيهم|. 

"1 ومؤمن تارك للأسبابء فهذا شقي في الدنيا وينجو بعد المؤاخذة على الترك» في الآخرة. 

5 ودهري آخذ بالأسباب الدنيوية» فهذا سعيد في الدنيا ويكون في الآخرة من الهالكين0". 

ويعبر عن النتيجة العملية لهذا التحليل بقوله: (فلا يفتنن المسلمون بعد علم هذا ما يرونه 
من حالهم وحال من لا يدين دينهم. فإنّه م يكن تأخرهم لإيمانهم بل بترك الأخذ بالأسباب 
الذي هو سبب تأخرناء من ضعف إيانهم. ولم يتقدّم غيرهم بعدم إيوانهم, بل بأخذهم بأسباب 
التقدّم في الحياة)7") 

وعلى هذا النمط نجد الأمثلة الكثيرة في تفسيره ومقالاته» ومثله باقيى مشايخ الجمعية» 
وخصوصا الإبراهيمي الذي كتبت الدراسات المطولة عنه في هذا المجال. 

ومع هذا نحب أن نعقب هنا على أن الجمعية وإن أفلحت في دراسة السنن نظرياء لكنها في 
الواقع العملي لم تفلح كثيراء فعلى الرغم من كثرة الفرص التي وضعت أمامها إلا أنهالم تستغلها 
أحسن استغلال» بل تركت الفرصة للعلانيين واللادينيين ليسيروا دفة الحياة بعد أن انشغلت 
هي بحرب إيقاظ النائمين باسم الجلالة» وحرب الذكر الجماعي» والسخرية من الخلوة 
العليوية. 

وقد أشرنا إلى مثال على ذلك سابقا من النقد اللاذع لمالك بن نبي فقيه السنن لها في هذه 
الناحية» وأشرنا إلى ما حصل بينه وبين العربي التبسي بسبب قضايا ما كان ينبغي لما أن تكون 


ل 


)5١7 /١( آثار ابن باديس‎ )١( 


(؟) آثار ابن باديس )5١7 /١(‏ 


ه الانفتاح على المعارف المختلفة: 

وهي نقطة فارقة كبرى بين السلفية المحافظة والسلفية التنويرية» وهي من الأمور التي 
توجهت فيها السلفية المحافظة على السلفية التنويرية بالنقد اللاذع» والذي يصل إلى حد الرمي 
بالضلال والبدعة. 

والمنطلق الأول الذي ينطلق منه التنويريون في هذا هو التوجه التنويري نفسهء والذي يجعل 
للعقل سلطاناً على كل ثبيىء حتى على النص المقدس نفسه؛ وقد عبر (كانط) عن هذا السلطان 
في مقاله المنشور عام ١75‏ م (جواب عن سؤال ما التنوير؟) جاء فيه أن شعار التنوير (كن 
جريئاً في إعمال عقلك) وفي عبارة أخرى (التنوير يعني ألا سلطان على العقل إلا العقل ذاته)7”" 

وقد دعا هذا أكثر التنويريين غير المتدينين إلى البعد عن الدين بقدر قرمهم من هذا التنوير 
الذي لا يجعل السلطة المطلقة إلا للعقل. 

بيندا يضيف التنويريون المتدينون مصدرا آخر للمعرفة هو أرقى من العقل المجرد. وهو 
النص المقدس الذي لم يتأثر برواسب القرونء وفي هذا يضيف التنويريون المتدينون البعد 
اللي لمويريهم: 

ويرى هؤلاء أن النص المقدس لا يمكن فهمه إلا من خلال دراسة الواقع بكل تفاصيله 
وما جد فيه من علوم ومعارفء فالنص في تصورهم مجملء ولا يحل إجماله بالطرق التقليدية 
من التحليل اللغويء وإنما بفعل ما يقدمه الواقع من تفصيل. 

ويشير إلى هذا الشيخ محمد عبده عند تفسيره لقوله تعالى: ( كَانَ النّاسٌ 
لله النبيّّنَ مُبَشَرِينَ وَمُنْذِرِينَ] [البقرة: »]7١7‏ فيعلق عليها بقوله: (أنا لا أعقل كيف يمكن 


لأحد أن يفسر الآية وهو لا يعرف أحوال البشرء وكيف اتحدوا؟ وكيف تفرقوا؟ وما معنى 


0 -ه 
عم 


2 
امة واحدة فبعث 


)00 مراد وهبه» ملاك الحقيقة المطلقة» دار قباء» القاهرة» ص ١١/8‏ . 
١‏ 


تلك الوحدة التي كانوا عليها؟ وهل كانت نافعة أم ضارة؟ وماذا كان من آثار بعثة النبيين 
فيهم» لقد أجمل القران الكلام عن الأمم» وعن السئن الإلهية» وعن آياته في السماوات 
والأرضء وفي الآفاق والأنفسء وهو إجمال صادر عمن أحاط بكل شيء علاً وأمرنا بالنظر 
والتفكير» والسير في الأرض لتفهم إجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالآه ولو اكتفينا من 
علم الكون بنظره في ظاهرة» لكنا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده لا بها حواه من علم 
وحكمه)(" 

وقد جعلت هذه النظرة الشيخ محمد عبده يحاول أن يربط النصوص القرآنية بمباحث 
العلوم الطبيعية» وميادين السنن الكونية والاجتاعية. وقد برر ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: 
(يَدْلُو عَلَيْهِمْ آيَاته1 [آل عمران: ]١54‏ ذاكرا أنها عبارة عن بيان الآيات الكونية والاستفادة 
منها والاعتبار بها(". 

ولكن هذا - مع الجزم بحسن النية وشرف المقصد- قد جره في أحيان كثيرة إلى التعسف في 
التأويل لصالح النظريات العلمية سواء ما رقى منها إلى رتبة الحقيقة العلمية أو لم يرق. 

ومن الأمثلة المشهورة على ذلكء والتي لقيت من المخالفين إنكارا شديدا هو أنه فسر سورة 
الفيل تفسيراً قائاً على الميكروبات والجراثيم» فجوز أن تكون الطير الوارد ذكرها في السورة 
عبارة عن بعض الحشرات كالبعوض والذباب» ىا جوز أن تكون الحجارة هي جراثيم بعض 
الأمراض7 كما أن رشيد رضا اعتبر الجراثيم المرضية و(الميكروبات) يصح أن تكون نوعاً من 
الح 9). 
)١(‏ تفسير المنار /١(‏ ١؟)‏ 
)١(‏ تفسير المنار(؟/ )١6٠‏ 
(؟) الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده؛ تحقيق محمد عمارة» المؤسسة العربية للدراسات والنشر» 1917 م؛) ح هص 0579 وأيضاً: 


محمد حسين الذهبى التفسير والمفسرون» مصرء دار الكتب الحديثة».. ١91/5‏ مح ”ص 1395/0558 


(:) تفسير المنار: (7/ 945) 


وقد كان لجمعية العلماء بعض الشطحات القريبة من هذاء أو الأخطر من هذاء والتي كانت 
محل نقد شديد لا من الاتجاه الوهابي وحده؛ بل من كل الاتجاهات» وهي ناتجة عن التسرعء 
وعدم إكال الاجتهاد الكاني لفهم النص المقدسء أو في معرفة الحقيقة العلمية. 

والمثال الذي نشير إليه هنا هو الموقف التأييدي للشيخ مبارك الميلٍ من مذهب النشوء 
والارتقاء (النظرية الدارونية)27» بل تفسير النص القرآني المقدس على أساسهاء وهي النظرية 
التي اعتمدها التنويريون اللادينيون كشبلي شميل وغيره. 

قال الشيخ مبارك الميلي عند حديثه عن ابتداء الإنسان ووجوده وأول عهده:( إن المؤرخين 
- وإن لم يكن هم نقل عن أهل هذا العصر - لم يعدموا سبيلا للبحث عنه» فقد وجدوا من 
الآثار العريقة في القدم التي حفظها بطن الأرض أساسا للكلام عن حياة الإنسان الأولء وأنار 
أمامهم مذهب النشوء والارتقاء دياجي هذا العصر الحالكة)() 

ولا يكتفي بهذا التصريح الذي قد يجد من يبرره أو يحمله على غير المحمل الذي يدل عليه 
ظاهره؛ بل يزيد الأمر سوءا حين يربط هذا المذهب بمصدر الدين المقدس القرآن الكريم» فقد 
قال تعقيبا على الكلام السابق: (إن مذهب النشوء والارتقاء قديم ليس من بنات أفكار 


المتأخرينء والناس إزاءه فريقان: مثبت له معجب به» ونان له نافر منه.. والحق الذي تشهد له 


)١(‏ هي نظرية نشرها الباحث الإنجليزي (تشارلزداروين) سنة 1859م في كتابه (أصل الأنواع) وهي تركز على قانون الانتقاء 
الطبيعي وبقاء الأنسب» وقد جعلت نظريته كون الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين» 
والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها فاحدث ذلك ضجة لم يحدثها أي مؤلف آخر في التاريخ الأوروبي قاطبة» 
وكان له من الآثار في المجالات الفكرية والعملية مالم يكن في الحسبان» فقد أدت إلى اهيار العقيدة الدينية» ونشر الإلحاد في أوروباء 
وهي في جوهرها فرضية بيولوجية أبعد شيء عن أن تكون نظرية فلسفية عامة» كما أنها بعيدة عن أن تكون حقيقة علمية ثابتة» وقد 
قال أحد العلماء الغربيين في النظرية الداروينية ب بإنَّا نطرية (أبوها الكفر وأمها القذارة) (انظر: صالح بن إبراهيم البليهي» عقيدة 
المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين» ط 3, 5 5٠‏ اهب ))١59/١(‏ 

(؟) مبارك الميل» تاريخ الجزائر في القديم والحديث. مكتبة النهضة الإسلامية» /١(‏ 17). 

6 


الضرورة ويؤيده القرآن الكريم أن المذهب نفسه - بصرف النظر عن بعض الجحزئيات - معقول 
مقبول)00 

ثم استدل على قبول مذهب النشوء والارتقاء بالضرورة» ثم القرآن الكريم» وخلص إلى 
نتيجة عبر عنها بقوله: (وإذا ثبت لديك أن المذهب نفسه لا مغمز فيه» فلا يضيقن صدرك 
لبعض الجزئيات التي يقسر بعض الماديين عقلاء البشر على قبولها ويحاولون بها هدم الأديان- 
مثل ترقي القرد إلى نوع الإنسان - فإن تلك الحزئيات لم تزل وهما ولن تزال خيالا فكيف يصح 
إلحاقها بذلك المذهب الصحيح؟)”2") 

ثم خلص في النهاية إلى أن الضرورة والدين متفقان على إثبات النشوء والارتقاء في النوع 
الواحد(”". 

ولا نملك أن نعلق على هذه المقولة إلا بها علق به صاجب كتاب (منهج المدرسة العقلية 
الحديثة في التفسير) بقوله: ( وبهذا أعطى الشيخ مبارك الميلي- عفا الله عنه - الضوء الأخضر 
لمن يريد أن يدخل نظرية داروين وغيرها في أذهان المسلمين)7') 

5 -الاهتام بالتمدن: 

ونقصد به الاهتام المبالغ فيه من طرف السلفيين التنويريين بمظاهر التمدن والرفاى 
واعتبارها في بعض الأحيان مقاييس صحيحة للتقدم أو الانحطاط. 

وبناء على هذا سنرى كيف كان الإبراهيمي ينتقد الطرق الصوفية في طريقة ذكرها باعتبارها 


تشوه صورة الإسلام في عيون الغربء وكأنه يتتظر من الغرب أن يعلمها كيف تذكرء أو كيف 


.)57 /١( تاريخ الجزائر في القديم والحديث)‎ )١( 

فة6 «تاريخ الجزائر في القديم والحديث) .)577/١(‏ 

(؟) تاريخ الجزائر في القديم والحديث /١(‏ 77- وما بعدها) 

(؛) فهد الروميء منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير: ”/ .51١‏ 


١.ه‎ 


تتحرك في ذكرها. 

ونرى أن هذا الحرص البالغ فيه على المظاهر جعل الجمعية في اهتمامها بالجانب التربوي 
تركز على العمران المرتبط بالمدارس أكثر من حرصها على التكوين المتكامل فيها. 

ولعل هذا الموقف من الرفاه هو الذي جعل ابن باديس يختلف مع أكثر علماء الأمة في 
الموقف من بعض اللادينيين» وخاصة إذا كانوا في مواجهة الإسلام التقليدي والطرقيء ورب) 
يكون أهم دليل على هذا التوجه التنويري المغالي موقف ابن باديس من كمال أتاتورك حين أثنى 
عليه حيا وميتاء فقد رثاه بعد موته ببذه الكلمات التي لم يرث بمثلها غيره» فقد قال: (في السابع 
عشر من رمضان المعظم ختمت أنفاس أعظم رجل عرفته البشرية في التاريخ الحديشأ وعبقري 
من أعظم عباقرة الشر قا الذين يطلعون على العالم في مختلف الأحقاب. فيحولون مجرى التاريخ 
ويخلقونه خلقاً جديداً ذلك هو مصطفى كمال بطل غاليبولي في الدردنيل وبطل سقاريا في 
الأناضول وباعث تركيا من شبه الموت إلى حيث هي اليوم من الغنى والعز والسمو)(" 

وبالرغم من آثار الاستغراب الكثير الذي وقفه البعض من هذا المقال إلا أنه يبرز ناحية 
مهمة تدل على التصورات الفكرية لابن باديس ولكثير من أعضاء جمعية العلماء حول المدنية 
الحديثة والانبهار بها إلى الدرجة التي قد تقربهم من التنويريين غير المتدينين» أو الذي يعتبرون 
الدين سببا في التخلف. 

وقد برر ابن باديس هذا بقوله: ( إن الإحاطة بنواحي البحث في شخصية أتاتورك (أبي 
الترك) مما يقصر عنه الباع» ويضيق عنه المجال» ولكنني أرى من المناسب أو من الواجب أن 
أقول كلمة في موقفه إزاء الإسلام. فهذه هي الناحية الوحيدة من نواحي عظمة مصطفى 


أتاتورك التي ينقبض ا قلب المسلم ويقف متأسفاً ويكاد يولي مصطفى في موقفه هذا الملامة 


.711 آثار ابن باديس:5/‎ )١( 


كلها حتى يعرّف المسؤولين الحقيقيين الذين أوقفوا مصطفى ذلك الموقف فمن هم هؤلاء 
المسؤلون؟... المسؤولون هم الذين كانوا يمثلون الإسلام وينطقون باسمه» ويتولون أمر 
الناس بنفوذه» ويعدون أنفسهم أهله وأولى الناس به)(2 

ثم يحدد هؤلاء» والذين اعتبر أتاتورك بالرغم من توجهه العلاني أو الإلحادي أفضل منهم» 
فذكر أنهم (خليفة المسلمين شيخ إسلام المسلمين ومن معه من علاء الدين» شيوخ الطرق 
المتصوفون. الأمم الإسلامية التي كانت تعد السلطان العثاني خليفة لها)(”) 

وهؤلاء الذين ذكرهم هم نفسهم الذين كان ابن باديس ومن معه من أعضاء الجمعية 
يختلفون معهم إلى درجة الصراع. 

١‏ الاهتمام باللغة العربية: 

عرفنا عند عرض الأسس التي يقوم عليها الإصلاح عند الشيخ محمد عبده الاهتمام باللغة 
العربية وتحديثها لتتناسب مع الحياة المعاصرة. 

ونرى هذا متوافقا تماما مع دعوة الجمعية» بل كانت اللغة والبيان أبرز النواحي فيهاء حنى 
أن قيمة العالى - حسب تصورها - كانت بقدر فصاحته وبلاغته. 

ولذلك اعتبر الإبراهيمي إحياء اللغة العربية ركنا من أركان العملية الإصلاحية التي 
نبضت لأجلها الجمعية» فهو يقول: (إِنّ جعيّتكم هذه أسّست لغايتين شريفتين» لما في قلب 
كلّ عربي مسلم بهذا الوطن مكانةٌ لا تساويه| مكانة» وهما: إحياء مجد الدَّين الإسلاميّ وإحياء 
محد اللغة العربيّة)9) 

ويبرر ذلك بأن (اللغة هي المقوّم الأكبر من مقوّمات الاجتماع البشريّ وما من أمّة أضاعت 
)١(‏ آثار ابن باديس:5/ 711. 


.711 آثار ابن باديس:5/‎ )١( 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 1717) 


لغتها إلا وأضاعت وجودهاء واستتبع ضياعَ اللغة ضياعٌ المقوّمات الأخرى)(" 

ويذكر النتائج الطيبة التي حصلتها الجمعية من نشرها للغة العربية واهتمامها بهاء فقال: 
(وقد أشرفت هذه اللغة الشريفة على الاضمحلال ببذه الذّيار لولا أن تداركتها جمعيّة العلماء 
وأخذت بيدها وانتشلتها من الحضيض الذي وصلت إليه» فاستعادت على يدها شباتهاء 
ووصلت بسبب الدَّين الحنيف أسبابهاء وأصبحت الجزائر في مدَّة قليلة تُفاخر أمصار العربيّة 
الكبرى ومنابتها الأصليّة» بأدبها وكُتّابها وشعرائها وخخطبائها)”" 

ويذكر تجربته في نشرها فيقول: (ولقد بدأت دروسي ومحاضراتي في تلمسان بالعربية 
الفصحى وأَحَذّت نفسي بذلك أخدًا أصل فيه إلى درجة الاغراب أحيانًاء وكان لي من وراء 
ذلك الالتزام غرضان: أحدّهُما إقامة الدليل للمتعلمين باللغات الأجنبية على أن الفصحى لا 
نا مكيل االغاق. من تتوعنه: وعلكة. وان كذ تلقانت فق مدان اللقبين فين للفائق 
والخيالات والخواطر والتصورات» وقد بلغت من هذا الغرض ما أريد.. والغرض الثاني أن 
أخوث ق نتوشض الغامة اتحي اللعلة والدين أسقًا بتكن مك اتيغيم دعقم إلى قدارك ما 
فاتهم منها في أبنائهم.. وكنت أرى من عامة السامعين حسن إصغاء ينبئ باهتمام عميق فأتأوله 
على أنه تآثر بالآيات والأحاديث التي يكثر تردادها في الدرس منزلة على ما سيقت له- والتأثر 
بكلام الله وكلام رسوله طبيعي في المسلم- وكم كنت أخشى أن يَنْقَضُوا من حولي يومًا لعدم 
فهم ما يسمعون لولا أنني أو إلى ركن شديد من كلام الله ورسوله.. وما زلنا على هذا حتى 
فعل المران فعله وأصبحوا يفهمون ويذوقون ويخرجون وهم يتدارسون.. وقد رجعت إلى 
العامية في بعض الدروس فاستهجنوها ونبت عنها أذواقهم؛ وإني لا أدري لاذا لا نعجب 
للعامي يتعلّم الفرنسية بالسماع وتَعْجَب- بل لا نكاد نصدق- له أن يتعلّم العربية بالسماع؛ مع 


)١175 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)5857 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


أن العربية أقرب إلى عاميته وفطرته وروحه)”" 

وهذا كله وغيره يدل على مدى اهتم|م الجمعية باللغة العربية» بل نرى أن مبالغتها في الاهتمام 
بها جعلها تنصرفء أو تقصر في تعلم الكثير من العلوم خاصة العلوم الشرعية» فباعها فيها ى| 
يظهر من خلال كتاباتها محدود جدا مقارنة بقوته في اللغة العربية. 


)١59 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


المبحث الثاني: المشروع الإصلاحي لجمعية العلماء 

بعد التعرف على التوجه الفكري الذي يكاد يجمع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 
عليه» والذي رأينا أنه مزيج من المدرستين السلفيتين: التنويرية والمحافظة» نحاول في هذا 
الملبحث التعرف على المشروع الإصلاحي الذي حاولت الجمعية تحقيقه على أرض الواقع» فلا 
يمكن التعرف التام على التوجه الحقيقي لأي تيار إلا من خلال مبادئه الفكرية ومشاريعه 
العملية. 

ونرى أن أحسن محل يمكن من خلاله التعرف على مشاريع أيا تيار أو مدرسة هو النظر في 
أهدافه التي يريدها سواء عبر هو عنهاء أو عرف بها في الواقع» ولعل المعرفة الواقعية أخطرء 
لأنها تدل على المنجزات أكثر من دلالة التصريحات النظرية» والتي كثيرا ما تتلبس بلباس المثل» 
فلذلك لا يمكن الاعتاد عليها اعتمادا حقيقيا. 

وقد عبر (فرحات عباس»» الذي عرفنا أنه من النخبة المثقفة ثقافة فرنسية عن أهداف 
الجمعية» فذكر أنها تنحصر في الرجوع إلى العربية والإسلام» ومحاربة أصحاب الطرق الصوفية 
المتواطئين مع الاستععار» وتكوين إطارات اجتاعية مشبعة بالثقافة العربية» لا تنكر فضل 
الثقافة الفرنسية(". 

وهكذا الأمر بالنسبة للمؤرخين الأجانب ف (شارل أندريه جوليان) حدد أهداف الجمعية 
على أنها دينية ثقافية في آن واحدء فمن الناحية الدينية أرادت الرجوع بالإسلام إلى نقاوته 
الأصلية عن طريق محاربة الطرقية التي اتبعت أمورا لا صلة لما بالقرآن والسنة» أما من الناحية 
الثقافية فقد قامت على جمع الشتات والهيئات الإسلامية بالتقريب قصد خلق كتلة واحدة من 
المسلمين(". 


)00 عباس فرحات. ليل الاستعمار» مطبعة فضالة محمد. المغرب» ص ١00‏ . 


() شارل أندريه جوليان إفريقيا الشالية تسير» ترجمة المنجي سليم وآخرين» تونس» 191/5» ص١17.‏ 
06 


و(جوزيف ديبارمي) لخص أهداف الجمعية في (فهم لغة القرآن» والرجوع إلى الثقافة 
الإسلامية القديمة» وجعل المغرب العربي كقلعة للعبقرية الشرقية في وجه الغرب وتنقية 
وتبسيط الدين الإسلامي)(") 

هذا بالنسبة لما عرفت به في الواقع عند الكثير» أما تصريحات الجمعية نفسهاء فقد عبر عنها 
الإبراهيمي عندما وصفها بآنها (جمعية علمية دينية تبذيبية)» أي أنها #بدف إلى نشر العلم» 
وإحياء الدين» وتبذيب المجتمع. 

وقد شرح هذه الأهداف بقوله: (فهي بالصفة الأولى (علمية) تعلم وتدعو إلى العلم» 
وترغب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر» وهي بالصفة الثانية 
تعلم الدين والعربية لها شيئان متلازمان وتدعو إليهما وترغب فيها وتنحو في الدين منحاها 
الخصوصيء وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعياداته» لأن هذا هو معنى 
الإصلاح الذي أسست لأجله ووقفت نفسها عليه» وهي تعمل في هذه الجهة أيضًا بوسائل 
علنية ظاهرة.. وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق التي حض الدين والعقل 
عليها لأنها من كالماء وتحارب الرذائل الاجتاعية التي قبح الدين اقترافها وذم مقترفيهاء 
وسلكت في هذه الطريق أيضًا الجادة الواضحة.. ومبذه الصفة تعمل لترقية فكر المسلم با 
استطاعت, وترشده إلى الأخذ بأسباب ال حياة الزمنية» وتريه ما يتعارض منها مع الدين وما لا 
يتعارض.. فالجمعية- بهذا الوصف الحقيقي لما- أداة من أدوات الخير والصلاح» وعامل لا 
يستهان به من عوامل التربية الصالحة والتهذيب النافع» وعون صالح لأولي الأمر على ما 
يعملون له من هناء وراحة» تشكر أعماله ولا تنكر)() 

ولتبسيط هذه الأهداف وضبطها لخصها الإبراهمي» أو فصلها بعد إجمال في هذه البنود 


.431 نقلا عن: الحركة الوطنية الجزائرية» للدكتور أبي القاسم سعد الله:”7/‎ )١( 


.١99/١ آثار الإبراهيمى:‎ )١( 
1١ 


الثانية: 

-١‏ تنظيم حملة جارفة على البدع والخرافات والضلال في الدين» بواسطة الخطب 
والمحاضرات» ودروس الوعظ والإرشادء في المساجد, والأندية» والأماكن العامة والخاصة» 
حتى في الأسواق. والمقالات في جرائدنا الخاصة التي أنشأناها لخدمة الفكرة الإصلاحية. 

”-الشروع العاجل في التعليم العربي للصغارء فيه| تصل إليه أيدينا من الأماكن» وفي بيوت 
الآباء» ربحًا للوقت قبل بناء المدارس. 

“-تجنيد المئات من تلامذتنا المتخرجينء ودعوة الشبان المتخرجين من جامع الزيتونة 
للعمل في تعليم أبناء الشعب. 

5 - العمل على تعميم التعليم العربي للشبان على النمط الذي بدأ به ابن باديس. 

-مطالبة الحكومة برفع يدها عن مساجدنا ومعاهدنا التي استولت عليهاء لنستخدمها في 
تعليم الأمة دينهاء وتعليم أبنائها لغتهم. 

7-مطالبة الحكومة بتسليم أوقاف الإسلام التي احتجزتها ووزعتهاء لتصرف في مصارفها 
التي وَقِمَت عليها. (وكانت من الكثرة بحيث تساوي ميزانية دولة متوسطة). 

/-مطالبة الحكومة باستقلال القضاء الإسلاميء في الأحوال الشخصية مبدثيًا. 

/-مطالبة الحكومة بعدم تدخلها في تعيين الموظفين الدينيين. 

وقد كانت مقالات وخطب أعضاء الجمعية كلها تنص على هذه الأهداف, وتذكر بها كل 
حين حتى ترفع تلك الشبهات التي كانت ترمى بها كل حين. فهذا الشيخ فرحات بن 
الدراجي(" الذي يقول في خطبة له: (أيها الإخوة الكرام إن غايتنا التي نسعى في الوصول إليها 


)00 هو فرحات بن الدراجي )١9901-١94٠04(‏ ولد ببسكرة» وبها حفظ القرآن الكريمء ثم توجه إلى جامع الزيتونة بتونس وتخرج 

منها سنة١197.,‏ رجع إلى الجزائر وصادف في عام رجوعه تأسس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) فكان من نخبة شبابها 

العاملين» قال عنه الشيخ مبارك الميلي: (الشيخ فرحات بن الدراجي مفخرة من مفاخر الزاب» وشخصية بارزة بين شبابنا المتقف 
١11‏ 


وهدفنا الذي نرمي إليه أن ننهض بالإسلام ونعمل على تنقيته تما ألصق به؛ ولن يكون ذلك إلا 
بالرجوع لأصوله الأولى ومصادره الصحيحة حتى يرجع إليه جماله وجلاله؛ وأن نعمل على 
إحياء لغة القرآن حتى يرجع إليها سالف مجدهاء وغابر عزها وحتى تصبح منتشرة في المدن 
والقرى» وبين الأفراد والجماعات. هذه هي الغاية التي لها نعمل ما دام فينا عرق ينبض؛ ولن 
يصدنا عنها تهديد ولا وعيدء لنبرهن بأقوالنا وأعمالنا للذين يحاولون أو يعملون بالفعل على 
قطع كل صلة تربطنا بالإسلام الصحيح والعربية الفصيحة. لنبرهن لمؤلاء أن الإسلام روح 
المسلم» والعربية لسانه» وليس في الإمكان أن يعيش إنسان بلا روح ومن غير لسان)() 

بناء على هذا يمكن تقسيم أهداف الجمعية إلى أربعة أهداف هي: 

أولاالإصلاح الديني 

ثانيا- لإصلاح السياسي 

الثا لإصلاح الاجتماعي 

رابعا لإصلاح التربوي 

وقد خصصنا كل هدف منها بمطلب خاص. 

المطلب الأول: الإصلاح الديني عند جمعية العلماء 

كشأن جميع الحركات الإسلامية» والسلفية منها خصوصاء فإن الإصلاح الديني!" هو 


الناهضء دؤوب على المطالعة والتحصيل» صبور على البحث ولتحليل» وهو من اضواء مصابيح المستقبل. (انظر: (من أعلام 
الإصلاح في الجزائر» للأستاذ/ محمد الحسن فضلاء» طبعة/ -١٠٠٠١‏ دار هومة بالجزائر: )١55 /١‏ 
)00 سجل الجمعية» ص:؟ .7١‏ 
من وزنها في نفوس المسلمين» ونعني به كذلك محاولة السير بالمبادئ الإسلامية من نقطة الركود التي وقفت عندها حياة المسلمين إلى 
حياة المسلمين المعاصرة حتى لا يقف مسلم اليوم وحاضره عندما يصبح في غده) (محمد البهى, الفكر الإسلامي الحديث وصلته 
بالاستععار الغربي» مكتبة وهبه الطبعة العاشرة» ص )17١‏ 

١0 


المنطلق الذي تنطلق منه العملية الإصلاحية جملة وتفصيلاء وذلك لاعتقاد المصلحين في هذه 
التيارات أن الانحراف الديني أو الانحراف عن الدين كلاهما سبب لكل الانحرافات. 

فالانحراف الديني يعني إيجاد منظومات جديدة مبتدعة تلبس لباس الدين لتنحرف به عن 
مساره الصحيح. 

والانحراف عن الدين يعني إيجاد بدائل عن الدين قد تلبس لباس ال هوى المجرد. وقد تلبس 
ألبسة أيديولوجية أخرى شبيهة بالدين. 

وقد عبر الشيخ ابن باديس عن حاجة الإصلاح لمواجهة كلا الانحرافين» فقال: (قد رأينا 
ضوهن سملب اح اوديها بون طرق لأساف و كعات فد أ لاوم لزن 
هو ما تمثّله بسيرة مجموعها وأفرادهاء وأنَّ الإسلام إنَّ) هو في كتاب الله وسنّةَ رسول الله يي وما 
كان عليه سلمُها من أهل القرون الثَّلاثَة المشهود لهم بالخيريّة على لسان الصَّادق المصدوق» 
فصمدنا ندعو الأمّة إلى الرجوع إلى هذه الأصول وطرح كل ما يخالفها من قول وعمل 
واعتقاد)(") 

فهذا النص يدل على تبني الجمعية على لسان رئيسها الإسلام أولا كمرجع للإصلاح. ثم 
تحديدها إسلام أهل القرون الثلاثة» أو إسلام الاتجاه السلفي بكل مقوماته؛ لترد من خلاله كل 
انحراف عنه. 

هذا من الناحية الفكرية النظرية» أما من الناحية الواقعية» فنجد اهتمام الجمعية بالجانب 
الثاني قد طغى على الجانب الأول فكان اهتمامها بالانتقاد أكثر من اهتامها بالبناء. 

ولهذا لا نجد في فكر الجمعية أو تراثها أو منجزاتها العلمية عرضا للإسلام يوازي ما قامت 


به من تهديم لما تراه من انحرافات» ولعل هذا ما 3 0 تتفق عليه جميع التيارات السلفية» وخاصة 


07 جريدة الشهاب: (؟/‎ )١( 


المحافظة منها نتيجة تغليبها المذهبية والطائفية على الإسلام. 

فابن باديس أو غيره من المصلحين عند ذكر الإصلاح الديني يربطه دائ| بالتوجه السلفي. 
وكأنه يظن أن الإسلام وحده - والمتضمن في مصادره المقدسة- لا يكفي إلا إذا قيد بفهم 
السلف وفعل السلف وختم السلف. 

فلفظة (السلف) عنده -كم| هي عند غيره من أعضاء الجمعية- لازمة مرتبطة بالكتاب 
والسنة لا يمكن التنازل عنها بحال من الأحوال» فقد كتب - مثلا- في جريدته (الشهاب)؛ 
في فاتحة السّئة الثالئة عشرة» يقول: (وسنخطو هذه الخطوة - إن شاء الله تعالى - على ما عرفه 
النّس من مبدئنا في الإصلاح الدَّينيٌ من ناحية العقائد والأخلاق والأفكار والأعمال» 
تصحيحاً وتهذيباً وتنويراً وتقوياً. كا ذلك في دائرة الإسلام كما نزل به القرآنء وبيّنته السَنَّه 
ومضى عليه - علماً وعملاً - السّلف الصّالح من هذه الأمّة)0) 

وعندما عرض دعوة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين وأصوهًا ذكر من بينها: ( الإسلام 
هو دين الله الذي وضعه لحداية عباده» وأرسل به جميع رسله. وكمّله على يد نبيّه محمد يي الذي 
لانبيّ بعده.. القرآن هو كتاب الإسلام.. السئة - القوليّة والفعليّة - الصّحيحة» تفسيرٌ وبيان 
للقرآن.. سلوك السّلف الصّالح - الصّحابة والتّابعين وأتباع التَابعين - تطبيقٌ صحيح لهدي 
الإسلام.. فهوم أتمّة السّلف الصّالح. أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب 
والسّنّة..)0 

وليس هذا خاصا بالفترة التي تولى فيها رئاسة الجمعية» بل كان هذا هو أسلوبه الإصلاحي. 
ففل تذكيز المستة اننا جودة (العقد)ة واشعها يدل علهاة ولذلك غلك معد قز 
وجيزة» فأتبعها بجريدة (الشهاب) التي عرفها بكونها (شهابٌ رصد على الدّين الصّحيح من 


.)7” /1١7( جريدة الشهاب:‎ )١( 


.)١6 5 /0( آثار ابن باديس:‎ )١( 


أن فلكو أندي :وساتجلة لوو انما البقطة اكت رونك اقائيلات موك سيطاة 
رجيم وأقاك أثيم..)1" 

وقد جاء في هذه الجريدة التّصريح الصّريح بالدَّعوة إلى هذه الأصول العظيمة: (إِنّ من أهمٌ 
ما أشّست له هذه الصّحيفة: الإصلاح الدّيني وتطهيرَ العقائد من نزعات الشّرك وباطل 
الخرافات ودحصّ أنواع البدع القوليّة والفعليّة» والإشادةً بلزوم الاهتداء بالكتاب والسنّة 
وعمل السّلف الصا حين» والأخدّ بكل ما وافق هذه الأصولء والطّرحَ لكل ما خالفها)”" 

حتى وصيته الجامعة أشار فيها إلى هذا: (اعلموا - جعلكم الله من وعاة العلم» ورزقكم 
حلاوة الإدراك والفهم: وجمّلكم بعرَّة الاتباع» وجتّكم ذِلّة الابتداع - أنَّ الواجب على كلّ 
مسلم في كلّ زمان ومكانء أن يعتقد - عقدا يتشرّبه قلبه» وتسكن له نفسه. وينشرح له صدره» 
ويلهج به لسانه» وتنبني عليه أعماله - أنَّ دين الله تعالى - من عقائد الإيمان وقواعد الإسلام 
وطرائق الإحسان - إِلَّا هو في القرآن والسئة الثابتة الصحيحة وعمل السلف الصالح من 
الصحابة والتابعين وأتباع التابعين» وأنّ كلّ ما خرج عن هذه الأصولء ول يحظ لديها بالقبول 
- قولا كان أو عملا أو عقدا أو حالا - فإِنّه باطل من أصله؛ مردود على صاحبه. كائنا من 
كان» في كلّ زمان ومكان.. هذه نصيحتي لكم ووصيّتي أفضيت بها إليكم» فاحفظوها 
واعملوا بهاء تبتدوا وترشدوا - إن شاء الله تعالى -؛ فقد تضافرت عليها الأدلة من الكتاب 
والسنئة وأقوال أساطين الملة من علماء الأمصارء وأئمة الأقطارء وشيوخ الزهد الأخيار» وهي 
- لعمر الحقٌّ - لا يقبلها إلا أهل الدَّين والإيهان» ولا يردّها إلا أهل الزيغ والبهتان)9) 

وعلى هذا المنهج سار جميع المصلحين - للأسف - فقد غلب عليهم الإسلام المذهبي؛ 


..07/1١( جريدة الشهاب:‎ )١( 
.)57/5 جريدة الشهاب: (؟/‎ )0( 


(؟) جواب سؤال عن سوء مقال. لابن باديس: ص (/48-91).. 
١15‏ 


والصراع مع الآخر وإلغائه» بل حتى الصراع مع التراث الإسلامي عن بيان الإسلام الحقيقي 
بجميع منظوماته. 

فهذا الشيخ مبارك الميلي يقول: (فالدّاعي إلى الكتاب والسّنّة وتفهّمه إِنَّ) هو داع لتحقيق 
كلمتَيْ الشّهادة, ولهذا نجد فيه وفي كلام سلف الأمّة ال حت على تعلّمه| واتّباعهها 5 
عند التزاع» والتَّحِذِيرَ من مخالفتهم| وارتكاب ما أنكراه على من تقدَّمّنا من مش ركين وكتابيّين)7" 

وهذا الشَّخَ العربي التبسي يقول: (فإنَّ الدّعوة الإصلاحية التي يقوم بها دعاة الإصلاح 
الإسلاميٌ في العالم الإسلاميٌ عامّة» وتقوم بها (جمعيّة العلماء» في القطر الجزائري خاصة» 
تتلخّص في دعوة المسلمين إلى العلم والعمل بكتاب ريم وسنّة نبيّهم» والسّير على منهاج 
سلفهم الصّالح في أخلاقهم وعباداتهم القوليّة والاعتقاديّة والعمليّة» وتطبيق ماهم عليه اليوم 
من عقائدَ وأعمال وآداب على ما كان في عهد السَّلف الصّالحء فا وافقه عدَّدْناه من دين الله 
فعولنا به» واعتبرنا القائم به قائاً بدين الله» وما لم يكن معروفاً في عهد الصّحابة عدّدناه ليس 
كدي اللسو لا عله تمه الات أوصما ده لذن ختة ع كل اجون عمل أذ 
كد عل )0 

وليس هذا خاصا بابن باديس أو مبارك الميل» أو غيرهماء بل هو شأن جمعيّة العلماء جميعاء 
فقد نصت في قانونها الدَّاخلي على أن (الجمعيّة تريد أَنْ ترجع بهذه الأمّة - من طريق الإرشاد 
- إلى هداية الكتاب والسّنّة وسيرة السّلف الصَّالح» لتكون ماشية في رقيّها الرُوحيٌّ على شعاع 
تلك الحداية)7”) 


ولكن مع هذاء نذكر أن هناك اهتتاماء وإن شابه قصور كبير بالناحية الأولى» وهي 


)57 رسالة الشرك ومظاهره (ص:‎ )١( 

(؟) تقديم لرسالة (الشرك ومظاهره): ص (77). 

(*) من المادة (17) من القانون الداخلي للجمعية» آثار الإبراهيمي: 66/1١‏ ). 
١١/‏ 


الانحراف عن الدين» فقد اهتمت الجمعية بظاهرتي الإلحاد والتبشير اهتتماما لا يتناسب مع 
تمل هينر 

ظاهرة الإلحاد: 

وقد ذكره الشيخ البشير الإبراهيمي متأسفاء فقال: ( الإلحاد ضيف ثقيل حل بهذا القطر 
منذ انتشرت بين أبنائه الثقافة الأوروبية من طريق التعليم اللاديني أو من طريق التقليد 
الأعمى» وغذته غفلة الآباء والأولياء عن هذه الناحية الضعيفة من أبنائهم)7") 

ثم ذكر كيفية سريان الإلحاد من خلال التعليم في المدارس اللائكية» فقال: (ذلك أن الناشئ 
الذي يتلقى التعليم في هذه المدارس اللايكية يحس من أول أيامه في التعليم بمنافرة ما يتعلمه 
في المدارس من حقائق الكون مثلًا لما تعوّد سماعه من أهليه» ثم يزداد ما يسمعه في المدارس 
رسوححا في نفسه بم| يقام عليه من الدلائل فيزداد على قدر ذلك نفورًا من كل ما يسمعه من 
أهليه» ثم ينقلب ذلك النفور منهم وما يسمعه منهم احتقارًا لهم وله ولكل ما يلابسهم من 
عوائد وأزياء حتى ينتهي به الأمر إلى الدين إذ يجد أبويه وأقاربه لا يعرفون منه إِلّا قشورًا 
ممزوجة بالخرافات» ثم هم لم ينشئوه على احترام الدين ولم يشربوه حبه من الصغر ولم يروضوه 
على إقامة شعائره؛ فإذا تمادت به مراحل التعليم وهو على هذه الحالة» شب على الوحشة من 
قومه ولغته ودينه وملك الالحاد عليه أمره إلا من رحم ربكء وهذه عاقبة طبيعية للإهمال 
المتفشي في مثل الأوساط الجزائرية)7) 

ويذكر دور الجمعية في مواجهة الإلحاد» فيقول: ( وقد كان لجمعية العلماء الآثار المحمودة 
في مقاومة الالحاد با يبثه رجاها من حقائق الدين» وبما يشرحونه في دروسهم ومحاضراتهم من 
مطابقته للعقل واتفاقه مع قضايا العلم ومسايرته للحياة المدنية» وبما أرشدوا إليه الآباء من 


)١95 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
0) /١( )م( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


رعاية الأبناء والظهور أمامهم بمظهر القدوة الصا حة في الدين والخير والفضيلة)(2 

وهو يذكر اهتمام أعضاء الجمعية بهذا الصنف من الناسء بل يعتبر أخهم أقرب إلى الإصلاح 
من غيرهم» فيقول: (ولكن رجال جمعية العلماء يعلمون أن هذه الطائفة المعرضة للإلحاد هي 
زهرة الأمة وأنها جديرة بكل عناية واهتمام» وأنها- وإن لم تسلم من طائف الإلحاد- سالمة من 
الجمود والتخريف. وأنها أقرب إلى الإصلاح والرجوع إلى الحق با معها من إدراك صحيح 
وبما فيها من ملكات الاستدلال» لذلك مازجوا هذه الطائفه وخلطوها بأنفسهم, وعرفوا كيف 
يجذبونها إلى المحاضرات والدروس الدينية» فكان لهذه الطريقة الرشيدة أثرها الصالح في تقويم 
زيغ الزائغين منها وإرجاعهم إلى حظيرة الدين بكل سهولة)”) 

وهو يعود إلى توجهه السلفي حين يعتبر مقاومة التصوف والطرق الصوفية سدا لباب من 
أبواب الإلحاد» فيقول: (أرأيت أن القضاء على الطرقية قضاء على الإلحاد في بعض معانيه 
وحسم لبعض أسبابه؟)7 

ويرد على من عاتبهم على إهمالهم الإلحاد وانشغالهم بالطرق الصوفية» فيقول: (وقد قرأت 
في هذه الأيام لكتاب تونسي مقالا يَنْعَى فيه على جمعية العلماء إهمالها لهذه الجهة من جهات 
الفساد وهي جهة الإلحاد.. وفات هذا الكاتب الفاضل أن جمعية العلماء لم تسكت عن الالحاد 
بل هاجمته في أمنع معاقله» ونازلته في أضيق ميادينه» ىا فاته أن صرعى الالحاد لا يغشون 
المساجد. فا تأثير الخطب الجمعية التي تلقى على المصلين؟ وهل يداوى المريض بتحذير 
الأصحاء من المرض أو أسباب المرض؟ ألا إن العالم المرشد كالطبيبء لا ينجح في إنقاذ المريض 


)١90 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)١90 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 
)١90 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


من اموت إلا بغشيان مواقع الموت ومباشرة جرائيم الموت)7" 

وهو لا شك يعتبر جراثيم الموت هي تلك الطرق الصوفية» ولسنا ندري مدى دقة هذا أو 
صحته» فقد استطاع بديع الزمان النورسي في بيئة كانت ممتلئة بالطرق الصوفية أن يقهر الإلحاد. 
وأن يربي جيلا مؤمنا من غير أن يصطدم مع أي طريقة من الطرق الصوفية» بل على العكس 
من ذلك استغل أتباع الطرق لينشر مبادثه الإيهانية فيهم بعيدا عن الصراع مع أي طرف من 
الأطراف إلا الإلحاد نفسه. 

ظاهرة التبشير: 

وقد عرفنا في الفصل الأول أن واضع أساسه في الجزائر هو (الكردينال لافيجري) الذي 
أسس مراكزه المهمة» ثم أتمت الجمعيات التبشيرية ما بدأ به» وهي جمعيات قوية يمدها الأغنياء 
من المسيحيين بالملايين من المال» ويمدها رجال الكهنوت ونساؤه بالأعمال. وتمدها الحكومات 
الوه واماي 

وقد ذكر الإبراهيمي في تحليله لدوافع التبشير بأنه ليس سوى نتيجة (من نتائج التعصب 
المسيحي المسلح» ومولود من مواليد القوّة الطاغية التي تسمي كل ما ترضى عنه من الأعمال 
المتكرة حرية دين أو حرية فكر أو حرية تجارة» وأداة من أدوات السياسة في ثوب ديني وشكل 
كهنوي» دفعته أولّا ليكون رائدها في الفتح وقائدها إلى الاستعار» وأمدته بالمعونة والحاية» 
والصيانة والرعاية» فمد اشطانه» وأصبحت جميع الأوطان أوطانه» حتى إذا صاح صائح 
بالويل أو صرخ مستغيث بالليل» قالت السياسة: اسكت فعمل التبشير من عملي» هو حر وأنا 
حامية الحرية» وهو (انساني) وأنا منقذة الإنسانية)7) 


)١98 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)١957 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 
)١957 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


ولكنه يرى مع ذلك أن التبشير لم ينجح في الجزائر» وأرجع أسباب ذلك (لعدة اعتبارات» 
أولّا: تقادم عهده. وثانيًا: صولة الاستعمار الذي يحميه. ثالنًا: فشوّ الجهل والأمية والفقر في 
الأمة التي هي فريسة التبشيرء رابعًا: انتشار الطرقية التي هي ظثر التبشير وكافلته والممهدة له 
حسًا ومعنى» وإن جهل هذا قوم فعدوا من حسناتها مقاومة التبشير» خامسًا: قعود علماء الدين 
عن المقاومة وسكوتهم عن المعارضة قبل جمعية العلماء)7) 

والسبب الأكبر في تصوره هو (تصلب الجزائري في دينه مهما بلغت به العامية والأمية 
والفقر)(" 

بعد هذا العرض لتصور الشيخ البشير الإبراهيمي» والذي هو تصور جمعية العلماء نفسه 
نتساءل: ما سر الصلابة التي منعت الجزائري الفقير الأمي من الذوبان في الآخر. والخضوع 
للمبشرين مع كثرة المغريات التي كانوا يوعدون بها؟ 

ثم لماذا يعتبر الإبراهيمي أن الطرق الصوفية ظثر التبشير وكافلته والممهدة له حسًا ومعنى» 
مع ذكره بأن هناك من اعتبرها الحصن الحصين ضد التبشير؟ 

ثم إن الإسلام الجزائري قبل الجمعية -كما يذكر الإبراهيمي وغيره - كان الغالب عليه 
الإسلام الطرقيء وبالتالي ألا يمكن اعتبار هذا الإسلام مهما كان مشوبا ببعض الانحرافات 
إسلاما قويا استطاع أن يحفظ الشخصية الجزائرية من الردة عن دينهاء والتحول عن هويتها؟ 

طبعا الإجابة على هذاء وعن سر تجاهل الجمعية على لسان الإبراهيمي لدور الطرق الصوفية 
في هذا الباب ناتج عن توجههم السلفي الذي يغلب المذهبية على الدين نفسه. 

والأشد خطرا من ذلك تعليل الإبراهيمي بن السبب في تقصير الجمعية عن مقاومة التبشير 


هو أنه (إلى الآن لم تتوفر لديها الوسائل الكافية لتنظيم مقاومة منتجة» وأهم عنصر في هذا الباب 


)١957 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)١957 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


هو المال.. (ف ) السلاح الماضي الفتاك في هذا الميدان هو المال. ولعمري كيف تستطيع أن تقاوم 
جمعيات منظمة من ورائها أمم غنية تغدق عليها المال» مجهزة بالجيوش الوفيرة من الرهبان 
والراهبات والأطباء والممرضات», يوحد الجميع أخلاق ممتازة من الصبر والثبات والإييهان 
الجازم بحسن عاقبة ما وقفوا أنفسهم له(" 

ونرى أن هذا التعليل ليس سوى مبرر للتقصيرء وإلا فا الذي يمنع دعاة الجمعية الذين 
انتشروا في مناطق القطر الجزائري يحذرون الناس من الطرق الصوفية أن يرسلوهم إلى المناطق 
المتعرضة للتبشير ليحموهم من الخروج من الدين؛ وينشروا فيهم في نفس الوقت مبادئ 
الإصلاح؟ 

ولكن ذلك لم يحصلء وإن حصل فقد كان أقل من المستوى لأن الجمعية انشغلت - | 
ذكرنا - بصراعات هامشية حالت بينها وبين الاهتام بالقضايا الكبرى للدين» وهو منهج 
السلفية عموما من الغرق في الجزئيات وترك الكليات» ومن انهيار سلم الأولويات. 

بالإضافة إلى هذاء فقد كان للجمعية أن تستغل صحفها في نشر الوعي الديني والتعريف 
بالإسلام» ومناقشة اللادينيين والمبشرين وغيرهم, ولكنها لم تفعل» فقد انشغلت مع كثرتها 
بقضايا الهدم أكبر من انشغاطا بقضايا البناء. 

بالإضافة إلى هذاء ف| الذي كان يمنع الإبراهيمي وأعضاء الجمعية الذين استنكفوا من 
مناظرة الطرق الصوفية بحجة أخهم أقل منهم علم| وشأنا'" أن يناظروا المبشرين واللادينيين» أم 


)١1917 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 

(؟) علل الإبراهيمي دوافع رفض المناظرة التي طلبها رجال الطرق الصوفية بقوله: (إن المناظرة في الشيء تستدعي نظيرين» أي 
مثيلين في المعنى الذي يتناظران فيه» والمناظرة المطلوبة هنا في مسائل علمية دينية لابسها تاريخ المسلمين الطويل» وداخلتها عوائدهم 
واجتماعياتهم وأثر فيها هذا وذاك.. وإذا كنا نحن الطرف الأول في هذه القضية» ونحن علماء نقول في الدين بدليله المعتبر» ونتكلم 
في التاريخ بعلله وأسبابه» ونقول في العادات بمناشئها وآثارهاء ونرجع كل شيء إلى أصله. ونرد كل حادثة إلى سببهاء ونربط بين 


١7 


أخهم أيضا لا يرقون إلى مرتبتهم؟ 

المطلب الثاني: الإصلاح التربوي عند جمعية العلماء 

ربها يكون أنجح مشروع للجمعية» بدأت به» وكان أساس انطلاقتها الإصلاحية هو ما 
بذلته من جهود للإصلاح التربويء فقد تأسست على أساس أنها جمعية تعليميّة #بذيبيّة» ولذلك 
فقد ألزمت نفسها - منذ إنشائها - بتعليم الجزائريّين - صغارا وكبارا - ونشر العلم في جميع 
ربوع الوطنء وإعدادٍ العلماء الذين يقومون بتوجيه الآمّة في دينها ودنياهاء وحفظ مقوّماتها من 
لغة ودين وأدب. 

وقد جاء في قانونها الأسامي عد ناف دل على اهتم|ماتها بهذا الباب بدءًا من تعليم القراءة 
والكتابة والحروف. إلى محاربة الأمّية» إلى التبخُر في علوم الكتاب والسنة: 

ففي المادة /ا/ا: (تسعى الجمعية في تكثير عدد المكاتب القرآنية على التدريج في أهمٌ مراكز 
القطرء ويحتوي برناجها على تعليم الخط العربي والنحو والصرف وحنفظ القرآن مع تفهيم 
مفرداته» وضروريات الدّين والأخلاق الإسلامية» وتختار من كتب التعليم أقريها للإفادة. 
وتأخذ الأساتذة بتنفيذ ذلك البرنامج على وجه الدّقّة)7" 

وفي المادة :١‏ (تحارب الجمعية داء الأمّية بكل ما تملك من قوّة. ومن وسائل هذه الغاية أن 
تُعنى بتعليم ما تستطيع من اليتامى الذين عدموا الكافل...) 7" 


وفي المادة :8١‏ (من غايات الجمعية النبيلة تأسيس كلية دينية عربية بمدينة الجزائر» تَدَرّس 


والتاريخ والاجتماع؟ نحن نعرفهم حق المعرفة» ونعرف أنهم جهلاء ويفخرون بالجهل» وأنصاف أميين ويتباهون بالأمية» إذ ليس 
العلم ولا القراءة شرطا في طرقهم ولا في مشيختهم؛ ونعرف أغهم لا يملكون من أسلحة هذا الميدان إلا العناد والإصرار على 
الباطل. ولو كانوا علاء لما بلغ النزاع بيننا وبينهم إلى هذا الحد. ولرجونا- إن ل يزعهم الدين- أن يزعهم العلم) آثار الإمام محمد 
البشير الإبراهيمي 07١١ /١(‏ 
)١(‏ آثار الإبراهيمي: .)858/١(‏ 
)١(‏ آثار الإبراهيمي: .)88/١(‏ 


فيها علوم الدّين من وسائل ومقاصد. والغاية الكبرى من هذه الكلية هي تقريب العلوم التي 
مباجر أبناء الوطن لتحصيلها في الأقطار الأخرى)”) 
وفي المادة 5 /1: (تعنى الجمعية بترغيب أعضائها العاملين في اقتناء الكتب النافعة كأمّهات 
التفسير والحديث وفقهه واللغة والأدب والأخلاق والتصوّف العملي”" والتاريخ..)97) 
وانطلاقا من هذا سنذكر هنا باختصار بعض ما اهتمت به الجمعية في هذا الجانب» ونرتب 


الكلام فيها بحسب المراحل الدارسية: 
١‏ محو الأمية: 
أؤلت الجمعيّة عناية كبيرة لمحو الأمّية لدى الصغار والكبار. يقول الإبراهيمي: (إن أَظنٌ 


أن أوّل هيئة اجتماعيّة فكّرت في محاربة الأمّية بصورة منظّمة في هذا الوطن هي جمعيّة العلماء 
المسلمين الجزائريّينَء وأن أول رجل أعرفه فكّر في مقاومة الأميّة بصورة جدّية هو رئيسها 
المحترم. وأذكر أنني تحادثت معه في هذا المعنى» وقَلَبنا وجوه الرأي فيه منذ سنواتء وربما كان 
ذلك قبل تأسيس الجمعية)) 

وبا أن هذا المشروع من مشاريع الجمعية الناجحة» فإنا نحب أن ننقل هنا باختصار تجربتها 


فيهاء وذلك من خلال تقريرها لها عنها ألقى في مؤتمر الجمعية الذي انعقد بنادي الترقى 


.)858/١( آثار الإبراهيمي:‎ )١( 
(؟) يبدو أن هذا العلم بهذا المصطلح ذكر في الفترة التي كانت فيها الجمعية منفتحة على كل التيارات» وإلا فإنها بعد ذلك تشددت‎ 
مع لفظ التصوف نفسه. فالإبراهيمي يقول عن هذه اللفظة بنبرة حادة: (ويميئًاء لو كان للمسلمين يوم انُّسعت الفتوحاتء وتكوّنت‎ 
المعامل الفكريّة ببغداد» ديوانُ تفتيش في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجمي؛ لكانت هذه الكلمة من المواد الأوّليّة‎ 

المحرّمة الدخ ول( (آثار الإبراهيمي: /١(‏ 10/0)). 

(©) آثار الإبراهيمي: .)88/١(‏ 

(؛) سجل مؤقر جمعية العلماء: ص (49).. 


بالعاصمة في سبتمير :00()١91*6(‏ 

وقد بدأ هذا التقرير بمقدمة عن الكمال الإنساني» وضرورته للخروج من التخلف 
والاستعباد» وهي بذلك تتبنى مقولة القابلية للاستعار» فالمستعمر لم يستعمر الجزائر إلا 
لانتشار الجهل فيهاء يقول التقرير: (ومن الأمثلة الصريحة التي لا تحتاج إلى ترتيب الأقيسة في 
الاستدلال عليهاء نقيصة الأميّة. فإنها لا تفشو في أمة وتشيع بين أفرادها إلا فتكت بها وألحقتها 
بأخسمن أنواع الحيوانات» ومكنت فيها للجهل والسقوط والذلة والمهانة والاستعباد)!" 

والتقرير يذكر مخاطر الآمية» وما تسببه من قابلية للاستعباد» فيقول: (فإذا كنا نعرف من 
شؤون الأفراد أن من يصاب منهم بشلل تتعطل منه وظيفة العضو المصاب» كذلك يجب أن 
نعرف من شؤون الأمم هذه الآثار السيئة التي تنشأ عن الأمّية وهي تعطيل المواهب والقوى 
مع الفرق العظيم بين تعطيل وظائف أجزاء الجسم وبين تعطيل أجزاء الأمّة)7) 

وبين التقرير تصور الجمعية للأمية» وهو (الجهل بالقراءة والكتابة)» ولكنه يضيف إليه في 
موضع آخر (الأمية الفكرية) حين يذكر أن (أكبر جناية تجنيها الأميّة على الأمم هي القضاء على 
التفكير.. والتفكير هو المعيار الذي توزن به القيم العقلية في الأمّة سمرًا وإسفاقًا. ومحال أن 
يسمو تفكير الأمي لأن فكره في قفص من أُمَّيته)) 

ويعرج التقرير من المقدمات المنطقية العامة إلى الواقع الجزائري» فيذكر أن (فيها نراه سائدًا 
في أوساطنا الجزائرية من بساطة التفكير وتدلّيه خصوصًا في الشؤون العامة.. لدليلًا على أن 
هذه الأميّة هي أخت الوثنية في الفتك بالعقول وتعطيل مواهبها. فلا كانت الأميّة ولا كانت 
)١(‏ انظر: كتاب سجل مؤقمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» المطبعة الإسلامية الجزائرية» قسنطينة» ص :0 - 47» وقد استغنينا 
بهذا التوثيق هنا عن التوثيق في سائر الموضوع لأنا لخصناه من مواضع مختلفة كلها ضمن الصفحات المذكورة. 
)١(‏ آثار الإبراهيمي: )5١7/١(‏ 


() آثار الإبراهيمي: )5١7/١(‏ 
(؟) آثار الإبراهيمي: )5١7/١(‏ 


الوثنية» من رضيعتي لبان واحدء وربيبتي حجر واحد)7 

بعد هذا يذكر التقرير المقترحات الخاصة بعلاج الآمية سواء تعلقت بالصغار أم الكبار: 

أما الصغار: فيذكر التقرير أن المصل!" الواقي لهم من هذه العلة (هي تلقينهم مبادئ القراءة 
والكتابة من الصغر.. وأقل ما يجب على الجمعية في هذا السبيل الوصايا والتحذيرات المؤكدة 
لآباء الناشئين لثلا يتراخوا أو يفرطوا في هذا الواجب.. ثم عناية خاصة مضاعفة بالتعليم الذي 
تقوم به الجمعية» يكون أساسه والقصد منه رفع الآميّة وحماية الناشئة منها)7) 

وأما الكبار: الذين فاتهم سن التعليم بحكم أعمارهم, فيذكر التقرير لتعليمهم اقتراحين!): 

الأول: أن تتقدم لكل أعضائها العامدين» وتأخذ عليهم عهد الله وميثاقه على أن يعلم كل 
واحد منهم أميّا أو كثر من أقاربه مبادئ الكتابة والقراءة والعمليات الأربع في الحساب» 
ويحفظه سورًا من القرآن على صحتهاء وتتوسل الجمعية لهذا بطبع حروف الهجاء مركبة ومفردة 
على صحائف من المقوى وبطبع الأرقام الحسابية كذلك» وبطبع سور من القرآن بالحرف 
الغليظ» وبطبع جمل تتضمن معاني مستقلة في العبادات والعقائد والفرائض. 

الثاني: أن تعمد الجمعية إلى الجمعيات القانونية» وإلى المجموعات التي يجتمع أفرادها في 
حرفة أو عمل كسائقي السيارات أو صانعي الأحذية» فتتقدم إليهم بالنصيحة والإرشاد أولاء 
ثم بالعمل ثانيّاه لأن مثل هذه المجموعات أقرب إلى النظام والضبط لأنهم يجتمعون في الغالب 
في ساعة معيّنة وأكثر ما تكون في الليل. 

وكيفية العمل مع هؤلاء أن تلزمهم بدفع مبلغ معيّن من المال في كل شهرء ثم تلزم طالبًا من 
)١(‏ آثار الإبراهيمي: )5١7/1(‏ 
)١(‏ المصل: ما يؤخذ من دم حيوان محصّن من الإصابة بمرض معيّن ثم يحقن به جسم آخر ليكسبه مناعة تقيه الإصابة بذلك 
المرض. المعجم الوسيط: ص (807/5). 


(©) آثار الإبراهيمي: 005١5 /١(‏ 
(؛) آثار الإبراهيمي: )5١7/1(‏ 


الطلبة أن يعلّمهم مبادئ القراءة والكتابة وأرقام الحساب وبسائط عملياته في ساعتين من كل 
ليلة» في مقابل ذلك المبلغ الشهري الذي يجمعونه. 

 "‏ التعليم الابتدائي: 

نظرا لتفشي الآمية ىا ذكرناء وقلة المدارس العربية» وخطر المدارس اللائكية» فقد اهتمت 
الجمعية بالتعليم الابتدائي» وإخراجه من دائرته الضيقة المحدودة إلى دائرة أوسع لتشمل أكبر 
عدد من الجزائريين» وذلك عن طريق الخطوات التالية» وكلها ما نص عليه تقرير الجمعية 
السائق(0: 

١‏ -إحداث مكاتب حرة للتعليم المكتبي للصغارء وتنظيم دروس في الوعظ والإرشاد 
الديني في المساجد» وتنظيم محاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة في النوادي. 

ويذكر التقرير أن مساعي الجمعية نجحت في هذا الباب نجاحًا عظياء وأنه لولا عراقيل 
الإدارة الاستعمارية المتمثلة في غلق بعض المكاتب» والتضييق في إعطاء الرخصء وإيصاد 
المساجد في وجوه الوعاظ لكانت النتيجة أكبر. 

 ”‏ إصلاح أساليب التعليم بقسميه المكتبي والمسجديء وإبعاده عن الأساليب العتيقة 
العقيمة التي كان يباشر بهاء والتي كانت محل شكوى وتذمر في مكاتب التعليم ومعاهد العلم 
بغير الجزائر» ولم تستطع تلك المكاتب والمعاهد التخلص منها مع ظهور فسادها. 

وربعا يشير التقرير بهذا إلى ما قام به الشيخ محمد عبده من إصلاح للتعليم في الأزهر» وما 
دعا إليه من إصلاح المناهج التعليمية في العالم الإسلامي» وهنا يبرز تأثير السلفية التنويرية 
واضحا على الجمعية. 

إصلاح الوعظ والتذكير بحيث يصير على (طريقة السلف. تذكر بكتاب الله» تشرحه 
)١(‏ انظر آثار الإبراهيمي: (1/ »)21915-191١‏ وقد استغنينا بهذا التوثيق هنا عن التوثيق في سائر الموضوع لأنا لخصناه من مواضع 


مختلفة كلها ضمن الصفحات المذكورة. 
يدل 


وتستجدي عبره» وبالصحيح من سئة رسول الله تبينها وتنشرهاء وبسيرته العملية» تجلوها 
وتدل الناس على مواضع التأمي منهاء ثم سير الصحابة وهديهم» ثم سير حملة السنة النبوية» 
وحملة الهدي المحمدي في أقوالهم وأعمالهم كذلك)0" 

ولعل التقرير يريد من هذا استنساخ منهج ابن باديس في التدريس في المساجد. لينفذ على 
مستوى أوسع. 

ونلاحظ كذلك هنا غلبة التوجه السلفي المحافظ على الجمعية كاختيار (سير الصحابة 
وهديهم, ثم سير حملة السنة النبوية» وحملة الهدي المحمدي في أقوالهم وأعمالهم)» دون أن تذكر 
غيرهم من مثل الإسلام بسلوكه وعلمه من الخلف. 

5 اختيار أقرب الأساليب في التعليم الديني في المساجد. وذلك بالتركيز على المعنى والنفوذ 
إلى صميمه من أقرب طريق يؤدي إليه» وتجليته للسامعين بالصور العملية التطبيقية» 
والإعراض عن اللفظيات والخلافات وكل ما يشوش أو يبعد عن تصور المعنى المقصود. 

الاهتمام في التعليم المكتبي باللغة العربية» وذلك بتلقين التلامذة أبسط القواعد في أسهل 
التراكيب» ثم تمكينها من نفوسهم بالتمرينات التطبيقية» والحرص على اشرابهم معنى ما 
يقرأون والاجتهاد في تربية ملكة الذوق والاستنتاج في نفوسهم. وني إصلاح اللهجات التي 
حرفتها العامية عن سبيلها العربي وتقويم اللسان على الحروف وهيأتها ومخارجهاء والتشجيع 
على التكلم أمام الناس با يمليه الخاطر من غير اعتماد على وحي معلم أو كتاب. 

١‏ الاهتام بالتعليم القرآني» وذلك بتبيين حقائقه للناس» ونشر فضائله بينهم» وتحبيبه إلى 
نفوسهم. وشرح مزاياه فيهم؛ وجعله أساسًا في التذكير والوعظ لتنشئ من أبناء الأمة جيلًا 
قرآنيًا يتقن حفظ القرآن وأداءه» ويحسن فهمه والعمل به ويتخلق بأخلاقه ويتربى على هديه. 


)١9١ /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


ثم ينشر بواسطته دين الله في أرض الله. 

٠‏ الاهتمام بالتربية الخلقية» وذلك باعتماد أسلوب الخطابيات المؤثرة في العقول, الحافزة 
للنفوسء المنبهة للمشاعر على طريقة الترغيب والترهيب. 

-إصلاح الكتب المقررة» وذلك باعتم|د الكتب الصحيحة الموثوقة كأمهات كتب التفسير 
الموثوق مهاء وكتب الحديث الصحيحة. 

4 بث الاهتمام بالبحث والمطالعة في نفوس الناشئة» وذلك عن طريق الترغيب في المطالعة 
النافعة» والبحث العلمي السديدء وتعليمهم كيفية المطالعة وطرائق البحث في التاريخ 
والاجتماع والآدبء والرجال والكتب. 

٠"‏ التعليم العالي: 

لم تكتف الجمعية بالاهتمام بالتعليم الابتدائي ونحوه في المساجد والكتاتيب» بل راحت 
تبحث في تأسيس معاهد ومدارس عليا لتخريج الإطارات التي تساهم في نشر الإصلاح. 

ولعلها استلهمت هذه الفكرة كا ذكرنا سابقا من المدرسة الشرعية التي أسسها محمد رشيد 
رضاء والتي أراد منها أن تنشر الدعاة في العالم الإسلامي. 

ولهذا الغرض أنشأت الجمعيّة دار الحديث بتلمسانء والتي أريد لها أن تكون مدرسة عليا 
تضاهي مدارس الإسلام التاريخية» وقد قال البشير الإبراهيمي في حفل افتتاحها: (لقد حملني 
إخوانكم التلمسانيون أمانة يجب علي أن أبلغها إليكم وهي أنهم يسلّمون عليكم ويعاهدونكم 
على التفاني في خدمة الجمعية ونشر مبادئهاء ويبشّرونكم بأنهم شيّدوا للإسلام والعربية معهدًا 
م يكن له نظير في تاريخ الجزائر الحديثء كا أخهم يتشوّقون ويتشرّفون أن يكون فتح هذا المعهد 
لأَوّلَ مرّة بيد علامة الجزائر وزعيم نهضتها الأستاذ عبد الحميد بن باديسء وهذا المعهد هو 
مدرسة (دار الحديث». المسّاة على دار الحديث الأشرفية التي أسّست منذ قرون في دمشق 


الشام» تلك المدرسة التاريخية التي تخرّجٍ منها أئمة في العلم وفحول ني الأدب, والتي كان من 


8 


مدرّسيها الإمام الحافظ محي الدين النووي والإمام النظار تقي الدين السبكي)”" 

وأنشأت الجمعية لهذا الغرض كذلك معهد ابن باديس بقسنطينة» وقد دعا إلى تأسيسه 
الشيخ الإبراهيمي بعد أن أهمه مصيرٌ التلاميذ الذين أغبوا مرحلة التعليم الابتدائي بمدارس 
الجمعية» ففكر في تأسيس معهد يكون عنوان مرحلة جديدة في جهاد الشعب الجزائري 
الحضاري» يستكمل فيها أولئك التلاميذ دراستهم. 

وقد سعى لربطه بجامع الزيتونة» وذلك لإيجاد علاقة ثقافية علمية بين المؤوسسات العلمية 
العربية» ىا حصل ذلك من إنشاء الأزهر فرعًا له في لبنان» وإنشاء جامعة القاهرة فرعا لها في 
السودان. 

والغرض الثاني لهذا هو تمكين حاملٍ شهادة المعهد من الالتحاق بالمؤسسات التعليمية العليا 
في المشرق العربي» زذلك لأنه كان ينوي توجيه النوابغ إلى استكمال دراستهم في جهة أخرى 
غير الزيتونة ". 

وقد كان الإبراهيمي يولي المعهد عناية خاصة؛ ويزوره باستمرار» ويسهر على حسن سيره 
ويذلل مايعترضه من عقبات» ويوفر له الإمكانات» ويختار له الكفاءات» ويكثر عنه الكتابات» 
ولم يكتف بجهوده الخاصة؟ فأسس له حركة ساها (حماة المعهد)7) 

المطلب الثالث: الإصلاح الاجتماعي عند جمعية العلماء 


كسائر الحركات السلفية» اعتبرت جمعية العلماء الإصلاح الاجتماعي ركنا من أركان 


)١(‏ انظر: الشهابء السنة 17» العدد 8» أكتوبر 19117 : من افتتاحية (الشهاب) المخصصة للمؤتمر السنوي العام لجمعية العلماء» 
عنوانها (في عيد النهضة الجزائرية الحديثة) بقلم فرحات الدراجيء وانظر: آثار الإبراهيمي: 7/١‏ 05". 

7١ انظر مقال (معهد عبد الحميد بن باديس: ما له وما عليه) الذي نشر بالبصائرء العدد 5 5» السنة الأولى من السلسلة الثانية»‎ )١( 
)؟١5 جوان 554١م وانظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (؟/‎ 

(؟) العربي التبسي» مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر» جمع: شرفي أحمد الرفاعي قسنطينة» دار البعث 219/81١‏ ج١‏ 


.١72١:ص‎ 





ا 


العملية الإصلاحية التي نمضت لاء وقد عبر الشيخ الإبراهيمي في خطبة مهمة له ألقاها في 
الاجتماع العام الخامس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي عقد بنادي الترفي بعاصمة 
الجزائر في سبتمبر ١975‏ وكان عنوانها (الإصلاح الذيني لا يتمٌ إلا بالإصلاح الاجتماعي)!" 
عن هذه المعاني وفلسفتها وال مارسات العملية التي قامت بها الجمعية لأجل تحقيقها. 

وبما أن هذه الخطبة تعرف - على الأقل - بالجانب الاجتماعي في المشروع الإصلاحي 
للجمعية» فسنجعلها مصدرنا الوحيد في هذا الجانب» أما ما حصل في الواقع العملي» وهل 
يتناسب مع ما ذكره الشيخ من نجاحات كبرىء فإن ذلك متروك للقراء» من خلال ما يدل 
عليه الواقع الجزائري قبل الاستقلال وبعده. ومتروك كذلك للباحثين» فالموضوع بحاجة إلى 
دراسات مستفيضة في بيان مدى ونوع تأثير الجمعية في المجتمع الجزائري بعيدا عن النظرة 
التقديسية. 

بدأ الشيخ الإبراهيمي خطبته ببيان أهمية الجانب الاجتماعي لدى الجمعية» فقال: (أيها 
الإخوان: من الغلط أن يقال إن جمعية العلماء جمعية دينية يجب أن ينحصر عملها في الإصلاح 
الديني بمعناه الذي عرفه الناس» ومن فروع هذا الغلط ما رماها به بعض مرضى العقول 
وصرعى الجهل من أنها خرجت عن مدارها حين زجّت نفسها في بعض شؤون الحياة غير 
الدين.. والحقيقة أن هذه الجمعية تعمل من أول يوم من تكوينها للإصلاح الديني وللإصلاح 
الاجتماعي» وكل ذلك يسع الإسلام» وكل ذلك يسعه مدلولها وموضوعها وقافونها)!) 

ثم أخد يبين المصادر الشرعية التي جعلت الجمعية تختار هذا المنهج» وهو علاقة الجانب 
الاجتماعي بالدين» (وأن الإسلام دين واجتماع..وأن الإصلاح الديني لا يتم إلا بالإصلاح 


)١(‏ البصائر» السنة الأولى» العدد 9" الجمعة ١5‏ رجب 1100ه / ١‏ أكتوبر 19777 م» وانظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي 
1/ ١1م‏ 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 7/87) 
هن 


الاجتماعي» وهذا الارتباط بين القسمينء فإن جمعية العلماء- وهي الجمعية الرشيدة العالمة 
بحقائق الإسلام- عملت منذ تكوينها في الإصلاحين المتلازمين» وهي تعلم أن المسلم لا يكون 
مسلً حقيقيًا مستقيً في دينه على الطريقة حتى تستقيم اجتماعيته)7") 

ثم أخذ يسرد ما يتصوره من خصال المسلم الذي استقامت اجتماعيته» فاعتبره ذلك الذي 
(يحسن إدراكه للأشياء وفهمه لمعنى الحياة وتقديره لوظيفته فيها وعلمه بحظه منها وينضج 
عقله وتفكيره ويلم بزمانه وأهل زمانه ويتقاضى من أفراد المجموعة البشرية ما يتقاضونه منه 
من حقوق وواجبات» ويرى لنفسه من العزّة والقوّة مايرونه لأنفسهم وتربط بينه وبينهم رابطة 
الأخوة والمساواة والمصلحة لا رابطة السيادة عليه والاستحسار دونه)7() 

انطلاقا من هذه التصورات النظرية أخذ الشيخ الإبراهيمي يعدد المكاسب التي استطاعت 
الجمعية أن تحققها في تلك الفترة الوجيزة» فترة 5 سنوات» ونستطيع أن نحصر هذه المكاسب 
- كما ذكرها الإبراهيمي- في النقاط التالية"): 

١‏ - نجاح الجمعية إلى حدٌ بعيد في إفهام الآمة المعاني الاجتماعية الصحيحة» وتوجيهها إلى 
مجاراة السابقين» وتبيئتها لأن تكون آمّة عزيزة الجناب مرعية الحقوق ثابتة الكيان محفوظة 
الكرامة صالحة للحياة مساوية للاحياء. 

؟ - نجاحها في تحقيق العزة في أفراد المجتمع» بحيث أصبحوا لا يلينون لمن يريد استعبادهم» 
أيا كان ذلك المستعبد» وقد عبر عن غرض الجمعية من تحقيق هذا المدف». موجه كلمته لمن ينكر 
على الجمعية اختيارها هذا السبيل: (يا ويح الجاهلين» أيريدون من كلمة الإصلاح أن نقول 


للمسلم قل: لا إله إلا الله مذعنًا طائعًا وصل لربّك أوامًا خاشعًاء وصم له مبتهلًا ضارعًاء 


)7/87 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)585 /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


9ه آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 00) 
نضل 


وحج بيت الله أَوَابَا راجعًاء ثم كن ما شئت نهبة للناهب» وغنيمة للغاصبء ومطية ذلولًا 
للراكبء ان كان هذا ما يريدون فلا ولا قرة عين» وإنما نقول للمسلم إذا فصلنا: كن رجلا 
عزيرًا قويًا عامًا هاديًا محسنًا كسوبًا معطيا من نفسك آخدًا لها عارقًا بالحياة سبّاقًا في ميادينهاء 
صادقًا صابرًا هيا إذا أريد منك الخيرء صلبًا إذا أردت على الشر.. ونقول له إذا أجملنا: كن 
مسدًا ىا يريد منك القرآن وكفى) 7( 

ونحسب أن الذين وجه إليهم الإبراهيمي هذا العتاب هم من أنكر على الجمعية منهجها في 
مواجهة الطرق الصوفية وعدم اهتمامها الكبير بإقامة المجتمع لشعائره التعبدية. 

- نجاحها في تصحيح عقائد المجتمع» وقد ذكر الإبراهيمي النسبة الكبيرة من النجاح 
التي حققتها الجمعية في هذا الجانب» فقال: (ونجحت الجمعية- كذلك- نجاحًا جليًا مشهودًا 
ظهرت آثاره للعيان وَلَسَهُ الموافق والمخالف والمعتدل والمتجانف. في تصحيح عقائد الأمّة 
الجزائرية وتطهيرها من شوائب الشرك القولي والعملي التي شابتهاء فصحّت العقائد وصححخت 
لصحتها الإرادات والعزائم)”") 

وذكر ناذج عن هذا النجاح» وهي نفس الناذج التي يذكر الوهابيون عندما يسردون 
كرامات النجاح العجيبة التي حققها الشيخ محمد بن عبد الوهاب» فقال: (أصبح المنتسبون إلى 
الإصلاح ولو من العامة يخلصون لله في عباداتهم وإيهانهم ونذورهم وأدعيتهم, ونبذوا كل ما 
كانوا عليه من عقد فاسد أو قول مُفْتَرَى أو عمل مبتدع في هذه الأبواب كلهاء وأصبحوا 
يفرقون بين السئة والبدعة والمشروع وغير المشروع ويعتقدون أن الإنسان مجزي بعمله رهين 
بكسبه وليست هذه التتيجة بالأمر اليسير)7" 


)0 آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 00) 
(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 585) 


9 آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 00) 
برضل 


ثم بين الوسائل التي استطاعت بواسطة الجمعية تحقيق هذا النجاح» فقال: (الحق أن هذه 
الآثار الجليلة كلها راجعة إلى المقالات التي نشرتها صحف الإصلاح والدروس والمحاضرات 
التي ما زال يلقيها دعاة الإصلاح المنتشرون في القطر. ولما كان الحق بِينًا في نفسه سهل على 
الداعين إليه بيانه والاستدلال عليه ونقض الشبهات القائمة حوله وإن اختلفت مراتب 
المدعوين في سرعة التلقّي بالقبول)7" 

؛ - نجاحها في توجيه الأمة إلى القرآن الكريم» وحملها على التدبّر في معانيه بعد أن كانت 
معرضة (مشغولة عنه با لا يفيد» معتقدة فيه العقائد السخيفة مستغنية عن فهمه بحفظه مع 
تقصيرها في أداء لفظه. مستعيضة عن تلاوته بتلاوة الأوراد والأذكار» وعن دراسته بدراسة 
كتب جافة من وضع المخلوق لا تبعث في النفس نشاطًا ولا تنشر في القلوب حياة ولا تغرس 
في الأفئدة فضيلة» ولا تقتلع منها رذيلة» ولا تشرف على القلوب المظلمة بنور» ولكنها بدأت 
اليوم ترجع إلى القرآن وتستجلي أنوار الهداية وأسرار الكائنات من آياته» وتأخذ الحياة قوية من 
تعاليمه» وكأنها برجوعها إلى القرآن تجدد نفسها وتستأنف في الحياة تاريخهاء وعسى أن تنتهي 
من هذه الوجهة الجديدة إلى غايتهاء فتنتهي إلى السعادة والخير) 7" 

ه ‏ نجاحها في توحيد المجتمع وجمع طوائف عظيمة منه على الحق (بعد أن كانت كلها 
متفرقة على الباطل» واستطاعت أن تعلمهم معنى الاجتماع على الحق والخير وكيفية الاجتماع 
على الحق والخير» وتحبّب إلى نفوسهم كلمة الاجتماع وحضور المجتمعات بعد أن كانت لا 
تجتمع إلا على شر أو مأثم..)7) 

5 - نجاحها في غرس الأخلاق الفاضلية في (نفوس الأمة الجزائرية» فجمعية العلماء هي 


)0 آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 20) 
(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 585) 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 5857) 
ل 


التي علمت الأمّة خلق التضحية في الصالح العام» وخلق الصبر عليه ومطاولته وخلق القصد 
في الاعتقاد والتفكير وخلق الاعتماد على النفس» وخلق الصراحة في القول والجرأة في الرأي 
والكلام إلى ما يتصل مبذه الأخلاق من فروع ولوازم)(2 

المطلب الرابع: الإصلاح السياسي عند جمعية العلماء 

مع أن القانون الأسامي للجمعية ينص على ابتعادها عن السياسة إلا أن ذلك لم يكن إلا 
لتمرير الجمعية أمام السلطات الفرنسية» أما الحقيقة الواقعة فهي أن من أهداف الجمعية 
الكبرى تحقيق مشاريع ومكاسب سياسية مثلا حققتها في الجوانب الدينية والتربوية 
والاجتاعية. 

وهي تنطلق في هذا من الدين نفسه. وقد عبر ذلك الإبراهيميء فقال: (إذا كان الإسلام 
دينًا وسياسة» فجمعية العلاء دينية سياسية» قضية مقنعة لا تحتاج إلى سؤال ولا إلى جواب. 
وجنعية العلماء ترى أن العالم الديني إذا لم يكن عاكًا بالسياسة ولا عاملا لها فليس بعالم وإذا 
تخل العالم الديني عن السياسة فمن ذا يصرفها ويديرها؟ لا شك أنّهِ يتولاها الجاهل المتحلل 
فيغرق السفينة ويشقي الأمة» وكثيرًا ما غلطنا الاستعمار حين يضيق ذرعا بناء فيقول أنتم علماء 
دين فا لكم وللسياسة؟ إن الدين في الإسلام سياسة» وإن السياسة دين» فهم|- في اعتباره- 
شيئان متلازمان» أو هما شيء واحد» وقد جاراه في النغمة الممجوجة بعض ضعفاء الأميين من 
ساسرة السياسة مثاء والغرضان متقاريان: فالاستعار يريد أن يزيحنا عن طريقه فيزيح خصً 
عنيدًا يمنعه العلم أن يخدع ويمنعه الدين أن يساوم في حق قومه. وضعفاء الإيوان من قومنا 
يريدون أن يخلو لهم الجو فيعبثوا ما شاء لهم العبث ولا علم يصدع ولا دين يردع)(") 

ثم بين أن هذا الذي ذكره قد دفع الجمعية إلى دخول جميع المجالات السياسية» فقال: 


)5857 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)١10١ /5( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 


(لجمعية العلماء في كل نقطة من السياسة الجزائرية رأي أصيلء تجهر به وتدافع عنه وتذيعه في 
الناس وتخالف رأي غيرها بدليل» وتوافقه بدليلء لأنها لا تقبل التقليد في الدين وكيف تقبله 
في الدنيا؟)0) 

ثم بين القبلة التي تتوجه إليها جميع المواقف السياسية للجمعية» فقال: (وصفوة رأي 
الجمعية في السياسة الجزائرية تحرير الجزائر على أساس العروبة الكاملة والإسلام الصحيح 
والعلم الحي. وعلى ذلك فهذه الجهود الجبارة التي تبذلها جمعية العلماء في سبيل العربية 
والإسلام والتعليم كلها استعداد للاستقلال» وتقريب لأجله. ولكن كثيرًا من قومنا لا 
يفقهونء أو لا يريدون أن يفهمواء ولو أرادوا أن يفهموا لحكموا المحسوس الذي لا يرتابون 
فيه» وهو أن جمعية العلماء حرّرت العقول وصقلت الأفكار وأيقظت المشاعر. والنتيجة 
الطبيعية لذلك كله هي تحرير الأبدان» لأن الأول مدرجة إلى الثاني)”) 

ومثل هذا الموقف نجده عند ابن باديس الذي اعتبر أن بوصلة الجمعية متوجهة لخدمة 
مصالح الهوية الجزائرية» فمن كان في خدمة هذه المصالح كانت الجمعية معه. ومن كان على 
خلافه كانت على خلافه» يقول عند بيان موقف الجمعية من الأحزاب: (إن الإسلام عقد 
اجتماعي عام فيه جميع ما يحتاج إليه الإنسان في جميع نواحي الحياة لسعادته ورقيه» وقد دلت 
تجارب الحياة كثيراً من علماء الأمم المتمدنة على أن لا نجاة للعالم ما هو فيه إلا بإصلاح عام 
على مبادئ الإسلام فالمسلم الفقيه في الإسلام غني به عن كل مذهب من مذاهب الحياة فليس 
للجمعية إذاً من نسبة إلا إلى الإسلام» وبالإسلام وحده تبقى سائرة في طريق سعادة الجزائر. 
والبلوغ بها - إن شاء الله- إلى أرقى درجات الكمال.. وإلى هذا فنحن نشكر ونعترف بالجميل 


)١10١ /5( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (5/ )١10١‏ 
١5‏ 


لكل من يؤيدنا في سيرنا نصرة للمظلوم ومقاومة وخدمة للإنسانية في جميع أجناسها)!" 

وبناء على هذا القانون الذي التزمته الجمعية نبه ابن باديس إلى أن (الجمعية لا تواللي حزباً 
من الأحزاب ولا تعادي حزباً منها. وإنما تنصر الحق والعدل والخير من أي ناحية كان وتقاوم 
الباطل والظلم والشر من أي جهة أتى. محتفظة في ذلك كله بشخصيتها ومبادئها محترسة في 
جميع مواقفها مقدرة للظروف والأحوال بمقاديرها)”" 

وذكر موقفها من المؤتمر الإسلامي» وأنها (أوكلته لمن شاء من رجالما ليحافط فيه على اللغة 
والقومية والمطالب الدينية والعلمية» يعمل فيه على مسئوليته لا على مسئوليتها)"" 

أما مواقف مع خصومها السياسيين» فقد ذكر ابن باديس أن (الأمة اليوم تجتاز طوراً من 
أشق أطوارها وأخطرها فهي تتناسى كل خصومة وتعمل لجمع الكلمة وتوحيد الوجهة ولا 
تنبذ إلا أولئنك الرؤوس رؤوس الباطل)7) 

بعد التعرف على الناحية النظرية في المشروع الإصلاحي للجمعية نحب أن نذكر أنها 
مارست في الواقع بعض النشاطات السياسية - كما عرفنا ذلك في الفصل الثاني- ومن الأمثلة 
على هذه النشاطات مشاركتها في المؤتمر الإسلامي سنة 1975م» والذي سبق أن ذكرناه 
بتفصيل» وذكرنا الانتقادات الموجهة للجمعية بسببه. 

بالإضافات إلى نشاطات كثيرة لا يسمح هذا المقام بذكرهاء ولكنا مع ذلك نذكر نموذجين 
مهمينء ربا تكون قد نجحت الجمعية في تحقيقهم| بمعونة الكثير من الحريصين على الهوية 
الجزائرية» بمن فيهم الطرق الصوفية» وهما قضية التجنيس» وقضية الإدماج. 


)00٠ /7( آثار ابن باديس‎ )١( 
)06٠ /9( (؟) آثار ابن باديس‎ 
)05٠ /”( آثار ابن باديس‎ )5( 
)00٠ /”( (؛) آثار ابن باديس‎ 
1١ 


الموقف من التجنيس: 

أما التجنيسء. والذي أصدرت فرنسا قانونه في ١5‏ جوان 875 1» وكان من واضعيه 
والمخططين له الوالي العام (موريس فيوليت»» والذي سمحت بموجبه فرنسا للجزائريين 
الراغبين في الحصول على الجنسية الفرنسية» وكانت فرنسا تدعو بكل الأساليب له» وتدعو معه 
إلى الأخذ بأسباب الحضارة الأوربية ونبذ التعصب الديني. 

وقد رأت الجمعية خطورة هذا الطرح على اللحوية الجزائرية» فلذلك انصبت جهودها على 
مواجهة التجنيسء ونشر الفتاوى المحرمة له. 

بل إن مواجهتها له سبقت تأسيسهاء ولعل أشد أعضاء الجمعية لجة في مواجهة التجنيس 
رائد الصحافة الإصلاحية أبو اليقظان الذي كتب - قبل تأسيس الجمعية - بجريدة (وادي 
ميزاب) مقالا تحت عنوان (رأينا في التجنيس) يقول فيه: (كنا نرى أن الكلام في مسألة 
التجنيسء وبأن فسادها وتطورها من الجهة الدينية والمالية والوطنية» كالكلام عن ظلال الليل 
ومرارة الحنظل وسم العقرب وفرقعة الديناميت.. التجنيس بالمعنى الذي عرفوه؛ الاعتراف 
بفساد الشريعة الإسلامية» وعدم الالتزام بأحكامها والاعتراف بصلاحية التشريع الفرنسي 
الوضعيء والالتزام بأحكامه وبعمله هذا فقد جني على نفسه وعلى ذريته من بعده)() 

ومن الفتاوى المهمة في هذا الباب» والتي كان لها تأثيرها في المجتمع الجزائري فتوى الشيخ 
الطيب العقبي الذي كتب مقالا في جريدة (البصائر) تحت عنوان (كلمتي الصريحة في التتجنس 
والمتجنسين)» وما جاء فيه قوله: (التجنس بمعناه المعروف في شمال إفريقيا حرام» والإقدام 
عليه غير جائز وجه من الوجوه »ومن استحل استبدال حكم واحد من أوضاع البشرء 
وقوانينهم بحكم من غير أحكام الشرع الإسلامي» فهو كافر مترد عن دينه بإجماع المسلمين لا 


)00 وادي ميزاب : العدد /١‏ بتاريخ 7107 / 15م 
١78‏ 


يرجع إلى دائرة الإسلام» وحظيرة الشرع الشريفء. حتى يرفض رفضا باتا كل حكم وكل 
شريعة تحالف حكم الله وشرعه المستبين)7") 

ومن ذلك فتوى الشيخ ابن باديسء والتي اعتبر فيها المتجنس بالجنسية الفرنسية مرتداء 
قال: ( التجنيس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض احكام الشريعة الإسلامية ومن رفض 
حكم| واحدا من احكام الشريعة الإسلامية عد مرتدا عن الإسلام بالإجماع. فالمتجنس مرتد 
بالإجماع)7) 

ويقول: (المتجنس بحكم القانون الفرسي يجري تجنسه على نسله فيكون قد جنى عليهم 
بإخراجهم من حظيرة الإسلام» لا وتلك الجناية من شر الظلم وأقبحه وإثمها متجدد عليه ما 
بقي له نسل في الدنيا خارجا عن شريعة الإسلام بسبب جنايته)7) 

ومثل هذا نجده في مقال للشيخ الأمين العمودي تحت عنوان (التجنس والتفرنج) جاء 
فيه: (إن المسألة لأهميتها الكبرى ليست من المسائل التي يرجع النظر والحكم فيها لفرد واحد 
أو لقليل من الأفراد» بل من الأمور التي يجب على جمهور الأمة تدقيق النظر فيها وإناطة الحكم 
فيها بعهدة عدد وافر من أصحاب العلوم الدينية والعقول المستنيرة والأفكار الراقية والكفاءة 
التامة...هؤلاء يقتصرون على الحكم في تجنس الأفراد وهذا النوع لا يعم بالخير العاجل ولا 
الأجل على الأمة» بل يجب عليهم أن يبحثوا في التجنيس ولباقته وحليته وحرمته ومنافعه أو 
مضاره من حيث تعميمه وتطبيقه على كافة الشعب)0) 


وبفضل هذه الفتاوى وغيرها استطاعت الجمعية أن تحمي الجزائريين من آثار التجنيس» 


)00 البصائر : العدد /الا» بتارخ اا / ١917/‏ م. 
6 محمد الطاهر فضلاء : دعائم النهضة الوطنية الجزائرية» دار البعث للطباعة والنشر» قسنطينة» الجزائر» دت» ص .١5١‏ 
(؟) البصائر :ع 40. بتاريخ /01١ / ١5‏ 1978 م.. 
5( الاصلاح »العدد 5 .٠‏ بتاريخ 5 ؟ / 9 ١14‏ م6 
١‏ 


بحيث بقي محصورا في فئة محدودة جدا من المثقفين المتفرنسين» وإذا ما قورنت بجهود الحكومة 
الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية التي بذلت جهدا كبيرا في هذا المجال فإننا يمكن أن نعتبر هذا 
نصرا سياسيا للجمعية!". 

الموقف من الإدماج: 

ومثل هذا الموقف الصلب أمام الاين عدم أمام قضية الإدماج» والتي أثارتبا جماعة 
النخبة الجزائرية المثقفة بالثقافة الفرنسية» والتي رأت أنه لا سبيل للجزائريين للتخلص من 
السياسة الاستعمارية وقانون الأهالي سوى الاندماج بفرنسا مع الاحتفاظ بالشخصية 
الإسلامية العربية» وكان على رأس هؤلاء الدكتور ابن جلول وفرحات عباس وأغلب النواب. 

إلا أن علاء الجمعية واجهوا هذه الأفكار الخطيرة» واعتبروها من المخططات الاستععمارية 
التي تريد أن تشتت المجتمع الجزائري بذوبانه في الكيان الاستعماري. 

وقد جعلهم هذا الموقف يقفون في وجه الإدماجيين بكل قوة» ومن الأمثلة على ذلك ردهم 
على موقف فرحات عباس الذي أنكر وجود جزائر مستقلة» بل أكثر من ذلك راح يقول: (أنا 
فرنسا)» وقد رد عليه الشيخ ابن باديس في مجحلة الشهاب (عدد أفريل 1975م) تحت عنوان: 
(كلمة صريحة) ابتدأ فيه بالإنكار على من يتكلمون باسم الأمة دون أن يكون هم تمثيل حقيقي 
في وسطهاء ومصرا على مجابهة أصحاب هذه التوجهات ليشير بعدها إلى دعوى فرحات التي 
رد عليها مؤكدا أصالة الأمة الجزائرية التي لم تكن في حاجة إلى الاندماج في فرنسا لتثبت 
وجودها وقد جاء في هذا المقال كلمته المشهورة التي أصبحت شعارا للجزائريين: (إن هذه 
الآمة الجزائرية ليست هي فرنسا »ولا يمكن أن تكون فرنساء ولا تريد أن تصير فرنساء ولا 


تستطيع أن تصير فرنسا ولوأرادت)0" 


)00 بوصفصاف : جمعية العلماء المسلمين وعلاقاتها ص .١75‏ 


)9*٠09 /”( آثار ابن باديس‎ )١( 


ومع هذه الصلابة التي أبدتها الجمعية في وجه من يحاول العبث بالهوية الوطنية» إلا أنها ل 
تؤسس حركة سياسة على غرار ما فعله الأمير خالد. ولعلها أرادت من خلال ذلك أن تتفادى 
الأخطاء التي وقع فيها من قاموا بالعمل السيامي المباشر الذي يمكن أن يعطي للإدارة 
الفرنسية الحجج للقمع والحظرء وهو ما يضر بالمشاريع الإصلاحية الأخرى. 

ولذلك نرى الجمعية تستعمل مرونة كبيرة» ولغة دبلوماسية قوية لتحقيق مطالبها السياسية 
حتى لا تصطدم بالمستعمر» كهذه اللغة التي استعملها الإبراهيمي عندما قال: (يا حضرة 
الاستعار إن جمعية العلماء تعمل للإسلام بإصلاح عقائده وتفهم حقائقه وإحياء آدابه وتاريخه 
وتطالبك بتسليم مساجده وأوقافه إلى أهلها وتطالبك باستقلال قضائه.. وتطالبك بحرية 
التعليم العربي... وتعمل لتوحيد كلمة المسلمين في الدين والدنيا...)(0 

وقد ذكر خير الدين عن ابن باديس ما يشير إلى هذاء فقد ذكر أنه في إحدى لقاءات الشيخ 
بالشباب المتحمس للثورة» والذين طلبوا منه المطالبة بالاستقلال علناء فكان جواب الشيخ 
بحكمة» حين وضح لهم أن هدف الجمعية لا يتم بهذه الصورة قائلا: (هل رأيتم إنسانا يشيد 
سقفا دون أن يقيم الجدران؟)» فقالوا: كلا لا يمكن ذلكء فقال: (إذا من أراد أن يبني داره 
فعليه أن يبني الأسسء ويقيم الجدران ومن أراد أن يبني شعبا ويقيم أمة فإنه يبدأ من الأسس 
لامن السقف) 

وقدم لهم الشيخ أروع مثل لهذاء وهو هو الاقتداء بسيرة الرسول يل الذي بلغ الرسالة في 
ثلاث عشر سنة» فبعد الدعوة سرا إلى أن اشتد ساعدهم أعلنوها جهرا. 

انطلاقا من هذا بين لهم أنه لا يكفي طلب الاستقلال» فيصبح الشعب مستقلاء بل وضح 


لهم أن منهج الجمعية يتم وفق الأسس التالية: 


)57 /7( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


١‏ التربية والتعليم اللذان بب| تصبح الأمة جديرة على نيل حريتهاء لأن الاستقلال كما قال 
لا يتوجب بالكلام والشعارات بل يفتك فتكا. 

؟ ‏ إعداد المجاهدين ليصبحوا على استعداد للجهاد. بعدها يتجه لتحقيق الاستقلال!". 

وبناء على هذاء وبسبب الظروف القاسية التي كانت تمر بها الجزائر لم يكن أعضاء الجمعية 
يتهورون في التصريح بمشروعهم السيامي الكبير» بل كانوا يالامسونه كل حين ملامسة خفيفة 


تؤدي الغرض من غير أن تسبب في أي أذى. 


)00 خير الدين» المذكرات» ص 58 59-١1‏ 7. 


خاتمة الفصل 

من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل: 

١‏ -يتفق معظم الدارسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين على تصنيفها ضمن (الحركات 
السلفية) التي كانت في ذلك الحين في أوج نشاطهاء وهذا التصنيف ليس قاصرا على الدراسات 
الحديثة» بل كل من تحدث عن الجمعية في ذلك الوقت كان يعتبر توجهها توجها سلفيا محضا 
لا يختلف عن التوجهات السلفية في ذلك الحين. 

؟ - مع ورود التصريحات الكثيرة من أعضاء الجمعية تنص على توجهها السلفي» بل 
وتفتخر بهذا التوجه. وتدعو إليه» وتعتبر الدعوة إليه من صميم أهداف الجمعية الذي أسست 
لأجله إلا أنها لا يمكن من خلالها وحدها أن نتعرف على التوجه الفكري لجمعية العلماء 
المسلمين» وذلك لأن أن اسم السلفية تتنازعه تيارات مختلفة» بل أحيانا متناقضة» بالإضافة إلى 
هذاء فقد ظهرت على الساحة الإسلامية الكثير من المناهج» والتي تعتبر نفسها جميعا مناهج 
سلفية على الرغم من التناقضات الكثيرة بينها. 

 “‏ أن هناك خلافا شديدا بين الكتاب المعاصرين حول مدى سلفية الجمعية أو أعضائهاء 
فبين| نجد بعضها يحاول أن يثبت (سلفية ابن باديس) مثلاء» نجد في المقابل من يكتب الكتب 
والمقالات المطولة التي لا تمنحه هذه النسبة» ونفس الشيء يقال عن سائر أعضاء جمعية العلماء 
إلا من ندر منهم. 

من خلال أدلة كثيرة رأينا أنه يمكن تحديد التوجه الفكري لأعضاء جمعية العلماء 
المسلمين الجزائريين ضمن صنفين من التوجهات كلاهما يطلق عليه - اصطلاحا- (سلفية)» 
وهما (السلفية التنويرية)» و(السلفية المحافظة)» فبعض أعضاء الجمعية» وخصوصا ابن باديس 
كان أميل إلى السلفية التنويرية منه إلى السلفية المحافظة» وفي المقابل نجد الطيب العقبي أكثر 
ميلا إلى السلفية المحافظة منه إلى السلفية التنويرية. 


5 


4 يمكننا - بشيء من التحفظ - أن نذكر بأن جمعية العلماء - وخصوصا في موقفها من 
الطرق الصوفية - حاولت أن تمَزْج بين كلتا السلفيتين» فهي ترد على التخلف الطرقي والخرافة 
الطرقية باعتبارها سلفية تنويرية» وترد على تفاصيل المارسات الطرقية بالآدلة التي تراها 
باعتبارها سلفية محافظة» ولهذا نراها تستعير من رسائل الوهابية وكتبها ما تدعم به مقولاتها. 

5 كشأن جميع الحركات الإسلامية» والسلفية منها خصوصاء فإن الإصلاح الديني هو 
المنطلق الذي تنطلق منه العملية الإصلاحية جملة وتفصيلاء وذلك لاعتقاد المصلحين في هذه 
التيارات أن الانحراف الديني أو الانحراف عن الدين كلاهما سبب لكل الانحرافات» 
فالانحراف الديني يعني إيجاد منظومات جديدة مبتدعة تلبس لباس الدين لتنحرف به عن 
مساره الصحيح. والانحراف عن الدين يعني إيجاد بدائل عن الدين قد تلبس لباس الموى 
المجرد» وقد تلبس ألبسة أيديولوجية أخرى شبيهة بالدين. 

-٠‏ ربا يكون أنجح مشروع للجمعية» بدأت به» وكان أساس انطلاقتها الإصلاحية هو ما 
بذلته من جهود للإصلاح التربويء فقد تأسست على أساس أنها جمعية تعليميّة #بذيبيّة» ولذلك 
فقد ألزمت نفسها - منذ إنشائها - بتعليم الجزائريّين - صغارا وكبارا - ونشر العلم في جميع 
ربوع الوطنء وإعدادٍ العلماء الذين يقومون بتوجيه الآمّة في دينها ودنياهاء وحفظ مقوّماتها من 
لغة ودين وأدب. 

8 - كسائر الحركات السلفية» اعتبرت جمعية العلماء الإصلاح الاجتماعي ركنا من أركان 
العملية الإصلاحية التي نمضت لماء ونجاحها في هذا أو عدمه متروك للباحثين» فا ملوضوع 
بحاجة إلى دراسات مستفيضة في بيان مدى ونوع تأثير الجمعية في المجتمع الجزائري بعيدا عن 
النظرة التقديسية. 

4 مع أن القانون الأسامي للجمعية ينص على ابتعادها عن السياسة إلا أن ذلك لم يكن 
إلا لتمرير الجمعية أمام السلطات الفرنسية» أما الحقيقة الواقعة فهي أن من أهداف الجمعية 


06 


الكبرى تحقيق مشاريع ومكاسب سياسية مثلا حققتها في الجوانب الدينية والتربوية 
والاجتاعية. 

٠‏ -مارست الجمعية في الواقع بعض النشاطات السياسية » ومن ذلك مشاركتها في المؤتمر 
الإسلامي سنة 1977 م» والذي سبق أن ذكرناه بتفصيل» وذكرنا الانتقادات الموجهة للجمعية 
بسببه» بالإضافات إلى نشاطات كثيرة من أهمها مواجهتها للتجنيس والإدماج. 


الفصل الثاني 
الاتجاه الفكري للطرق الصوفية ومشروعها الإصلاحي 

و ا ا 
نقصر نظرنا على بعض الظواهر السلوكية التي يهارسها بعض الصوفية أو كل الصوفية من غير 
أن نرجع إلى البحث عن المصادر الفكرية التي أنتجت تلك السلوكات. 

وذلك لأنا رأينا أن الكثير من البحوث - مع كونها علمية أكاديمية - إلا أنها تنتقي بيعض 
الظواهرء كالرقص الصوني مثلاء أو بعض ال حركات البهلوانية التي تقوم بها بعض الطرق 
الصوفية. لتنتج منها فيل| تسيمه (الطرق الصوفية)» من غير أن يكون في ذلك الفيلم أي حوار, 
لامع الممثلين» ولا مع من يديرهم» لتعرف سر حركاتهم» أو لتتجاوز حركاتهم إلى المعاني التي 
يعيشونها أو الأفكار التي يحملونها. 

وهذه النظرة - للأسف - هي التي حكمت على عقول المتنورين من أبناء الجمعية» 
وحجبتهم عن أن يعرفوا جلية ما يهارسه الصوفية» وما يريدون من خلال تلك ال مارسات» فهم 
اكتفوا با رأواء وبا اشمأزت له نفوسهم. ولم يتركوا للطرف الآخر الفرصة ليخاوزى 7 
وليحدثهم عن فكره ومشاريعه. 

ولا نخفي أن بعض تلك المظاهر سيئ للغاية» تشمئز تزله النفس» ويأنف منه العقل» ولكن 
هل يخضع الباحث لاشمئزازه» أم يجعله اشمئزازه يبحث عن الحقيقة. 

وأول خطوة يخطوها الباحث عن الحقيقة هو البعد عن التعميم» فليست كل الطرق تمارس 
تلك الحركات التي تشمئز لها النفس» وليست كل حركة تشمئز لها النفس حركة ممقوتة» حتى 


)00 عرفنا فيها سبق رفض الجمعية للحوار مع الصوفية» وذلك من خلال رفضهم للصلح أو للمناظرة» وسنرى المزيد من الشواهد 
على هذا في المحال المناسبة. 
١55‏ 


أن من غير المسلمين من حجب عن الإسلام» لآن سجود المسلمين لم يعجبه» أو لأن ذبح 
المسلمين للحيوان اعتبره قسوة لا تتناسب مع الدين. 

ولهذاء فإن الباحث العلمي المحترم هو من يتجاوز نفسه. بل يتجاوز عقله البسيط. ليبحث 
عن جلية الأمر من أهله لا من غيرهم» وللأسف نجد الباحثين يعرفون الصوفية ومناهجهم 
ومسالكهم من خلال كتب إحسان إلهي أو عبد الرحمن دمشقية» أو الوكيلء أو ابن تيمية» من 
غير أن يفكر في الرجوع إلى المصادر الأصلية التي يعتمدونهاء مع أن تراث الطرق الصوفية في 
الجزائر خصوصا تراث ضخم. والتراث الذي كتب في عهد الجمعية لا يقل قيمة عن كل ما 
كتب في غيرها من بلاد العالم الإسلامي. 

ولكنا للأسف نجد الباحثين يعرضون عنهاء ويتحججون بحجج لا قيمة علمية لاء 
يأخذوبما من خصومها ليضربوها بهاء وأذكر أني ذكرت لبعض الباحثين بعض المعاني السامية 
التي ذكرها الشيخ ابن عليوة في بعض كتبه» فضحك ساخراء وقال: (ومتى كان ذلك الأمي 
كاتبا؟ لقد كان هناك من يكتب له» وكان هو في نفسه أميا)» وعندما سألته عن الكتب التي 
كتبت لهذا الأمي» وشهرت باسمه لم يعرف منها أي كتاب مع كونه من الباحثين المهتمين 
بجمعية العلماء» وعندما سألته عن أدلة هذا الموقف جاءني بصفحات مما قاله الزاهري 
والإبراهيمي وال مدني وغيرهم.. 

وهذه للأسف عقبة كبيرة من عقبات البحث العلمي المنهجيء يعتمدها التيار السلفي 
عموما عندما يترك المناقشة في الفكرة ليناقش في المفكر. 

لقد قلت لصاحبي ذاك: فلنفرض أن الكتب كتبت له» وهو لم يكتبهاء وذلك غيب لا يعلمه 
إلا الله» ولكنها مع ذلك نسبت له ولطائفته» والمنطق العلمي يدعونا للبحث فيها باعتبارها 
تصريحات تدل على المواقف. 

بناء على هذا التنبيه الذي رأينا ضرورته» نحاول في هذا الفصل أن نتعرف على التوجه 


1 


الفكري والمشروع الإصلاحي للطرق الصوفية» مثل] فعلنا ذلك مع الجمعية لتتيسر المقارنة. 
وبناء على هذا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين: 
المبحث الأول: الاتجاه الفكري للطرق الصوفية 
المبحث الثاني: المشروع الإصلاحي للطرق الصوفية 


الملبحث الأول: الاتجاه الفكري للطرق الصوفية 

قد يتبادر إلى الذهن - بادئ الرأي - أنه ليس من الصعب التعرف على الاتجاه الفكري 
للطرق الصوفية» فالطرق الصوفية تنتسب إلى التصوفء وإذن فإن توجهها توجه صوفي. 

وهذا يصح لو كان التصوف شيئا واحداء أو كان الصوفية أصحاب مدرسة واحدة» 
والواقع التاريخي يقول خلاف ذلكء فالصوفية مثلهم مثل السلفية ليسوا شيئا واحداء ولا 
مدرسة واحدة» بل هم مدارس متعددة» وأحيانا متناقضة» حالم حال السلفية» وهذا من 
أسباب تعدد الطرق الصوفية» وكثرة الخلاف بين مدارس الصوفية في كثير من القضاياء وقد 
يصل الخلاف أحيانا إلى درجة التبديع والتضليل مثل| عرفنا في التوجه السلفي تماما. 

وانقسام الصوفية إلى اتجاهات ومدارس هو الاعتقاد السائد عند أكثر الباحثين في التصوف 
سواء كانوا من المؤيدين له أو المنكرين عليه» وإن كان هناك من يرى الصوفية شيئا واحداء 
ومنهم بعض أعضاء جمعية العلماء المسلمين» كما عرفنا ذلك سابقا عند عرضنا لآراء المتشددين. 

ولكنا مع ذلك فإنا سنتعامل هنا مع الاعتقاد السائد بتقسيم الصوفية إلى مدارس متعددة» 
لنرى من خلال ذلك الاتجاه الذي ينتمي إليه صوفية الجزائر الذي تعاملت معهم جمعية العلماء. 

ولعل أدق تقسيم قديم للصوفية من المعارضين لماء ومن الذين تبنت المدرسة السلفية 


منهجهم تقسيم ابن تيمية» فهو يقسم التصوف إلى قسمين كبيرين» ثم يقسم كل قسم منهما إلى 


ثلاثة أقسام, أما القسم الكبير الأول» فهو من جهة النظر إلى السلوك الصوفي العمل» وينقسم 
الصوفية فيه بحسب نظر ابن تيمية إلى ثلاثة أقسام» هي: صوفية الحقائق» وصوفية الأرزاق» 
وصوفية الرسم. 

أما القسم الكبير الثاني» فهو من جهة النظر إلى معتقدات الصوفية النظرية» وينقسم الصوفية 
فيه إلى ثلاثة أقسام كذلك» وهي: السلفية» والأشعرية» والحلولية والاتحادية!". 

هذا هو المنهج الذي اختاره ابن تيمية والكثير من أتباعه با فيهم الكثير من أعضاء جمعية 
العلماء عند الحديث عن التصوفء بين| يرى أكثر الصوفية - المتأخرين منهم خصوصا - أن 
هذه التقسيمات اعتبارية لا حقيقية» أو كا عبر شاعرهم بقوله: 


عتارانا . كني اوسيل جد وكل. إل.. ذاك .لقال يقد 


2 


أو كما ينقل الشيخ ابن عليوة كل حين!": 

وكم بين حذّاق الجدال تنازع وما بين عشّاق الحبيب تنازع 
أو كما عبر الشيخ أحمد زروق في (القاعدة »26١‏ والتي هي كأصول الفقه عند الصوفية» فقد 
قال تحت عنوان (تعدد وجوه الحسنء يقضى بتعدد اللاستحسان): (تعدد وجوه الحسن» يقضى 
ومن نحا نحوه. وللفقيه تصوف رحاه ابن الحاج في مدخله» وللمحدث تصوف حام حوله ابن 
القشيري في رسالته» وللناسك تصوف حواه القوت والإحياء» وللحكيم تصوف أدخله 


)00 انظر: : ابن تيمية» الصوفية والفقراءء» دار المدني» القاهرة»؛ ص 5259 7. 
6 ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» المطبعة العلاوية» مستغانم» ص١‏ 7. 
١48‏ 


البوني في أسراره. وللأصولي تصوف قام الشاذلٍ بتحقيقه. فليعتبر كل بأصله من محله)”") 
وانطلاقا من هذين التقسيمين» وانطلاقا من صحبتي لبعض الطرق الصوفية» ومشايخها 
الكبار في الجزائر» وخاصة الشيخ عبد الباقي مفتاح» صاحب المؤلفات الكثيرة في التاريخ 
الصوفي في الجزائر» بالإضافة إلى كتبه في الفلسفة الصوفية» أرى أنه يمكن أن يقسم التصوف 
- بحسب وجوده في الواقع- إلى قسمين» أو مدرستين قد تتداخلان فيا بينهماء فيكون الصوني 
الواحد في القسمين جميعاء ثم إن لكل قسم أنواعه الخاصة به كذلكء, وهذان القسمان هما: 
التصوف السلوكي: وهو التصوف الذي بهتم بالسلوك والمجاهدات والأذكار ونحوهاء 
ويمكن تقسيمه بحسب المارسات السلوكية فيه إلى قسمين: قسم متفق على ممارساته السلوكية» 
وهو يدخل ضمن ما يسمى بالتصوف السني» وقسم مختلف في ممارساته» وهو الذي يسميه 
أعداؤه (التصوف البدعي)» ونحن نؤثر تسميته ب (التصوف المختلف فيه)» باعتبار أنه يستدل 
لممارساته باجتهادات فقهاء ومحدثين كبار من القدماء والمحدثين» ومثل هذا لا يستعجل فيرمى 
بالبدعة» وسنرى تفاصيل الخلافات الواردة في هذا النوع في الفصل الخاص بالسلوك الصوفي. 
التصوف العرفاني: وهو الذي يطلق عليه كذلك لقب (التصوف الفلسفي)» وهو موجود 
في كل الطرق الصوفية» وهو عادة تصوف النخبة من المثقفين الصوفيين» لأن فيه جوانب 
فلسفية لا يطيقها العامة» ولعل أحسن من يمثله في وقت الجمعية الشيخ ابن عليوة» | سنرى» 
وهو في الواقع أيضا ينقسم بحسب المعارف التي يبتم بها هذا النوع إلى أقسام كثيرة» تبدأ من 
العرفان الإلهي, وتنتهي إلى الاهتمام بالسحر والشعوذة. 
انطلاقا من هذا التقسيم الذي رأيناه نحاول في هذا المبحث أن نبين العلاقة بين الطرق 


الصوفية الجزائرية المعاصرة للجمعية وبين كلتا المدرستين الكبيرتين» وقبل ذلك نحاول أن نبين 


)١(‏ الشيخ أحمد زروقء قواعد التصوف, د.طء ص75". 


الصلة بين الطرق الصوفية والتصوفء لأن هناك من يشكك في هذه الصلة. 

وبناء على هذا قسمنا هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب: 

المطلب الأول: حقيقة التصوف وعلاقة الطرق الصوفية به 

المطلب الثاني: التصوف السلوكي وعلاقة الطرق الصوفية به 

المطلب الثالث: التصوف العرفاني وعلاقة الطرق الصوفية به 

المطلب الأول: حقيقة التصوف وعلاقة الطرق الصوفية به 

لقد حصل نوع من الجدل بين الجمعية والطرق الصوفية حول العلاقة بين التصوف والطرق 
الصوفية» فهناك من الجمعية من يرى الطرق الصوفية شيئا آخر غير التصوف. وهناك من يراهما 
شيئا واحداء ويحمل عليه حملة واحدة» ولهذا فقد آثرنا أن نبدأ الحديث عن التوجه الفكري 
للطرق الصوفية من خلال تعريف التصوف. وتعريف الطريقة» ثم بيان العلاقة بينها. 

أولا- حقيقة التصوف والطرق الصوفية: 

لم يحظ مصطلح من المصطلحات بجدل فكري مثللما حظي مصطلح التصوف, حتى أننا 
نجد سريان هذا الجدل إلى تعريفه اللغوي واشتقاقه ومصدره. أما حقيقته فالجدل فيها لا 
ينتهي» ولهذا فإن المنهج العلمي يقتضي البحث عن الحدود الضابطة لهذا المصطلح حتى نخرج 
منه ما ليس منه. 

لأن هناك في الواقع الجزائري من لا يفرق بين زوايا الطرق الصوفية التي تنشر الذكر وتربي 
المريدين عبر مناهج معينة» وبين زوايا المشعوذين والكهان وغيرهم, بحجة أن الجميع يسمي 
البناء الذي يهارس فيه وظيفته (زاوية)» حتى أن الأمر تعدى إلى الزوايا العلمية» فنسبت هي 
الأخرى إلى الشعوذة والخرافة بحجة أنها تسمى (زاوية) 

ولهذا نحاول هنا أن نضع الحدود الجامعة في تصورنا للتصوف والطرق الصوفية» وذلك 
عبر بعض البحث في الجدل الذي حام حوها. 


١١ 


١‏ - حقيقة التصوف 

لغة: 

اختلف الباحثون في أصل كلمة (تصوف»» فمنهم من يذكر أنها مشتقة من (الصفة) أو 
(صفة المسجد) وهو مكان في مؤخرة مسجد الرسول يي كان يجلس إليه المتعبدون والزهاد 
من فقراء المسلمين» ويرى آخرون أنها مشتقة من (الصف»» ويقصدون به الصف الأول في 
إشارة إلى أن الصوفية هم الذين يجلسون ني الصف الأول في المسجد أثناء الصلاة» ويرى 
آخرون أن التصوف نسبة إلى (صفوة) أو (بني صفوة) وهم قوم كانوا في الجاهلية يخدمون 
الكعبة ويجهزون الحجيج. ويقول أبو عبيدة أنهم قبائل اجتمعوا وتشبكوا كما يتشبك 
الصوف2". 

والصوفية يميلون إلى أنه مشتق من (الصفاء) أويرددون مع أبي الفتح البستي7"): 

تنازع الناس في الصوفي واختلفوا ١‏ وظنه البعض مشتقا من الصوف 

ولست أمنح هذا الاسم غير فتى 2 صافي فصوفي حتى سمى الصوفي 

والقول الأشهر والذي رجحه الكثير» ويدل عليه البناء اللغوي للكلمة هو اشتقاقها من 
(الصوف). ويقول ابن تيمية: (هؤلاء- الصوفية- نسبوا إلى ظاهر اللبسة وهي لباس الصوف. 
فقد قيل في احدهم صوفي وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوفء ولا هم أوجبوا ذلك ولا 
علقوا الأمر به ولكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال)7) 

وقد علل ذلك بقوله: (فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة» وأول من بنى دويرة 
الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد» وعبد الواحد من أصحاب الحسنء وكان في 
)١(‏ إبراهيم بسيوني» نشأة التصوف الإسلاميء دار المعارف» مصرء 1979 , ص؟ .٠‏ 


زفة6 جبور عبد النور» التصوف عند العربء بيروت. لبنان» سنة ١978‏ م» ص //. 


فيه الصوفية والفقراء» ص96١..‏ 
١١‏ 


البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك مالم يكن في سائر أهل الأمصار؛ 
ولهذا كان يقال فقه كوفي وعبادة بصرية)"") 

وكثير من الصوفية يقبلون هذه النسبة» فالسهروردي الصوفي ذكر صحة هذه النسبة» 
واستدل لا بأدلة كثيرة ليس هذا محل ذكرها". 

وهذه الأقوال جميعا محل نقد إما بالاعتبار اللغوي لبناء الكلمة7": أو لاعتبار المعنى» فقد 
يصح البناء» ولكن لا يتوافق مع المعنى» وقد يصح المعنى ولا يساعد عليه البناء» ولذا نجد 
محققي الصوفية يرفضوهمها جميعاء يقول أبو القاسم القشيري في رسالته: (فأما قول من قال:إنه 
من الصوفاً ولهذا يقال:تصوّف إذا لبس الصوف كا يقال: تقمص إذا لبس القميص] فذلك 
وجه. ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف. ومن قال: إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول 
الله يي فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوني. ومن قال: إنه مشتق من الصفاء فاشتقاق 
الصوني من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة. ومن قال:أنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف 
الأول بقلوبهم فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف)) 

بل إنه يصرح بأنه (ليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية» قياس ولا اشتقاق» والأظهر 
فيه أنه كاللقب)) 


..١5صص الصوفية والفقراءء‎ )١( 

(؟) انظر : شهاب الدين أبو حفص بن محمد السهروردىء عوارف المعارف» تحقيق د/ عبد الحليم محمود» مطبعة السعادة القاهرة 
١0م‏ ص40 -54.. 

[ 69 ذلك أنه إذا كانت النسبة إلى أهل الصفة فإنه يقال - لغة- صقي وأما إذا كانت إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى فإنه يقال - 
لغة- صَفَي» وأما إذا كانت نسبة إلى الصفوة من خلق الله فإنه يقال - لغة- صَفْوِيٌ (انظر: الصوفية والفقراء لابن تيميةه ص ١7‏ - 
00 

(5) أبو القاسم القشيريء الرسالة القشيرية» تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود» ومحمود بن الشريف. طبعة دار الكتب الحديثة» 
القاهرة سنة 191/5 م» دوه 


(5) القشيريء الرسالة القشيرية.» ؟/ .061-80605٠‏ 


ومثله قال المجويري: (واشتقاق هذا الاسم لاايصح على مقتضى اللغة» من أي معنى؛ لأن 
هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس يشتق منه» وهم يشتقون الشيء من شيء مجانس له 
وكل ماهو كائن ضد الصفاءء ولا يشتق الشيء من ضده. وهذا المعنى أظهر من الشمس عند 
أهله. ولا يحتاج إلى العبارة)(") 

ولعل هذا ما جعل البعض يميل إلى أن الكلمة غير عربية» ويدلّل أصحاب هذا الرأي على 
صحته بانتشاره في بغداد وما حولها بعد حركة الترجمة النشطة في القرن الثاني الهجريء بينما ل 
تعرف في نفس الفترة في جنوب وغرب العالم الإسلامي. 

ويضاف إلى هذا التشابه في أصل الفكرة عند الصوفية واليونان» حيث أفكار وحدة الوجود 
والحلول والإشراق والفيضء كا استدلوا على قوة هذا الرأي بها ورد عن كبار الصوفية مثل 
السهروردي المقتول بقوله: (وأما أنوار السلوك في هذه الآزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين 
وقعت إلى أخي أحميم- ذي النون المصري- ومنه نزلت إلى سيار ستري وشيعته»أي سهل 
الشسرى)” 

ونحب أنشير هنا إلى أن مبارك الميلي» وهو أحد أعضاء جمعبة العلماء المسلمين الجزائريين 
انتصر لهذا الرأي» وهو يدل على موقفه الشخصي من جهة» وموقف الجمعية من من التصوف 
من جهة أخرى. قال في (تاريخ الجزائر في القديم والحديث): (فإن التصوف معرب تيوصوفية 
(1605016]) يوناني مركب من تيوص بالمعنى الإله وصوفية بمعنى الحكمة... ودخلت 
لفظة التصوف اليونانية إلى العربية لما ترجمت كتب اليونانية والهند في الدور العبابي رسميا أيام 


المأمون... فأخذ من التصوف كل فريق حسب استعداده وصورة با يلائم غايته» واختلفت 


.170/١ :م198١ ال هجويري. كشف المحجوبء تحقيق الدكتورة إسعاد قنديل؛ طبعة دار النهضة العربية» بيروت‎ )١( 
نقلا عن: الدكتور صالح الرقبء والدكتور محمود الشوبكي, دراسات في التصوف والفلسفة الإسلامية» الجامعة الإسلامية-‎ )١( 


غزة» طكا/ا؟:ةاها5..: كم ص8.. 


قواعد ( التصوف ونظمه باختلاف جنسية المتصوف وعصره ومصره وميله)(") 

اصطلاحا: 

كا اختلفت مواقف الباحثين في الاشتقاق اللغوي لكلمة (التصوف)»؛ فكذلك حصل 
الاختلاف في تعريفه اصطلاحا اختلافا شديداء حتى أن بعض العلماء ذكر أن تعريفات 
التصوف قد تصل إل الألف7". ولا بأس من إيراد بعض التعريفات هناء ثم نستخلص بعدها 
ما نراه من تعريف جامع لما ذكروه: 

عرفه المحجويري بقوله: (الصوفي هو الفاني عن نفسه. والباقي بالحق» قد تحرر من قبضة 
الطبائع» واتصل بحقيقة الحقائق» والمتصوف هو من يطلب هذه الدرجة بالمجاهدة» ويقوم 
نفسه في الطلب على معاملاتهم)7) 

وعرفه المحقق الصوني الكبير محيي الدين بن عربي شعراء فقال!): 

فاعلم أن التصوف تشبيه بخالقنا لأنه خخلق. ‏ فالظر. “تا .عجيا 

ومثله عرفه الكاشاني في (اصطلاحات الصوفية)» فقال: (التصوف: هو التخلق بالأخلاق 
الإلحية)0©) 

وأما السهرورديء فقد أورد باباً خاصاً في كتابه المتداول بكثرة لدى الصوفية (عوارف 


المعارف) سماه (الباب الخامس في ماهية التصوف»» وقد ذكر فيه أن أساس التصوف هو الفقر» 


(1) مبارك بن محمد الميلي» تاريخ الجزائر في القديم والحديثء» تقديم وتصحيح محمد الميل» المؤسسة الوطنية للكتاب» 51١/7‏ 7. 
)١(‏ انظر: أ. د حسن الشافعيء أ. د أبو اليزيد العجمي: التصوف الإسلامي» دار السلام للطباعة والشرء مصرء ط7٠170»‏ ص 
رد 

(؟) كشف المحجوب .771/١‏ 

(5) أبو عبد الله محمد بن علي المعروف بابن عربي الحاتمي الطائيء الفتوحات المكية في معرفة الأسرار المالكية والملكية» دار صادرء 
برونظ» 1551/90 


)5( الكاشاني» معجم اصطلاحات الصوفية» تحقيق د/ عبد العال شاهين» دار المنار 5م ص15١.‏ 


١ هه‎ 


قال: (فالفقر كائن في ماهية التصوف وهو أساسه وبه قوامه)» ونقل أقوالاًكثيرة عن صفة هذا 
الفقر الصوفيء منها: ما قاله الشبلٍ حين سئل عن حقيقة الفقر فقال: (ألا يستغني بثيىء دون 
الحق)» ونقل عن مظفر القرميسني أنه قال: (الفقير الذي لا يكون له إل الله حاجة)(") 

بعد هذا فإنا نرى أن سر الاختلاف في تعريف التصوفء وهو ما نشأ عنه بعد ذلك 
الاختلاف بين الطرق الصوفية» هو أن التصوف ليس شيئا واحداء بل هو أشياء كثيرة 2 
ومدارس مختلفة» وأحيانا متناقضة. ولمذاء فإن الأحرى لمن يريد أن يعرف ماهية التصوف أن 
يبحث أولا عن الجاعة التى تتبناه» ويحلل معارفها وسلوكها ليستنبط من خلال ذلك التعريف 
المرتبط بها. 

وقد أشار إلى هذا ابن تيمية عندما حلل صوفية عصره. فقسمهم إلى ثلاثة أقسام» وهي: 
(صوفية الحقائق» وصوفية الأرزاق» وصوفية الرسم)» ثم عرف القسم الأول بأنهم من 
(عِنْدهم حقائق وأحوال مَعْرُوفَة كَقَوْلِهِ تعضهم الصّوني من صفا من الكدر وامتلاً قلبه من 
لفكر واستوى عِنْده الدَمَبِ وَالمجر والتصوف كتان السّرّ وّترك الدّعَاوَى وَمَؤْلَاء يشيرون 
ِل معنى الصدّق)” 

وعرف القسم الثاني بقوله: (وأما صوفية الأرزاق فهم الذين وقفت عليهم الوقوف 
)١(‏ قد قام إبراهيم البسيوني بتصنيف مجموعة من التعاريف حول التصوف حيث قسمها إلى ثلاثة أقسام: 
القسم الأول: تعاريف تنحدث عن البداية: التصوف كراهية الدنيا ومحبة المولى عز وجل. 
القسم الثاني : يتتحدث عن المجاهدات: التصوف خلق» فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الصفاء» التصوف أن لا تملك شيئا 
وأن لايملكك شيء» التصوف هو قلة الطعام والسكون والفقراء من الناس» 
القسم الثالث : فيتحدث عن المذاقات: التصوف أن تكون مع الله بلا علاقة هو استرسال النفس مع الله على ما يربد وتوصل في 
الأخير إلى أن التصوف تيقظ فطري يوجه النفس الصادقة إلى أن تجاهد حتى تحظى بمذاقات الوصولء فالاتصال بوجود المطلق 


(انظر: 5 إبراهيم البسيوني: نشأة التصوف الإسلامى-دار المعارف-مصر-959١-ص.ص17١-5‏ 5( 


فيه الصوفية والفقراء ص 777 
كه١‏ 


كالخوانك, فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فإن هذا عزيز» وأكبر أهل الحقائق 
لا يتصدون بلوازم الخوانك ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط) ثم ذكرها أ وهي: (وجود العدالة 
الشرعية فيهم أ والتأدب بآداب الشرع أوألا يكون متمسكاً بفضول الدنيا)”" 

وعرف القسم الثالث بقوله: (وأما صوفية الرسم فهمهم المقتصرون على النسبة» فهمّم في 
اللباس والآداب الوصفية ونحو ذلك)7) 

وهكذا الفخر الرازي» فقد أفرد في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين) بابا خاصا 
للصوفية هو (الباب الثامن في أحوال الصوفية) وقسمهم إلى(": 

١‏ أصحاب العادات» وهم قوم منتهي أمرهم وغايته تزيين الظاهر كلبس الخرقة وتسوية 
السجادة. 

١‏ - أصحاب العبادات» وهم قوم يشتغلون بالزهد والعبادة مع ترك سائر الأشغال. 

- أصحاب الحقيقة» وهم قوم إذا فرغوا من أداء الفرائض لم يشتغلوا بنوافل العبادات 
بل بالفكر وتجريد النفس عن العلائق البدنية. 

؛ - النورية» وهم طائفة يقولون أن الحجاب حجابان نوري وناريء فالنوري هو الاشتغال 
باكتساب الصفات المحمودة كالتوكل والشوق والتسليم والمراقبة والأنس والوجد والحال» 
وأما الناري فهو الاشتغال بالشهوة والغضب والحرص والأمل لأن هذه الصفات نارية. 

5 الحلولية» وهم طائفة من هؤلاء القوم الذين ذكرناهم يرون في أنفسهم أحوالا عجيبة» 
وليس لهم من العلوم العقلية نصيب وآخر يتهمون أنهم قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد 


)00 الصوفية والفقراء ص”77. 
6 الصوفية والفقراء ص ”3737 
فيه انظر: فخر الدين الرازي: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» مراجعة وتحرير على سامي النشارهء القاهرة ١974‏ ص ١‏ - 


17 


فيدعون دعاوى عظيمة. 

5 المباحية» وهم قوم يحفظون طاعات لا أصل طاء وتلبيسات في الحقيقة» وهم يدعون 
محبة الله» ويخالفون الشريعة ويقولون إن الحبيب رفع عنا التكليف. 

وهكذاء فقد صار في الصوفية أصناف كثيرون, هناك من يجعلهم جميعا شيئا واحداء وهناك 
من يفرق بينهم» وكمثال على ذلك التفريق بين الزهد والتصوف. فالبعض يعتبر الزهاد صوفية» 
والبعض يفرق بينهم» فلا يسم الزهاد باسم الصوفية. 
(التصوف غير الفقر» والزهد غير الفقر» والتصوف غير الزهد» فالتصوف: اسم جامع لمعاني 
الفقر» ومعاني الزهد» مع مزيد أوصاف وإضافات. لا يكون بدونها الرجل صوفياء وإن كان 
زاهدا فقيرا)() 
على الفرق بينها: أن الزهد لم يذمه أحدء وقد ذموا التصوف(" 

ومثلهما نيكلسون الذي قال: (والصوفية الأولون كانوا في الحقيقة زهادا وادعين. أكثر منهم 
متصوفة)() 

وإلى هذا أيضا ذهب الدكتور عبد الحليم محمود الذي قال: (الزهد في الدنيا شيء. 
والتصوف شيء آخرء ولا يلزم عن كون الصوفي زاهداء أن يكون التصوف هو الزهد)”') 

في مقابل هؤلاء نجد الكثير من الباحثين» وخاصة تمن يعارضون التصوف. يذكرون في 
)00 عوارف المعارف. ملحق بالإحياء» السهروردي» 5/ 9/.. 
(؟) جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزيء تلبيس إبليسء دار الفكر للطباعة والنشر» بيرزت» لبنان» الطبعة 
الأولىء ١571اه/‏ ١١٠٠م‏ ص159. 
(؟) رينولد نيكلسون. الصوفية فى الإسلام» ترجمة نور الدين شريبة» القاهرة» »١951/‏ ص١١‏ .. 


(؛) الدكتور عبد الحليم محمود» قضية التصوف المنقذ من الضلالء طبعة دار المعارفء الطبعة الثانية» القاهرة سنة ١9/65‏ م؛ ص" 5 . 
م١‏ 


معرض نقدهم للتصوف سلوك بعض الزهاد الذي لا يعتبرهم الصوفية من طائفتهم» بل قد 
يعارضونهم وينتقدونهم هم كذلك. 

وهذا ما ييين ضرورة ضبط المصطلح بحسب الموقع الذي يكون فيه الحديث عنه» وبا أننا 
نتحدث عن التصوف الجزائري الذي عبرت عنه الطرقء. فإنه من الضروري الرجوع إلى 
أصحاب هذه الطرق للتعرف على تصورها للتصوف,. وسنحاول أن نبحث عن ذلك عند 
الحديث عن نوع الاتجاه الصوني للطرق الصوفية الجزائرية. 

" - حقيقة الطرق الصوفية 

لغة: تطلق الطريقة على مذهب الشخص وحاله. وطريقة الرجل مذهبه. يقال: (ما زال 
فلان على طريقة واحدة أي حالة واحدة)(" 

اصطلاحا: يربط الصوفية عادة بين ثلاثة مصطلحات لا يمكن التعرف على حقيقة 
(الطريقة الصوفية) إلا من خلاهاء وهي: الشريعة» والطريقة» والحقيقة» وهم يربطونها بأركان 
الدين الكبرى (الإسلام, الإيمان» الإحسان) باعتبارها مراحل يسير فيها السالك» أو يعرج من 
خلاهها إلى الله ليتتحقق بها وصفه رسول الله يَي في قوله في تعريف الإحسان: (أن تعبد الله كأناك 
تراه» فإن لم تكن تراه فهو يراك)7”" 

وقد وضح الشيخ ابن عجيبة» وهو من مصادر الطرق الصوفية الجزائرية الكبار» وخاصة 
الفروع المرتبطة بالطريقة الشاذلية» كالطريقة العلاوية» أسرار هذه الأقسام ووجه الحاجة إليهاء 
والمصطلحات المرتبطة مهاء فقال: (الأعمال عند أهل الفن - أي الصوفية- على ثلاثة أقسام: 
عمل الشريعة» وعمل الطريقة» وعمل الحقيقة» أو تقول عمل الاسلام» وعمل الإيوان» وعمل 
الأحسانء أو تقول عمل العبادة» وعمل العبوديه» وعمل العبودة» أي الحرية» أو تقول عمل 


6 مختار الصحاح للرازي» ص 50 
(؟) صحيح البخاري (7/ )0 


أهل البداية» وعمل أهل الوسطء وعمل أهل النهاية)7) 

بعد أن سرد هذه المصطلحات بين الصوفية للتعبير عن مراحل السيرء ذكر التعريفات 
المرتبطة بهاء والتي تدل على المقصد منهاء فقال: (فالشريعة أن تعبده» والطريقة أن تقصده. 
والحقيقة أن تشهده. أو تقول الشريعة لإصلاح الظواهرء والطريقة لإصلاح الضائرء والحقيقة 
لإصلاح السرائر)”" 

ثم فصل المارسات المرتبطة بكل جهة» فقال: (واصلاح الجوارح بثلاثة أمور بالتوبة 
والتقوى والاستقامة» واصلاح القلوب بثلاثة أمور بالإخلاص والصدق والطمأنينة: 
واصلاح السرائر بثلاثة أمور بالمراقبة والمشاهدة والمعرفة» أو تقول إصلاح الظواهر باجتناب 
النواهي وامتثال الأوامرء واصلاح الضائر بالتخلية من الرذائل والتحلية بأنواع الفضائل» 
واصلاح السرائر وهي هنا الأرواح بذلا وانكسارها حتى تتهذب وترتاض الأدب والتواضع 
وحسن الخلق)7) 

ثم بين ارتباط هذه المراحل بعضها ببعضء فقال: (ولا يصح الانتقال إلى مقام حتي يحقق 
ما قبله. فمن أشرقت بدايته أشرقت +بايته» فلا ينتقل إلى عمل الطريقة حتى يحقق عمل الشريعة 
وترتاض جوارحه معها بأن يحقق التوبة بشروطها ويحقق التقوي بأركانها ويحقق الاستقامة 
بأقسامها وهي متابعة الرسول يَي: في أقواله وأفعاله وأحواله. فإذا تزكي الظاهر وتنور بالشريعة 
انتقل من عمل الشريعة الظاهرة إلى عمل الطريقة الباطنة» وهي التصفية من أوصاف البشرية.. 
فإذا تطهر من أوصاف البشرية تحلى بأوصاف الروحانية» وهي الأدب مع الله في تجلياته التي 


6 ابن عجيبة» إيقاظ الحمم شرح متن الحكم, دار الكتب العلمية» بيروت» ص 6 
إفة6 ابن عجيبة» إيقاظ الهمم شرح متن الحكم؛ ص 8 


(؟) ابن عجيبة» إيقاظ الهمم شرح متن الحكمء ص 5. 


هي مظاهره) 7" 

ونحب أن نبه هنا إلى أن ابن باديس - على حسب ما يبدو- لا ينكر هذا التقسيم» فقد نشر 
في مقالة الأستاذ البكري في وصيته: (إن أهل الطريق يجب عليهم أن لا يخطوا خطوة ينكرها 
الشرع عليهم فإن من خالف الشريعة المحمدية تاه وضل عن الطريقة المرضية» فالشريعة أصل 
والحقيقة فرعهاء فمن لم يحكم الأصل لا ينتفع بالفرع)7" 

وبناء على هذاء فإن الطريقة عند الصوفية هي المرحلة الوسطى في السلوكء والتي يخرج بها 
المريد الصوني من العموم إلى الخصوص. أو هي المرحلة التي ينتقل فيها المريد من رعاية 
جوارحه إلى رعاية قلبه» أو هي المرحلة التي لا يكتفي فيها المريد باسم الإسلام» وإن) ينتقل إلى 
اسم الإيانء كيا أشار إل ذنك قوئه تعال: قلت الاب آمنا ل 1 ونوا َلك فووا 
أسْلَمَْا وَنَ يَدْخُلٍ الِْيَانُ في قُلُوبِكُمْ) [الحجرات: ]١4‏ 

وبناء على هذا يرى الصوفية أنه لا تنافر بين هذه الثلاثة» بل هي مراحل في التعمق في التحقق 
بالدين» لا على مستوى الجوارح فقطء بل على مستوى الكيان كله. 

وقد سئل الشيخ ابن عليوة عن معنى الشريعة» والطريقة» والحقيقة» وهل هناك تنافر بينهاء 
وكان ما أجاب به قوله: (إِنَّ الشريعة هي عبارة عن الأحكام المنزلة على سيدنا محمد 4# 
المستفادة من قوله تعالى : (ْوَمَا آنَاكُمُ الَّسُولُ فَخْذُوهُ وَمَا تبَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا 1 [الحشر: 130 » 
والطريقة هي عبارة عن تطبيق تلك الأحكام على أعمال المكلّف. ظاهرا وباطناء تطبيقا محكاء 
والحقيقة هي ما يحصل للمريد من المعارف والعلوم الناشئة عن أعماله؛ قال تعالى : (وانّقوا الله 
ويُعَلّمْكُمْ الله [البقرة: 7/87]» وإذا لا تنافر بهذا الاعتبارء إِنَّا هي ألفاظ منها ما وضع لتدل 
على الأحكام المجرّدة باصطلاح» ومنها ما وضع لتدل على العمل بهاء ومنها ما وضع لتدلٌ على 
(1) ابن عجيبة» إيقاظ الهمم شرح متن الحكم؛ ص 5. 


(؟) انظر: آثار ابن باديس (7/ )١19‏ في تقريظ محمد المولود بن الموهوب لرسالة ابن باديس (جواب سؤال) 
5١‏ 


النتائج الحاصلة عن ذلك العمل وإذا حققت لم تجد هناك إلا الشريعة)7" 

فقال السائل : ولم سمينا تطبيق أوامر الشرع على أفعال المكلف بالطريقة» وما هي 
الناسبة ‏ فأجاب قائلا: ( إِنْ تطبيقه ذلك يعتبر منه تزحزحا في سبيل القرب إلى الله 
عرّ وجل لما في الحديث القدسيّ: (ما تقرّب إل عبدي بشيء أحبّ إل ما افترضته عليه)", 
فيصح أن يطلق على ذلك العمل سيرا وطريقا أيضا)(" 

بعد هذا التوضيح الضروري يمكن تعريف الطريقة الصوفية ب| عرفها به الشيخ مولاي 
التهامي بقوله: (الطريقة عند الصوفية: هي إقامة ناموس العبودية عبر الرحلة الممتدة من الخلق 
إلى الحق» وهو السبيل العارج من العالم الفاني إلى حضرة الباقي عز وجلء» وقد استخدم القوم 
لفظة (السلوك) للإشارة إلى الطريق الصوفي لما تحمله من دلالات خاصة بالخروج والدخول 
معا.. فالطريق خروج من وهمه الغفلة وحب الدنيا ودخول في طاعة المولل وصحبته)”") 

وفي موضع آخر يقول : (الطريقة هي أسلوب عملي يطلق عليها أيضا : المذهب والرعاية 
والسلوك لإرشاد المريد عن طريق اقتفاء أثر طريقة تفكير وشعور وعمل تؤدي من خلال 
تعاقب مراحل المقامات في ارتباط متكامل مع النفسية المسماة حالات أو أحوال إلى معايشة 
تجربة الحقيقة المقدسة.. وكانت الطريقة تعني أولا ببساطة ذلك المنهج التدريجي للتصوف 
التأملي تحرير الروح)*) 

وبناء على هذا يعرف الطرق الصوفية بأنها (منظمات شعبية يتكون كل منها من شيخ وطائفة 


. ١8 ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص5‎ )١( 

(؟) صحيح البخاري (8/ )17١‏ 

() ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي. ص ١50‏ . 

(؛) الشيخ مولاي التهامي غيتاويء الرائد في ذكر جملة من حياة وفضائل وكرامات الشيخ سيدي محمد بلقايد» منشورات المؤسسة 
الوطنية للنشر والإتصال» ص .١0717‏ 


)5( لشيخ مولاي التهامي غيتاويء الرائد في ذكر جملة من حياة وفضائل وكرامات الشيخ سيدي محمد بلقايد» ص 10 
55 





من المريدين أو الأتباع» وكل شيخ يحاول قدر طاقته وتوفيقه» وعلى مبلغ إيانه وإخلاصه أن 
يوجه مريديه وأتباعه إلى الطريق المستقيم وإلى عبادة الله سبحانه وتعالى وإلى التحلي بالأخلاق 
الفاضلة عن المراقبة لله والخوف منه في الانفراد والاجتماع)7") 

ويمكن اختصار هذه التعاريف بأن (الطريقة هي المنهج الذي يسلكه المريد ليتحقق بحقيقة 
الإيهان والإسلام دون الاكتفاء بالظواهر التي جاءت بها الشريعة) 

وهي بالتالي تحتاج إلى مرشد وبرنامج» كى| يحتاج سالك ظاهر الشريعة إلى فقيه وفقه» وبناء 
على الاختلاف الذي حصل في الفقه فنشأت المذاهب. حصل الاختلاف في مناهج السلوك, 
فنشأت الطرق الصوفية. 

ولتبسيط هذا نضرب مثالا على ذلك بالصلاة» فللصلاة - حسب الصوفية - شريعة 
وطريقة, أما شريعتهاء فأن تؤدى كا ذكر الفقهاء بشروطها وأركانها على حسب آراء المذاهب 
الفقهية المختلفة» وأما تحوها إلى طريق إلى السلوك إلى الله» فيحتاج إلى أشياء أخرى لا يذكرها 
الفقهاء» وإن| يذكرها الصوفية» وأهمها الخشوع. 

وقد ذكر أبو حامد تقصير الفقهاء في هذا الجانب» وهو ما جعل الصوفية يتولون الحديث 
عنه فقال في حديثه عن فتاوى الفقيه المرتبطة بالصلاة: (وأما الصلاة فالفقيه يفتي بالصحة إذا 
أتى بصورة الأعمال مع ظاهر الشروط وإن كان غافلا في جميع صلاته من أوها إلى آخرها 
مشغولا بالتفكير في حساب معاملاته في السوق إلا عند التكبير وهذه الصلاة لا تنفع في الآخرة 
كما أن القول باللسان في الإسلام لا ينفع ولكن الفقيه يفتي بالصحة أي أن ما فعله حصل به 
امتثال صيغة الأمر وانقطع به عنه القتل والتعزير فأما الخشوع وإحضار القلب الذي هو عمل 
الآخرة وبه ينفع العمل الظاهر لا يتعرض له الفقيه» ولو تعرض له لكان خارجا عن فنه)(”) 
)1١(‏ الشيخ مولاي التهامي» المرجع نفسه. ص ١174‏ . 


(؟) أبو حامد الغزالي» إحياء علوم الدين» دار المعرفة» بيروت» )١18 /١(‏ 
كد 


ومثله الصوم فقد عرفه الشيخ ابن عليوة بأنه مطلق الامساكء و(أنه يأخذ حكمه في 
المقامات الثلاثة: الإسلام والإييان والإحسان. فإذا أكل الصائم بطل صومه في الشريعة» وإذا 
اغتاب مثلا بطل صومه في الطريقة وإذا أثبت ما سوى الله بطل صومه في الحقيقة)7) 

ويذكر ابن عليوة أن القرآن أشار الى هذه المقامات الثلاث» وقدم أهل الشهادة في قوله 
تعالى: (فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ قلْيَضْمْة [البقرة: 185]. أي فمن حصل على مقام فليتعين 
عليه الصوم على الوجه الأكمل» ومن كان مريضا وهو عبارة عن المحجوب المتقاعد عن طلب 
الله» أو على لسفر أي سائر في الطريق» فعدة من أيام أخرء بمعنى لهم حكم غير حكم أهل 
المشاهدة)7) 

وهذا الكلام واضح لمن تأمله» بل هو يشير إلى أن الصوفية لا يرضون من الدين مجرد 
الحركات الظاهرة البعيدة عن المقاصد التي قصدت لأجلها الشعائر التعبدية» وقد عجبت لما 
كتبته الباحثة أنيسة زغدود في رسالة جامعية محترمة عنوانها (جهود جمعية العلماء المسلمين 
الجزائريين في مقاومة الانحرافات الطرقية) تستنكر هذا القول» ثم لا تعتمد دليلا على هذا 
الاستنكار سوى قوطا: (ونحن نتساءل من أين استنبط ابن عليوة هذا الحكم الصوفي» وعلى 
أي أساس قسم درجات الصوم بين الشريعة والطريقة والحقيقة؟)7) 

مع أن هناك نصوصا كثيرة جدا نقلتها في رسالتها عن الجمعية» ول يذكروا لما أي دليل» 
ومع ذلك قبلتها من غير أن تطالبهم بدليل. 

بعد هذا التعقيب الذي رأينا ضرورته» ومن خلال الأمثلة التي سقناها وتطبيقاتها نرى 


6 الشيخ ابن عليوة» المنح القدوسية. المطبعة العلاوية» مستغانم» الطبعة الثانية» ص ١6‏ ". 
(0) أحمد مصطفى العلاويء البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور. المطبعة العلوية» مستغانم» ”/ .١5٠‏ 
(؟) أنيسة زغدودء جهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مقاومة الانحرافات الطرقية» راسلة ماجستير بإشراف: د. محمد 


زرمان» ص195١.‏ 


الشريعة محدودة لا يزاد فيها ولا ينقص. ولا مجال فيها للآراء والتجارب» بخلاف الطريقة» 
فقد نجد مثلا شخصا استطاع ببعض الرياضة أن يصير خاشعا في صلاته فنستفيد منه في ذلك» 
وبذلك نشأت الطرق وتعددت. 

وبناء على ما ذكرناء فإن القصد الأول من إطلاق الصوفية لمصطلح (الطريقة) هو التفريق 
بينها وبين (الشريعة)» فالشريعة تحتاج إلى نبي مرسل معصوم. بين| الطريقة لا تحتاج إلا إلى 
خبير بمسالك النفس يمكنه أن يرب المريدين من خلال تجربته. 

ولذلك. فإن الشريعة واحدة بين| الطرق لا حد لحاء ى| لا حد للطبائع الإنسانية» أو كما قال 
الشيخ محي الدين بن عربي: (الطرق إلى الله عدد أنفاس الخلائق)(0 

وبذلك فإن الطرق الصوفية مع مشريها الواحد» وهو الشريعة إلا أنها تختلف في تطبيقها 
باعتبارين: 

الاعتبار الأول: هو رؤية الشيخ لكيفية التربية» فالبعض يغلب في تسليكه للمريدين طريقة 
المجاهدة» وآخرون يستعملون طرقا أخرى» ومن هنا نجد في الطرق الصوفية وصف بعض 
الطرق بكونها طريقة مجاهدة» أو طريقة شكرء أو غير ذلك. 

الاعتبار الثاني: هو اختلاف طبائع المريدين وحاجاتهم» وهذا من يجعل الشيخ يبحث في 
الشريعة عما يتناسب مع حاجة هذا المريد أو ذاك» كما عبر عن ذلك الشيخ عبد القادر عيسى, 
فقال عند حديثه عند تعدد الأوراد في الطرق: ( وبما أن صيغ الأذكار كثيرة متنوعة» ولكل 
صيغة تأثير قلبي خاص ومفعول نفسي معين» فإن مرشدي السادة الصوفية - أطباء القلوب 
وورّاث الرسول الأعظم يا في الدعوة والتوجيه والتربية - يأذنون لمريديهم بأذكار معينة 


."31١1/ /7 ابن عربي» الفتوحات المكية»‎ )١( 


الطلس: اساي للمريض أنواعا من الأدوية والعلاجات تتلاءم مع علله وأسقامه. ثم يبدل 
له الدواء حسب تقدمه نحو الشفاءء» ولهذا لا بد للمريد السالك أن يكون على صلة بالمرشد» 
يستشيره ويذاكره» ويعرض عليه ما يجده في الذكر من فوائد روحية» وأحوال قلبية» وحظوظ 
نفسية» وبذلك يترقى في السير» ويتدرج في السمو الخلقي والمعارف الإلهية)7" أما السؤال عن 
كون بعض هذه الأذكار أو أعدادها لا يوجد لما أصل في الشريعة» فإن هذا يعود للمدرسة 
الفقهية التي تنتمي إليها الطرق الصوفية» والتي ستتحدث عنها بتفصيل في الباب الثاني من 
هذه الرسالة عند عرض مناقشات الجمعية مع الطرق الصوفية. 

ثانيا علاقة الطرق الصوفية بالتصوف 

بناء على ما ذكرنا في الفصل الثالث من تفريق المعتدلين من جمعية العلماء بين التصوف 
والطرق الصوفية» فقد جعل هذا الطرق الصوفية - وخصوصا الطريقة العلاوية - تحاول أن 
تبرهن على صلتها بالتصوف. وأنه لا فرق بينها وبين من يجله المعتدلون من علماء الجمعية من 

وحتى نتعرف على الأمر من جميع زواياه نحاول أن لا نقصر الأمر على الخلاف بين الجمعية 
والطرق الصوفية» بل نعممه إلى الخلاف الفكري في هذه المسألة بين المفكرين المسلمين. 

وقد رأينا من خلال استقراء الاتجاهات الفكرية في هذه المسألة أن هناك رأيان متعارضان 
أحدهما يعارض هذه العلاقة, والآخر يؤيدها. 

١_الاتجاه‏ المعارض للعلاقة بين التصوف والطرق الصوفية 

وهو الذي يعتبر الطرق الصوفية ثمرة خبيثة من ثمار التصوفء أو تطبيقا خاطتا له» أو 


مرحلة سوداء من مراحله. وهو موقف المعتدلين من جمعية العللماء» وخصوصا مع بعض الطرق 


)00 الشيخ عبد القادري عيسى» حقائق عن التصوفء منشورات دار العرفان حلبء سوريا .5٠١‏ ص475. 
1575 


الصوفية كالعلاوية والتيجانية. 

ومن أيد هذا الاتجاه الدكتور حسين المروة في كتابه (النزعات المادية في الفلسفة العربية 
والإسلامية)» فقد قال: (لكن التصوف أخذ بعد ذلك ليتحول إلى حركة وحيدة الجانب بدا 
هذا التحول بطغيان الأساليب الآلية الجسدية على أساليب النظر الفلسفيء ثم انتهى إلى نظم 
وتقاليد وطقوس شكلية خاصة» فانقسمت حركة التصوف إلي طرق و(مشيخات) على أساس 
هذه الشكليات البهلوانية وحدهاء وبذلك فرغت الحركة نهائيا من مضمونها الإيديولوجي بل 
انقلبت إلى حركة رجعية طفيلية لعبت دورا خطيرا في عملية التخدير الأجتماعي وفي خدمة 
اديولوجية الطبقات الرجعية)" 

وبذلك فإن الطريقة عند الدكتور حسين مروة هي (حركة رجعية طفيلية لعبت دورا خطيرا 
في عملية التخدير الاجتماعي وفي خدمة اديولوجية الطبقات الرجعية) 

وقد ذكرنا حديئه مع طوله حتى نبين أن الكاتب - كشأن كثير من الباحثين- يفرق بين 
التصوف والطرق الصوفية» فبين!ا يمدح التصوف أو على الأقل يتقبله نجده يرفض الطريقة 
باعتبارها انحرافا عن التصوف. 

وهذا الموقف هو الموقف الذي وقفه أكثر علماء الجمعية - وخاصة المعتدلون منهم- وذلك 
من خلال تفريقهم بين متقدمي الصوفيء وبين ما هو عليه رجال الطرق. 

فقد اعتبر رجال الجمعية الكثير من مشايخ الصوفية المتقدمين, وأثنوا عليهم» وفرقوا بينهم 
وبين الطرق الصوفية» ومن ذلك ما عبر به الشيخ العربي التبسي في مقارنة له بين الطرق 
الصوفية وبين مشايخ الصوفية الأوائل» فقال:( الحق أن متصوفة الزمان ومن تقدمهم بزمن 


كانوا وصمة عار لا تنمحي» ونقطة سوداء في جبين الإسلام البريء من النقصء والمسلمين 


)00 حسين مروة» النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» بيروت: دار الفارابي» الطبعة الثالثة» 20 / عدرة 
1١ 61/‏ 


الذين فهموا الإسلام كما رأوا صاحبه وأهل التصوف الحقيقي, أمثال : الجنيد والقشيري 
والمحاسبيء الذين كانوا خلاصة أهل السنة في أيامهم» فانتسبت إليهم هذه النابتة المتأخرة» 
وصيرت طريقتهم كالملة المستقلة عن ملة الإسلام» وكل أمورهم جاءت على خلاف طريقة 
القوم» ول يحتفظوا بغير الاسم» فجاء تصوفهم خلقا جديداء مشوه الصورة» بشع المنظر» مبيء 
المآل000) 

ويذكر ابن باديس أنه كان يحاكم صوفية عصره إلى الجنيد الذي هو سيد الطائفة ى) يقالء 
فيتكرون تحكيمه. فقد ذكر (أن أحد الشيوخ المنتمين إلى الطريق لما سمعني أستدل بكلام الجنيد 
على لزوم وزن الأعمال والأقوال والأحوال والفهوم بالكتاب والسنة قال لي: (وما الجنيد إلا 
واحد من الناس) وما صار الجنيد واحداً من الناس إلا يوم استدللت بكلامه)7" 

ويبدو أن الشيخ البشير الإبراهيمي بالرغم من تشدده مع التصوف والصوفية يحسن الظن 
بهذا النوع من التصوفء, فقد قال عند تأريخه للتنوع الصوفي: (وقد افترق النازعون إلى هذه 
النزعة من أول خطوة فرقًا. وذهبوا فيها مذاهبء من القصد الذي يمثله أبو القاسم الجنيد, إلى 
الغلو الذي يمثّله أبو منصور الحلّاج إلى ما بين هذين الطرفين» وكانت لأئمة السنّة وحماتها- 
الواقفين عند حدودها ومقاصدها ومأثوراتها- مواقف مع الحاملين لهذه النزعة» وموازين 
يزنون مها أعالههم وآراءهم وما يبدر على ألسنتهم من القول فيهاء ولسان هذه الموازين هو 
صريح الكتاب وصحيح السئة» وكانت في أول ظهورها بسيطة تنحصر في الخلوة للعبادة أو 
الجلوس لإرشاد وتربية من يشهد مجالسهم» ثم استفحل أمرها فاستحالت عل مستقلاء يشكّل 


." م.ج‎ 1937/8/١١ /78 /1747ه. الموافق‎ /١1ىدامج‎ /١7 .179 بدعة الطرائق في الإسلام. جريدة الشهاب. السنة 4. عدد‎ )١( 


ص 5./. 


77١ /5 آثار ابن باديس:‎ )١( 


معجً كاملًا للاصطلاحات)00 

ولعل هذا الموقف أخذه علماء الجمعية من موقف ابن تيمية أب السلفية بمدارسها المتعددة» 
فهو يعتبر السالكين الأولين من المتصوفة من المستقيمين بخلاف المتأخرين» فيقول فيهم: (فأما 
المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن عياضء وإبراهيم بن أدهم. 
وأبي سليمان الداراني» ومعروف الكرخي, والسري السقطيء والجنيد بن محمد وغيرهم من 
المتقدمين» ومثل الشيخ عبد القادر الجيلاني» والشيخ حماد. والشيخ أي البيان» وغيرهم من 
المتأخرين» فهم لا يسوّغون للسالك ولو طار في الهواء» أو مشى على الماء» أن يخرج عن الأمر 
والنهي الشرعيين» بل عليه أن يفعل المأمور» ويدع المحظور إلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي 
دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف وهذا كثير في كلامهم)!" 

ويصف الجنيد وعبد القدر الجيلاني بأنهم أئمة الصوفية» فيقول: ( وأما أئمة الصوفية 
والمشايخ المشهورون من القدماء مثل الجنيد بن محمد وأتباعه ومثل الشيخ عبد القادر وأمثاله 
فهؤلاء من أعظم الناس لزوماً للأمر والنهي وتوصية بإتباع ذلك أ وتحذيرا من المي مع القدر 
كما مشى أصاحبهم أولئك وهذا هو الفرق الثاني الذي تكلم فيه الجنيد مع أصحابه أ والشيخ 
عبد القادر كلامه كله يدور على إتباع المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور ولا يثبت 
طريقاً تخالف ذلك أصلاً لاهو ولا عامة المشايخ المقبولين عند المسلمين ويحذر عن ملاحظة 
القدر المحض بدون إتباع الأمر والنهي)7) 

بل يصل الأمر بابن تيمية إلى حد تضليل من يشك في إمامة الجنيد وأمثاله» يقول في 


.١57 /4 آثار محمد البشير الإبراهيمي:‎ )١( 
(؟) تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني» مجموع الفتاوىء تحقيق: أنور الباز - عامر الجزار» دار الوفاء» الطبعة‎ 
017/1١0 م‎ 7٠١6 ها‎ ١577 الثالنق,‎ : 


(؟) مجموع فتاوي ابن تيمية» (4/ 0779 


الفتاوى: (والجنيد وأمثاله أئمة هدى» ومن خالفه في ذلك فهو ضال. وكذلك غير الجنيد من 
الشيوخ تكلموا فيا يعرض للسالكين وفيم| يرونه في قلومهم من الأنوار وغير ذلك؛ وحذروهم 
أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله تعالى)() 

؟_الاتجاه المؤيد للعلاقة بين التصوف والطرق الصوفية 

وهو الذي يعتبر الطرق الصوفية ثمرة من ثار التصوفء أو تطبيقا عمليا له» أو مرحلة من 
مراحله. وهؤلاء صنفان: 

الصنف الأول: وهو من يرفض الجميع: التصوف وطرقه. وهو موقف المتشددين من علماء 
الجمعية» )| ذكرنا سابقاء ومنهم جل الوهابية المعاصرين» كمحمود عبد الرؤوف القاسم 
صاحب كتاب (الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ)» والذي يعتبر من أكثر 
الكتب تحاملا على التصوف وكل ما يرتبط به» فهو يذكر ني كتابه هذا إلى أن الطرق الصوفية لا 
يصلح أن يطلق عليها اسم طرق (وإن| هي مشيخات أخذت أسماءها من أسماء مشايخها الذين 
كان وما يزالون حوهم المريدين والسالكين ليحصلوا بذلك على المدد» أي: الأموال التي تنهمر 
عليهم إما من المريدين مباشرة:» أو بسبب هؤلاء المريدين)”" 

وهو كلام ينطبق تماما على الطروحات التي يطرحها التيار المتشدد من أعضاء الجمعية والتي 
سبق الإشارة إلى بعضها. 

الصنف الثاني: وهو من يقبل الجميع» وتمثله الطرق الصوفية التي تعتبر نفسها امتدادا 
للتصوف. ولذلك تضع الأسانيد التي تربطها بمشايخ الصوفية الأوائل» بل تضع الأسانيد 


التي تربط برسول الله يي لاعتقادها أن رسول الله يي هو أول من أسس التصوف. 


077١ /5( مجموع فتاوي ابن تيمية»‎ )١( 
(؟) محمود عبد الرؤوف القاسم. الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ» دار الصحابة» بيروت - لبنان» الطبعة الأولى»‎ 


ص 707 


وقد ذكر الشيخ ابن عليوة في رده على الجمعية الأدلة الكثيرة التي تدل على مدى ارتباط 
الطرق بالتصوف. ومن ذلك ما كتبه للشيخ ( محمد الحلالي ) المدرس بالحرم النبويّ الشريف 
الذي كتب في مجلة الشهاب مقالا في العدد ( 175 ) يحاول أن يفرق فيه بين الصوفية الأوائل 
والطرق الصوفية المعاصرة له فرد عليه الشيخ ابن عليوة بقولة: (إلى حضرة الشيخ ( محمد 
الحلالي ) المدرّس بالحرم النبويّ الشريف : أيها المحترم زادكم الله احتراماء ووقانا وإيّاكم شر ما 
تنشره الأقلام .. قد كنا وفقنا أّها المحترم في العدد ( 11/7 ) من مجلة ( الشهاب ) على 
مقال ينسب لحضرتكم ومن جملة ما ذكرتوه فيه : إنكم تجلّون رتبة رجال التصوّف المتقدمين 
( كالجنيد, الغزالي» السنوسي» الجيلاني» وعبد السلام الأسمرء الدسوقي» ومعروف الكرخي» 
وهلم جرا ) وقد ذكرتم أنكم تعترفون لهم بأمّْهم كانوا - رضوان الله عليهم - على جانب عظيم 
من الزهد والتقوى.. ولكن لست أدريء وغيري لا يدري أيضا - إلا اع - باذا أثبتم لهم 
بأئّم كانوا على جانب عظيم من الزهد والتقوى وغير ذلك من الخصال الشريفة ؟» وباذا نفيتم 
أن يوجد من بين المتأخرين ولو رجل رشيد حسبها صرّحتم بذلك في مقالكم الأول ؟: أليس 
ذلك - ي رحمكم الله - مجرد تحكم منكم أولا وآخرا ؟ وماهي حجّتكم في الحكم على المتأخرين 
بسلب الرشد من بينهم» فهل كنتم المهيمنين عليهم» فسبرتم غور الظواهر منهم والبواطن» فلم 
تجدوا منهم ولو واحدا يصلح أن يرتبط بمن سلف. ولو بشيء في الجملة ؟» فنحنء وأيم الله 
في تشوّف عظيم؛ لأن تطلعونا على المآخين)17) 

المطلب الثاني: التصوف السلوكي وعلاقة الطرق الصوفية به 

من خلال ما سبقء فإن المراد بالتصوف السلوكيء هو التصوف الذي يبتم بالأعمال 
والممارسات التي يطلب السالك من ورائها أمرين: 


. ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص17‎ )١( 
١/١ 


الأول: التخلق با ورد في الشريعة من أخلاق ظاهرة وباطنة. 

الثاني: التحقق بالحقائق التي هي المقصود الأول من السلوك الصوفي. 

وهذا النوع من التصوف لا يهتم إلا بممارسات السالك سواء ال مارسات الظاهرة أو الباطنة 

بناء على هذا نحاول في هذا المطلب أن نتعرف على المناهج السلوكية عند الطرق الصوفية 
الكبري التي عاصرت الجمعية» والتي كان لها بعض التعامل معهاء وننبه - ى] ذكرنا سابقا - 
إلى أننا في هذا المطلب نذكر المارسات السلوكية مبتورة عن أدلتهاء لأننا سنتتحدث عن تلك 
الأدلة بتفصيل في الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

أولا تعريف السلوك: 

لغة: يراد بالسلوك- لغة - النفاذ فى الطريق والذهاب فيه» وهو يقال فى المحسوسات 
وغيرهاء فمن الأول قوله تعالى: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْض بِسَاطًا (19) لِتَسْلْكُوا مِنْهَا سُبَْا 
فِجَاجًا 103١2‏ [نوح: 019 »]7١‏ ومن الثانى قوله تعالى: (كُلٌ تَفْسِ يم كَسَبَتْ رَحِيئةٌ (6) إل 
أَصْحَاب الْيَمِينِ (9) في جَنَّاتِ يَتَسَاَلُونَ )4٠(‏ عَن المُجْرمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ في سَفَرَ 
(40)) [المدثر: جع - « ]0170 

اصطلاحا: عرف الصوفية السلوك تعريفات مختلفة بحسب الغرض منه. وبحسب الحالة 
التي يريد السالك أن يسلك إليهاء وهكذاء وهذه بعض التعريفات الدالة بمجموعها على 
حقيقة السلوك وأنواعه ومراحله: 

عرفه ابن عرب بأنه (تهذيب الأخلاق والأعمال والمعارف» وذلك اشتغال بعمارة الظاهر 
والباطن. والعبد في ذلك مشغول بنفسه عن ربه. إلا أنه مشتغل بتصفية باطنه ليستعد 


.447/١١ الراغب الأصفهاني. المفردات» المطبعة الفنية الحديثة بالقاهرة» 779» وانظر لسان العرب‎ )١( 
فنا‎ 


للوصول)(0) 

وعرفه كمال الدين القاشاني بأنه (عبارة عن الترقي في مقامات القرب إلى حضرات الرب 
تعالى شأنه» فعلاً وحالآ» وذلك : بأن يتحد باطن الإنسان وظاهره فييا هو بصدده مما يتكلفه 
من فنون المجاهدات» وما يقاسيه من مشاق المكابدات» بحيث لا يجد في نفسه حرجاً من 
ذلك)7") 

ومن الباحثين المعاصرين عرفه الدكتور عبد المنعم الحفني بقوله: (السلوك هو مبذيب 
الأخلاق ليستعد العبد للوصولء بتطهير نفسه عن الأخلاق الذميمة مثل حب الدنيا والجاه 
ومثل الحقد والحسد والكبر والبخل والعجب والكذب والغيبة والحرص والظلم ونحوها من 
المعاصي» وبالنهج على الأخلاق الحميدة» مثل العلم والحلم والحياء والرضا والعدالة 
ونحوها)7©) 

ثانيا شروط السلوك الصوفي: 

تتفق الطرق الصوفية جميعا مهما اختلفت توجهاتها وأساليبها في السلوك على شرطين: 
الشيخ المرشد» والذكرء وسنتحدث عن كليهم| باختصار هنا مرجئين المناقشة الحاصلة بسببه| 
بين الجمعية والطرق الصوفية إلى الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

١‏ -الشيخ المرشد: 


يتفق الصوفية على اعتبار الشيخ المرشد شرطا في السلوك الخاصء الذي يريد به السالك أن 


)١(‏ محيى الدين بن عربى. المتشابه الى المحكم من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية» المكتبة الأزهرية للتراث» الطبعة الأولى» 
/ا. ٠ىءاصضص‏ 6" 

(؟) الشيخ كمال الدين القاشاني» كمال الدين عبد الرزاق الكاشاني» لطائف الاعلام في إشارات أهل الإلهام. صححه وعلق عليه 
مجيد هادي زاده. الطبعة .١‏ طهران» ص 77١‏ 


فيه د. عبد المنعم ا حفني» معجم مصطلحات الصوفية» دار المسيرة» بيروتء الطبعة الثانية» /ا ١‏ وص ”1737. 
ا 1١‏ 


يتحقق بغايات التصوف العرفانية» أما إن لم يرد ذلك» فلا يشترطونه, إلا إذا غلبته نفسه. ولم 
يستطع رياضتهاء فحينئذ يحتاج إلى شيخ عارف المسالك يقيه في طريقه المهالك - كما قال ابن 
عاش ر- 

وقد عبر ابن عباد النفري ( ت:947/اه)» وهو من شيوخ صوفية الأندلس الكبار في عصره 
عن وجه الحاجة إلى الشيخ المرشد» فقال(": (المرجوع إليه في السلوك ينقسم إلى قسمين : شيخ 
تعليم وتربية وشيخ تعليم بلا تربية» فشيخ التربية ليبس بضروري لكل سالكء. وإنا يحتاج إليه 
من فيه بلادة ذهن واستعصاء نفسء وأما من كان وافر العقل منقاد النفسء فليس بلازم في 
حقه. وأما شيخ التعليم فهو لازم لكل سالك)7) 

لكن با أن العادة في السالكين طريق التصوف هو البحث عن غاياته العرفانية الوجدانية» 
فإنهم يتفقون على لزومه؛ بل لا يعتبرون السالك سالكا من دونه» بل إنه يعتبرونه في هذه 
النواحي ضروريا كضرورة النبوة نفسهاء وقد قال الغزالي مشيرا إلى هذا أو مصرحابه: (الشيخ 
في قومه كالنبي في أمته!"» ومن ليس له شيخ فالشيطان شيخه. قال أهل التحقيق : ( ومن مات 


)١(‏ وهذا إجابة على سؤال نصه: (هل على السالك إلى الله تعالى أن يتخذ لزاماء شيخ طريقة وتربية يسلك على يديه ؟ أم يسوغ له أن 
يكون سلوكه إلى الله تعالى من طريق التعلم والتلقي من أهل العلم دون أن يكون له شيخ طريقة؟ ) 
)١(‏ ابن عباد النفرى» الرسائل الصغرى. المطبعة الكاثوليكية؛ بيروت. /951١م؛‏ ص5 .٠١‏ 
(؟) يرد الصوفية على من ينكر عليهم مثل هذا التشبيه بأن التشبيه جائز سواء كان تشبيه الأعلى بالأدنى» أو تشبيه الأدنى بالأعلى: 
فمن الأول: ورد الكثير من النصوص القرآنية والحديثية التي تدل على مشروعية تشبيه الأعلى وجوازه» وهو الحق تعالى بالأدنى 
وهو عالم الخلق» ومنها تشبيه نوره تعالى بالمشكاة» كما في قوله تعالى تعالى: الله ثُورُ السَّمَاوَاتٍ وَالْأَرْضٍ مَثَلُ نُورِه كَوِشْكَاةٍ فِيهًا 
مِضْبَاحٌ) [النور: ه"] 
ومن الثاني: قوله تعالى: (إنَ الَِّينَيُبَايُوتَكَ إن يَُايحُونَ اللهيدُ هوق أَيِْهمْفَمَنْ كت قن يدكْتْ عَلَ تَفْسِ وَمَنْ أو بها عَاهَدَ 
عَلَيْهُ الله َسَيُوتِيهِ أَجْرًا عَظِيَ) [الفتح: 01٠١‏ ففي هذه الآية تشبيه منه تعالى لحضرة الرسول قَيِ بذاته العلية» وهي تعني ( كأنما 
تبايعون الله) (انظر: الموسوعة الصوفية الكبرى: حرف السين» ص9 ””7) 

7 


بغير شيخ فقد مات ميتة الجاهلية )» لأنه يعلمه ويدله ويعرفه طريق الوصول إلى الله تعالى)!") 

بناء على هذا نحاول - هنا باختصار - أن نعرف مرادهم بالشيخ» ثم دوره في السلوك, أما 
الأدلة الشرعية على ضرورته» فسنذكرها عند مناقشة جوانب الخلاف بين الجمعية والطرق 
الصوفية» فقد كان الخلاف في هذه المسألة خصوصا من أمهات الخلاف بين الجمعية والطرق 
الصوفية. 

١‏ تعريفقه: 

لغة: يقال لمن طعن فى السن كقوله تعالى: [قَالَنَا لا نَسْقِي حَنَّى يُضْدِرٌ الرّعَاءٌ وَأَبُونَا شَبْحْ 
كبر [القصص: 0171 وقوله: (ثَمَ لِتبلُعُوا أَشّدَّكُمْ نَم لتَكُونُوا شيُوتَا ) [غافر: /11]» ويقال 
لمن يكثر علمه شيخء لما كان من شأن الشيخ أن يكثر تجاربه ومعارفه!". 

اصطلاحا: عرفه الكاشانى بقوله: ( الشيخ هو الإنسان الكامل في علوم الشريعة والطريقة 
والحقيقة» البالغ إلى حد التكميل فيهاء لعلمه بآفات النفوس وأمراضها وأدوائها ومعرفته 
بدوائها وقدرته على شفائهاء والقيام ببداها إن استعدت ووفقت لاهتدائها )”ا 

وعرفه الشيخ أبو مدين شيخ مشايخ الطرق المغربية بقوله: ( الشيخ هو من شهدت له ذاتك 
بالتقديم» وسرك بالتعظيم.. الشيخ : من هذبك بأخلاقه. وأدبك بإطراقه» وأنار باطنك 
بإشراقه.. الشيخ : من جمعك في حضوره؛ وحفظك في مغيبه)7”) 


وعرفه الشيخ أحمد الرفاعي الكبير شيخ الطريقة الرفاعية بقوله: (الشيخ: من إذا نصحك 


)١(‏ أبو حامد الغزالي» سر العالمين وكشف ما في الدارين» مكتبة الثقة الدينية في النجف الاشرفء الطبعة الثانية سنة ١786‏ ه- 
0م ص 155. 

(؟) لسان العرب ١/7‏ "ء وكتاب المفردات ص .717/١‏ 

(”) معجم الكاشانى» ص177. 

(؛) الشيخ ابن عباد الرندي. غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية» دار الكتب الحديثة» مصرء تحقيق الدكتور عبد الحليم 


أفهمكء وإذا قادك دلك, وإذا أخذك :بض بك.. الشيخ : هو من يلزمك الكتاب والسنة» 
ويبعدك عن المحدثة والبدعة.. الشيخ : ظاهره الشرعء وباطنه الشرعء الطريقة والشريعة)”" 

وعرفه شيخ الصوفية الأكبر محيي الدين بن عرب بلغة شاعرية قائلا: ( الشيخ يطير بأجنحته 
إلى عوالم الخلق» يسمعهم نداء الحق ويوقفهم تحت الودق» ويودع فيهم سر الخوف. والطمع 
بالبرق» فتارة يداوي العليل بالدليل» وتارة يصححه بآيات التنزيل» وتارة يحييهم بالنظر» ومرة 
يميتهم بالخبرء فهو الذي وصل إليه ميراث الأسماء ووجد مفتاح الدعاء» ودخل باب 
الاستجابة بحسن القبول والوفاء)”" 

" -دوره في السلوك: 

اختلفت تعابير مشايخ الصوفية في التعبير عن دور الشيخ المربي» فمنهم من يسميه الأستاذء 
وكأنه يشبهه في ذلك بدور الأستاذ التعليمي والتربوي. ومن ذلك قول أبي حامد الغزالي في 
بيان ضرورة الشيخ للسلوك: (يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة» ليهديه إلى سواء 
السبيل» فإن سبيل الدين غامض! وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة» فمن لم يكن له شيخ يهديه. 
قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة» فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير» فقد خاطر بنفسه 
وأهلكهاء ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسهاء فإنها تجف على القرب وإن بقيت 
مدة وأورقت لم تثمر» فمعتصم المريد شيخه فليتمسك به)(") 

وقد ذكر أبو حامد بناء على هذا بعض المارسات التي يقوم بها الشيخ المربي عند تربيته 


المريدين» وقدم لذلك بعض التوجيهاتء فذكر أن على (الشيخ المتبوع الذي يطبب نفوس 


)00 الشيخ أحمد الرفاعي, الحكم الرفاعية » إعداد ياسر سعدي إبراهيم» نشر مكتبة الشرق الجديد» بغداد» ءصض7. 
فة6 ابن عربي» رسائل ابن عربي» رسالة شرح مبتدأ الطوفان ورسائل أخرىء تحقيق: قاسم محمد عباس» حسين محمد عجيل» دار 
احياء التراث العربي» ص .1١51/- ١58‏ 


(؟) إحياء علوم الدين (//01) 
كلا١ا‏ 


المريدين ويعالج قلوب المسترشدين ينبغي أن لا مهجم عليهم بالرياضة والتكاليف في فن 
مخصوص وفي طريق مخصوص مالم يعرف أخلاقهم وأمراضهم, وكا أن الطبيب لو عالج جميع 
المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم فكذلك الشيخ لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة 
أهلكهم وأمات قلوبهم» بل ينبغي أن ينظر في مرض المريد وفي حاله وسنه ومزاجه وما تحتمله 
بنيته من الرياضة» ويبني على ذلك رياضته)(2 

ثم ذكر ناذج عما يوارسه الشيخ المربي الكامل مع تلاميذه ومريديه فإن (كان المريد مبتدثا 
جاهلا بحدود الشرعء فيعلمه أولا الطهارة والصلاة وظواهر العبادات» وإن كان مشغولا بعال 
حرام أو مقارفا لمعصية» فيأمره أولا بتركهاء فإذا تزين ظاهره بالعبادات وطهر عن المعاصي 
الظاهرة جوارحه نظر بقرائن الأحوال إلى باطنه ليتفطن لأخلاقه وأمراض قلبه» فإن رأى معه 
مالا فاضلا عن قدر ضرورته أخذه منه وصرفه إلى الخيرات وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه» 
وإن رأى الرعونة والكبر وعزة النفس غالبة عليه فيأمره أن يخرج إلى الأسواق للكدية والسؤال 
فإن عزة النفس والرياسة لا تنكسر إلا بالذل ولا ذل أعظم من ذل السؤال فيكلفه المواظبة على 
ذلك مدة حتى ينكسر كبره وعز نفسه.. وإن رأى الغالب عليه النظافة في البدن والثياب ورأى 
قلبه مائلا إلى ذلك فرحا به ملتفتا إليه استخدمه في تعهد بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع 
القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان حتى تتشوش عليه رعونته في النظافة» فإن الذين 
ينظفون ثيابهم ويزينونها ويطلبون المرقعات النظيفة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين 
العروس التي تزين نفسها طول النهار» فلا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنماء فمهم| 
عبد غير الله تعالى فقد حجب عن الله ومن راعى في ثوبه شيئا سوى كونه حلالا وطاهرا مراعاة 
يلتفت إليها قلبه فهو مشغول بنفسه)(" 


)51١ /”( إحياء علوم الدين‎ )١( 


)0( إحياء علوم الدين (7/ 03١‏ 
١‏ 


وهكذاء بل يذكر أبو حامد - كما يذكر الصوفية جميعا - أن للشيخ المربي أن يستعمل أحيانا 
من الحيل ما يستطيع أن بهذب به مريديه» فإذا كان المريد - مثلا - (لا يسخو بترك الرعونة 
رأسا أو بترك صفة أخرى ولم يسمح بضدها.. فينبغي أن ينقله من الخلق المذموم إلى خلق 
مذموم آخر أخف منه. كالذي يغسل الدم بالبول» ثم يغسل البول بالماء إذا كان الماء لا يزيل 
الدم» كما يرغب الصبي في المكتب باللعب بالكرة والصو لجان وما أشبهه. ثم ينقل من اللعب 
إلى الزينة وفاخر الثياب» ثم ينقل من ذلك بالترغيب في الرياسة وطلب الجحاه» ثم ينقل من الحاه 
بالترغيب في الآخرة» فكذلك من لم تسمح نفسه بترك الجاه دفعة» فلينقل إلى جاه أخف منه. 
وكذلك سائر الصفات وكذلك إذا رأى شره الطعام غالبا عليه ألزمه الصوم وتقليل الطعام» 
ثم يكلفه أن بي ءالأطعمة اللذيذة ويقدمها إلى غيره وهو لا يأكل منها حتى يقوى بذلك نفسه 
فيتعود الصبر وينكسر شرهه)”" 

وهكذا يذكر الشيخ أبو حامد وهو الفقيه الأصولي أن للشيخ أن يمنع بعض المباحات عن 
المريد أو يكلفه ببعض مالم يوجبه الشرع لتستقيم نفسه بذلكء ولعل ما ذكره القرآن الكريم 
من نبي طالوت لجنده من شرب الماء مع توفره» بل مع كثرته إشارة إلى هذاء قال تعالى: (فَلَ 
َصَلَّ طَالُوتُ بالجنُودِ قَالَ إن الله مُبْتَلِكُمْ تمر فَمَنْ َب مِنْهُ قََيْسَ مني وَمَنْ 1 يَطْعَمْهُ كله 
مِنِ إلا مَنِ اغْتَرفَ غْرْقَةَ بيده ) [البقرة : 74] وذلك لأن الجندي الذي لا يطيق أن يصبر 
على الماء لا يمكنه أن يصبر على مواجهة جالوتء وكم في النفس من (جالوت) 

ولعله لأجل هذا يقوم مشايخ الطرق الصوفية باختبار المريدين قبل قبوهم في الانضمام 
للتملذة عليهم» ومن ذلك ما يرويه الشيخ ابن عجيبة عن قصة تلمذة الششتري عند شيخه ابن 


)000 إحياء علوم الدين (؟/ 03 
١‏ 


سبعين2» وذلك أن (الششتري كان وزيراً وعالماء وأبوه كان أميرأًء» فلم أراد الدخول في طريق 
القوم قال له شيخه: (لا تنال منها شيئاً حتى تبيع متاعكء وتلبس قشابة» وتأخذ بنديراً 
وتدخل السوق)» ففعل جميع ذلكء فقال له: ما تقول في السوق؟ فقال: قل بدأت بذكر 
الحبيب)» فدخل السوق يضرب بنديره» ويقول: بدأت بذكر الحبيب» فبقي ثلاثة أيام وخرقت 
له الحجبء فجعل يغني في الأسواق بعلوم الأذواق ومن ذلك قوله: 

شويخ | من أرضص2 مكناس في | وسطا الأسواق 2 يغني 
7 علي من البامن واش. على. الناس مني 
وقد كانت الطريقة العلاوية كسائر الطرق الصوفية تمارس هذه الأساليب مع المريدين 
لتختبر طباعهم وتهذيهاء فلذلك يلتحق أكثر المريدين بخدمة الزاوية قبل أن يسمح لهم بدخول 
الخلوة» وقد أنكر الإبراهيمي كسائر رجال الجمعية هذا إنكارا شديداء وعبر عن ذلك بسخرية 
قائلا: (..وقد كان قدماؤهم يتخذون من مراحل التربية مدارج للوصول إلى معرفة الله فيا 
يزعمون وفي ذلك تطويل للمسافة وإشعار بأن المطلوب شاق. حتى جاء الدجال ابن عليوه 
واتباعه بالخاطئة» فأدخلوا تنقيحات على الطريق ورسومًا أملاها عليهم الشيطان. وكان من 
تنقيحاتهم المضحكة تحديد مراحل التربية (الخلوية) لمعرفة الله بثلاثة أيام (فقط لا غير)» تتبعها 
أشهر أو أعوام في الانقطاع لخدمة الشيخ من سقي الشجرء ورعي البقر» وحصاد الزرع وبناء 
الدور مع الاعتراف باسم الفقير» والاقتصار على كل الشعير» ولئن سألتهم لم نزلتم مدة الخلوة 
إلى ثلاثة أيام؟ ليقولن فعلنا ذلك مراعاة لروح العصر الذي يتطلب السرعة في كل شيء» فقل 
لهم: قاتلكم الله. ولم نقصتم مدة الخلوة» ولم تنقصوا مدة الخدمة أيها الدجاجلة؟)7) 


)٠١ (ص:‎ ١911 أحمد بن عجيبة» إيقاظ الهمم شرح متن الحكم, المطبعة الجمالية» مصرء‎ )١( 
)117١ /١( (؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ 
1 


وما ذكره الإبراهيمي عن الخدمة وطولها صحيح, ولكن يبدو أن الشيخ لم يكلف نفسه 
السؤال عن سر تلك الأعمال» والمصالح الناتجة عنها سواء للمريد أو للزاوية» والزاوية لم تكن 
تعني شخصاء وإن) تعني المصالح العامة» فقد كانت تؤوي الفقراء وأبناء السبيل وتعلم 
وتمارس كل الوظائف التي سيآتي ذكرها في المبحث الثاني من هذا الفصل. 

أما المريد» والذي أسف الإبراهيمي لحاله» فقد كان يستفيد من تلك الخدمة أيم| استفادة» 
سواء من الناحية الدينية أو الناحية الدنيوية: 

أما الدينية» فإنه يجد نفسه في الخدمة مع رفقه من المريدين والمقدمين» ويخلطون خدمتهم 
بالذكر والمذاكرة» وفي تلك المحال (يدلهم الشيخ على الله على الوجه الأكمل ليصل بهم إلى 
درجة العرفان وسر التحقيق والإيقان وانفتاح البصائر واكتحاها بأثمد التوحيد الخاص 
والتمتع بالشهود والعيان وإفراد الوجهة القلبية بالتوجه لله سبحانه وتعالى وانقطاعها عم| سواه 
بالكلية. وإخلاصها له بالعبودية ببلوغ مرتبة الإحسان)”" 

أما من الناحية الدنيوية» فقد كان المريدون من أكثر المناطق الجزائرية فقراء فكان الشيخ 
يستخدمهم في خدمة المصالح العامة المرتبطة بالزاوية مقابل تلقيهم كل الدعم المادي والمعنوي 
من الشيخ وإخوامم في الطريق» فيتبنى الشيخ قضاياهم ويسعى في مصالحهم. ويتكفل بهم 
وبأسرهم أوقات الشدة والأزمات والاضطرابات والنكبات» فيجدون في مختلف زواياها 
المأوى والإطعام» وإن تعذر على الزوايا استضافتهم فإنها تؤمن لهم المأوى سواء بالكراء أو عند 
إخواهم» كما تتكفل الزاوية بمن تعرض للإفلاس من أتباعها وقد يضمنه الشيخ المدين منهم 


لدى الدائنين» وقد يقترض لأجلهم'". 


. 17 الحسن بن عبد العزيز: إرشاد الراغبين لما في الطريقة العلوية من الفتح المبين» دط. ص‎ )١( 
قامت به الباحثة غزالة بوغانم؛ انظر: الطريقة العلاوية في‎ »5٠077/17/7 (؟) اتصال هاتفي مع الحاج مراد بن تونس بتاريخ‎ 
.17١ص‎ 1١945094 1١975 الجزائر ومكانتها الدينية والاجتاعية‎ 

0 


مع العلم أن المريدين كانوا يتنافسون على هذه الخدمة» ولو كان فيها أي أذى لمم لما كان 
ذلك التنافنين: 

بعد هذا فإن الشيخ ابن عليوة - | يذكر جميع المقربين له- كان أقرب إلى الزهدء ولم يكن 
له أولاد» ووقف كل أمواله على الزاوية. 

ولكن الجمعية للأسف لم تكن تنظر إلى كل ذلكء ول تكن تنظر إلى تلك الخدمة الإجبارية 
التي يقوم بها شباب الجزائر في خدمة المصالح الاستعمارية» بل يقدمون أنفسهم فداء لاء 
ويكتفون بالشيخ وبالطرق الصوفية» ولم يكلفوا أنفسم البحث عن سر ذلك. 

وبا أن القيام بمثل هذه الخدمات وغيرها والصبر على هذا النوع من السلوك يحتاج من 
المريد إلى التسليم للشيخ وعدم الاعتراض عليه؛ لأنه لا يمكن أن يشفى من المرض من يعترض 
على طبيبه يذكر الصوفية أن من آداب المريد التسليم للشيخ وطاعته في جميع أوامره ونصائحه. 
من باب التسليم لذي الاختصاص والخبرة بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية» منها 
التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته وأنه جمع بين الشريعة والحقيقة. 

ومنها عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه» لأنه مجتهد في هذا الباب عن علم 
واختصاص وخبرة» كا لا ينبغي أن يفتح على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات 
شيخه؛ فهذا من شأنه أن يضعف ثقته به ويحجب عنه خيراً كثيراً ويقطع الصلة القلبية والمدد 
الروحي بينه وبين شيخه. 

وينقلون في هذا عن بعض المشايخ قوله: (من فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في 
أحوالهم وأفعالهم والبحث عنهاء فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته وإنه لا ينتج قط. ومن 


ثم قالوا: -من قال لشيخه 1؟ لم يفلح أبداً)”" 


/94-0 عبد القادر عيسى» حقائق عن التصوف. ص94‎ )١( 
ليا‎ 


وقد كانت هذه المقولات محل إنكار شديد من الجمعية» وسنرى ذلك بتفصيل مع إجابات 
الطرق عنها عند الحديث عن المناقشات الفكرية بين الطرق والجمعية. 

وقد أحسن الشيخ ابن عليوة التعبير عن دور الشيخ» فقد شبهه بدور الإمام في الصلاة» 
فقال في شرحه الصوفية لمتن ابن عاشرء عند ذكره لفرائض الصلاة وبالضبط الفريضة الخامسة 
عشرة في المذهب المالكي. وهي (متابعة الإمام)» فقد ربط إمام الصلاة بإمام التربية» فقال: 
(متابعة الإمام)» وهو المرشد في طريق الله الدالٌ عليه فينبغي لصاحب السير أن يتبع إمامه في 
الإحرام» وهو الدخول إلى حضرة الله إذا أدخله» وكذلك يتبعه في السلام وهو الرجوع للخلق» 
والتمسّك بأذيال الشريعة المحمديّة» وإن لم يتبعه بأن زج به في حضرة الحقء ولم يتبعه أو خرج 
به إلى الحضرة المحمديّة» ولم يساعده فصلاته باطلة لكن هذا مع الشعور وإلآ فلا تبطلء لأنَ 
فاقد الشعور صلاته تجبر)!) 

ومثل ذلك ذكر في (الفريضة السادسة عشرة) في المذهب المالكي» وهي (نيّة الاقتداء)» فقد 
ربطها بسلوك المريد مع شيخه. فقال: (وهذه النيّة تطلب من مريد الدخول على الله أن ينوي 
الاقتداء بإمامهء وهو الأستاذ الذال على الله في جميع الأمور الدينيّة والدنيويّة بأن لا يعترض 
عليه بقلبه ولا بلسانه» ولا يتهاون بأمره ويدور معه من حيث دار ويسير معه حيث سارء ولا 
ينبغي الانبرام عليه ولو بقدر يسير لكون الإمام شافعا في المقتدي به ثم اعلم أن الإمام وهو 
الذال كذلك ينوي الإمامة أن ينوي بأنّه دّال على الله وإن لم يجد من يقتدي به ليحصل له فضل 
الجماعة» ويكون يوم القيامة من الداعين إلى الله لكن هذا إن كان له إذن من الله ورسوله وهو 
المعبّر عنه بإمام الراتب, وإن لم يجد من يتبعه في توجهه إلى الله عرّ وجل فعليه أن ينوي الإمامة 


ليحصل له فضل الجماعة» وعلى الله الكمال)7) 


.1559 ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية»‎ )١( 


.1757 ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية»‎ )١( 
حول‎ 


وكا ذكرنا أهمية الشيخ وضرورة التسليم له فإنا نحب أن ننبه هنا - من باب الحقيقة 
والواقع - أن الكثير من المشايخ استغلوا هذا التسليم لمصالحهم الشخصية» فأساءوا إلى 
الإسلام وأساءوا إلى التصوف. ولو أن النقد الموجه من طرف الجمعية ركز على هؤلاء» وم 

يعمم إلى الكل لكان ذلك أفضل من التعميم, ف (لا تَزِرُ وَازِرَةٌ و : زر اشرق ) (الاساه: 1] 

-الذكر: 

يمثل الذكر الركن الأسامي في السلوك الصوفيء ولهذا لا نجد طريقة من دون أوراد أو 
أذكار» بل إن الاختلاف بين الطرق يكاد ينحصر في أنواع الأذكار وأعدادها وهيئاتهاء وهو ما 
كان محل خلاف بينها وبين المخالفين لها كما سنرى في محله. 

بناء على هذه الأهمية التي يكتسيها الذكر في السلوك الصوفي نحاول أن نبين هنا - باختتصار 
- محل الذكر وأهميته ودوره عند السلوكيين من الصوفية» أما ما يتعلق بالخلاف الذي حصل 
حوله بين الطرق والجمعية وأدلة كل فريق» فسنتركها للباب الرابع المخصص ذه المناقشات. 
تعريفه: 

لغة: هو الحفظ للثيء. وجريانه على اللسان» وهو - لغة- نوعان0"©: 

١‏ - ذكر بالقلب» ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة» وهو 
كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه» والذكر يقال اعتبارا باستحضاره» وحضور الشيء 
في القلب ذكره وتذكره. بإرادة أو بغير إرادة وضده نسيانه وتناسيه» بإرادة أيضا أو بغير إرادة» 


قأل تعال ([ قال أرانك اذ أويكا إل الصحرة فاق تيت الشوت ونا انضائية ]لأ السيطان أن 
أَذْكُرَهُ)(الكهف: 17) 


؟- ذكر باللسان سواء باستحضار القلب أو غيره» ومنه قوله قال تعالى: ( يا يما الّذِينَ آمَُوا 


إِ 


)00 محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي» مختار الصحاح, تحقيق : محمود خاطر» مكتبة لبنان ناشرون - بيروت» ص 47» وانظر: 
لسان العرب 5 والمفردات ص79١.‏ 
1١/1‏ 


0 


اذْكَرُوا الله ذِكوًا كَثِيرًا ١(‏ 4) وَسَبحُوهُ بُكْرَةٌ وَأُصِيلًا (57)) [الأحزاب: 41+ 47] 

اصطلاحا: وردت تعريفات كثيرة من الصوفية المتقدمين والمتأخرين للذكرء وهي تدل على 
اختلاف مدلوله عندهم بحسب حال المكلف ومقامه» وقد جمع تلك الأحوال المختلفة 
الكاشانى (ت:5 "الاه) حين قسم الذكر إلى أنواع كثيرة!" سنشرحها هنا باختصار: 

ذكر العامة: وهو ما يتقرب به عامة أهل الإيمان» من ذكر الله تعالى إما بكلمة الشهادة» وإما 
بغيرها من التسبيحات والأدعية والأذكار. 

ذكر الخصوص : وهو الذكر الذى يكون من تلقين الشيخ المرشد كتلقينه كلمة (لا إله إلا 
الله)» أو (الاسم المفرد) أو غيرهاء وهو يختلف باختلاف الطرق الصوفية» والغرض منه إزالة 
حجاب معين مرشد إلى إزالته شيخ عارف بأدواء. 

الذكر الظاهر : ويعنى به ذكر اللسان» الذى بمداومته يحصل الخلاص من الغفلة والنسيان. 

الذكر الخفى : وهو الذكر بالجنان مع سكوت اللسان. 

ذكر السر : وهو ما يتجلى له من الواردات. 

الذكر الشامل : يعنى به استعال الظاهر والباطن» فيا يقرب من الله تعالى بحيث يكون 
اللسان مشغولا بالذكرء والجوارح بالطاعات, والقلب بالواردات. 

الذكر لكر عن يدها و هيت الأقارة النهه نقوله ال [ولذة الله كر [المكرك» 
5 والمراد به كيال المعرفة والطاعة. ْ 

الذكر الأرفع : وهو الذكر الأكبر لأنه أرفع الأذكار» ويسمى الذكر المرفوع أيضاء وإليه 
الإشارة بقوله: (ِوَرَفَعْنَا لَك ذِكْرَكَ] [الشرح: 5 ]» فإنه تعالى رفعه بذكره وطاعته له. إلى مرتبة 


في الذكر لا يعلوها غيره من الخلائق. 


)١(‏ انظر: كمال الدين عبد الرزاق الكاشاني» لطائف الاعلام في إشارات أهل الإلهام. صححه وعلق عليه مجيد هادي زاده. الطبعة 


.١‏ طهران. ص58 ؟. 
١0‏ 


دوره في السلوك: 

يتفق الصوفية على أن الذكر والإكثار منه هو أقرب الطرق إلى الله» بل يرون أنه لا يمكن أن 
يتحقق للسالك سلوك من دونه» بل إنهم لا يكتفون بتلك الأوراد التي يلزمون بها أنفاسهم. 
أو يلزمون بها مريديهم» وإنم| يحثونهم على أن يذكروا الله بعد الأنفاسء وأن لا تطرق قلوبهم 
غفلة في لحظة من اللحظات». وهم يرددون في هذا قول شاعرهم!": 


والذكر أعظم باب أنت داخله لله فاجعل له الأنفاس حراساً 


وهم يستدلون لهذا بها ورد في النصوص الكثيرة من الحث عليه؛ بل الحث على المبالغة فيه» 
وقد ألف الشيخ عدة بن تونس شيخ الطريقة العلاوية رسالة في الذكر ضمنها الكثير من 
النصوص الدالة على فضله؛ وعلى عدم تحديده بأي قيد من القيود التي يقيده بها الاتجاه السلفي» 
وسماها (وقاية الذاكرين من غواية الغافلين)» وهي من خلال عنوانها تدل على انتشار تلك 
الأطروحات التي بثتها الجمعية من تبديع الطرقء وتبديع ما يأتون به من أذكار حتى لو وردت 
بها النصوص. لأخهم وقتوا الأذكار أو جهروا بها أو اجتمعوا عليهاء | تنص على ذلك الرسالة 
التي ألفها الشيخ العربي التبسبي (بدعة الطرائق في الإسلام)» والتي سيأتي الحديث عنها وعن 
أدلته فيها في الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

وقد قدم الشيخ عدة بن تونس لرسالته بقوله: (إن الذكر قد وردت به النصوص القرآنية 
والأحاديث النبوبة كلها تحث على الترغيب فيه بعبارة بينة لا يتأوها إلا من اتبع هواه وكان أمره 
فرطاً)() 


ومن النصوص التي أوردهاء ويوردها الصوفية عموما قوله تعالى: ( يَا 


سرع 


يجا الّذِينَ آمَُوا 


)00 ابن عجيبة» إيقاظ الهمم شرح متن الحكم؛ ص 2 
إف6 الشيخ عدة بن تونس» وقاية الذاكرين من غواية الغافلين, المطبعة العلاوية بمستغانم» ص ابت 
1١/5‏ 


اذْكُرُوا الله ذِكُرًا كَثِيرَا )4١(‏ وَسَبّحُوهُ بُكْرَةَ وَآَصِيلَا (؟4) هُرَ الَّذِي يُصَلُّ عَلَيكُمْ وَمَلَانِكَنْهُ 
مقن اسفن لون وَكَانَ بالُؤْمِننَ رَحِينَا (1)57 [الأحزاب: ١‏ - 47]. ثم 
عقب عليها بقوله: (فتأمل يرحمك الله في صيغة الأمر من قوله اذكروا وسبحواء فهي وإن 1 
تفدنا وجوب الذكر على ما جرى عليه بعض الأئمة المجتهدين فلم تخل من إشعار السامع من 
ترغيب كبير في ملازمة الذكر بكرة وأصيلا وكفى به فضلةً) 7" 

ومن الآيات التي استدل بها قوله تعالى: ( إِنَ في حَْقٍ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضٍ وَاختكَافٍ اللَيْلٍ 
َالنَهَارٍلآيَاتٍ لأُولي الَْلبَابٍ (110) الّذِينَيَذْكُرُونَاللّهقِيَاما وَفُحُودا وَعَلَ جُنُوييم وَيتفَكّرُونَ 
في حََلْقٍ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضٍ رَبنَا مَا حَلَقَتَ هَذَا بَاطِلًا سبْحَانَكَ قَقِنَا عَذَابَ الثَّارٍ (191)) [آل 
عمران: ]١91١ 619٠9‏ 

ثم عقب عليها بقوله: (فهي كذلك فيها ما يشعرنا بفضل الذكر والذاكرين حيث عدهم 
الله تعالى من أولى الألباب» وماذا بعد اللب إلا القشر وأين ذووا القشور من ذوي الآلباب 
الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ولا غلوا إذا قلنا أخهم الخاصة العليا من خلق الله 
بعد الأنبياء والرسل كل ذلك بفضل الذكر الذي لازموه على كل أحيانهم» وهي منقبة شريفة 
لا يورثها الله إلا لمن اختاره واصطفاه من عباده وكفى بأن الذاكر جليس الله حالة ذكره)() 

ومن النصوص التي أوردها ما ورد في الحديث المشهور: (أنا جليس من ذكرني)!"» وعقب 
عليه بقوله: (و كفى بالذكر فضلاً أن يصير صاحبه جليس الله) 

وغيرها من النصوص التي عقب عليها بقوله: (وأمثال هذه الآيات الدالة على الترغيب في 
)١(‏ الشيخ عدة بن تونس»ء وقاية الذاكرين من غواية الغافلين» ص . 
)١(‏ الشيخ عدة بن تونس»ء وقاية الذاكرين من غواية الغافلين» ص . 
(؟) قال عنه محمد بن درويش بن محمد الحوت في (أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب دار الكتب العلمية» (ص: 47): (له 
طرق ضعيفة ومنها حديث أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه وأخرجه البخاري في آخر صحيحه لكن المعنى مختلف بين المعية 


والمجالسة) 
كلا 


الذكر كثيرة في كتاب الله ولم تذكر أي قربة من القربات بمثل ما ذكر به الذكر وكفى أن الصلاة 
المكتوبة التي ورد فيها أنها عماد الدين ولكن ل تبلغ مبلغ الذكر في الاعتبار با يرجع للنهي وقمع 
النفس واشؤئى عن الفحشاء والمتكر قال تعالى: إن الصَّلَاة تَنْهَى عَنِ الْمَحْسَاءِ وَالَْكَر وَلَذِكرٌ 


َه 


الله أَكْيَرُ وَاللهيَعْلَمُ مَا تَضْبَعُونَ 4 [العنكبوت: 45]» وقال تعالى لموسى عليه السلام: (وََقِم 
[المزمل: 0)]4" 

وبناء على هذاء فإن الصوفية يمنعون كل الحدود الحاتلة بين السالك والذكر: 

١‏ -فهم - مثلا- ينبهون السالك إلى ضرورة الالتزام بالذكر حتى لو صاحبه غفلة» وذلك 
ما تنص عليه حكمة ابن عطاء الله المشهورة:(لا تترك الذكر لعدم حضور قلبك مع الله فيه» لأن 
غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره» فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود 
غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة» ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضورء ومن ذكر 
مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عن ما سوى المذكورء وماذلك على الله بعزي)7”" 

وقد علق عليها ابن عجيبة بقوله: (الذكر ركن قوي في طريق القوم؛ وهو أفضل الأعمال.. 
ولا مدخل على الله إلا من باب الذكر» فالواجب على العبد أن يستغرق فيه أوقاته» ويبذل فيه 
جهده. فإن الذكر منشور الولاية» ولا بد منه في البداية والنهاية» فمن أعطي الذكر فقد أعطي 
المنشور ومن ترك الذكر فقد عزل)” 

؟ - وهم يعتبرون الذكر أشمل من أن ينحصر في الألفاظ التي يرددونهاء ويكثرون من 


تردادهاء يقول ابن عطاء الله السكندري» وهو قطب من أقطاب الشاذلية» بل هو مرجع لأكثر 


.7” الشيخ عدة بن تونسء وقاية الذاكرين من غواية الغافلين» ص‎ )١( 
فة6 إيقاظ ال همم شرح متن الحكم؛ ص خة‎ 


له إيقاظ الهمم شرح متن الحكم.ء ص 1١‏ . 
١‏ 


الصوفية المتأخرين: ( الذكر هو ترديد اسم المذكور بالقلب واللسان» وسواء في ذلك ذكر الله 
أو صفة من صفاته. أو حكم من أحكامه» أو فعل من أفعاله» أو استدلال على شيء من ذلك» 
أو دعاء» أو ذكر رسله.ء أو أنبيائه» أو أوليائه» أو من انتسب إليه» أو تقرب إليه بوجه من 
الوجوه؛ أو سبب من الأسبابء أو فعل من الأفعال : بنحو قراءة أو ذكر» أو شعر أو غناء» أو 
محاضرة أو حكاية)() 

' - وهم يربطون بين عاداتهم والذكرء فيوقظون النائم بالذكر» ويدخلون البيوت بالذكرء 
وقد كان ذلك محل من الإنكار من الجمعية والاتجاه السلفي» وقد رد الشيخ ابن عليوة على هذا 
الإنكار في رسالته في مشروعية ذكر الاسم المفرد: (الله) والتي نشرها على صفحات «البلاغ 
الجزائري)1"» ثم طبعت بعنوان (القول المعتمد في مشروعية الذكر بالإسم المفرد)؛ وما وصف 
به الواقع الصوني في ذلك الحين» والذي صار محل إنكار بعد مجيء الإصلاحيين قوله: (أيها 
الأخ المحترم» فقد كنت تشرفث بزيارتكم صحبة صديق الجميع حضرة الشبخ 0 
وبمناسبة ما دار بيننا من الحديثء في تلك السويعات التي رأيتكم فيها موغر الصدر على 
إخوانكم العلاويين» حسب| لاح لي في ذلك الحين» لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم مولعون بإجراء 
الاسم المفرد على ألسنتهم» وهو قوطم: (الله). فظهر لكم أن ذلك ما يستحق عليه العتاب» أو 
نقول العقابء لأنكم قلتم نهم يلهجون بذكر ذلك الاسم بمناسبة أو غير مناسبة» سواء عليهم 
في الأزقة» أو غيرها من الأماكن التي لا تليق للذكر» حتى أن أحدهم إذا طرق الباب يقول: 
(الله)» وإذا ناداه إنسان يقول: (الله)» وإذا قام يقول: (الله)» وإذا جلس يقول: (الله)» إلى غير 


ذلك مما جرى به الحديث)() 


.4 ص‎ 2.197١ ء١ط أحمد بن عطاء الله السكندريء مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح» مطبعة مصطفى البابي الحلبي» مصرء‎ )١( 
.الاوال«٠و‎ 79 فة6 البلاغ الجزائري» عدد‎ 


فة ابن عليوة» القول المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم المفرده ص6" . 
1١84‏ 


وسنرى في الجزء الثالث من هذه السلسلة إجابات الشيخ والصوفية على هذا الإنكار» ومثله 
ما كانت تشيع به الجنائر من الذكر» والذي كان محل إنكار شديد من الجمعية وخصوصا الشيخ 
البشير الإبراهيمي» | رأينا ذلك في الفصل السابق. 

ثالثا ممارسات السلوك الصوفي: 

بعد التعرف على شروط السلوك الصوفي» نتحدث هنا عن ال مارسات التي تختلف على 
أساسها الطرق الصوفية» وننبه هنا ى] نبهنا سابقا إلى أنا سنذكر التفاصيل المرتبطة بالأدلة في 
محلها من الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

١-الورد‏ الصوفي: 

تعتبر الأوراد الصوفية ركنا من أركان كل طريقة» تتميز بهاء وتربي المريدين من خلالماء 
وهي أذكار محددة بصيغة خاصة وبأعداد خاصة» ويضم إليها بعض الصلوات» والسورء 
والمناجاة» ونحوهاء وهم يعلقون سلوك السالك على مقدار التزامه بهاء | قال القاشاني: (من 
ازدادت وظائفه ازدادت من الله لطائفه» ومن لا ورد له بظاهره فلا ورد له في باطنه» ومن لا 
ورد له في باطنه فليس له وجد في سرائره) 7") 

وقال ابن عطاء الله السكندري : (إذا رأيت عبداً أقامه الله تعالى بوجود الأوراد» وأدامه 
عليها مع طول الإمداد» فلا تستحقرن ما منحه مولاه» لأنك لم تر عليه سيماء العارفين ولا بيجة 
الجيوه دلو لاوزو 6 تور 

وقد كانت هذه الأوراد محل إنكار كبير من الجمعية» كما سنرى في الجزء الثالث من هذه 
السليئلة: 

تعريف الورد: 
)١(‏ الشيخ كمال الدين القاشاني» لطائف الإعلام في إشارات أهل الإفهام» ص 1917. 


)51/ عبد المجيد الشرنوبي» شرح الحكم العطائية» دار الحياة» (ص:‎ )١( 
١/1 


لغة: قال ابن منظور: الورد النصيب من القرآن يقول قرأت وردي وفي الحديث أن الحسن 
وابن سيرين كانا يقرآن القرآن من أوله إلى آخره ويكرهان الأوراد الأوراد جمع ورد بالكسر 
وهو الجزء يقال قرأت وردي قال أبو عبيد تأويل الأوراد أنهم كانوا أحدثوا أن جعلوا القرآن 
أجزاء كل جزء منها فيه سور مختلفة من القرآن على غير التأليف جعلوا السورة الطويلة مع 
أخرى دونها في الطول ثم يزيدون كذلك حتى يعدلوا بين الأجزاء ويتموا الجزء ولا يكون فيه 
سورة منقطعة ولكن تكون كلها سورا تامة وكانوا يسمونها الأوراد ويقال لفلان كل ليلة ورد 
من القرآن يقرؤه أي مقدار معلوم إما سبع أو نصف السبع أو ما أشبه ذلك يقال قرأ ورده 
وحزبه بمعنى واحد والورد الجزء من الليل يكون على الرجل يصليه!'". 

اصطلاحا: عرفه أبو طالب المكي بأنه (اسم لوقت من ليل أو نهار» يرد على العبد مكرراء 
فيقطعه في قربة إلى الله» ويورد فيه محبوباً يرد عليه في الآخرة)7") 

وعرفه الشيخ سليهان بن يونس الخلوتي بقوله: (الورد : هو مجموعة أذكار وأدعية يقصد 
بال عه لق متكا نالعالل من شونا اسلف لسر 

أوراد الطرق الصوفية: 

تختلف الطرق الصوفية في أورادها على حسب ما يختاره شيخها: 

فمن أوراد الطريقة التيجانية مثلا ذكر صلاة الفاتح» وهي كما يرى أتباع الطريقة أمر إللي 
لا مدخل فيه للعقولء يقول عبيدة بن محمد الصغير : (ف| توجه متوجه إلى الله تعالى بعمل 
يبلغها وإن كان ما كان» ولا توجه متوجه إلى الله تعالى بعمل أحبه إليه منها ولا أعظم عند الله 


)155 /7”( لسان العرب‎ )١( 
..8١ ص‎ ١ (؟) أبو طالب المكي» قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد» دار صادرء ج‎ 


(*) الشيخ سليهان بن يونس الخلوتي» فيض الملك الحميد وفتح القدوس المجيدء المطبعة الادبية: ط١‏ - ١116‏ ه ص .١١‏ 
٠‏ 


حضرة منها إلا مرتبة واحدة مرتبة الاسم العظيم الأعظم لا غير)7): وقد أنكر ابن باديس 
بشدة هذه المقالة» كما سنراه بتفصيل في محله. 
ومن أوراد الطريقة العلاوية: الورد الخاصء وهو ذكر الاسم المفرد (الله) فبه - كما يرى 
العلاوية - يكون الفتح والوصول إلى مقام التحقيق (') وهو متوقف على سر الإذن فيه وهو 
(اسم الله العظيم الأعظم الجامع لمعاني الأسماء والصفات الذي إذا دعي به أجاب وإذا سثئل به 
أعطى. فمن طلبه لذاته أي لمعرفته الخاصة بصفة الذل والانكسارء وإظهار العبودية والافتقار 
وبالأخص على يد مرشد وجد الإجابة أقرب إليه من كل شيء)0. 
ومن أورادهم العامة أن يقول المريد صباحا ومساء ما يلي/4): 
2.١‏ أعوذبالله من الشيطان الرجيم (مرة) 
20.7 بسم الله الرحمان الرحيم(ثلاثا) 
3 ثم يتلو قوله تعالى:[وَمَا تُقَدَّمُوا لِأَنفْيِكُمْ مِنْ خَيْرِ تَدُوهُ عِنْدَ الله 
هُوَ ًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفْرُوا اللهَإنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [المزمل: ]٠١‏ (مرة) 
٠.5‏ استغفر الله (ماثة مرة) 
0 ثم قوله تعالى: [ إِنَّ الله وَمََاتِكَتَهُ يُصَلُونَ عَلَ الَّنّ يا 
آمَنُوا صَلُوا عَلَيّهِ وَسَلّمُوا تَشْلِيًا 1 [الأحزاب: 55] (مرة) 
1. اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله 
وصحبه وسلم (مائة) وعلى رأسها يزيد وسلم تسليما. 


: 


يجا الذي 


)؟5٠0 ابن انبوجة التشيتي» ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التيجانية» مصر » ص‎ )١( 
.717 الحسن بن عبد العزيز» إرشاد الراغبين لما في الطريقة العلوية من الفتح المبين» ص‎ )١( 
.74 إرشاد الراغبين لما في الطريقة العلوية من الفتح المبين» ص‎ )*( 


5( أحمد بن مصطفى بن عليوة: برهان المخصوصية: المطبة العلاوية» مستغانم» ص 717. 
1١‏ 


2٠0‏ ثم قوله تعالى: [ فَاعْكَمْ أَنّهُ ا لَه إِلّا لله وَاسْتَغفِر لِدَنِكَ ) [محمد: 
69 (مرة) 
/ لا اله إلا الله وحدة لا وحدة لا شريك له الملك وله الحمد وهو على 
كل شيء قدير (مائة) 
0.49 وفي الختام يقرأ سورة الإخلاص (ثلاثا) ثم يدعو الله لنفسه 
ولشيخه ولأهل سلسلة الطريق ولجميع المسلمين. 
بالإضافة إلى هذا هناك ما يسمى الوظيفة اليومية» وتتمثل في قراءة (سورة الواقعة) صباحا 
ومساءء مع قراءة مزج أبى المواهب التونسي للصلاة المشيشية (مرة) وبعدها قراءة الصلاة 
الكاملة للشيخ محمد بن الحبيب بن الصديق الفامبي» وهي: (اللهم صل وسلم بأنواع ى|الاتك 
في جميع تجلياتك على سيدنا ومولانا محمد أول الأنوار الفائضة من بحر عظمة الذات. المتحقق 
في عالمي البطون والظهور بمعاني الأسماء والصفات. فهو أول حامد ومتعبد بأنواع العبادات 
والقربات والممد في عالمي الأرواح والأشباح لجميع الموجودات. وعلى آله واصحابه صلاة 
تكشف لنا النقاب عن وجه الكريم في المراءي واليقظات. وتعرفنا بك وبه في جميع المرات 
وخطرات. واللطف بنا يا مولانا بجاهه في الحركات والسكنات واللحظات والخطرات) 
(ثلاثا» 
ثم قراءة ما ذيل به الشيخ ابن عليوة هذه الوظيفة» وهو: (اللهم يا من جعلت الصلاة على 
النبي من القربات. اتقرب إليك بكل صلاة صليت عليه من أول النشأة إلى ما لا نباية للىاللات 
(ثلاثا) سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)(1) 
بالإضافة إلى مناجاة الشيخ ابن عليوة التي يخير المريد في قراءتهاء والتي تبدأ بقوله: ( 


6 ابن عليوة: برهان الخصوصية» ص .7١‏ 
حا ١‏ 


إلهي» أسألك بأعرٌ من ناجاك وأفضل من دعاك أن تمطر على قلبي شآبيب عطفك. وسحائب 
رضاك وتلقي فيه حلاوة ذكرك؛ وتوقظه من غفلاته حتى لا يشاهد سواك, وتثبته على طاعتك 
وتقويه على تقواك» يا من تحسّنت الأشياء ببهاء جمالك الأقدس. وازدهرت بظهور سناكء ائتنا 
كفلا من رحمتك وارزقنا نورا نمشي به تنجلي أمامه تكاثف الظلمات» وتتضح به مناهج السعادة 
وسبل الخيرات» واغفر لنا ما مضى ولإخواننا المؤمنين» ووفقنا فيا هو آت بحقٌ (يسْم الله 
الرّحْمنَ الرّحِيم] [الفاتحة: )07]١‏ 

أو مناجاة ابن عطاء الله المشهورة» والتي تبدأ بقوله: ( إههي أنا الفقير في غناي فكيف لا 
أكون فقيراً في فقري ؟ إي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهل ؟)7" إلى 
آخرهاء وهي آية من آيات البلاغة والعرفان» بالإضافة إلى كونها رمزا للوحدة الإسلامية» 
فالشيعة -كأكثر الطرق الصوفية- أيضا يرددونهاء وهم ينسبونها للحسينء ولا يهم مصدرها 
فمعانيها العميقة دليل على أنها صدرت من قلب عارف. 

*-_الخلوة: 

لم يكتف الصوفية بالالتزام بالأذكار والأوراد التي يعمرون بها أكثر أوقاتهم» وإنما ضموا 
إليها الالتزام بها يسمونه (الخلوة)» إما في أزمنة معينة» أو مدد معينة كالخلوة الأربعينية والخلوة 


لسري 


.7١7ص ابن عليوة» النور الضاوي في الحكم ومناجاة الشيخ العلاوي» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي»‎ )١( 
)١915 (؟) شرح الحكم العطائية للشرنوبي» (ص:‎ 

(؟) الخلوة الأربعينية هي (الخلوة المنسوبة إلى أربعين يوماً وليلة» وهي - كما يذكر الصوفية- ميقات موسى اكلا في مناجاة ربه» 
ومدة تخمير طينة آدم اللكثلا. حتى استعد لنفخ الروح فيه عن أمر الله تعالى. وهي خلوة مشهورة عند أرباب الطريق» ولا شروط 
وآداب)» أما الخلوة الأسبوعية» فقد عرفها أبو المدى الصيادي الرفاعي بقوله: (هي عبارة عن اعتكاف يشتمل على» صيام» وقيام» 
وتريض في الطعام» واشتغال بذكر الله الملك العلام» وعزلة عن الخلق بصدق الالتجاء إلى الحق) (انظر: السيد محمد أبو ال هدى 
الصيادي الرفاعيء قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي واتباعه الأكابر» دار الكتب العلمية» بيروت» ط١. ,198٠١‏ ص 071١١‏ 

ولدلا 


وهم يتفقون سلفهم وخلفهم على أهميتها وضرورتها للسلوك» ويشرطون للمختلي حال 
خلوته؛ ى) يذكر أبو عثمان المغربى (ت:"/الاه) أن (يكون خاليا من جميع الأذكار إلا ذكر ربه» 
وخاليا من جميع الإرادات إلا رضا ربه» وخاليا من مطالبة النفس من جميع الأسباب, فإن لم 
يكن مبذه الصفة فإن خلوته توقعه فى فتنة أو بلية)(" 

وقد كانت الخلوة - خصوصا - محل سخرية ونقد شديد من طرف رجال جمعية العلماء» 
وخصوصا الخلوة التي كانت تقيمها الطريقة العلاوية» والتي كتب فيها الشيخ العربي التبسي 
مقالا مشهورا بعنوان: (الخلوة العليوية هل هي من الإسلام)”") 

والعجيب أن هذا المقال صار مرجعا للباحثين في (الخلوة الصوفية)» ومن خلاله» لا من 
خلال مراجع الصوفية» يحكمون عليهاء ويحكمون على أصحابهاء مع أن الشيخ العربي التبسي 
نفسه يقر أو يعتذر بأنه لم يلتزم المنهج العلمي في وصفها أو التعرف عليهاء وقد ذكر في المقدمة 
المقال الذي كتبه عنها قوله: (إن البحث عن ابن عليوة ومكانته ونشأته وتعليمه والوسط الذي 
ربي فيه وما تقلب فيه من الأدوار في الجزائر وغيرهاء ليس مما تتوقف عليه البحوث مادام عندنا 
ما نستخلص منه الحق» ونصل به إلى ما نريد» و:بتدي به إلى الصواب. ىما سنقف عليه إن شاء 
الله)0) 

ثم يضيف مقرا بفعله ما يخالف ال منهج العلمي» ومنهج المحدثين على الخصوص. فقد قال 
تعقيبا على الكلام السابق: (وأجدني معترفا بأني لا أعرف شخصية هذا الرجلء ولو أن معرفة 


الشخصيات شرط أو شطر في صلب أو مخ أو أطراف الأنظار العلمية» لسافرت إلى مستغانم 


6 الرسالة القشيرية» ص١١”7.‏ 
2( نشر هذا المقال في جريدة الشهاب : جريدة الشهاب. السنة الثالثة» عدد »١١/8‏ الخميس ١٠37م‏ الموافق "5/ ربيع 
الثاني/ 11"557ه ص ١٠و١١1و13١.‏ 


(؟) المصدر السابق. 


ولازمت الرجل حتى أصل إلى ما يتوقف عليه الاجتتماع» ولكن النظر العلمي لا يتوقف. إلا 
على معرفة أصول الدعوة» والأجواء التي تسير فيها)( 

ولسنا ندري الطريق الذي يصل به إلى الحقيقة إن لم يذهب إليها» ويستفسر عنهاء ويرى 
المبررات التي يضعها أصحاءها لحاء خاصة في مقامه الذي يريد أن يحكم فيه على أمة عظيمة من 
العامر 01 

ثم إنه ذكر مرجعه في وصفها وهو مرجع مجهول لم يسمه؛ ولسنا ندري قيمة هذا السند في 
علم الحديث, بالإضافة إلى هذاء فقد كان الشيخ العربي التسي أزهرياء وكان في الأزهر 
ونواحيه خلوات صوفية لطرق كثيرة» ولم تكن أقل من الخلوة العليوية» أفلم يكن له فرصة 
للاطلاع عليهاء أو البحث في أسبابها؟ 

بل لم يكن بحاجة إلى هذا كله» فلو أنه قرأ (إحياء علوم الدين )» وهو من الكتب المعروفة 
التي لا يخلو منها بيت» ولا يكاد يمر عليها طالب علم دون أن يق رأهاء لوجد في الإحياء وصفا 
للخلوة العليوية يغنيه عن ذلك الوصف المجهول السند. 

ول يكن العربي التبسيى وحده صاحب هذا المنهج» بل كل أعضاء الجمعية - للأسف- الذين 
اتخدوا النقد منهجاء من غير أن يؤسسوا نقدهم على الأسس العلمية الصحيحة. وأوها مراجعة 
أصحاب الشأن للتعرف على الحقيقة من بامها. 


)١(‏ المصدر السابق. 

(؟) اعتذر الدكتور أحمد عيساوى عن الشيخ العربي التبسبي من هذا الموقفء بأنه (لايستطيع الذهاب بنفسه لاعتبارات عديدة: أهمها 
أن أصحاب الطريقة يعرفونه كخصم لهم.ء وبالتالي فسوف لن يتعاملوا معه بنفس معاملتهم الطرقية الاعتيادية» ولذا فقد أرسل أحد 
الأقرباء من عشيرته الذي يثق فيه)» وجوابا على هذا الاعتذار نذكر أن الباحث يحتاج إلى استطلاع أسرار الأمر من أهله» ولايكفي 
فيه تجرد الوصف السطحي الظاهري» خاصة وأنه كان للطريقة فقهاء معتبرين» وكان في إمكانهم أن يسألهم؛ ولكن للأسف وضعت 
الجمعية قطيعة بينها وبين الطرق» فلذلك سمحت لكل مناوئ أن يصف ما يشاء كيف يشاء (انظر: د. أحمد عيساويء آثار العربي 


التسبى» ص55١)‏ 


وأحب قبل أن نفصل الكلام في تعريف الخلوة وهيأتها والغرض منها أن أذكر أن حديثي 
فيها ليس نظريا فقط» بل شرفني الله في وقت الشيخ محمد بلقايد رحمه الله شيخ الطريقة الهبرية» 
والتي هي فرع عن الطريقة الشاذلية الدرقاوية أن أدخل الخلوة» وأرى ما فيهاء وهو نفس ما 
تمارسه الطريقة العلاوية. 

وأشهد الله بناء على تلك المعاينة أن تلك الخلوة لم تكن إلا تفرغا لذكر الله ولم يحدث فيها 
أي مخالفة شرعية» وقد اكتشفت من خلاهها عظم فقه من أسسوها ونظروا لهاء فتأثيرها يمتد 
في النفس إلى أعماق أعماقهاء ويبقى تأثيرها وحلاوتها أمدا طويلا. 

وكم كنت أتمنى أن الحركة الإسلامية مع اهتمامها بالنشاطات الكشفية والمخيمات الصيفية 
وغير الصيفية أن تضيف الخلوة الروحية إلى برامج تربيتها عساها تتخلص من تلك السطحية 
التي يعاني منها الكثير من أتباعها للأسف. 

بعد هذا الاستطراد الذي رأينا ضرورته نتحدث هنا عن تعريف الخلوة والغاية منها 
وكيفيتهاء ونترك الحديث عن التفاصيل الشرعية المرتبطة بها إلى الجزء الغالث من هذه السلسلة» 
لمناقشة أدلة الفريقين الجمعية والطرق الصوفية. 

تعريف الخلوة: 

لغة: الخلوة : يقصد بالخلوة عدة معان» كلها له علاقة بالمعنى الاصلاحي. منها!": 
احلا يمعتى الفرة وآندهن إل خلوة كقوله تحال + ( افثلوا يُوسف أو اطْرحوة أَرضَا كل 
لَكُمْ وَجْهُ أبيكُمْ ) [يوسف:4] 

خ قال وش نوق رمقو رمه لضان[ كلو واد شُرَيُوا هَنِينًابَ) أَسْلَفْتُمْ في في الأ 
الَالِيّة 1 [الحاقة:5 ؟] 


١ 


.705 5 والمفردات ص58٠١»ء وكتاب العين‎ .,5١18/١١ لسان العرب‎ )١( 
١55 


- وخليت فلانا تركته» يقال لكل ترك تخلية» نحو قوله تعالى : [ فَإِنْ نَابُوا وََقَامُوا الصَّلاةَ 
قال اه تكلا يله ١‏ [الترية :4] 

اصطلاحا: يقصد بالخلوة عند الصوفية عموما ما ورد في المعنى الأول من المعاني اللغوية» 
وهو الانفراد والوحدة والتخلي لذكر الله» وقد عرفها الكاشاني» فقال: ( الخلوة عند الصوفية» 
محادثة السر مع الحق بحيث لا يرى غيره» هذا حقيقة الخلوة ومعناهاء وأما صورتها فهي ما 
يتوصل به إلى هذا المعنى من التبتل إلى الله والانقطاع عن الغير)(") 

وعرفها الحكيم الترمذي بقوله: (الخلوة: هي انقطاع من الخلق إلى الخالق» لأن سفر النفس 
إلى القلب» ومن القلب إلى الروح» ومن الروح إلى السرء ومن السر إلى خالق الكل.. ومسافة 
هذا السفر بعيدة جداً بالنسبة إلى النفس» وقريبة جداً بالنسبة إلى الله تعالى)”" 

وقد انتقل معناها من الفعل إلى المحل» فيقال للمكان المخصص للانفراد خلوة» سواء كان 
المكان ملحقا بالمسجد أو الزاوية أو منفردا عنه. 

الغاية منها: 

ذكر الشيخ العربي التبسبي عند نقده للخلوة العليوية ذلك الوله الشديد الذي ربط المريدين 
بالخلوة» وذكر أنه سر انتشار الطريقة في ذلك الحين على مستوى واسعء فقال: ( إن الأمر الذي 
نفخ الشيخ ابن عليوة في أتباعه» وملا به صدورهم, وكادوا يجنون به جنوناء ما تذيعه الدهماء 
من الخوارق التي تتنزل عليهم فيا يسميه بالخلوة» وما يرونه من كشف الحجب واختراق 
الغيب» والتنقل في مدارج الفناء» وغير ذلك من الألفاظ» التي يعلم الشيخ ابن عليوة قبل سواه 
أنه لا يعرف ها مغزى, ولا بهتدي بها إلى مفهوم تطمئن إليه نفسه؛ ويبيح له دين تظله العصمة» 


)00 الكاشانى» معجم اصطلاحات الصوفية » ص١5١.‏ 
فة6 الحكيم الترمذي» ختم الأولياء» تحقيق عثمان اسماعيل يحيى» بحوث ودراسات معهد الآداب الشرقية» المطبعة الكاثوليكيبة» 


بيروت» ص 6١/ا5.‏ 
/ا ١‏ 


ويصحبه العقل أن يفتن بها أحدا مادام يؤمن بصحة هذا الدين» ويصدق برسالة صاحبه)() 

وما ذكره هنا من اختصار الطريق للمريدين وتدرجهم فيه صحيحء بغض النظر عم| ذكره 
من كون (الشيخ ابن عليوة قبل سواه لا يعرف لها مغزىء ولا مبتدي بها إلى مفهوم تطمئن 
إليه)» لأن هذا يحتاج إلى معاينة واستفسار وبحثء وقد حال الشيخ العربي بينه وبين هذا المنهج 
كما حال جميع رجال الجمعية بينهم وبينه» واكتفوا بأن الشيخ ابن عليوة أمي جاهل يلحن في 
كلامه» وليس له تلك الفصاحة والبلاغة التي أوتيها رجال الجمعية. 

ولو أن الشيخ العربي ورجال الجمعية الذين جعلوا من مقاله هذا مرجعا رجعوا إلى كتاب 
(إحياء علوم الدين) الذي لا ينكرونه. لوجدوه ينص على هذا تماما. 

بل إنه حتى لولم يتح لهم أن يقرؤوا الإحياء أو كان موقفهم منه كموقف يوسف بن تاشفين» 
فإنهم لا يجادلون في ابن خلدون - وهو موضع ثقة عندهم فيما نعلم- فقد قال يذكر الخلوة 
وآثارها: (ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس. والاطلاع 
على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها؛ والروح من تلك العوالم. وسبب 
هذا الكشف أن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن» ضعفت أحوال الحس» وقويت 
أحوال الروح؛ وغَلّب سلطانه» وتجدد نُشوؤة. وأعان مع ذلك الذكر؛ فإنه كالغذاء لتنمية 
الروح» ولا يزال في نمو وتزايد إلى أن يصير شهوداًء بعد أن كان عِلماً» ويكشف حجاب الحس. 
ويتم صفاء النفس الذي ما من ذاتباء وهو عين الإدراك» فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية 
والعلوم اللدنية والفتح الإلمي.. إلى أن قال: وهذا الكشف كثيراً ما يَعرض لأهل المجاهدة؛ 
فيدركون من حقائق الوجود ما لا يدرك سواهم.. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم على 


مثل هذه المجاهدة» وكان حظهم من هذه الكرامات أوفر الحظوظ. لكنهم لم يقع لهم بها عناية. 


(1) جريدة الشهاب. السنة الثالثة» عدد »1١8‏ الخميس /7١‏ ١19717/1م‏ الموافق 17/ ربيع الثاني/ 47 ١ه‏ ص .٠١‏ 
لحل 


وفي فضائل أبي بكر وعمر وعثان وعلي كثير منهاء وتبعهم في ذلك أهل الطريقة ممن اشتملت 
الرسالة القشيرية على ذكرهم ومن تبع طريقتهم من بعدهم)(" 

وبها أن المسألة لها أهميتها الكبرى في توضيح غرض الصوفية من الخلوة خصوصاء بل 
غرضهم من كثير من الوظائف التي ألزموا بها أنفسهم» فسنوضح هنا وجهة نظرهم فيها من 
خلال كلام أبي حامد الغزالي باعتباره محترما من الجميع» من الجمعية ومن الطرق الصوفية» أو 
على الأقل تقر له الجمعية ب| لا تقر به للصوفية من العلم والتمكن بالإضافة إلى قدرته في حل 
الغوامض والمعقدات» بالإضافة إلى أنه ينقل تجربته في هذا. 

أما تفاصيل الآدلة المرتبطة مهاء فسنذكرها عند الحديث عن المصادر الغيبية التي تعتمدها 
الطرق الصوفية. 

وقد بدأ الغزالي حديثه الذي قدم به للخلوة الصوفية وضرورتها ببيان خصائص القلب 
الإنساني!", وأنه يمكنه أن تتجلى فيه حقائق الأشياء» ولتقريب ذلك شبهه في استعداده لإدراك 
حقائق الأشياء بالمرآة في إدراكها لصور المتلونات (وكى| أن للمتلون صورة ومثال تلك الصورة 
ينطبع في المرآة ويحصل بهاء كذلك لكل معلوم حقيقة» ولتلك الحقيقة صورة تنطبع في مرآة 
القلب. وتتضح فيها.. وكى| أن المرآة غير وصور الأشخاص غير وحصول مثاها في المرآة غير» 
فهي ثلاثة أمور فكذلك ههنا ثلاثة أمور: القلب. وحقائق الأشياء» وحصول نفس الحقائق في 
القلب وحضورها فيه)”" 

والقلب بهذا الاعتبار هو العالم الذي فيه يحل مثال حقائق الأشياءء» والمعلوم عبارة عن 


حقائق الأشياء» والعلم عبارة عن حصول المثال في المرآة» والعلم بهذا الاعتبار متوفر حاصل» 


.57١ عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرميء مقدمة ابن خلدون. دار القلم» 19/5: ص‎ )١( 
(؟) هولا يعني بالقلب الجارحة المعروفة» وإنما يعني محل الإدراك من الإنسان.‎ 
.17 (؟) إحياء علوم الدين:”/‎ 

لل 


ولكن الحائل بينه وبين الوصول إلى محال الإدراك في الإنسان هي عدم مد يده إليه» وهو يشبه 
في ذلك -ك! يذكر الغزالي - باليد والسيف. ف (ك) أن القبض مثلا يستدعي قابضا كاليدء 
ومقبوضا كالسيف. ووصولا بين السيف واليد بحصول السيف في اليد» ويسمى قبضاء 
فكذلك وصول مثال المعلوم إلى القلب يسمى علماء وقد كانت الحقيقة موجودة والقلب 
موجودا ولم يكن العلم حاصلاء لأن العلم عبارة عن وصول الحقيقة إلى القلب كما أن السيف 
موجود واليد موجودة ول يكن اسم القبض والآأخذ حاصلا لعدم وقوع السيف في اليد)() 

والغزالي - كسائر الصوفية- يعود إلى مثال المرآة ليبين من خلاله الأسباب التي تحول دون 
تمثل حقائق الأشياء في القلبء فيذكر أن (المرآة لا تتكشف فيها الصورة لخمسة أمور: أحدها 
نقصان صورتها كجوهر الحديد قبل أن يدور ويشكل ويصقلء والثاني لخنثه وصدئه وكدورته 
وإن كان تام الشكلء» والثالث لكونه معدولا به عن جهة الصورة إلى غيرها ى) إذا كانت 
الصورة وراء المرآة» والرابع لحجاب مرسل بين المرآة والصورة» والخامس للجهل بالجهة التي 
فيها الصورة المطلوبة حتى يتعذر بسببه أن يحاذي بها شطر الصورة وجهتها)7" 

ويطبق هذه الأسباب الخمسة على محل الإدراك الروحاني من الإنسان» والذي يعبر عنه 
بالقلب فيقول: (فكذلك القلب مرآة مستعدة لآن ينجلي فيها حقيقة الحق في الأمور كلهاء وإن| 
خلت القلوب عن العلوم التي خلت عنها لهذه الأسباب الخمسة: أولها نقصان في ذاته كقلب 
الصبي فإنه لا ينجلي له المعلومات لنقصانه.. والثاني لكدورة المعاصي والخبث الذي يتراكم 
على وجه القلب من كثرة الشهوات. فإن ذلك يمنع صفاء القلب وجلاءه فيمتنع ظهور الحق 
فيه لظلمته وتراكمه.. الثالث أن يكون معدولا به عن جهة الحقيقة المطلوبة فإن قلب المطيع 
الصالح وإن كان صافيا فإنه ليس يتضح فيه جلية الحق» لأنه ليس يطلب الحق وليس محاذيا 


بمرآته شطر المطلوب؛ بل ربا يكون متسوعب الهم بتفصيل الطاعات البدنية أو بتهيئة أسباب 
المعيشة ولا يصرف فكره إلى التأمل في حضرة الربوبية والحقائق الخفية الإلحية» فلا يتكشف له 
إلا ما هو متفكر فيه من دقائق آفات الأعمال وخفايا عيوب النفس إن كان متفكرا فيها أو 
مصالح المعيشة إن كان متفكرا فيها.. الرابع الحجاب فإن المطيع القاهر لشهواته المتجرد الفكر 
في حقيقة من ا حقائق قد لا يتكشف له ذلك لكونه محجوبا عنه باعتقاد سبق إليه منذ الصبا على 
سبيل التقليد والقبول بحسن الظنء فإن ذلك يحول بينه وبين حقيقة الحق» ويمنع من أن 
ينكشف في قلبه خلاف ما تلقفه من ظاهر التقليد.. الخامس الجهل بالجهة التي يقع منها العثور 
على المطلوبء فإن طالب العلم ليس يمكنه أن يحصل العلم بالمجهول إلا بالتذكر للعلوم التي 
تناسب مطلوبه حتى إذا تذكرها ورتبها في نفسه ترتيبا تحصوصا يعرفه العلماء بطرق الاعتبار 
فعند ذلك يكون قد عثر على جهة المطلوب فتنجلي حقيقة المطلوب لقلبه فإن العلوم المطلوبة 
التي ليست فطرية لا تقتنص إلا بشبكة العلوم الحاصلة» بل كل علم لا يحصل إلا عن علمين 
سابقين يأتلفا ويزدوجان على وجه خحصوص فيحصل من ازدواجههم| علم ثالث)20 

بناء على هذا فإن الصوفية يعتبرون السلوك الصوفي - والخلوة خصوصا- وسيلة لإزاحة 
الأسباب ا حائلة بين القلب وتجلي حقائق الأشياء على مرآته» وينفردون بالاهتمام مهذا المصدر 
من بين سائر الباحثين عن الحقائق» يقول الغزالي: (اعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم 
الإلحامية دون التعليمية» فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون 
والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة» بل قالوا الطريق تقديم المجاهدة» ومحو الصفات 
المذمومة» وقطع العلائق كلهاء والإقبال بكنه ال همة على الله تعالى» ومهما حصل ذلك كان الله 
هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم» وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه 


الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه 
القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلية» فليس على العبد إلا 
الاستعداد بالتصفية المجردة» وإحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد 
بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة)(") 

ويبين أن هذا المنهج هو منهج الأنبياء والأولياء الذين (انكشف لهم الأمر» وفاض على 
صدورهم النورء لا بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب» بل بالزهد في الدنيا والتبري من 
علائقها وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الحمة على الله تعالى» فمن كان لله كان الله له 


)0 
وبناء على هذا التقديم ذكر الغزالي كيفية الخلوة» والتي كانت تطبق في ذلك الحين» وهي 
نفسها التي مارسها الشيخ ابن عليوة. 


أما الخوارق التي تحصلء فم| الحرج فيهاء وهل من هناك من النصوص ما ينكرهاء وقد ذكر 
أبو حامد نفسه - الذي هو ثقة عند الجميع- في كتابه (المنقذ من الضلال) شهادته في هذا بعد 
أن قضى جزءا مهما من حياته ملتزما بكثير من الخلوات» فقد قال: (.. ودمت على ذلك مقدار 
عشر سنين ؛ وانتكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤهاء 
والقدر الذي أذكره لينتفع به: إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى 
خاصة. وأن سيرتهم أحسن السيرء وطريقهم أصوب الطرقء وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل 
لو جمع عقل العقلاء» وحكمة الحكماء» وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء» ليغيروا 
شيئاً من سيرهم وأخلاقهم, ويبدلوه بها هو خير منه» لم يجدوا إليه سبيلاً. فإن جنيع حركاتهم 
وسكناتهم, في ظاهرهم وباطنهم» مقتبسة من ( نور ) مشكاة النبوة ؛ وليس وراء نور النبوة 


على وجه الأرض نور يستضاء به)(2 

ثم ذكر أنه (من أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات» حتى أنهم في يقظتهم 
يشاهدون الملائكة» وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد. ثم يترقى 
الخال من مشاهدة الصور والأمثالء إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق» فلا يحاول معبر أن 
يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه.. وعلى الجملة. ينتهي الأمر 
إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول» وطائفة الاتحاد» وطائفة الوصولء, وكل ذلك خطا)”) 

ثم بين» وهو المتكلم الأصولي الفقيه الفيلسوف قيمة تلك الخلوات الإيانية» فقال: 
(وبالجملة» فمن لم يرزق منه شيئاً بالذوق» فليس يدرك من حقيقة النبوة إلا الاسمء وكرامات 
الأولياء» هي على التحقيق» بدايات الأنبياء» وكان ذلك أول حال رسول الله يه حين أقبل إلى 
جبل (خراء)» حيث كان يخلو فيه بربه ويتعبد» حتى قالت العرب : (إن محمداً عشق ربه!)7) 

ثم ذكر الغزالي بعد هذا المنهج الصحيح الذي نستجلي به حقيقة هذا الأمرء وهو التجربة لا 
إرسال الرسل للتجسس والاستخبار» فيقول: (.. وهذه حالة» يتحققها بالذوق من يسلك 
سبيلها. فمن لم يرزق الذوقء فيتيقنها بالتجربة والتسامع» إن أكثر معهم الصحبة» حتى يفهم 
ذلك بقرائن الأحوال يقيناً. ومن جالسهمء استفاد منهم هذا الإيان. فهم القوم لا يشقى 
جليسهم. ومن لم يرزق صحبتهمء فليعلم إمكان ذلك يقيناً بشواهد البرهان» على ما ذكرناه في 
كتاب (عجائب القلب) من كتب (إحياء علوم الدين)» والتحقيق بالبرهان علم» وملابسة عين 


تلك الحالة ذوق» والقبول من التسامع والتجربة بحسن الطن إيهان» فهذه ثلاث درجات)0) 


." الغزالي» المنقذ من الضلالء دار الكتب الحديثة» ص37‎ )١( 
الغزالي» المنقذ من الضلال» ص”77.‎ )١( 
(؟) الغزالي» المنقذ من الضلال» ص"”.‎ 
8” (؛) الغزالي» المنقذ من الضلال» ص‎ 


كيفية الخلوة: 

ذكر الشيخ العربي التبسبي بناء على الوصف الذي وصف له كيفية الخلوة» وهو وصف 
صحيح دقيق على حسب ما يذكره الصوفية في كتبهم» وعلى حسب ما رأيتها بنفسيء لكنه 
للأسف كم ذكرنا خلط السخرية والنقد اللاذع لها بسبب وغير سبب» وسنذكر هنا ما ذكره من 
كيفيتهاء ونعقب عليه ب| نراه مناسبا(". 

يقول الشيخ العربي التبسي معرفا بالمصدر الذي وصف له الخلوة: (أضع بين يدي القارىء 
حكاية عن هذه الخلوة التي وصفناها بعض الوصف تلقيتها من أحد الرجالء الذين دخلوا 
لهذه الخلوة» وأقام بها سبعة عشر يوما. وقد فتح عليه ىا يظن من قبل نفسه. ثم خرج منها 
للدعاية إلى العليوية)!") 

ولسنا ندري ما المنكر في أن يدعو للعليوية في الوقت الذي كان فيه المبشرون والملاحدة 
ودعاة الإدماج والكل با فيهم جمعية العلماء يدعون إلى أنفسهم؟ 

بعد أن نقل هذا السند المجهول, أخذ في وصف المحل والهيئة ونحوها كما نقله المخبر له 
فقال : (إننا أدخلنا إلى بيت مربع ونحن عدد لا يستهان به كثرة» وقد زودنا كلنا وصايا متفقة» 
وجماع هذه الوصايا أن يذكروا لفظ ( الله) ويمدونه مدا ينقضي بانقضاء نفس الإنسان» بلهجة 
وانفعال يتصنعونه أولا ثم يصبر ملكة فيهم(".. يؤكد عليهم جد التوكيد أن تكون حروف لفظ 
الله حالة في قلوءهم, أعني يعتبرون هذه الحروف مكتوبة في قلومهم» فمن يعرف الكتابة فالأمر 
عليه سهلء ومن لا يعرفها يتحيلون عليه حتى ينتهوا به إلى أن يضعها في قلبه كما وضعها 
)١(‏ اخترنا ما ذكره باعتبار صار مرجعا في هذه المسألة عند الكثير من السلفية المحدثين» ومقالته منتشرة في نوادي الانترنت بكثرة. 
)0( جريدة الشهابء السنة الثالثة» عدد »١١8‏ الخميس /7١‏ ١٠19717/1١م‏ الموافق 1؟/ ربيع الثاني/ 11557١ه‏ ص .٠١‏ 
(7) وقد عقب الشيخ العربي التسي على هذا بقوله: (ليس في وسع قلمي أن ينقله إلى القراءء وقد طلبت إلى مخبري أن يلهج به أمامي 
مرات ففعل» فاقشعر جلديء, وملئت حزنا على ما الحق الاسم الأعظم من التحريف الذي لا تعرفه العربء لا من آمن منهاء ولا 


من كفر)(المصدر السابق)» وسنتحدث عن الإجابة عن هذا في الباب الرابع. 
١‏ 


رفقاؤه» ثم يغمضون أعينهم» ويقبلون على ما يسمونه بالذكر ويأمرهم أمرا لا هوادة فيه؛ بأن 
يجمعوا قوى الحواس الظاهرة إلى الباطن» ويصرفونما إلى الحروف ال حالة في قلوبهم. ومن ذهل 
عن هذه الحروف فليفتح عينيه» ويأخذ شكل الحروف إلى قلبه من الشكل المكتوب أمامه. ثم 
يعود إلى إغماض عينيه وغيره ثما قصصناه)7") 

وذكر الشيخ العربي التبسي أنه أثناء الخلوة يلتزم المريدون ب (تحريم أكل اللحوم عليهم أيام 
إقامتهم بهذا البيت» وتقليل الأغذية من غيرهاء حتى أنه لا يأذن لهم في الأكل إلا مرة واحدة 
في اليوم والليلة تمسك عليهم بقية من أنفاس الحياة . أما النوم فلا إذن فيه مادام في أحدهم 
فضل من قوة يكد بها نفسه) 

وقد أخبر الشيخ العربي التبسي أنه سأله مخبره عن (الصلوات النوافل التي جعلت قرة عين 
سيد العباد» فأجاب بأنه لا يأمرهم بالنوافل) 

ثم ذكر الشيخ أنه استخبر مخبره أن يخبره بم| (يرونه في هذه الخلوة مما يسمونه فتحا أو كشفا 
أو حالا أو مقاماء فأخذ يذكر لي من ضروب التخيلات» وأنواع المصطنعات ما يتحاشى أقل 
مخلوق يملك حشاشة من حياء أن يرضاه لنفسه» فضلا عن أن يعد هذا سيا عباد الله المقربين» 
ولكن من بهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)() 

بهذا اكتفى الشيخ» والعجب كل العجب من سخريته من الفتوح التي فتحت على صاحبه 
في الخلوة» مع أن المعاني الحاصلة فيها معان ذوقية لا يمكن التعبير عنها باللسان» وحتى 
المشاهدات في حال حصوها مشاهدات رمزية لا يمكن وصفها. 

وما ذكره الشيخ العربي التسبى وصفه الشيخ عدة بن تونس في كتابه (الروضة السنية في 
المآثر العلويّة) ناقلا ما كتبه الشيخ أحمد بن عليوة بقلمه عن كيفية تسليك المريدين في الخلوة» 


(1) جريدة الشهاب. السنة الثالثة» عدد »1١8‏ الخميس /7١‏ ١19717/1م‏ الموافق 17/ ربيع الثاني/ 1157١ه‏ ص .٠١‏ 


فة6 جريدة الشهابء السنة الثالثة» عدد »١١/8‏ الخميس ٠/٠‏ م الموافق *75/ ربيع الثاني/ 55 1ه ص 06 
ه.” 


فذكر أن (السير الغالب الذي كان يعتمده واعتمده أتباعه من بعده أيضاء هو أن يكلّف المريد 
بذكر الاسم المفرد مع تشخيص حروفه؛ حتى ترتسم الحروف في مخيلته» ثم يأمره ببسطها 
وتعظيمها إلى أن تملا الحروف ما بين الخافقين» ويديم الذكر على تلك الهيئة إلى أن تنقلب صفاتها 
إلى شبه النور» ثم يشير له بالخروج عن هذا المظهر بكيفيّة يتعذر وصفهاء فتنتهي روح المريد 
بسرعة مع تلك الإشارة إلى خارج الكون مالم يكن المريد قليل الاستعداد» وإلآ احتيج إلى 
تصفية وترويضء وعند تلك الإشارة يقع للمريد التمييز ما بين الإطلاق والتقييد» ويظهر له 
هذا الوجود مثل الكرة أو القنديل» معلقا في فراغ معدوم البداية والنهاية» ثمّ يصير يضعف في 
نظره مع ملازمة الذكرء ومصاحبة الفكرء إلى أن يصير أثرا بعد عين ثمّ يصير أثرا ولا عين» 
ويبقى على تلك الحالة حتى يستغرق المريد في عالم الإطلاق» ويتمكن يقينه من ذلك النور 
المجرّدء والشيخ في جميع ذلك يتعاهده ويسأله عن أحواله» ويقؤيه على الذكر حسب المراتب» 
حتى ينتهي إلى غاية يشعر بها المريد من نفسه. ولا يكتفي منه إلا بذلك)7": وقد أشار الشيخ 
ابن عليوة إلى هذا في ديوانه قائلا0©: 
فتشخيص الحروفب- تحظى بفضله إلى أن ترى الحروف في الآفاق تجل 
وليس الحا ظهور إلا في قلبك وبتمكن الاسم ترتحل الغفلا 
فعظمن ‏ الحروففب بقدر ‏ وسعكا وارسمها على الجميعه علويا وسفلا 
وبعد تشخيص الاسم ترقى بنوره إلى أن تفنى الأكوان عنك وتزولا 
لكو - كود القع . كنيل كلو ابلق لفق اليل .1ه ٠‏ فافلي كيد 


يخرجك من ضيق السجون إلى الفضا إلى. فضاء الفضاء إلى أول الأولى 


. 70 الشيخ عدة بن تونسء الروضة السنيّة في المآثر العلويّة» ص‎ )١( 
. ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص17‎ )١( 
"5 


إلى أن ترى العالم لا شيء في ذاته أقل من القليل في تعظيم المولى 
فإن برز التعظيم تفنى في عينيّه لأنك لم تكن شيئا من أوَّل الوهلا 
فلم تدر من أنت فكنت ولا أنت2 فتبقى بلا أنت لا قوى ولا حولا 
وبعد فنائك2 ترتقي إلى البقاء إلى بقاء البقاء إلى منتهى العلا 
ألا في شهود الحق تنزلك ركابنا فيا خيبة الذي عن هذا يسلى 


فإذا انتهى المريد إلى هذه الحالة» يرجع به الشيخ إلى عالم الشهادة بعد الخروج عنه» (فينقلب 
في نظره على خلاف ما كان عليه» وما ذلك إلا لإشراق بصيرته» وكيفما كان لا يراه إل نورا على 
نور وفي هذا المقام قد يختلط على المريد ( الحابل بالنابل )» كما وقع لكثير من السائرين» ولكن 
لا يبعد صاحب هذا المقام أن يتلوه التميّيز بين المشاهد, فيصير يعطي المراتب حقهاء ويوني 
المقامات قسطها)(0 

والطريقة التي ذكرها لا تختلف كثيرا عن الطريقة التي وصفها الغزالي للخلوة» فقد قال: 
(الطريق في ذلك: أولا بانقطاع علائق الدنيا بالكلية وتفريغ القلب منها وبقطع ال همة عن الأهل 
والمال والولد والوطن وعن العلم والولاية والجاه» بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود 
كل شيء وعدمه. ثم يخلو بنفسه في زواية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب ويجلس فارغ 
القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة قرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا 
غيره» بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى» فلا يزال بعد جلوسه في الخلوة قائلا 
بلسانه: (الله الله) على الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى 
كآن الكلمة جارية على لسانه» ثم يصبر عليه إلى أن يمحي أثره عن اللسان ويصادف قلبه 
مواظبا على الذكرء ثم يواظب عليه إلى أن يمحي عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة 


)١(‏ الشيخ عدة بن تونسء الروضة السنيّة في المآثر العلويّة» ص”7. 
لا 


الكلمة ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه حاضرا فيه كأنه لازم له لا يفارقه» وله اختيار إلى أن 
ينتهي إلى هذا الحد واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواسء وليس له اختيار في 
استجلاب رحمة الله تعالى» بل هو با فعله صار متعرضا لنفحات رحمة الله» فلا يبقى إلا الانتظار 
لما يفتح الله من الرحمة ى) فتحها على الأنبياء والأولياء هذه الطريق)7() 

ثالثا ميسرات السلوك ومنشطاته: 

وهو ركن من أركان جميع الطرق الصوفية» فهي لا تكتفي با رأينا من تمارسات قد تجلب 
الملل لمريديها بسببهاء بل تضيف إليها ما يمكن تسميته (الترفيه الديني) الذي يدخل فيه 
السياحة والغناء والإنشاد» بل حتى الرقص. 

وكا رأينا حرص الصوفية على عدم الغفلة في أي لحظة من اللحظات عن ذكر الله» فقد 
حرصوا على ربط كل سلوكاتهم بذكر الله حتى الغناء والرقص ربطوه بذكر الله وجعلوا له 
طقوسا خاصة كانت محل إنكار شديد من الاتجاه السلفي» وكان لذلك أثره في موقف الجمعية 
من الطرق الصوفية. 

وبناء على هذا سنذكر هنا مظهرين من مظاهر هذا الترفيه الروحيء تاركين تفاصيل الآدلة 
والمناقشات الفقهية إلى محلها من الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

١‏ -السماع والرقص: 

ربما تكون هذه الناحية من التصوف السلوكي هي أكثر النواحي إثارة للمعادين للتصوف. 
وخصوصا من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين جعلوا من الغناء والرقص 
الطرقي وخاصة المنتسب للطريقة العلوية مادة للتنفير من التصوف وطرقه. 

فهذا أحمد توفيق المدني يصف جمعا من جموع الطريقة العلاوية في العاصمة مستنكرا له 


)19 /( إحياء علوم الدين‎ )١( 


فيقول: ( قال لي الأخ محمد رضا الأكحل - وكنا في أواخر شهر تموز/ يوليو (جويلية) ١95765‏ 
م -: لنا اليوم سهرة حافلة بمقبرة سيدي محمد بن عبد ال رحمن» فلنستعد لها مبكرين حتى نكون 
في الصفوف الأولى.. وبعد صلاة العشاءء التأمت حلقة الذكرء وأخذ الفقراء يترنمون 
بأصوات هي إلى البشاعة أقرب منها إلى الرخامة. وطال ذلك نحو ساعة. فبعض تلك الأناشيد 
والأذكار كان مستقيم المعنى صحيح المبنى» فيه الصلاة على الَنبِي يي وفيه الموعظة والذكرى» 
أما بعضها الآخر ففيه إشارات واضحة إلى مذهب (وحدة الوجود) يترنم بها القوم ولا 
يفهمون لها معنى» وخرجت من هناك آسفا حزيئًا وأنا أتساءل : كيف تمكن أحمد بن عليوة 
المستغانمي من إنشاء طريقة صوفية وهو شبه أمّي؟)11) 

ولكن رغم ذلك» ورغم تلك النظرات القاسية التي ينظر بها المناوتون للطرق الصوفية» 
فإن هذا النوع من المارسات هو الأكثر جاذبية بين مختلف أصناف المجتمعات, لأن ما ينشد 
من القصائد والآأحان المؤداة بها والتي تختلف من بيئة إلى أخرى. والحركات المصاحبة لكل 
ذلك ها تأثيرها الكبير في الشعور بأحوال روحية يأنس بها من حصلت له» ويشتد حرصه على 
تحصيلهاء ومن ثم يبحث عن الطرق التي توفرها له. 

ولعل من الأسباب الكبرى للدور الكبير الذي قام به الصوفية في نشر الإسلام هو استعمالهم 
لهذا الأسلوبء فالتعلق بالغناء والرقص ونحوهما فطرة بشرية أحسن الصوفية استثمارها. 

ويرتبط هذا النوع من المارسات خصوصا بالأدبء وبالشعر خاصة. لأنه الآداة التي يمكن 
التعبير بها بكل حرية عن المشاعر والعواطف. 

ولهذا نجد أكثر من يمثل الأدب الإسلامي في التاريخ هم الصوفية» لأن من عداهم اهتم 
بأنواع الآدب الأخرىء والتي لا يمكن إدراجها ضمن الأدب الإسلامي, كالمديح والحجاء 


)00 الشهاب, ج١١2‏ م5١.‏ محرم /1701 - مارس 1978, ص : 010 
ل 


والرثاء وغيرهاء لافتقارها إلى الكثير من القيم التي دعا الإسلام إليها. 

في المقابل نجد الأدب الصوفي ثريا بالمعاني الدينية المهيجة للمشاعر الإيانية» فمن أغراضه: 
(الامتداح النبوي - الشوق إلى الأماكن المقدسة - الأحزاب والأوراد - التوسلات - الحكم 
الملى جاقيثر النضوف الفابيي )1 

وقد كانت تلك المعاني بجاليتها الروحية سببا مباشرا ومهما في انتشار الفكر والسلوك 
الصوفي بين الكثير من الفئات الشعبية» بالإضافة إلى أن شعراء الصوفية في كل بلد استعملوا 
لغة البلد البسيطة» ليفهمهم ويستوعب أغراضهم أكبر عدد من الناس. 

ففي الطبقات الشعبية الجزائرية وخاصة في المناطق الغربية - مثلا - نجد أكثر أسماء الشعراء 
ترددا أسماء صوفية» كمصطفى بن إبراهيم» والمنداسي» وابن مسايب» وابن خلوفء وابن 
سهلة» والزرهون» وأحمد بن قيطون. وابن يوسف» والخالدي وبطبجي» وابن مصطفى 
العلاوي» وغيرهم» وكلهم استعملوا الشعر البسيط. والملحون لإرسال رسائلهم لتلك الفئات 
البسيطة من المجتمع. 

بالإضافة إلى هذا اهتم الصوفية بالغناء الذي يسمونه ساعاء واهتموا بوضع الألحان 

وفوق هذا كله اهتم هذا النوع من التصوف بالرقص للتعبير عن المواجيد الصوفية» وهم 
يعتذرون لهذا بها ذكره الشيخ أبو مدين في قوله7"): 

يمر كنا ذكر الأحاديث عنكمٌُ ‏ ولولا هواكُم في الحشا ما تَمرّكنا 


)١(‏ نور الهدى الشريف الكتاني» الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عصر الموحدين؛ أطروحة دكتوراه؛ جامعة محمد الخامس» 
المغرب ).57٠٠١١‏ ص .١19‏ 
(؟) أبو مدين شعيبء الديوان» دت. دط.0/. 

3506 


وفي السك أسرارٌ دقاقٌ لطيفة 2 تراقٌ دمانا جهرةٌ إن بها منا 
فيا حاديّ العشاق ‏ قم واحد قات وزمزم لنا باسم الحبيب وروحنا 
وصن سرّنا في سكرنا عن حودنا 2 وإن أنكرّت عيناك شيئاً فسامحنا 
فإِنَد إذا ‏ طبنا ‏ وطنب20 عقولا وخامّرنا ‏ عمرٌ القّرام 2 تَبتّكنا 
قلا تلم السّكران في حالٍِ سُكرو ‏ فقد رقع التكليفب في سُكرنا عن 
وفوق هذا يرددون أشعار الفقيه الصوني عز الدين بن عبد السلام الذي اعتذر للرقص 


الصوفي وني : 


)00 لم أجدها فيهم| لدي من كتبه» وهي متناقلة بكثرة في دواوين الشعر الصوفي. 
53130١‏ 


ما في التواجدٍ إن حققت من حرج ولا التمايل إن أخلصت من باس 
إن السماعع صفاء نور صفوته 2 يخفمى وححجَبُ عمن قلبةٌُ قاسي 
نور لمن قلبه بالنور منشرح نارٌ لمن صدرّه ناووسش وسواسٍ 
راح وأكْؤْسُها الأرواح فهي على قدرٍ الكؤوس تريك الصفوٌ في الكاس 
حادٍ يكرك العهد القديمَ وإن تقادم العهد ما المشتاق كالناسي 
فليس عارٌ إذا عَنى له طرباً 20 يكن بالناس لا يخشى من الناس 


ولهذا نجد أغلب الطرق الصوفية' تستعمل الشعر والغناء المهيج للمواجيد وتنتهج في 
توجيهها للمريدين على مبدأ (استبدال العواطف البشرية العادية بالعواطف المتوجهة إما لله. 
أو لرسوله أو للأولياء والصالحين) 

ولعل خير من يمثل هذا النوع من التصوف في الجزائر الطرق المرتبطة بالطريقة الشاذلية» 
وخصوصا الطريقة العلاوية» فالشعر والغناء الصوني يشكلان عندها ركنا مهما من أركان 
الطريقة» وقد كان الشيخ العلاوي أحد أقطاب المتصوفة الذين اهتموا بالأدب الصوفيء فله 
ديوان شعري متوسط الحجم. بلغت عدد صفحاته (88 ) صفحة. به ( 7/5 ) قصيدة صنفت 
بحسب قوالبها الشكلية إلى ثلاثة أقسام: موشحات» أزجال» وقصائد عادية/"). 

"١‏ السياحة: 

اهتم الصوفية سلفهم وخلفهم بالسياحة!" اهتماما شديد» وهم يرجعون في الاهتمام بها إلى 
ما ورد في فضلها والثناء عليها في القرآن الكريم كقوله تعالى : [التَاتبُونَ الْعَابدُونَ الَْايدُونَ 


(1) ماعدا الطريقة التيجانية على حسب ما نعلم. 

6 انظر: الشارف لطروشء الشيخ بن مصطفى العلاويء رائد الحركة الصوفية في القرن العشرين» جامعة مستغانم» دط. ص7. 

[ 9 السّيّاحة - في اللغة - : الضرب في الأرض بقصد العبادة أو التنزه أو التفرّج (بطرس البستاني» حيط المحيطء ص 540 4) 
11" 


السَّائْحُونَ الرَاكِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ مروف وَالنَاهُونَ عَنِ الْكَر وَالْحَافِظُونَ لحُدُودٍ الله 
وَبَشَّرِ المُؤْمِينَ) [التوبة: ]١١7‏ 

وهم يقسمونها إلى قسمين: (سياحة لتعلم أحكام الدين وأساس الشريعة» وسياحة لآداب 
العبودية ورياضة النفسء فمن رجع من سياحة الأحكام قام بلسانه يدعو الخلق إلى ربه» ومن 
رجع من سياحة الآداب والرياضة قام في الخلق يؤدمهم بأخلاقه وشائله» وسياحة : هي 
سياحة؛ للحقء وهي رؤية أهل اللحق والتأدب بآدايهم)”© 

وقد كان هذا الاهتمام محل إنكار من الشيخ ابن تيمية خصوصاء ثم من جاء بعده؛ وبناء 
عليه ركز على تحريم السياحة لغير المساجد الثلاثة: المسجد الحرام» والمسجد الأقصى» ومسجد 
النبي يه ذلك لأن الصوفية كانوا يقصدون من سياحتهم زيارة الصالحين» وأضرحتهم» 
ويقيمون هناك الكثير من حضرات الذكر التي لا يرضى عنها هذا الاتجاه. 

ومع ذلك فقد ساهمت هذه السياحات في خدمة الدعوة الإسلامية» ونشر الإسلام في 
مناطق لم تصلها جنود المسلمين» والحقائق التاريخية تشهد بأن أكثر من أسلم في إفريقيا وآسيا 
وحتى أوروبا كان له علاقة بالسياحة الصوفية. 

ولذلك كانت الطريقة العلاوية تبتم بالسياحة» وخصوصا في بلاد القبائل بسبب تعرضها 
الشديد للمبشرين. 

وقد كان للشيخ العلاوي خصوصا سياحات يتفقد فيها مختلف الزوايا التي شيدها في 
الجزائر وخارجهاء وكلما زار مدينة من المدن» يستقبله أهلها الفقراء بفرح كبير» ويحتفلون 


بقدومه ويسهرون معه الليالي بالذكر والمذاكرة» ويعرضون عليه مشاكلهم وجميع ما أهمهم. 


. ١7 ص‎ ١ عمر بن سعيد الفوتي» رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم ( بهامش جواهر المعاني )» ج‎ )١( 
لل‎ 


ويسألونه عم| خفي عليهم من أمور دينهم!". 

يقول الطاهر بن الواضح الزعموشي واصفا ما يحثل في تلك السياحات: (..وقد كنت 
سحت معه [ أي الشيخ ] لعاصمة الجزائر الجزائر والقطر الزواوي وبلدة البرج» وما رأيت 
تذكيره في جميع ذلك يخرج عن دائرة النصيحة» وهذا من جهة ما يرجع لتعففه عم| بأيدي 
الناس)7) 

وكان الشيخ ابن عليوة - على حسب ما يشهد الكثير من مريديه - يوصي أتباعه بقصد 
الأماكن المختلفة» وخصوصا تلك التي تتعرض للانحراف, لحرصا منهم على بث الشرائع 
الدينية والسنن المحمدية!"» وكان يوصيهم بعدم قبول الزيارة إذا أعطاها الناس لهمء وبرفع 
الهمة ما استطاعوا حتى عن الآكل والشربء وأن لا يطلبوا من الناس إلا الماء للوضوء 
ويقولون هم إنها قصدناكم لتأخذوا منا الطريق أو على الأقل تعاهدوننا على المواظبة على 
الصلاة في أوقاتها مع تقوى الله ما أمكن!"». 

المطلب الثالث: التصوف العرفاني وعلاقة الطرق الصوفية به 

ذكرنا سابقا أن التصوف العرفاني هو تصوف النخبة لا العوام لصعوبته» ولافتقاره إلى 
السلوك الخاصء لعل أبرز من مثل هذا النوع من التصوف في عهد جمعية العلماء المسلمين 
الجزائريين هو الشيخ ابن عليوة» فقد كانت كتبه وقصائده طافحة بالتعبيرات التي لا تختلف 


كثيرا عن تعبيرات أساتذة هذا النوع من التصوف. 


)١(‏ الاج مصطفى العشعاشي» السلسلة الذهبية في التعريف برجال الطريقة الدرقاوية» تحقيق وتحرير مصطفى يلس شاوش ابن 
الحاج محمد مطبعة سقال» تلمسان, الجزائر. ص »٠١7‏ 

6 لشهائد والفتاوى فيما صح لدى العلماء من أمر و الشيخ العلاويء جمع بن عبد الباري محمد ط١.‏ المطبعة التونسية» تونس» 
--1470ءص 7194 1. 

(؟) الشهائد والفتاوى. ص ©96. 


5( لشهائد والفتاوى» ص /ا6١.‏ 





وسنحاول هنا أن نذكر مدى تطابق التصوف العرفاني مع تصوف الطرق الصوفية المعاصرة 
للجمعية» وخصوصا الطريقة العلاوية. 

أولا استعمال اللغة الرمزية والشاعرية: 

بناء على صعوبة التعبير عن المعاني والمعارف التي يتحقق بها السالك. فإنه يلجأ إلى اللغة 
الرمزية أو القصصية أو الشعرية» ىا فعل أكثر العرفاء المسلمون كابن عربي وجلال الدين 
الرومي ومثلههم| وعلى طريقتهم| الأمير عبد القادر» والشيخ ابن عليوة» وغيرهما من مشايخ 
الصوفية. 

وسنقتصر هنا من باب الاختصار على شخصيتين كان لما باع طويل في هذا الباب, وهما 
باتفاق الجميع تمن يتبنون هذا النوع من التصوف. بل يعتبرونه حقيقة التصوف وكاله. 

أما الأول» فهو الأمير عبد القادر باعتباره شيخا وممثلا للطريقة القادرية» وأما الثاني» فهو 
الشيخ ابن عليوة الذي رأينا أن معظم حملة جمعية العلماء كانت متوجهة نحوه. 

أما الأمير عبد القادرء فقد كان متآثرا بكبار مشايخ العرفان كمحي الدين بن عربي وابن 
الفارض وغيرهماء وقد تجلى هذا في كتاباته وأشعاره» وكنموذج على ذلك قصيدته الخمرية التي 
تشبه كثيرا قصيدة ابن الفارضء فهو يقول!": 

هي العلم كل العلم والمركز الذي به كل علم حين له دور 

و لا غبن في الدنيا ولا من رزيئة سوى رجل عن نيلها حظه نزر 

و لا خسر في الدنيا ولا هو خاسر سوى والله والكف من كأسها صفر 


ويعبر الأمير عن الثمن الذي يحتاج أن يدفعه من يريد أن يشم هذه الخمرة» فيقول!": 


(1) الأمير عبد القادر الجزائري» ديوان الأمير عبد القادر الجزائري» شرح وتحقيق: ممدوح حقيء بيروت: دار اليقظة» ط. ”7 1976 
ص8١ .١‏ 


.7١١ص الأمير عبد القادر الجزائري» الديوان»‎ )١( 
16 


وفي شمها- حقا- بذلنا نفوسنا فهان علينا كل شيء له قدر 

وملنا عن الأوطان والأهل جملة فلا قاصرات الطرف تثنى ولا القصر 

هجرنا لما الأحباب والصحب كلهم فا عاقنا زيد ولا راقنا بكر 

ولا ردنا عنها العوادي ولا العدا و لا هالنا فقر ولا راعنا بحر 
ويذكر الأمير تأثير هذه الخمرة في شاريهاء وكيف توصله إلى الفناء» فيقول7": 

نرى سائقيها كيف هامت عقوهم و نازلهم بسطا وخامرهم ‏ سكر 

وتاهوا فلم يدروا أليته منهم وشمس الضحى من تحت أقدامهم غفر 
ثم يصفا الأمير تأثير تلك الخمرة الروحية في الصوفية» فيقول!": 

فمن يرجى من الكون غيرنا 2 فنحن ملوك الأرض لا البيض ولا الحمر 

قبل جيم كان نيها: اقد.. وهو  -‏ قليف “لم «عوفتة.. اولبق تع “كر 

حيارى فلا يدرون أين توجهوا فليس لحم ذكر وليس لمم فكر 


ويتحسر الأمر على المحرومين الذين حرموا من شرب هذه الخمرة المقدسة» فيقول2": 


فلو نظر الأملاك ‏ ختم إنائها تخلوا عن الأملاك طوعا ولا قهر 
و لو شمت الأعلام في الدرس ريحها لل طاشن عن صواب الحا فكر 
فيا بعدهم عنها- ويا بئس ما رضوا عقد ‏ صدهم قصد وسيرهم وزر 


وأما الشخصية الثانية والتى شنت عليها حرب شعواء من طرف الجمعية» فهى شخصية 


.7١١ص الأمير عبد القادر الجزائريء الديوان»‎ )١( 
.7١١ص الأمير عبد القادر الجزائريء الديوان»‎ )١( 


(*) الأمير عبد القادر الجزائريء الديوان» ص١١7.‏ 


الشيخ ابن عليوة» فهو كالأمير عبد القادرء وكابن الفارضء كغيرهما من صوفية العرفان يتغنى 
بالخمرة» وصف صفاءها وكؤوسهاء وقدمها وأثرها في نفس صاحبها الذي ينتهي به إلى السكر 
أو العربدة» غير أن ذلك - كما هو واضح- من قبيل الرمز ولا علاقة له بالخمرة الدنيوية» كقوله 


في إحدى قصائده!"): 
فا أحلى شرب القوم نخبر بطعمه فلست أعني خمرا ولست أعني عسلا 
شراب قديم النعت تعجز عن وصفه فجل في ذاته أن يشاكل الشكلا 


وهذا مألوف ني الأدب والشعر خصوصاء بل إن توظيف العلاوي هنا للخمرة - كما يذكر 
أحد الباحثين - (يعبر عن مدى تعلق الشاعر بالممدوح» وولعه بعلمه وسعة اطلاعه» ولعل 
الشاعر بهذا الرمز هيم في عالم من الوجد والسكر المعنوي ويسبح في فضاء تتسامى فيه الروح 
لتترفع عن دنايا الحياة وقيودها إلى رحاب الانطلاق والتحرر من تلك الدنيا)”" 

وفغل ذلك وظك« لعي تكببائن صوقية الكزفان: د جيلة هن الزموق للتعيين عن لمعا 
الروحية؛ كاتخاذ اسم ليل رمزا الذات الإلهية» كما قال في موشحة المشهور والتي لا تزال تردد 
في الحضرات الصوفية في الجزائر وغيرها (دنوت من حي ليلى)7": 


دنوت من حي ليل لا سمعت نداها 
يا له من صوت-> يحلو ‏ أود لا يتناهى 
رضت عني جذبتني <١‏ أدخلتني لحاها 
أنستني خاطبتني أجلستني بحذاها 


)00 ابن عليوة» الديوان: المطبعة العلاوية» مستغانم» ص 437 . 
6 انظر: الشارف لطروشء الشيخ بن مصطفى العلاويء رائد الحركة الصوفية في القرن العشرين» جامعة مستغانم» ص/. 
فيه العلاويء الديوان» ص 77. 

51/ 


وليلٍ عنده ‏ | هي عند غيره من الصوفية ‏ رمز للذات المقدسة» وكأن العاشق هو قيس 
ليصور لنا تعلقه وهيامه بهاء بحيث يستحضر القارئ أو المستمع صورة (قيس) ذلك العاشق 
الولحان. 

وقد نجح الشيخ ابن عليوة في نقل هذه المعاني الحسية من الغزل العادي إلى الغزل الإلهي. 
بحيث أضحت معان روحية صرفة» فحب ليى هو رمز الحضرة الإلحية» والقرب أو الدنو من 
ليل هو القرب من ذات الله تعالى» ورفع الرداء رمز لانكشاف الحجاب. وكذا ألفاظ الأنس 
والحضور الغيبية» ليست إلا رموزا تعكس لنا بصدقء. شوق الشاعر وتعلقه بالله وحده. 
وانقطاع قلبه عن كل شيء إلا عن محبته(". 

بل إن الصوفية - وخاصة صوفية العرفان ىا سنرى- لا يعتبرون من ليى ومثيلاتها مجرد 
رموزء بل إنهم يذكرون أن قيسا في الحقيقة لم يكن يحب مظهر ليل» وإنما كان يحب الحقيقة 
المختفية وراءهاء أو ى| يذكر ابن عربي أن قيسا قال لليى لما عرضت له: (إليك عني فإن حبك 
شغلني عنك)”") 

أو كما عبر جلال الدين الرومي عن ذلك بقوله: (إن كل ضروب الرغبة والميل والمحبة 
والشفقة التي يكنها الناس لأنواع الأشياء تعد ضروبا من محبة الحق والتوق إليه.. وتلك 
الأشياء جميعا حجب» وعندما يمضي الناس من هذا العالم ويرون ذلك الملك من دون هذه 
الحجب يعلمون أن هذه الأشياء جميعا لم تكن سوى حجب وأغظية» مطلوبهم على الحقيقة ذلك 
الأوحد) 


وقد أنشأ اعتماد هذه الرموزء وهذه اللغة الخاصة بالصوفية الحاجة إلى تفسيرهاء ونشأ عن 


)١(‏ انظر: الشارف لطروشء الشيخ بن مصطفى العلاويء رائد الحركة الصوفية في القرن العشرين» ص. 
)١(‏ الفتوحات المكية:”/ 717. 


فيه جلال الدين الرومىء فيه ما فيه» دمشق: دار الفكرء» ص١7.‏ 
518 


ذلك ما يسمى بالموسوعات أو المعاجم الصوفية» وقد كان للشيخ ابن عليوة تواجد كبير في 
هذه المعاجم. 

وكمثال على ذلك يورده أصحاب الموسوعات الصوفية مصطلح (حضرة الطمس)» حيث 
يذكرون تعريف ابن عليوة لها بأنها (حضرة اجتماع الأسرارء التي لا تكنى بمعنى ولا بحس 
ولا بنوع ولا بجنسء ولا يطيق اجتماع هذه الحضرة إلا القليل من القليل)7" 

وقد عرفها قبله الشيخ أبو العباس التيجاني بأنها (مرتبة الأحدية» مرتبة كنه الحق» وهي 
الذات الساذج التي لا مطمع لأحد في نيل الوصول إليهاء وتسمى : حضرة العم الذاتي)7 

ونحب أن نشير هنا إلى أنه قد وقع للشيخ العلاوي بسبب اعتاده ما يعتمده الصوفية في 
أشعارهم من الرمز والكناية ونحوها حملة كبيرة من الإصلاحيين قبل تأسيس الجمعية» فقد 
قال أبياتا يعبر فيها عن شوقه إلى رسول الله يه ىا يعبر الشعراء عادة» فقال» وكأنه يشكو 
رسول الله يَأ إلى الله إن مات شوقا إليه» ولم يسعفه بالإجابة» وهذه هي الأبيات: 


إن شد ٠‏ الشرق فكد إن تبق في هجري زائد 


من هوا20 بلملك << موحد عبس بالقول تساعد 
ما عذر ينجيك للمولل ندعيك 
ينظر في أمريك ما نرجوه فيك 


ولماعوتب في هذا أجاب بأن أَلسّنُ امُحِيّن أعجمية ! أي أنه لا يمكن الاعتهاد على ظاهر ما 
تقول. 
ومع أننا قد نكر عليه مثل هذاء ولكن هذا الإنكار لا يرقى إلى الدرجة التي تعامل بها ابن 


)١(‏ ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية» ص ١١7‏ (بتصرف) 


) علي حرازم بن العربي» جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجانيءج ”» ص 8 ( بتصرف‎ )١( 
,»””1 


باديس» بل ورجال الجمعية معه» بل ضموا إليهم الكثير من شهادات العلماء في الإنكار» وكان 
من ذلك كله رسالة ابن باديس المعروفة ب (رسالة جواب سؤال عن سوء مقال) التي ذكر فيها 
النصوص من الكتب والسنة وآثار السلف ما يرد به على ما ذكره الشيخ ابن عليوة» أرسل بها 
إلى كبار مشايخه بتونس والعلماء والمفتين بالجزائر والمغرب, فقرّظوهاء وسنتحدث عنها عند 
الحديث عن أساليب التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية. 

ونحب أن ننبه هنا إلى أن كثيرا من المحققين الكبار في التصوف كأبي حامد الغزالي ينتكرون 
المبالغة في استعمال مثل هذه الأساليب خاصة بين العوام الذين قد يغلبون طاهر الألفاظ عن 
المعاني الإشارية التي تشير إليهاء يقول أبو حامد: (وأكثر ما اعتاده الوعاظ من الأشعار ما يتعلق 
بالتواصف في العشق وجمال المعشوق وروح الوصال وألم الفراق والمجلس لا يحوى إلا أجلاف 
العوام وبواطنهم مشحونة بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات إلى الصور المليحة فلا 
تحرك الأشعار من قلوبهم إلا ما هو مستكن فيها فتشتعل فيها نيران الشهوات فيزعقون 
ويتواجدون وأكثر ذلك أو كله يرجع إلى نوع فساد فلا ينبغي أن يستعمل من الشعر إلا ما فيه 
موعظة أو حكمة على سبيل استشهاد واستئناس» وقد قال يلي : (إن من الشعر لحكمة)("» ولو 
حوى المجلس الخواص الذين وقع الاطلاع على استغراق قلوبهم بحب الله تعالى» ولم يكن 
معهم غيرهم, فإن أولئك لا يضر معهم الشعر الذي يشير ظاهره إلى الخلق» فإن المستمع ينزل 
كل ما يسمعه على ما يستولي على قلبه)'"ا 

ومن هذا الباب أيضا ما ذكره أبو حامد عند حديثه عن الشطح والتهتك الصوفي» فقد اعتبر 


من أصنافه (كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائقة وفيها عبارات هائلة وليس وراءها طائل إما 


)00 صحيح البخاري (// 57 » وانظر: محمد ضياء الرحمن الأ عظميء المنة الكبرى شرح وتخريج السنن الصغرىء مكتبة الرشد» 
السعودية/ الرياض» 577١ه-‏ ١١٠5م )5١5/94(‏ 


(؟) إحياء علوم الدين /١(‏ ه*) 
0" 


أن تكون غير مفهومة عند قائلهاء بل يصدرها عن خبط في عقله وتشويش في خياله لقلة إحاطته 
بمعنى كلام قرع سمعه وهذا هو الأكثر» وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها 
وإيرادها بعبارة تدل على ضميره لقلة تمارسته للعلم وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعانٍ 
بالآلفاظ الرشيقة ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول 
ويحير الأذهان أو يحمل على أن يفهم منها معاني ما أريدت بها ويكون فهم كل واحد على مقتضى 
هواه وطبعه)!") 

وللأسف نجد انتشار مثل هذا في الدوائر الصوفية» خاصة الدوائر التي تبتم بالعرفان» 
ولكن مشايخ الصوفية عادة» وخاصة المحققون منهم يحثون أتباعهم على ترك مثل هذه 
السلوكات. 

ثانيا ‏ التفسير الباطن: 

من أساسيات التصوف العرفاني القول بالباطنء وأنه الحقيقة التي تختفي بجلباب الظاهر 
وأن الغرض من الظواهر هو العروج منها إلى البواطن» وذلك بناء على فلسفتهم في أن المراد 
من كل حركة وسكون في الكون هو التعريف بالله» أي أن كل شيء عبارة عن رمز يحمل رسالة 
معينة يسعى الصوفي لفكها ليعرف الحقيقة من خلاها. 

وقد أشار الشيخ ابن عليوة إلى هذه الحقيقة التي يتفق عليها العرفاء» فقال: (اعلم إِنْ القوم 
لا يفهمون مخاطبة الخلق لهم إلعن الله» وذلك يقتضيه مقامهم لا يستعملونه في أنفسهم, فلا 
تستغرب يا أخي من فهمهم الكلمة الواحدة الموضوعة على معنى مخحصوص آخرء فإِنَ ذلك 
عندهم من أشرف المقامات» وأعظم الدرجات, لكونهم يفهمون الآمور عن الله وقد أجمع 
أهل الله على أنْ الفهم عن الله على قدر مقام العبد عند الله. ولم يختلفوا في أن الكلمة الواحدة 


35١ 


الدالّة على معنى مخحصوص قد يفهم منها العبد معان كثيرة لا تحصىء وربًّا الكلمة يكون 
ظاهرها قبيحاء ويستفيد منها العارف أمرا مليحاء إِمّا على وجه التصريح وإمّا على وجه 
التلويح» فإ القوم وإن اشتركوا مع غيرهم ني ظاهر اللفظء فإتّهم مختلفون في القصدء كما أتهم 
اشتركوا في المشهود واختلفوا في الشهود واشتركوا في المسموعء واختلفوا في الأسماع» قال 
تعالى : (ِيُسْقَى بِمَاءِ وَاحِدٍ وَنْقَضَلُ بَعْضَهًا عَلَ بَمْضٍ في الْأكُلٍ ) [الرعد: 00 

واعتبر القدرة على تحليل الظواهر والعروج منها إلى البواطن هبة واصطفاء إلهياء فقال: 
(فسبحان من هداهم وقرمهم إليه» واجتباهم حتى صاروا يأخذون أحكامهم وأفعالهم من 


مولاهم فسمعوا مالم يسمعه الخلق» وأبصروا مالم يبصره الخلق» فأجسامهم عندنا وأرواحهم 


عند الملك الحق» وك| قال بعضهم : 
فؤادي َك محبوبي مقيم يناجيه وعندكم لساني 


ونقل عن ( الجيلٍ ) قوله في ( عينيته ) المشهورة : 

إذا زمزمت ورقاء على غصن بانة وجاوبها قمريّ على الأيك ساجع 

ثم عقب عليها بقوله: (فإذا كان هؤلاء القوم يستخرجون الجد من الهزل» فكيف لا 
يستخرجون الجد من الجده بل لمهم ذلك لكوخهم لا يقفون عند ظاهر الآلفاظء وإِنَّا ينظرون 
إلى المعاني الدالّة على المراد» ولا يلتفتون للحن ولا للإعراب» بل يأخذون المعاني من حيث 
وجدوهاء فهم ناظرون لإشارة الأرواح» غافلون عما يتلفظ به اللسان» تراهم مع الله في كل 
حال وشأن. مع انّه كل يوم هو في شأنء ما اتخذ الله وليّا جاهلا إلا علّمه. وابتداء التعليم به ثمٌ 
بأحكامه. وأما بقيّة العلوم فليست شرطا في صحّة الولاية وإنَّا هي شرط كمال وذلك كالنحو 


(1) ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص17. 
1 


والصرف. والمعاني والبيان» وعلم اللغة» حيث من لم تغنه معرفة الله» فذلك هو الشقي)7") 

ونحب أن ننبه هنا إلى أن هذا الفريق من الصوفية ينبه كل حين إلى أنه عند ذكره للباطن لا 
يعني ذلك إلغاء للظاهر» وإن| هو بجحلى من مجاليه» وأثر من آثاره» وقد أشار ابن عليوة إلى هذا 
في مقدمة كتابه الذي فسر به الشريعة تفسيرا باطناء وهو شرحه لمتن ابن عاشر» فقال: (أردت 
أن أبين بعض ما يأخذونه من الفقه وغيره بالإشارة التي تناسبهم مع أخذهم لظاهره والعمل 
به» والتديّن بأحكامه. ولانفهم من أخذهم باطن الألفاظ أن يتركوا ما يقتضيه الظاهر حاشاهم 
من ذلكء بل يأخذون ما لا يقدر أن يأخذ به غيرهم من العزائم وسيرتهم في ذلك مشهورة)7" 

وهو يقر بأن هناك من يتحلل من الشريعة» ولكنه غير معتبر عند الصوفية» يقول في ذلك: 
(ولا يناقض هذا أقوال بعض أهل الجذب الغالب عليهم ا حال لكونهم ناقصين عن درجات 
الكمال» وأمًا الكمّل فأقوالهم مشهورة في عدم انفكاك الحقيقة عن الشريعة» أو العكس منها 
قولحم : ( الحقيقة عين» والشريعة أمرها )؛ ومنها قولحم : ( من تحقّق ولم يتشرّع فقد تزندق» 
ومن تشرع ول يتحقق فقد تفسق. ومن جمع بينهم| فقد تحقق )» ومنها قولهم : ( الحقيقة باطنة في 
الشريعة كبطون الزبد في اللبن فبمخض اللبن يظهر الزبد )» ويقال : ( أن الحقيقة شجرة 
والشريعة أغصانها )» ويكفي في هذا ما قيل : ( الشريعة مقالي» والطريقة أفعالي» والحقيقة حالي 
لل 

وبناء على هذا يصف الشيخ ابن عليوة الصوفية المحققين بأنهم أولئك الذين (زيّنوا 
ظاهرهم بالشرعء وجمّلوا باطنهم بالجمع» وأخذوا من الشرع ما لا يقتضيه الطبع» ولا يسبق 


.7 5 ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص‎ )١( 
. ١5ص ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية»‎ )1( 


(*) ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص71 . 
امتح 


إليه السمع)” 

وهو يبين الفرق بين غيرهم» وهو يقصد بلا شك الإصلاحيين الدعاة إلى ظاهر الشريعة. 
بقوله: (فمن أجل ذلك صار جميع ما يفهمونه عن الله في سائر أحوالهم مأخوذا من الكتاب 
والسنة» وقلم| تجد قولا من أقوالهم في الشريعة إلا ومهم فيه جميع مراتب الشريعة كالإسلام 
والإيهان والإحسان.. بخلاف ما عداهم فإئّهم لا يأخذون من القول سوى الظاهر من غير 
التفات لما له في الباطن من الأسرار القدسيّة والمعاني الغيبيّة)9) 

ثالثا ‏ حقيقة الكون وعلاقته بالله: 

وهذا هو غاية السلوك الصوني الذي لا يهيدف إلا إلى الوصول إلى الله تعالى» ومن خلال 
معرفة الله يعرف الصوني الكون» فالكون عنده مظاهر وتجليات للذات التي ليس كمثلها شيء. 

وهذه الناحية كذلك هي التي جرت المتاعب على الصوفية» فرموا بالقول بالحلول والاتحاد 
وغيرهاء وقد مر معنا أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت تلقب الشيخ ابن عليوة بشيخ 
اللو 

وبا أن ستتحدث عن وجهة نظر الصوفية في هذه المسألة بتفصيل في الجزء الثالث من هذه 
السلسلة» فإنا نحب أن نذكر هنا بآن الطرق الصوفية التي عاصرت الجمعية تقول جميعا - على 
حسب اطلاعي - ب يطلق عليه (وحدة الوجود»» ولكنهم يفرقون بينها وبين وحدة الوجود 
الفلسفية. 


وبا أننافي هذا المحل نقتصر على التعرف على الوجهة الفكرية للطرق الصوفية» فسأنقل هنا 
بعض النصوص من الشيخ الذي يعتبره الصوفية من وقت الجمعية إلى الآن من كبار العرفاء. 
وهو الشيخ ابن عليوة» فمقولاته الدالة على قوله بوحدة الوجود كثيرة جداء منها قوله في حقيقة 


)١(‏ ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص/7. 


(؟) ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص5١.‏ 
7 


التوحيد: ( فمن لم ير الله قبل كل شيء وبعد كل شيء حتى يبلغ أن يراه ولا شيء فهو قائل 
بالجهة ولم يشعرء وهو من الظلم في أقصى غايته للتوحيد المحض)”" 

وقوله في تفسير قوله تعالى : [وَإِذًا سَأَلَكَ عِبّادِي عَن فَإِنّ قَرِيبٌ) [البقرة: 187]: (إن قربه 
من خلقه كقربه من نفسه هكذا فلتعرف وإلا دع الآمر لأهله)7) 

ويقول في تفسير قوله تعالى: (وَإِهَكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ لَا لَه ه إِلّا هُوَ الرَحْمَنُ الرّحِيمْ) [البقرة: 
| بأن الآية صريحة في كون المعبود واحدا وإن تعددت المظاهر المقصودة للعبادة» بمعنى 
وحدة الإله لا تتعدد ولا تقبل الانقسام.. فهويته تعالى قابلة لدخول سائر الآلة تحتها فتكون 
عبادة العابدين راجعة لله بكل اعتبار)7) 

ويقول عن التوجه للقبلة: (في لزوم السجود للكعبة لزوم سجود ا حقائق لبعضها والأرواح 
لنفسهاء ب| تضمنه من ظهور الحق فيهاء وذلك يذكر باعتبار لو ارتفعت الكعبة من بين الحافين 
بها ثم رفعت أجسامهم أيضا فتبقى الحقائق متوجهة لبعضهاء والأرواح لنفسهاء فكلهم مصل 
ومصل له على مقتضى التلازم بين الربوبية والمربوبية)!") 

وفي تفسير سورة الفاتحة يقول: ( يفنى ١‏ ضمير النون من إياك نعبد في ضمير إياك نستعين 
حتى إذا انحصرت العبادة في الاستعانة بقيت الاستعانة والمعين» فأين العبادة والعبد» إن كنت 
ذا يقين فسره يعبده وحقيقته تشهده ما عرف الله من قال: إياك نعبد ولا عبده من قال: إياك 
نستعين) 00 


بل إنه في إعراب (لا إله إلا الله) في المنح القدوسية يقول: (وهذا بعض ما يتعلّق بكلمتي 




















.5٠ /7 البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور» أحمد بن مصطفى العلاوي؛‎ )١( 
.144 (؟) البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور أحمد بن مصطفى العلاوي؛ ؟/‎ 
.14/7 (؟) البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النورء أحمد بن مصطفى العلاوي؛‎ 
.51/7 (؛) البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور» أحمد بن مصطفى العلاوي؛‎ 
.41/١ البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور» أحمد بن مصطفى العلاوي؛‎ )5( 


علق 


الشهادة من حيث المعنىء أمّا ما يتعلق بكلمة التوحيد من جهة الإعراب تقول : لا نافية للجنس 
تعمل على أن تنصب اسم ذاكرها على مقتضى العبوديّة وترفع خبره في عالم الحريّة» ومعناها لا 
موجود على الإطلاق إلآ الله» وقولنا نافية للجنس أي للغيرء أو تقول لما سوى الله في الجملة» 
لأنْ العارفين إذا قال أحدهم لا إله إلا الله فلا يجد إلا الله حقيقة لا مجازا)" 

ثم عقب على هذا بلغة شاعرية جميلة بقوله: (فالقوم نفوا وجود الغير واستراحواء ودخلوا 
حصن الله وما برحواء وأنت ما زلت تنفي منذ خلقت إلى أن تموت يموت المرء على ما عاش 
عليه ولو صحّ لك النفي لصح لك الإثبات» من أشرقت بدايته أشرقت غبايته» يا هذا ألا 
تصحب طبيبا يعلّمك كيفية المحوء لكي تمحو ما سوى الله في الجملة» ثمّ ينهض بك لحضرة 
الصحو فلا تجد إلا الله تعالى» فحينئذ تعيش بالله» وتموت بالله» وتحشر مع أحباء الله وتسكن 
في مقعد صدق عند مليك مقتدر)(") 

أما ديوانه فممتلئ بالدلالة عليهاء وقد نقل الشيخ أحمد حماني الكثير من الأبيات الدالة 
عليها ليرمي الشيخ من خلاها بالكفر والالحاد. فمن ذلك قولها": 


ع 


نقيت من أنا ليغ “سوالفة .ا الله 

د للحس ١‏ نفتش00- عليك 2‏ يا الله 

ابتديت بنفسي حصلتح عليك2 يا الله 
وقوله!): 

يا مريد ١‏ فزت 00 به بادر واقصد ‏ من-> تهواه 


.87 الشيخ ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية» ص‎ )١( 
.17 (؟) الشيخ ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية» ص‎ 
.00 طه» ص‎ ١49457 فيه ابن عليوة» الديوان, المطبعة العلاوية بمستغانم»‎ 


5( ابن عليوة» دواوين آيات المحبين» ص 07. 
امد 


إن أردت | تفنى - فيه لا تصغ لما عداه 


حضر قلبك 5 اسمه شخصه وافهم معناه 
وجه وجهك لوجهه واهتز اشتياقا له 
اخفض الطرف لديه وانظر ف ذاتك تراه 
أين أنت من حسنه تالله لسرت سواه 
إن قيل من تعني 9 به صرح وقل ‏ هوا اله 


وقد رد الشيخ ابن عليوة على تبم الجمعية له بالقول بالحلول» فقال: : (لا يقعن في وهمك 
أن هذا القول بالحلول. فالحلول إنما يكون بين وجودين أحدهما حال في الآخر» ونحن نقول : 
لا وجود إلا وجوده)'" 

وبها أن مصطلح (وحدة الوجود) كان محل إنكار من الكثير» وخاصة بعد اختلاطه 
بالمصطلح الفلسفي, أو فهم الكثير له انطلاقا من الرؤية الفلسفية» فإن الشيخ ابن عليوة 
استبدل مصطلح (وحدة الوجود). بمصطلح (وحدة الشهود)"" 

ففي عام 1417 كان قد نشر في تونس رسالة ساها (الأنموذج الفريد الموصل لعين 
التوحيد في شرح النقطة المشيرة إلى الوحدة)» وما ورد فيها قوله: (إنا هو ذات في ذات وهاته 
الذات هي المعبر عنها بوحدة الوجود...النقطة نعني بها عين الذات المقدسة المساة بوحدة 
الوجود)(", ولكنه حين أعاد طبعها بمستغانم خلال العشرينات غير من عنوان الرسالة ومتنها 


)00 ابن عليوة» الناصر معروف» ص ١717‏ . 
(؟) أحمد بن مصطفى العلاوي: منهل العرفان في تفسير البسملة وسور من القرآن» ط 5. المطبعة العلاوية بمستغانم: .١1991/‏ ص 
7 


(؟) أحمد بن مصطفى بن عليوة: الأنموذج الفريد الموصل لعين التوحيد في شرح النقطة المشيرة إلى الوحدة» ص 0 . 
0 


المبحث الثاني: المشروع الإإصلاحي للطرق الصوفية 

بعد التعرف على التوجه الفكري للطرق الصوفية الجزائرية في فترة الاستعمار الفرنسي» 
وبالضبط في الفترة التي ظهر فيها نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» نحاول في هذا 
المبحث التعرف على المشروع الإصلاحي الذي حاولت الطرق الصوفية تحقيقه على أرض 
الواقع» وذلك لتحصل المقارنة التامة بين المدرستين. 

وقد واجهتنا أثناء البحث عن هذا المشروع صعوبات كثيرة» أهمها أن الطرق الصوفية» وإن 
اتفقت في كثير من شروط السلوك أو مراحله أو نتائجه إلا أنها تختلف اختلافا جذريا في رؤيتها 
الإصلاحية» ذلك لأنها عادة ما تكون تابعة لشيخهاء فإن كان لشيخها نشاط سيابي صارت 
الطريقة طريقة سياسية واقتحمت الحياة السياسية ومارست السياسة من أوسع أبوابها. 

وإن كان شيخ الطريقة مقاوما عسكرية» صارت الطريقة بمريديها ومقدميها وزواياها 
جنودا لتحقيق غايته» فإن وضع السلاح وضعت السلاح معه. ثم لا تتحرك بعد ذلك إلا 
ووو 

وهذا من أساسيات السلوك الصوفي كما رأيناء فالصوفية يقدسون المشايخ» ويرددون في 
مجالسهم عادة ما ذكره ابن حجر الهيثئمي حين قال: (مَنْ فتح باب الاعتراض على المشايخ 
والنظر في أحوالهم وأفعا هم والبحث عنها فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته» وأنه لا ينتج 
قطء ومن نَم قالوا: (من قال لشيخه لم ؟ ]ا يفلح أبدا)7١)‏ 


بغض النظر عن مدى صحة هذا السلوك أو فساده؛ فإن هذا هو الواقع الصوفيء فالطريقة 


)١(‏ أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري» شهاب الدين شيخ الإسلامء أبو العباسء الفتاوى الحديثية» دار 


الفكر» ص 00. 
سرد 


بشيخهاء تحيا بحياته» وتموت بموته إلا أن يخلفه خليفة له قوة مؤسس الطريقة» وقلم| يحصل 
هذا. 

وقد ذكر الشيخ ابن عليوة مثالا على هذا عندما سئل عن سبب إقبال الناس عليه على 
اختلاف نحلهم ومشاريهم؟ فأجاب: (مثل المرشد في القيام بدعوته. كمثل الإمام» إذا أحرم في 
صلاته فإن الناس من خلفه كلهم يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده. ولا ينفض عن متابعته 
أحدء ولكن مادام متوجها إلى الله فإذا أطلق السلام وتوجه إلى الخلق مدبرا عن الحق» انتشر 
كل منهم لمصاحه الدنيوية»» ثم قال لسائله: (فأقبل أنت على الله ولا تطلب إقبال الناس 
عليك. والله يتولاك)0) 

وقد جعلنا هذا بدل البحث في أساء الطرق الكثيرة» نبحث عن الطريقة الحية التي كان لها 
وجود فاعل في الواقع إبان نشاط الجمعية» وما أسرع ما وجدنا هذه الطريقة» وقد دلتنا عليها 
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أنفسهم» فقد رأيت من خلال تتبع أحاديثهم عن التصوف 
والطرق الصوفية أنهم يركزون على طريقتين: 

إحداهما يقبل المعتدلون منهم بعض نشاطاتها العلمية والتربوية» ى] يقرون بجهودها في 
المقاومة العسكرية للمستعمرء وهي الطريقة الرحمانية. 

والثانية يتفقون في الإنكار عليهاء بل يتفقون في تكفير شيخهاء ومن تبعه» ويسمونه شيخ 
الحلول» ويرمونه بتهم كثيرة سنراها في الفصل الثالث من هذا الباب. 

ولعل سبب احتلال الإنكار على هذه الطريقة خصوصا أكبر حيز من نشاط جمعية العلماء 
حول الطرق الصوفية هو كونها طريقة أسسها شيخها ابن عليوة على تقاليد عصرية» مستفيدا 


)١(‏ أحمد بن مصطفى العلاوي: أعذب المناهل» ص 572.» نقلا عن: غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية 
والاجتماعية 1975 -1904» رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصرء جامعة منتوري قسنطينة» قسم 
التاريخ والآثار» د.ط» د.ت» ص1816. 

24 


من الأنظمة الداخلية للأحزاب والحيئات السياسية» فوضع قواعدا وأصولالحاء ورسخ تقاليد 
يمضي عليها مريدوه» وذلك بتنظيم أهل طريقته» كسن الاجتماعات الأسبوعية التي كانت 
تمجد التصوف ورجالاته» وتتدارس الفكر الصوفي عامة» والفكر الصوفي العليوي خاصة(". 

ومن تجديداته أنه أسس جريدة تعمل على الدفاع ونشر تعاليم الطريقة» وهي جريدة البلاغ 
الجزائري التي ظلت ني صراع مع الجرائد الإصلاحية» وقد كانت هذه المظاهر العصرية هي 
التي جعلت (أغسطين بيرك) يرفع ابن عليوة على درجات عالية» ويجعله من فلاسفة العصرء 
ويعتبره ( مرابطا عصريا)”" 

بالإضافة إلى هذا ذلك الاستفزاز الذي كان يستفز به الشيخ ابن عليوة كل حين أولئك 
العلماء القادمين من تونس أو من القاهرة بشهادات علياء ليفاجتهم بأنه هو - لا هم - المرشد 
الحي المجدد لدين الآمة وإيهانها على رأس القرن ى) يقول في ديوانه الذي كان يحفظه العوام 
و 
ولا جاد الوهاب عني2 بنشرها أهلني للتجريد من حيث لا أدري 
وقلدني ١‏ سيف العزم ‏ والصدق20 والتقى ومنحني خمرا فيا له من حمر 


وبعد أن انتشر أتباعه في أكثر الشمال الجزائري» بل صار المريدون يزورونه من كل النواحي 
حتى من خارج الجزائر» قام أعضاء الجمعية قبل تأسيسها وبعدها بحملة للإنكار عليه» كان 


قد بدأها الشيخ عبد الحميد بن باديس عام ١977‏ برسالة (جواب سؤال عن سوء مقال)1) 


.0/ عبد المالك مرتاض: ادب المقاومة الوطنية. المرجع السابق. ص‎ )١( 
.77١ص --1409؛‎ ١915 (؟) نقلا عن: غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية‎ 
.00 فيه أحمد بن مصطفى بن عليوة» الديوان» ص‎ 
.١ ص١ (؛) أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة» ج‎ 
للف‎ 


انتقد فيها أبياتا في ديوان ابن عليوة» ووجه الرسالة إلى كبار علماء تونس والجزائر والمغرب من 
أبناء المدرسة السلفية» فقرضوها وأيدوا ما جاء فيها. 

وقد رد عليها ابن عليوة برسالة وقرضها هي الأخرى بتقاريظ من المشرق والمغرب ليثبت 
لهم أن هناك علماء آخرين يمكن أن يرجع إليهم» وأنهم يتبنون التصوف الذي يتبناه. 

ومهاتين الرسالتين بدأ الصراع يتجسد على أرض الواقع بين المدرستين الكبيرتين السلفية 
والصوفية» ى| قدمنا سابقا. 

وبذلك أصبحت الطريقة العلاوية في ذلك الحين هي الممثل الوحيد للطرق الصوفية» ى| 
كانت الطريقة ال حمانية في عهد الشيخ ابن الحداد هي زعيمة الطرق في حينهاء وبفضلها استطاع 
أن يجيش الجيوش لمقاومة المستعمر. 

لكن الشيخ ابن عليوة فوجئ بالتيار الإصلاحي الذي يقطع عليه الوصول إلى الزعامة التي 
وصل إليها الأمير عبد القادر والشيخ ابن الحداد من قبله» مع أنه كان بم| يكتبه وينشره يمثل 
دور الزعامة على جميع الطرق الصوفية» بل يقوم بنفس الدور الذي قام به الأمير عبد القادر 
عندما جعل من طريقته القادرية أشهر طريقة في الجزائر عند قيادته للمقاومة» ونفس الدور 
الذي قامت به الطريقة ال رحمانية بمشايخها المختلفين حين تزعمت المقاومة على الاستعمار. 

ويمكننا بالمقارنة بين رسائل الأمير ورسائل ابن عليوة أن نجد صلات كثيرة بينهماء فقد 
كان الشيخ ابن عليوة يخاطب مشايخ الطرق يقول هم بعتاب ممزوج بألم: (ما كان يجمل 
بمثلي...أن ينتصب لتذكيركم وأنتم المذكرونء أو ينتدب لوعظكم وأنتم الواعظون...لولا أن 
في القوم من فشلت عزائمه» وتضعضعت دعائمه» فأصبح يعمل على خلاف ما يطلبه منه المقام 
الذي لم يكن إلا لمحض التذكير)(" 
)١(‏ أضاميم المد الساري لصحيفة البلاغ الجزائري» ج »١‏ قدم له وحققه: عبد السلام بن أحمد الكنوني» راجعه وأشرف عليه: عدلان 


خالد بن تونس» ط .١‏ طنجة» 15٠5‏ 19445.50 ج اءعص 1875. 
5333١‏ 


ويدعوهم بحكم ما أوتوا من مكانة اجتماعية ودينية أن يعارسوا ما طلب منهم من إصلاح 
(لتجديد جد الأمة التي لا مجد للأمة إلا بمجدد دينهاء ومن لم يستغل نفوذه هذه الغاية فلا أبقى 
الله بيده نفوذا)() 

ويتعجب من سكوتهم في الوقت الذي أصبح الدين فيه غريبا بين أهله مهددا من أعدائه 
حتى طمع في تنصير أبنائه المبشرون» وفي تشكيك أفراده الملحدون"". 

بالإضافة إلى هذا كله» فإن البحث عن المشروع الإصلاحي للطرق الصوفية عبر بوابة 
الطريقتين الرحمانية والعلاوية لا يعني أن هاتين الطريقتين مجرد نموذج للإصلاحء وإنما هما في 
الحقيقة تعبير ظاهر عن المشاريع الإصلاحية للطرق الصوفية. 

وسنرى من خلال عرضنا لهذا المشروع أنه لا يتناقض مع ما تتبناه سائر الطرق الصوفية من 
مفاهيم تنطلق أولا من قناعاتهم بسبب الفساد وجذوره. 

بناء على هذه الاعتبارات نحاول في هذا المبحث - بمثل ما تحدثنا عن المشروع الإصلاحي 
لجمعية العلماء - أن نتحدث عن المشروع الإصلاحي للطرق الصوفية» حتى تتيسر علينا 
المقارنة. 

ونحب أن نشير فقط إلى أن بعض الكتب للطريقة العلاوية تكاد تصير في حكم المفقود. 
ولذلك اعتمدنا في بعض التوثيقات على الدراسة التي أشرنا إليها في مقدمة الرسالة» وهي 
عبارة عن رسالة (الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية 5 )١9:09- 1١97‏ 
للباحثة غزالة بوغانم» وهي رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر 
من جامعة منتوري بقسنطينة» قسم التاريخ والآثار. 

المطلب الأول: الإصلاح الديني عند الطرق الصوفية 
)١1(‏ المصدر نفسه. 


() المصدر نفسه. ص ”1/87. 
نضسن 


يعتبر الصوفية عموما أن السبب في كل ما يحدث في الواقع من أحداث هو العلاقة مع الله 
المعبر عنها بالتدين» فبقدر ما تكون العلاقة مع الله متينة صلبة حية» بقدر ما تستقيم الحياق) 
وبقدر ما تنهار تلك العلاقة تنهار الحياة» ولذلك لا يتشتت أصحاب الطرق في البحث عن أي 
حلء فالحل عندهم واضح. 

وأذكر في هذا أن مشايخ الطرق الصوفية في الجزائر في الوقت الذي حصلت فيه تلك الفتن 
التي راح عشرات الآلاف ضحية لماء كانوا ينصحون أتباعهم بأوراد معينة» وبذكر كثير» 
يوحون لهم بأنه كلما كثر الذكر والدعاء والتضرع والقربء كلما ارتفعت الفتن. 

ولذلك فإن الإصلاح الديني بهذا المعنى كان هو الإصلاح الأسامي الذي يمكن أن نقصر 
عليه دور الطرق الصوفية» ذلك أن دور الشيخ المربي - الذي هو مركز دائرة الطريقة - هو 
التوجيه الديني لمريديه أو الرقي بهم إلى درجات معينة من سلم الكمال الإيماني حسبما يراه. 

وهذا لا يعني أن سائر أنواع الإصلاح مستبعدة من الطريقة أو من شيخهاء ولكن المراد هو 
أن المنطلق في الإصلاح هو الدين» وأما ما عداه من سياسة أو تربية أو مجتمع هو نتيجة حتمية 
لتحقق التدين بمفهومه الشرعي. 

ولهذا نجد الصوفية دائ| يرددون في مجالسهم الأثر المعروف : (ى] تكونوا يولى عليكم)”", 
أي أن ما يحصل في عالم السياسية من تغيرات ليس سببها الاستبداد الخارجي فقط. وإن| سبيها 
أيضا الانحراف عن المنهج القويم الذي رسمه الدين. 


وهم في يطبقون مفهوم الآية الكريمة: (إِنَ الله لا كيد مَا بِقَوْم حَتَى يُعَيدُوا ما بأَنْفْسِهِمْ ) 


)00 قال العجلونيٍ في (كشف الخفاء): (رواه الطبراني عن الحسن البصري أنه سمع رجلا يدعو على الحجاج فقال له لا تفعل أنكم 
من أنفسكم أوتيتم إنم) نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير فقد روى أن أعمالكم عمالكم وكما تكونوا 
يولى عليكم) (العجلوني» إسماعيل بن محمد الجراحي» كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس» دار 
إحياء التراث العربيء )١517 /١(‏ 

ضف 


]١١ [الرعد:‎ 

وقد وصف الشيخ محمد السعيد الزاهري - بعد أن تخلى عن حربه للطريقة العلاوية- 
الشيخ ابن عليوة بأنه من دعاة الإصلاح الديني الإسلامي, في الوقت الذي يعتبر نفسه ضمن 
تيار الإصلاح الوطني السيامبي7". 

وهذا أيضا ما صرح به محمد العوادي الذي وصف الشيخ ابن عليوة بقوله: ( كان الأستاذ 
العلوي رجلا دينيا محضاء لا يحب من الأحزاب السياسية إلا ما يقرر ترجيح الديانة على 
السياسة» ولا تربطه به أية رابطة سواها)() 

ولعل هذا ما جعل الشيخ ابن عليوة يظهر بصورة المدافع عن الاستعار عندما يعاتب أو 
يوبخ الشعب الجزائري على تقصيره في الالتزام بالدين» فهو يذكر أن (حالة مسلمي الجزائر 
الدينية اليوم ليست هي عين حالتهم بالأمس... بل لا يوجد فيها بين الحالتين أدنى شبه إذا قابلنا 
مابين مساجدنا الآن» وبين عددها بالأمس.. فعدد مساجد مدينة الجزائر وحدها كان يزيد على 
المائة مسجد ما بين حنفي ومالكي فضلا عن المدارس والزوايا وعدد مساجدها الآن لا يتجاوز 
عدد الخمسة)() 

ثم يعقب على بيان السبب في هذاء وهو عنده ليس المستعمرء بل الشعب نفسه. بل إنه يكيل 
للمستعمر الثناء في تنوير الشعبء ويلومه في نفس الوقت لأنه لم يفقه الطريق الحقيقية المؤدية 
إلى الإصلاح» يقول في ذلك: ( فكم هذا والقطر الجزائري متسربلا بالراية الفرنسوية متجملا 
برونقهاء والكل يعترف من أنها دولة من أسرع الدول سيرا في سبيل الإصلاح» ومع هذا لم 
نستفد من ذلك الإصلاح إلا ما نراه كاللازم من عمارة السجون بسفهائنا والطرقات بأبنائنا 


)00 أضاميم المد الساري» ج كءعص 519. 
)١(‏ محمد العوادي: (جمعية التذكير)» لسان الدين»ءع: ه””. الجزائر: 7٠١‏ جمادى الأولى 1707 ه.. 


(؟) (مسلمو الجزائر وحالتهم الدينية)» لسان الدين»ع: 8» الجزائر: ٠١‏ فيفري 1971. 
327 


الفارغين من أعمال الدنيا والآخرة» ومع هذا فلست بقائل أن الحكومة تعمدت ترك الإصلاح» 
كلا! إن| أقول: جهلت الطريق الموصلة إليه فأتت البيت من غير بابه)7") 

بل إنه فوق هذا يدافع عن فرنسا ضد من يرى بأن ( أولي الأمر لا يسمحون بإظهار شعائر 
الإسلام)» ويستدل لذلك بأن الحكومة الفرنسية هي الأعرق في تقرير حرية الأديان على 
اختلافها". 

يقول معبرا عن هذا: ( فمتى اجتمع المسلمون على نحو تأسيس مدرسة علمية» أو جماعة 
دينية فعارضتهم الحكومة في ذلك فيا سمعنا به. ولن نسمع به إن شاء الله هل يريد المسلمون 
أن تأمرهم بنحو ذلك رسميا. كلا! لآن ذلك ليس هو من وظيفتهاء فهي لا تأمر أبناء جنسها 
بمثله» كما أنها لا تنهاهم أيضا عن تعاطيه. فكيف تريد أنت أيها المسلم أن تجعل لك درسا 
تأمرك فيه يتأسيسن دينك...ألم يكفك أنها حملت على عاتقها احترام دينك وعوائدك؟ )7) 

وخشية أن يساء الفهم من هذه النصوص نذكر أن هذا الكلام الذي يقال عادة في التقية قد 
قال مثله كبار رجال الجمعية» وقد سبق ذكر أمثلة عنه. 

ولكن المغرضين للأسف يأخذون هذه المقولاتء ثم يرمون بها الصوفية بحجة أنهم صنيعة 
المستعمرء فإذا ما ووجهوا بمثلها أو با هو أشد منها من مقولات الجمعية تجده يعتذر لاء 
ويبررهاء ونرى هذا من ازدواجية المكاييل التي تتنافى مع الموضوعية العلمية. 

انطلاقا من هذا ركزت الطرق الصوفية على برنامج للإصلاح الديني يصحح الوضع في 
الجزائر» بل يطمح إلى غيرها من البلاد كما سنرى. 

ويركز هذا البرنامج على نشر القيم الروحية في أوساط العامة والخاصة» بل والتبشير مها في 


. 1977 (كيف نتوخى الإصلاح؟). لسان الدين»ع: ”. الجزائر: 4 جانفي‎ )١( 
. 19377 جانفي‎ ١ (؟) ح.ع: ( مسلمو الجزائر وحالتهم الدينية)» لسان الدين»ع: ه, الجزائر:‎ 
(؟) المصدر السابق.‎ 

بالف 


العالم أجمع» لعدم اعتراف رجال الطرق الصوفية بالحدود الجغرافية» وما ينبني عليها من قومية 
ووطنية» ويمكن تقسيم القيم الروحية التي دعت إليها إلى قسمين: 

قسم خاص بالعامة المقصرين في أمور دينهم» وهو دعوتهم إلى تمارسة الشعائر التعبدية 
الأساسية التي لا يستقيم الدين من دوخها. 

وقسم خاص بالخاصة» وهو السير بهم عبر السلوك الصوفي إلى مراتب الكمال بحسب 
المنهج الصوني وهؤلاء سلوكهم الخاص من الأوراد والخلوة وغيرها كما رأينا ذلك في الملبحث 
السابق. 

وسنتحدث عن منهج الطريقة العلاوية في تحقيق هذين الحدفين في العنوانين التاليين: 

١‏ الاهتام بالشعائر التعبدية: 

كما رأينا في الباب الأول من هذه الرسالة» فقد كان الواقع الجزائري بكل عناصره في منتهى 
التدهور والسقوطء ولم يكن الواقع الديني بمنأى عن ذلك» وقد رسم عمر راسم صورة ذلك 
الواقع المزري فقال::( كيف يكون المسلم مسل) في بلد خلت مساجده من الراكعين الساجدين» 
وامتلأت شوارعه من اللصوص والفجار والسكيرين؟)0") 

ولذلك فقد رأت الطريقة العلاوية أن الإصلاح الديني لا يتم إلا بإعادة التدين للججاهير 
التي سلب منها دينهاء فوقعت في الانحراف وبعده في الاستعباد. 

والتدين - حسب تصور الطريقة العلاوية- لا يعود إلا بإحياء شعائره جميعاء ولا تحيا 
الشعائر إلا بإظهارها والإعلان بها وملا المساجد بجميع أنواع الممارسات التعبدية من القرآن 
والذكر وغيرهاء ليجد المنحرف فيها بعد ذلك ضالته الروحية التي تحميه من الانحرافء يذكر 


هذا ابن عليوة بأسلوبه الخاص الذي يمترج فيه العتاب بالنصح. فيقول: (المؤذن في بعض 


.4 ص١ )غ ج‎ 1911-١9٠1 ( محمد ناصر: المقالة الصحفية الجزائرية» نشأتهاء تطورهاء أعلامها‎ )1١( 
332 


المساجد بين الأساطين تحت السقف يسرد جمل الآذان شبه الإقامة تبركاء وكأني بحال الإمام 
من خلفه يقول له: (اذكر ربك في نفسك فإنك لا تدعو غائبا ولا أصم!!!)...فيا للفضيحة! 
أيبلغ بنا معشر الجزائريين التهاون إلى أن نصير لا نستطيع إظهار شعائر ديننا مع أننا مسلمون 
في بلاد إسلامية وفي حال أن حكومة البلد نفسها تسعى بجهدها في تأسيس مسجد من أعظم 
المساجد في (باريس) كل ذلك ركونا منها إلى الدين الإسلامي» واستجلابا لعواطف 
المسلمين)() 

ولم يكن الاهتمام بهذا قاصرا على المقالات أو بعض المارسات» وإنما كان يشكل نشاطا مهم| 
لمريدي الطريقة العلاوية» فهم في أثناء سياحاتهم - التي هي جزء من سلوكهم الروحي- 
يقومون بحث الناس على أداء الصلوات المفروضة في وقتهاء ولول يتتسبوا لطريقتهم أويأخذوا 
عنهم العهدا". 

وكان يأخذ العهد على مريديه على القيام بواجب التذكير والنصيحة في المجتمعات العامة» 
وأماكن الغفلة» على أن لا يخرجوا في تذكيرهم عن موضوع الصلاة وقواعد الإسلام/". 

وقد كان يخص بهذا الاهتمام المناطق التي تتعرض لضغط المستعمر قصد تغيير هويتهاء فكان 
الشيخ ينشر تلاميذه ورسائله إليهم يتعهدهم كل حين» وكمثال على ذلك هذه الرسالة التي 
كانت تقرأ في المجالس المختلفة: (إلى حضرات أصدقائنا ببلاد القبائل» ومن حوهم أخصسش 


بالذكر رؤساءهم وفقهاءهم ومشايخهم, وجماعة المتقدمين» ومن له أدنى ارتباط بنسبتنا واعتماد 


)١(‏ (مسلمو الجزائر وحالتهم الدينية)» لسان الدين»ع: 8» الجزائر: ٠١‏ فيفري *19477» وقد اهتمت صحيفة لسان الدين بظاهرة 
عزوف المسلمين عن عمارة المساجد وإقامة الصلاة بإتقان» مع عمارة الأوقات فيها بقراءة القرآن» انظر مثلا: غيور: (نظرة تقتضي 
الأسف». لسان الدين» ع: 4» الجزائر: 71 فيفري “1977.» نقلا عن: غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية 
والاجتماعية 5 ”197 -1404., ص770. 
(؟) محمد العوادي: جمعية التذكير لسان الدين»ع: 0 "ء الجزائر: ٠١‏ جمادى الأولى ١707‏ ه.. 
(؟) المصدر السابق. 

يضف 


كلامناء عليكم جزيل السلام ما دمتم لله ذاكرين» ولشرعه ناصرين. هذا أيّها السادة» ألهمني 
الله وإِيّاكم لما فيه نفع الدارين» وفي يقيني أنه لا نفع أنفع من اتباع سئة سيد المرسلين وإحيائهاء 
والعمل على مقتضياتها» وبالخصوص في هذا الزمان الصعبء الذي صار فيه القابض عل دينه 
كالقابض على الجمر» كل ذلك لضعف اليقين, وقلّة المعين» وقد كنا نعهد من أفرادهم الصدق. 
والتبّصر على نصرة الحقّ» ورجوت الله بوجودكم تحيى البلاد والعباد» وقد كان من ذلك ما 
يستحق الذكر والحمد لله حتى اعترف به العدو والصديق» فشكرنا سعيكم وحمدنا الله لنا 
ولكمء غير أَنّه في هذا الأخير بلغني ما كدّرني» وللكتابة ألجأني» وهو أن بعض المساجد في 
أرضكم تخريب» وهكذا بعض الكتاتيب تعطلت» ولست أدري هل ذلك ثابت أم لا؟ وإن كان 
ذلك يقع مع وجودكمء فوجودكم إذن والعدم على السواءء وأنتم على علم من إِنّنا ما 
صحبناكم» وعاهدناكم إلآ على قيام شرائع الدين» واتباع سنّة سيد المرسلين يلل وهذا هو 
العهد الذي قطعناه وقطعتموه مع الله في السرّ والجهر» ومن أوفى منكم بعهده فهنيئا له 
ولعشيرته ودائرته» ومن نكص على عاقبيه» أو خان ما عاهد الله عليه فإنَّ الله لا يحب الخائنين» 
وإنّه لااذمّة بيني وبينه» بل بينه وبين أهل السلسلة من يومنا هذا إلى رسول الله يي إلا من تاب: 
(إنَ الله تحب التَوَابِينَ وَنحْبٌُ التطَهرِينَ ) [البقرة: 777]» وهذا مالم يكن مغلوبا على عقله. 
وإلآفلا يلتفت إليه» وقد أخبرني في هذا الأخير أحد الأصدقاء. أنّهِ رأى في منامه أن قاتلا يقول 
له : (ها هو ذا كلب أسود يأكل في الدين» قال فخرجتء وإذا بالدين تمثل لي كأنّه جوف شاة 
معلّق على حبل» وكلب أسود ينهش فيه نهشاء قال : فقمت مرعوبا ) فهذا هو الزمان الأسود. 
ترى ينهش في الدين نبشاء فهل يحسن من أبناء الدين أن ينهشوا معه. أم يحرزوه؟ وبعد هذا 
فإِني أحذركم الله. وأحذر نفسي معاشر المسلمينء أن تبملوا كتاب الله» وتعطّلوا مساجد الله. 
فيسرع إليها الخراب مع وجودكم. فَإنْ الله تعالى يقول في الشق الأول إخبارا عن نبيّه حيث 


3 


يقول يوم القيامة: (وَقَالَ الرّسُولُ يَارَبٌ إِنَ قَوْمِي اتَحَذُوا هََا الْقَرآنَ مَهُجُورًا [الفرقان: "7], 


للم 


وما كتبت هذا إلآ تحذيرا وظني فيكم جميل» وإن تخلفتم فإني قد أنذرتكم, والله يتولّ 
إصلاحكم؛ وهو خير المصلحين)7" 

هذا نموذج من رسائل الشيخ نقلناه كاملا ومثله كثير» والغرض منه أن يطلع عليه أوائك 
المتسرعون الذين يرمون الشيخ والطريقة والطرق بالانحلال من الشريعة. 

-نشر السلوك الصوفي: 

لا تكتفي الطرق الصوفية بالشعائر التعبدية الواجبة في الدين» بل يضمون إليها ما يعتبر في 
الأبواب الفقهية من النوافل التي لا حرج على المكلف في تركهاء ككثرة الذكر والصلاة على 
رسول الله يه والخلوات التعبدية ونحوهاء وكل ذلك بصحبة المعاني الروحية الباطنية التي 
يلقنها الشيخ لمريديه» أو يتذاكرها المريدون فيم| بينهم. 

وسبب ذلك اعتقادهم أن المارسات التعبدية الظاهرية لا تكفي وحدها ما لم تصاحبها 
المعاني الباطنية في عالم الروحء والتي لا تتحقق إلا بالسلوك على يدي الشيخ المربي» الذي من 
ظفر به ظفر بالإكسير الأحمر. 

وقد مر بنا في المبحث السابق ال مارسات الخاصة للطرق الصوفية» وسنرى في الجزء الثالث 
من هذه السلسلة العلل والدوافع التي جعلت أصحاب الطرق يختارون تلك الممارسات. 

المطلب الثاني: الإصلاح التربوي عند الطرق الصوفية 

إن كان الكثير يحكم على الدور السياسي للطرق الصوفية في الفترة التي تلت المقاومات 
الشعبية والطرقية للاستعار بالسلبية» فإن القليل جدا من الباحثين المنصفين من يحكم على 
دورهم التربوي والتعليمي بذلكء فقد كانت الزوايا مها اختلفت الطرق التي تنتمي إليها - 


تمارس هذا الدور بفاعلية في المدن والأرياف» وفي أي محل يكون لها وجود فيه. 


)١(‏ ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» ص17/8. 
و32 


وهذا لم تنكر الجمعية ما تقوم به الزوايا والطرق الصوفية من أدوار في هذا الاتجاه. وإنم) 
تنكر عليها بعض ما يطرح في تلك المؤسسات من أفكار لا تتفق معها الجمعية. 

وقد شهد أحمد توفيق المدني للطرق بدورها الكبير في هذا الجانبء فقال في (كتاب الجزائر): 
(لا زال للطرق الصوفية بقطر الجزائر حظوة كبرى ونفوذ عظيم... إن لبعض الطرق الصوفية 
بقطرنا هذا مزية تاريخية لا يستطيع أن ينكرها حتى المكابر» تلك هي أنها استطاعت أن تحفظ 
الإسلام بهذه البلاد في عصور الجهل والظلمات» وعمل رجاها الأولون على تأسيس الزواياء 
يرجعون فيها الضالين إلى سواء السبيل ويقومون بتعليم الناشئة وبث العلم في صدور الرجال 
ولولا تلك الجهود العظيمة التى بذلوها والتي نقف أمامها موقف المعترف لما كنا نجد الساعة 
في بلادنا أثرا للعربية ولا لعلوم الدين)(" 

ونفس الأمر يشهد به البشير الإبراهيمي» ولكنه ى) ذكرنا لشدته في هذا الباب كان ينظر 
إليه نظرة مخالفة مع إقراره بأن هناك زوايا كثيرة» وأن هناك تعليها فيهاء وهذا الذي بهمنا في هذا 
المحل» فقد قال: (.. والكثرة الغالبة في علماء الجزائر قبل اليوم تعلمت بالزوايا أو علمت العلم 
في الزواياء فمن الزوايا المبدأ وإليها المصير. وزوايا الطرق في باب العلم كمدارس الحكومات 
هذه معامل لتخريج الموظفين» وتلك معامل لتخريج المسبحين بحمد الزوايا والمقدسين. أما 
العلم وحقيقته وصراحته وحريته فلا رائحة لها في هذه ولا في تلك)7" 

وما يقوله الإبراهيمي في هذا عجيب. لأن للزوايا الصوفية منة في عنق الكثير من رجال 
الجمعية بمن فيهم هو نفسه؛ فعلى الرغم من انتمائه إلى أسرة علمية» إلا أنه لم يستغن عن الانتماء 
للزواياء فقد ذكر في ترجمته أنه تلقى تعليمه الأول على يد أبيه» ثم في زاوية (ابن علي الشريف) 


)00 المدني» الجزائر»» ص 770. 
(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 1857) 
36 


في (شلاطة) بجبال القبائل!» وهي - ى] هو معلوم- من زوايا الطريقة ال رحمانية التعليمية. 

ومثله الشيخ العربي التببي» فقد ذكر الدكتور أحمد عيساوي في كتابه (جهود الشيخ العربي 
ا الإصلاحية) أن أهم المدارس التي انطلق منها الشيخ العربي التبسبي هي الزوايا التي 

تنتمي إلى الطريقة يقة ال حمانية» فقد بدأ حياته العلمية بعد الكتاب في زاوية أولاد رشاش بالزوي» 

ومكث فيها سنتين وبضعة شهورء وحفظ فيها القرآن الكريم» ثم انتقل إلى (خنقة سيدي 
ناجي)(". ومكث فيها ست سنوات أتقن حفظ القرآن بالقراءة المغربية وتعلم مبادئ العلوم 
العربية والدينية» ثم انتقل إلى زاوية سيدي مصطفى بن عزوز النفطي الجريدي ال رحماني!" سنة 
٠‏ بالجريد التونسبي جنوباء ومها حفظ متون العقيدة وعلم الكلام والمنطق والفقه وعلم 
الأصول واللغة العربية والأدب شعره ونره وبلاغته.. فأتقن متونها من المكوديء والأجرومي. 
وابن عاشر» ومتن سيدي خليل» ومكث بها ثلاث سنوات وبضعة شهورء ليعود بعدها إلى 
دوار اسطح في صيف سنة 917١م‏ منتزعا توصية من شيوخه في الزاوية تزكيه للالتحاق 
بالجامعة الزيتونية!”) 

وهكذا عندما ندرس البداية التعليمية لأكثر مشايخ الجمعية نجد أن لهم صلة قريبة أو بعيدة 
بالزوايا أو الطرق الصوفية. 

وسر ذلك بسيطء وهو أن زمام التعليم العربي والديني في ذلك الوقت كان بيد الزوايا 


والطرق الصوفية» وقد كانت تمارس فيه الطريقة التقليدية التي كانت متبعة في جميع بلاد العالم 


)١(‏ انظر عادل نوميض : معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضرء مؤسسة نومهض الثقافية للتأليف والترجمة 
والنشرء بيروت : ١98٠١‏ مء ص 17. 

(؟) سيأتي الحديث عنها وعن دورها. 

(؟) نسبة إلى الشيخ مصطفى بن محمد( 1784١ه‏ - 1877م ) شيخ الطريقة الرحمانية بتونس» والتي جاءها قاصدا من بسكرة 
لنشرها بنفطة بالجريد التونسي. محمد محفوظ. تراجم المؤلفين التونسيين. ج 7. ص 7/4.. 1. 


(؛) انظر: الدكتور أحمد عيساويء جهود الشيخ العربي التبسبي الإصلاحية» ص 1/6. 
34١‏ 


الإسلاميء بل في مؤسساته التعليمية الكبرى كالأزهر والزيتونة وغيرها. 

وسنحاول هنا باختتصار أن نذكر المؤسسات التي كانت تمارس الطرق الصوفية وظيفتها 
التربوية من خلاهاء ثم نتحدث عن المقررات الدراسية» والتجديد الذي حصل فيها من طرف 
الطرق الصوفية إما من تلقاء ذاتهم أو مواجهة للتجديد الذي جاءت به الجمعية» وحصل مثله 
في العالم الإسلامي. 

أولا ‏ المؤسسات التعليمية للطرق الصوفية: 

يطلق على المؤسسات التعليمية الخاصة بالطرق الصوفية اسم الزواياء وهي تصنف ضمن 
المرحلة الثانية للتعليم بعد الكتاب("» وتتميز بأن دورها لا ينحصر في التعليم فقط» بل 
بالإضافة إلى ذلك كانت محلا للتوجيه والتربية ودارا للقضاء والفتوى» ومقرا للتواصل 
الاجتماعي بين أهل المنطقة» أو بين المناطق المخلفة. 

وبذلك فإن الطالب الدارس فيها يكتسب بالإضافة إلى العلوم والمعارف الخبرة بالواقع 
الاجتماعي والسياسي» وذلك ما يدعم تكوينه العلمي. 

وقد كان في الجزائر ابتداء من العهد العثانيٍ وني خلال الاحتلال الفرنسي زوايا كثيرة» 
فحسب إحصاء )1417/١(‏ كان عدد الزوايا ٠٠١١‏ زاوية موزعة على كل القطر الجزائري شالا 


)١(‏ الكتاتيب: وهي المدارس الابتدائية التي يبدأ بها المتعلم تكوينه» وهي مخصصة عادة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم مبادئ القراءة 
والكتابة للأطفال» وكان يركز فيها على قراءة القرآن وكتابته ولفظه واستظهاره على ألواح الخشب. ولم تكن هناك طريقة تدريس غير 
لاستظهار» كا لم تكن هناك مواقيت محددة للتعليم أي (استعمال الزمن) وإن) الطالب«المعلم) هو الذي يحدد وقت التدريس» وكان 
لتلاميذ الذين يلتحقون بالكتاب صغار تتراوح أعمارهم عموما بين" و١٠‏ سنوات. 

وما يميز كثرة الإقبال على هذه المؤسسة التعليمية هو مكانتها الاجتماعية وما حظيت به من احترام وتقدير من طرف الشعب 
لجزائري بحيث كان لما دور فعال متمثل في التعليم الديني للأطفال الصغار والحرص على حفظ القرآنء ولها وظيفة أخلاقية وعلمية 
(انظر: آسيا بلحسين رحويء (وضعية التعليم الجزائري غداة الاحتلال الفرنبي)» دراسات نفسية وتربوية» مخبر تطوير الممارسات 


لنفسية والتربوية» عدد لاء ديسمبر .35١١١‏ ص75) 





الح 


وجنوباء وقد قامت بتعليم 7185٠٠١‏ تلميذ تقريباء فكانت توجد في قسنطينة 4١‏ مدرسة 
تحتوي على ١5,٠6٠٠‏ تلميذ سنة 14177» وكان في نواحي تلمسان حوالي 5١٠‏ زاوية» وفي 
الجزائر العاصمة ٠٠٠١‏ مدرسة لتعليم القراءة والكتابة والحساب7". 

وقد كانت هذه الزوايا -كى) يظهر من تواريخها التفصيلية - تتنافس في الحصول على أفضل 
الأساتذة والمدرسين, لأن عدد طلبتها وشهرتها والدعم المادي الذي تتلقاه من الأهالي يتناسب 
طرديا مع ذلك. 

وكمثال على ذلك ما ورد في ترجمة العلامة الشيخ أبي حفص الزمّوري!" ورحلته العلمية 
بين الزوايا المختلفة» وكيف كان يستقبل فيهاء ويلتف حوله طلبة العلم ومشايخه» فقد ذكر 
مؤلف (مشائخ خالدون وعلاء عاملون) كيف خرج الشيخ من وادي زناتي وكيف استقبل 
بعدها في عين الفكرون بولاية أم البواقي» قال: ( انتقل الشيخ إلى جامع (عين الفكرون) في جو 
احتفالي مبيج أقامه أعيان وادي زناتي على شرفه اعترافا به| قدمه لسكان الجهة من العلم والمحبة 
الصادقة» ورافقوه إلى عين الفكرون حيث استقبله أعيانها وسكانها الطيبون استقبالا كبيرا 
قوامه الحفاوة البالغة» والترحاب الكريمء اعترافا منهم بمكانته العلمية والدينية تعبيرا صادقا 
على قبوله دعوتهم للتدريس والإمامة بمسجد مدينتهم)”" 

وقد بلغ عدد المؤسسات التي تدرس القرآن الكريم للأطفال في الأوراس حوالي 54 


. ١ الطاهر زرهونيء 1991, ص5‎ )١( 

)٠(‏ ولد سنة ١117‏ وتوفي سنة مارس التدريس والإمامة بعدة زوايا ومساجد عبر التراب الوطنيء منها زاويته العامرة 
بزمورة الغراء» مرورا بزاوية الجعافرة ببرج بوعريريج إلى مسجد تيوريرين ببني عيذل بالقرب من تامقرة ببجاية إلى زاوية الشيخ 
الحاج الطرابلسي بعنابة إلى زاوية شلاطة الشهيرة والعظيمة ثم زاوية سيدي موسى في تينبذار ببجاية إلى وادي زناتي بقالمة» ثم عين 
فكرون بأم البواقي ثم زاوية أجداده بزمورة ليتوقف أخيرا بمسجد سيدي رمضان بحي القصبة بمدينة الجزائر المحروسة من سنة 
5 إلى غاية وفاته في ٠١‏ ماي ١144٠‏ انظر ترجمته المفصلة في: مشائخ خالدون وعلماء عاملون: ص١٠‏ فم| بعدها. 


فيه انظر: مشائخ خالدون وعلماء عاملون: ص15 . 
الل 


مدرسة خصصت لهم أقسام لذلك» بحيث لا يقل عددهم عن ٠١‏ في كل قسمء وهذه المدارس 
عامرة طول السنة خاصة في فصل الشتاءء» أما في فصل الصيف فيتوجه معظمهم إلى الحقول 
والمزارع لمساعدة ذوبهم في الحصاد والدرسء وقد بلغ عددهم في مطلع القرن ١9‏ حوالي 
تلميذء وحسب صرير المقاطعة الإدارية الفرنسية (أن عدد التلاميذ الذين يتابعون 
دروسهم لدى مختلف الأساتذة يتضاعف بشكل معتبر كل سنة خاصة في أولاد عبدي ومنعة 
وأولاد داوود ومدوكال وتبرماسين وقد مس حتى الكبار لضرورة العبادة)() 

ولو أعطينا أمثلة عن ذلكء. فإننا نجد الزاوية المختارية بأولاد جلال قد سطرت لنفسها 
برنامجا علميا ثريا بمختلف المواد. وكان هدفها الأساسي هو تحفيظ القرآن وتدريس العلوم 
الأخرى كالفقه والتفسير والحديث والأصول والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والفلك» 
وقد كان الطلاب يأتوها من كل حدب وصوب (الزيبان» الجلفة» الحضنة...) ففي عهد 
شيخها الأول وصل عدد الطلبة إلى نحو ٠١‏ تلميذ» فخرجت بذلك أجيالا من رجال العلم 
والفقه والإصلاح”" . 

أما زاوية آل دردور فقد اهتمت كذلك بتعليم القرآن وأصول الدين وقواعده» وقد كان 
شيخها الهاشمي بن علي دردور يقوم بتدريس المواد الدينية» كالفقه والسيرة النبوية والتربية 
وكذلك علوم اللغة العربية كالنحو والصرفء وكان يلقن قصائد المبشرات» وهي من تأليفه في 
التربية ومدح الرسول يي وسيرته ويقول أنه ربى مبذه الطريقة 4٠٠‏ رجل و١٠١٠‏ امرأة" . 

أما الزاوية العثمانية بطولقة فقد اهتمت هي الأخرى بتحفيظ القرآن للقادمين إليها من كل 
)١(‏ عبد الحميد زوزو : الأوراس إبان فترة الاستعار الفرنسبى التطورات السياسية و الاقتصادية و الاجتتاعية ,)١914- ١19571(‏ 
يج دح مهرضى اوإوكرن للشاعةوا للتور ار ستول فا اللي رن ا 
(؟) صلاح مؤيد: الطبق الصوفية والزوايا في الجزائره ص 95".. 
(؟) علي عزوزي: زاوية آل دردور بالأوراس. الملتقى الأول حول الأمير عبد القادر وأعلام من الأوراس. مؤسسة الأمير عبد 


القادر» باتنة "1 .7٠‏ ص 75. 
52 


المناطق» وما زالت إلى يومنا هذا تقوم بهذا الدورء وكذلك مبادئ اللغة العربية والفقه وتتكفل 
الزاوية بالمأكل والمرقد مجاناء ومن العلماء الذين درسوا بهذه الزاوية الشيخ أبو القاسم الديسى 
والمدني عثاني ومحمد الدراجي وعبد الله لخذاري وأحمد بن مسعود القنطريء بالإضافة إلى 
الذين كانوا يترددون على الزاوية» فهم كثيرين نذكر منهم أحمد الأمين بن محمد المدنى بن 
عزوزء محمد الأخضر الحسين2". 

وأشهر العلماء الذين تخرجوا من هذه الزاوية الشيخ الأخضر بن عمر الطولقيء ثم الشيخ 
الغسيري ومحمد خير الدين» وعمر دردور وموسى وعبد القادر بن الموهوب الدوكالي 
الأزهري2©. 

وقد وصل تأثير الزاوية إلى محال جغرافي واسع داخل الوطن وخارجه. فظهرت زوايا على 
طريقتها وكأنها فروع لما مثل زاوية الشيخ عبد الحفيظ الخنقي وسيدي سالم في وادي سوف. 
والشيخ الخياري وزاوية ال هامل» وزاوية بن عبد الله الصدقي بالأوراس وهي امتدادات لها"©. 

وكذلك كانت زاوية منعة القادرية من مراكز تعليم القرآن والعلوم الدينية واللغوية ومن 
الشيوخ الذين عملوا بالزاوية محمد الصغير بن عباس» ومحمد بن محمد بن عباسء ومن أبنائها 
الذين تخرجوا شهاء الشيخ ابن عباس زين العابدين» والشيخ ابن العباس بن محمد الصغير» 
وقد بلغ عدد الطلبة بها ٠٠١‏ طالبء بالإضافة إلى جملة من المشايخ الذين درسوا في هذه الزاوية 
فيها بين (1769 إلى سنة 5 )٠٠١‏ 

ونفس الشيء بالنسبة لزاوية الشيخ عبد الصمدء فقد كانت تنظم فيها مناظرات علمية 


وأدبية بين العلماء بقرية عيون العصافير» وقد برز في هذا المجال الشيخ محمد بن عبداش» | 


.١7١ عبد الباقي مفتاح: أضواء على الطريقة الرحمانية» ص‎ )١( 
.5 ٠7ص إفة6 صلاح مؤيد: الصوفية ووالزوايا في الجزائره‎ 


(؟) الدكتور عوني: فهرس مخطوطات زاوية مول القرقور» ص 55. 
تل 


تقوم بإحياء المناسبات الدينية. 

واهتمت زاوية مول القرقور في نشر العلم بمنطقة سريانة وما جاورها بفضل شيوخ 
الزاوية وعلاء آخرين» وقد ضايقتها السلطات الفرنسية مرات عديدة لتحد من نشاطها 
العلمي. 

وإذا اتجهنا إلى الجنوب الشرقي للأوراس» نجد زاوية خنقة سيدي ناجيء فإنها كانت من 
أكثر الزوايا اهتاما بالعلم والعلماء» ولعل الدور يعود فيها إلى المسجد الذي بني على منوال 
جامع الزيتونة بتونس. 

وكانت الزاوية الناصرية بجامعها الكبير ومدرستها قد أشعت الناحية بالعلم والمعرفة طيلة 
قرنين من الزمن» فكانت مقصد لعلاء الزاب والصحراء والأوراس وقسنطينة وحتى من 
تونس وليبياء ومن العلماء الذين درسوا في هذه الزاوية بن صديق ومحمد بن نروق والعربي 
التبسي. 

أما منطقة (زواوة)» فقد اشتهرت بكثرة الزوايا التعليمية حتى وصلت إلى اثنتين وأربعين 
زاوية» وانتشرت الزوايا با لخصوص في سهل وادي مسعود (الصومام) وني النواحي المجاورة» 
ولم يقتصر إنشاء الزوايا التعليمية على أهل الطرق الصوفية أو المرابطين» بل على بعض الفئات 
الاجتماعية التي أنشأت الزوايا لنشر العلم والمحافظة على الدين ومن أبرز زوايا زواوة التي 
اهتمت بالتعليم زاوية شلاطة ب( أقبو)!''» فهي من أقدم الزوايا التعليمية في المنطقة» ولو أنها 
فقدت بالتدريج مكانتها العلمية في العهد الفرنسي نظرا لقبول رئيسها عندئذ محمد السعيد بن 
على الشريف الوظيف الرسمي من الفرنسيين مع ذلك بقيت الزاوية تؤدي مهمة التعليم في 
العهد الفرنبي ووظيفة صاحب الزاوية قد حمت معلميها وطلابها من شر الإدارة الفرنسية» 


.185 أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي» ج"اء ص‎ )١( 
35 


وقد درس فيها عدد من العلماء ومنهم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي قبل هجرته إلى المشرق» 
وقد عرفت بتخصصها في حفظ القرآن وقراءته وتفسيره» وكانت مدرسة لعلوم الدين والفلك 
والحساب والنحو وعن مشايخ هذه الزاوية نذكر الشيخ الكتاني» الشيخ دحمان بن السنوسي» 
الشيخ محمد بن عبد ال رحمن وغيرهم. 

ومنها الزاوية السحنونية» ومؤسسها هو عمرو الشريف. ومن أبرز رجال هذه الزوايا محمد 
السعيد السحنوني» وقد ظهرت أيام ضعف التعليم العربي الإسلامي في الجزائر توغل الإدارة 
الفرنسية في نواحي البلاد سيما منذ ثورة »1487١‏ أما ما تميزت به فهو إرسال البعثات من 
التلاميذ إلى تونس للتعلم واستقبالها للتلاميذ من البلدان المجاورة في إطار تشجيع الحصول 
على العلوم الإسلامية خاصة باللغة العربية من البلدان المجاورة» ولم تكتف الزاوية بإرسال 
التلاميذ بل إنها جلبت إليها بعض الشيوخ من تونس للتدريس فيها أمثال الشيخ إبراهيم جمادح 
وقد كثر الطلبة بالزاوية حتى بلغ نحو 7٠١‏ طالب(" 

وقد نشطت الزاوية في عهد الشيخ محمد السعيد ومحمد الشريف الأولء وكان للشيح محمد 
السعيد تلاميذ نذكر منهم ابن طعيوجء محمد أمزيان بودريوء أما من تلاميذ الشيخ محمد الشيخ 
محمد الشريف فنذكر الشيخان البارزان في جمعية العلماء أحمد حسين وعبد الرحمن شيبان7) 

أما في الجنوب الجزائري» فمن أشهر الزوايا زاوية طولقة التي أسسها الشيخ ابن عمر» فقد 
تطور نشاطها التعليمي وبذلت جهدا كبيرا في نشر التعليم العربي والعلوم الإسلامية» وقد 
اشتهرت بالخصوص في عهد علي بن عثمان الذي طال عهده ( 1847-1/157)) فتحت أبواب 
الزوايا للتلاميذ من مختلف النواحيء ويروي المؤرخون أن والد الشيخ الحفناوي مؤلف 


(تعريف الخلف) قد تولى التدريس بالزاوية فكانت تضم ما بين 4١‏ و50 تلميذا بالإضافة إلى 


. ١9/8 أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي» ج"ا. ص‎ )١( 
.7١7 ص١ أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي» ج. “ا ط.‎ )١( 
3” 


جمع غفير من العامة يضاف لهم جامع الزاوية» كا استقبلت عددا من التلاميذ الذين برزوا في 
ميادين أخرى منهم بعض أعضاء جمعية العلماء فيا بعدا"©. 

ثانيا المقررات الدراسية: 

لقد كانت المقررات الدراسية - على حسب ما يبدو من مناهج الزوايا المختلفة - تخضع 
للظروف التي تمر يها الزاوية من كثرة الطلبة ونوعيتهم ونحو ذلكء بالإضافة إلى توفر الأساتذة 
في المادة التي يراد تدريسهاء وهذا عادة ما يكون فيم| يرتبط بالتعليم العالي» أما التعليم العادي. 
فكان لا يخلو من هذه المواد: 

القرآن الكريم: لا تختلف الطرق الصوفية عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الاهتمام 
بالقرآن الكريم باعتباره المصدر الأول للإسلام» ويتجلى هذا التعظيم من خلال الاهتمام 
بتخريج حفاظ القرآن» وهو جهد لم تستطع الجمعية ولا غيرها تحقيقه» ولا يزال للزوايا دور 
كبير في هذا الباب. 

الحديث الشريف: وقد كان هذا خاصا ببعض الزوايا لا مها جميعاء فقد كان الطلبة يستمعون 
لصحيح البخاري وموطاً مالك في زوايا منطقة توات(". 

وربما يكون لعلاقة الشيخ عبد الحي الكتاني بالطرق الصوفية في الجزائر تأثيره الكبير في 
توجيههم إلى الاهتمام بدراسة الحديث وعلومه؛ فقد كان الشيخ أحد أبرز العلماء الموسوعيين 
في الفقه والأصول والتفسير والحديث والتصوف والتاريخ واللغة والبيان وغيرهاء ومؤلفاته 
التي تربو على المائتين في مختلف العلوم شاهدة له بذلك, بالإضافة إلى هذا فهو يعتبر من كبار 
المحدثين في هذا العصر. 


.7١90 ص١ أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي» ج. *. ط.‎ )١( 
أحبيدة بن زيطة» الميكل التنظيمي والوظيفي للزوايا بمنطقة تواتء الملتقى الوطني الأول للزواياء الجزائر» وزارة الثقافة» مديرة‎ 6 
الثقافة لولاية ادرار» أيام:١ء ”» “اماي ١٠٠7مء ص؟1.‎ 

1 


وبما أن هذا ما يتتصور بعض أعضاء الجمعية أنه من اختصاصهم. وأن الجديد الذي جاءوا 
به للجزائر هو علم الحديثء فقد كان هذا داعية لهم لانتقاد الشيخ عبد الحي الكتاني» لجمعه 
بين الحديث والتصوف. وكأن الحديث لا بهتم به أو لا يتعلمه إلا من كان سلفياء فقد قال 
الشيخ الإبراهيمي في مقال له بعنوان (عبد الحي الكتاني: ما هو؟ وما شأنه؟)» وهو مقال يغلب 
عليه الأدب أكثر من العلمء ومما جاء فيه قوله منتقدا تحركات عبد الحي الكتاني التوجيهية 
للطرق الصوفية» والتي اعتبرها تحركات مشبوهة: (كان عبد الحي فيا مضى يزور هذا الوطن 
داعبا لنفسه أو مدعرًا من أصدقائه. وهم طائفة م حصوصة. فكنًا نولّيه ما تولّ» ولا نأبه له. 
وكانت تبلغنا عنه هنات كاختصاصه بالجهّال وهو عالم» وانتصاره للطرقية وهو محدّث. إلى 
هنات كلها تس شرف العلم وكرامة العالم» فكنا نحمّله ما تحمّل ولا نبالي به. وكان يزور لاما 
ويقيم أيامّاء ولكنه- في هذه المرّة- جاء ليتمّم خطّةء ودخل الباب ولم يقل حطة؛ وصاغ في 
الجزائر حلقات من تلك السلسلة التي بدأ صنعها في المغربء دلّتنا على ذلك شواهد الأفعال 
والأقوال والملابسات والظروف)7) 

ثم ذكر سر هذا الموقف من رحلة عبد الحي وأنه عائد إلى (أن الحكومة أحسّت بإعراض من 
رجال الزواياء وانصراف عا تريده منهم بطرقها القديمة» فأرادت أن تؤيّد قوّة القهر بقوّة 
السحرء فكان عبد الحيّ الساحر العليم)”) 

بغض النظر عم| تحمله هذه الكلمات من تجريح للشيخ الحافظ الفقيه عبد الحي الكتانيء إلا 
أن الإبراهيمي في ضمن كلامه شهد بالدور التوجيهي العلمي الذي قام به الشيخ عبد الحي 
الكتاني بين الطرق الجزائرية» فقد قال في نفس المقال: (ثم نسأل عبد الحي: لماذا لم يفعل في 
المغرب ما فعله في الجزائر» فيجمع الزوايا على الدعوة إلى التعليم؟ إنه لم يفعل لأنه لا يرى زاوية 


.0 57 /” آثار البشير الإبراهيمى:‎ )١( 
.0 537 /” (؟) آثار البشير الإبراهيمى:‎ 


قائمة إلا زاويته» وكل ما عداها فمنفرجة أو حادّة ما يقول علياء ا هندسة» ونسأل رجال 
الزوايا: لماذا لم يجتمعوا لمؤتمرهم قبل مجيء عبد الحي؟ وهل هم في حاجة إلى التذكير بلزوم 
العلم والتعليم حتى يأتيهم عبد الحي بشيء جديد في الموضوع؟ يا قوم, إن الأمرلمدبّرء إن الأمر 
لمدبر علمه من علمه منكم وجهله مّن جهله. وما نحن بمتزيّدين ولا متخرّصين)”" 

ونحن نتعجب من هذه الشدة التي لا نرى لها مبرراء فا الحرج في أن يخص الشيخ عبد الحي 
الجزائريين بدعوته. خاصة إن قصر المغاربة في الاستجابة له؟ ثم أين هذا من دعوته للوحدة 
الإسلامية» أم أن ذلك مجرد شعارات؟ 

الفقه: ويبدأ عادة باستظهار بعض المتون الفقهية على المذهب المالكي كمتن ابن عاشر ومتن 
الأخضري والرسالة لأبي زيد القيرواني وأسهل المسالك ومختصر خليل وتحفة الحكام لابن 
عاصم. وأثناء الحفظ يقوم الشيخ بشرحها بالوقفة - أي يشرح كل يوم أجزاء من فصول 
متفرقة - يأخذ كل تلميذ واحدة حسب مستواه» ويقوم هو بدوره بحفظها واستظهارهاء ى| 
يقوم الشيخ في جلساته العامة وهيئة التدريس في الخصص الخاصة بشرح ذلك وإجراء 
التطبيقات العملية عليه. 

علم التوحيد: ويتم بحفظ المتون المتضمنة لذلك (كمتن السنوسية والجوهرة)» وكلاهما من 
متون المدرسة الأشعرية العقدية» وشرحها في دروس خاصة وعامة؛ إضافة إلى ما يتعرض له 
الشيخ أثناء شرحه للمتون الفقهية في الأبواب المتعلقة بالتوحيد. 

قواعد اللغة العربية: ومن أهم المتون المعتمدة في هذا المجال متن الأجرومية» وملحة 
الإعراب وألفية ابن مالك وقطر الندى» والدراسة تكون بنفس الطريقة السابقة التي تدرس 


بها المتون الفقهية» وهي تعتمد في التمثيل على القرآن والحديث وشواهد من كلام العرب. 


.0 4 4/٠ آثار البشير الإبراهيمي:‎ )١( 


بالإضافة إلى هذا فقد كان للزوايا التي يكون فيها علماء لغة نشاط علمي أكثر كثافة وعمقاء 
ومن الأمثلة على ذلك أن الشيخ أبا حفص الزموري الذي سبق الحديث عنه كان يدرس في 
الزاوية العلاوية بعنابة علم البلاغة من خلال كتاب (الجوهر المكنون في البلاغة لعبد الرحمان 
الأخضري)» ويدرس النحو من خلال كتاب ( شذور الذهب في النحو لابن هشام)» ويدرس 
علم العروض من خلال كتاب (الصبّان في علم العروض والقواني)!" 

العلوم الاجتماعية والعقلية: كالفرائض. والحساب. والتاريخ والجغرافياء والمنطق» فقد 
أولت بعض الزوايا الكبرى عناية كبيرة لهذه العلوم» فجلسوا لتدريسها ونشرها بين طلبة 
المنطقة» وقاموا بشرح مصنفاتها والتعليق عليهاء وتبسيط محتواهاء حتى يسهل فهمهاء خاصة 
إذا علمنا أن أكثر هذه العلوم تحتاج إلى التبسيط والشرح., كعلم الفرائض والحساب والمنطق. 

ومن الزوايا الكبرى التي اهتمت ببذه العلوم زاوية قار التيجانية» وهي من كبار الزوايا 
الجزائرية» وربما يكون لقربها من تونس دور في اهتامها ببذه العلوم. 

المطلب الثالث: الإصلاح الاجتماعي عند الطرق الصوفية 

ما لا خلاف فيه بين الباحثين هو أن الطرق الصوفية ظلت إلى فترة طويلة منذ العهد العثماني 
في الجزائر هي الأكثر تغلغلا في المجتمع من بين جميع التيارات الفكرية الأخرىء ولذلك نرى 
الكم الكبير من الزوايا في المدن والأرياف وغيرهاء والتي مارست الطرق الصوفية من خلاهها 
جميع الوظائف الاجتاعية بالإضافة إلى وظائفها الدينية والتربوية» وسنذكر هنا باختصار بعض 
الوظائف الاجتماعية التي قامت بها زوايا الطرق الصوفية في المجتمع الجزائري إبان الاستعمار. 

أولا ‏ تحقيق الوحدة الاجتاعية: 

ونريد ببذه الوظيفة ما تقوم به الطرق الصوفية من نشر للأفكار والقيم التي تحقق الوحدة 


)00 انظر: مشايخ خالدون: لح 


بين أفراد المجتمع وطبقاته المختلفة» وهي وظيفة يشهد لما واقع الزوايا التي تضم جميع أصناف 
الناس مهم اختلفت مراتبهم أو لغاتهم أو وظائفهم أو ألوانهم» بل حتى الحدود الجغرافية ل 
تكن تحول بينهم وبين إقامة هذه العلاقات الاجتاعية القوية» فالعلاقة التي تربط المريد الصوني 
بشيخه وبطريقته أكبر من العلاقة التي تربطه بوطنه وقومه. 

وهذه مفاهيم صوفية متفق عليهاء وقد فلسفها الشيخ ابن عليوة عند شرحه للحديث الذي 
يصف فيه رسول الله يي المؤمنين بأنهم (كالجسد الواحد)"" بأن رسول الله يل اعتبر المجتمع 
بمثابة الجسد وأفراده أعضاء ذاك الجسدء ومن المعلوم أن أعضاء الجسد تختلف فيا بينها من 
حيث طبيعتها وقيمتها ووظيفتهاء ومع ذلك لا يستغنى عن عضو بعدمه أو بوجود ما هو 
أشرف منه. فكل ما يحتاج إليه شريف مادام محققا لحاجات الجسدء كذلك أفراد المجتمع 
ختلفون وكل ميسر لما خلق له ( فليكتف من الأعمال ب) يراه مرتكزا في فطرته» وليتوسع فيه 
بقدر استطاعته فإنه أوفق له وأنفع لأبناء نوعه, لآن الحقائق لا تنعكس وإن مع المحاولة» 
فالسمع في البدن لا يتأتى منه أن يكون بصراء واليد لا يمكن لها أن تكون لسانا وقس على 
ذلك» وليس على جارحة في البدن أن تقوم بأكثر ثما خلقت لأجله)!" 

وانطلاقا من هذا فقيمة الفرد عند الشيخ ‏ كى| هي عند الصوفية ‏ هي ما يحسنه» وإن تفاوت 
الأفراد في المكانة والشرفء (فمرتبة العين في البدن ليست كمرتبة الجفن مثلاء لكن كما أن لكل 
عضو فائدة تتحقق بأدائه لوظيفته فإنه إن لم يفعل يكون بمثابة العضو الأشل مهما كانت طبيعته 


وأهميته» وعليه لا يوجد دور هين فيحتقر وآخر شريف يؤدي إلى التعاللي والتكبر» وإنما على كل 


)١(‏ نص الحديث: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر 
وا حمى) صحيح مسلم (8/ 2٠١‏ 
)١(‏ أحمد بن مصطفى العلاوي: الأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية» أحباب الإسلام؛ باريس» .١9/5‏ ص .٠١‏ 

"١ 


أن يعارس صلاحياته في نطاق وظيفته وطبقته)”" 

وهذا التفسير الذي ذكره الشيخ ابن عليوة كم ذكرنا ‏ متفق عليه عند الصوفية سواء كانوا 
من مدرسة السلوك أو مدرسة العرفان» وقد فلسف ابن عربي ذلك من الوجهة العرفانية» 
ففال1"): 

لا تحقرن عباد الله إن الحم قدرا ولو جمعت لك المقامات 
أليس أسساؤه تبدي حقائقهم ‏ ولو تولتهم فيها الجهالات 
وعبر عن ذلك في وصية له يقول فيها: (وعليك بمراعاة كل مسلم من حيث هو مسلم. 
وساو بينهم كا سوى الإسلام بينهم في أعيانهم» ولا تقل هذا ذو سلطان وجاه ومال وكبير 
وهذا صغير وفقير وحقير ولا تحقر صغيرا ولا كبيرا في ذمته» واجعل الإسلام كله كالشخص 
الواحدء والمسلمين كالأعضاء لذلك الشخصء وكذلك هو الأمر فإن الإسلام ما له وجود إلا 
بالمسلمين» ىا إن الإنسان ما له وجود إلا بأعضائه وجميع قواه الظاهرة والباطنة وهذا الذي 
ذكرناه هو الذي راعاه رسول الله يي فيا ثبت عنه من قوله في ذلك (المسلمون تتكافاً دماؤهم 
ومع لست ناجيه رجه وار ان عل ري اا 

ولكن هذا لا يعني خرق المراتب وعدم حفظهاء ف (ى) أنك تعامل كل عضو منك با يليق 
به وما خلق له فتغض بصرك عن أمر لا يعطيه السمع» وتفتح سمعك لشيء لا يعطيه البصر 
وتصرف يدك في أمر لا يكون لرجلك وهكذا جميع قواك فتنزل كل عضو منك في| خلق له 


)١(‏ المصدر نفسه. 

(؟) الفتوحات المكية» / /6571. 

(") أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي» السئن الصغير» تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجيء جامعة الدراسات الإسلامية» كراتشي 
- باكستان» لطبعة الأولى 5٠١‏ ١هء‏ 1984م (9/ )5١75‏ 


(؟) الفتوحات المكية (5/ 5515) 


كذلك وإن اشترك المسلمون في الإسلام وساويت بينهم فأعط العالم حقه من التعظيم 
والإصغاء إلى ما يأتي به وأعط الجاهل حقه من تذكرك إياه وتنبيهه على طلب العلم والسعادة 
وأعط الغافل حقه بأن توقظه من نوم غفلته بالتذكر لما غفل عنه ما هو عالم به غير مستعمل 
علمه وكذلك الطائع والمخالف)07) 

وبناء على هذا قسم الشيخ ابن عليوة الناس إلى ثلاث طبقات بحسب حركاتهم الفكرية 
والبدنية» فأعلى طبقة على مستوى ال حركة الفكرية هم العلماء من رجال الدينء أما أعلى مستوى 
الحركة البدنية فيمثلها ذوي النفوذ السياسي والماللي والجاه0". 

ثانيا - إزالة الفوارق الاجتماعية 

ومن هنا سعت إلى إزالة الفوارق الاجتاعية بين الفئات والشرائح المختلفة فقربت بين 
الفقراء والأغنياء والعلماء والأميين والشرفاء وغيرهم» وحصرتهم جميعا في بوتقة واحدة. 

الثا الصلح بين المتخاصمين 

وهذه من وظائف الزوايا في جميع بلاد العالم الإسلامي» فمكانة الشيخ الروحية في المجتمع 
تجعل له من السلطة ما يستطيع به أن يتوسط بين المتخاصمين» ويفرض ما يراه حلا سلي| بينهم» 
سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو القبائل أو حتى مع ممثلي السلطة"". 

بل في بعض ال حالات يتدخل شيخ الزاوية لتحقيق الصلح بين المتنازعين على السلطة» وهو 
بذلك بشكل عامل استقرار وأمن لأنه يطفئ نار الفتن والحروب الأهلية ويحقن الدماء ويؤلف 


.55715 /5 الفتوحات المكية:‎ )١( 
نقلا عن: غزالة بوغانم, الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية‎ »757١ (؟) ساعد خميسي: ابن عليوة والفلسفة» ص‎ 
.١18صء.١904--‎ 
جمال الدين القادري بودشيشء» مؤسسة الزاوية بالمغرب بين الأصالة والمعاصرة» دكتوراه الدولة» د/ عبد السلام الإدغيري»‎ )*( 
.7/17” المملكة المغربية.» ص‎ 

76 


بين القلوب المتنافرة والاتجاهات المتصارعة(". 

وكمثال على ذلك ما قامت به زاوية قهار بقيادة شيخها الأول علي التماسيني من دور في 
استقرار منطقة وادي سوف. حيث تمكن من إخماد فتن قديمة وصرا عات مميتة بين قبائل المنطقة 
بقوله: (لقد حفرنا حفرة الأحقاد القديمة ودفناهاء ومن أخرجها فلا يلومن إلا نفسه)» وعمل 
خلفاؤه على مبجه في إصلاح ذات البين وتهدثة النفوس"(". 

وكانت زاوية عبد الصمد تقوم بإصلاح ذات البين بين الأعراش والقبائل في المنطقة التي 
كانت تتولى قيادتهاء وبذلك مثلت دور الحاكم. وتمتع المجتمع بالاستقرار النفسي والخلقي 
واتخذ من شيوخ هذه الطرق الصوفية قادة له بدلا من الحكام المدنيين وقضاتهم الرسميين". 

بالإضافة إلى هذاء فإنه بسبب استبدال السلطات الفرنسية القوانين الإسلامية في المجال 
القضائيء بالقوانين الفرنسية» ففي ١4‏ فيفري »1154١‏ صدر أمر من السلطات يتضمن التنظيم 
القضائي في الجزائر» انتزعوا بموجبه من القضاة المسلمين البت في الأمور الجزائية» وأصبح 
القضاء الإسلامي مقتصر على الأحوال الشخصية» وحتى هذه الأخيرة حاولت السلطات 
الفرنسية إخضاعها للقوانين الفرنسية وإلغاء الاحتكام للشريعة الإسلامية. 

أمام هذا الوضع وفي ظل هذه الظروف أصبحت الزوايا ملجأ للسكان من أجل فك 
نزاعاتهم وحل خصوماتهم» سواء كانت بين الأفراد أو بين القبائل والأعراش» حيث يذكر أن 
قضايا الأحوال الشخصية أو قضايا الجنايات والخلافات على الأراضي» كان يفصل فيها 
بالزاوية» ويحتكم فيها إلى شيخ الزاوية» وأصبحت الزاوية المرجع الأعلى في القضايا والمحكمة 
العليا بالنسبة للأفراد والقبائل في تلك الفترة» وهو الأمر الذي لفت انتباه الكاتب الفرنسي 


.6 ص١ الطبعة:‎ ١131 محمد مفتاح» الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية» دار الرشاد الحديثة تاريخ النشر:‎ )١( 
..5 7 بن سالم بلهادف: الزاوية التيجانية بقهار» ص‎ )١( 


(") يحي بوعزيز: ثورات القرن 9١و١7‏ ص45 ". 


27 111:311ع.آ» خلال زيارته إلى الجزائر حيث يقول: (تعتبر الزاوية مقرًا للقضاءء فهي 
تختصٌ بالفصل في القضايا المانيّة والجنائيّة» حيث كانت تحل من قبل الشيخ بحكم مكانته 
العلميّة والاجتاعية وما هو مشهود عنه من عدل وحكمة وعلم؛ ويكون فصله إِمّا بالصلح 
والتراضي» أو بالتعويضء أو الفدية» فالقضايا المدنيّة متمحورة في النزاعات حول الأراضي» 
والمباني أو الميراث» والقضايا الجنائيّة تتمثل في جرائم القتل وتدخل الأعراش للثأر. ىا تعتبر 
الزاوية مقرا لعقد القران» والتعاقد بين الأفراد() 

رابعا ‏ التكافل الاجتماعي: 

والمتمثل في الإيواء والإطعام ونحو ذلكء فالزوايا الصوفية مارست هذا الدورء ولا تزال 
تمارسه في كثير من المناطق» وليس هذا خاصا بالزوايا الجزائرية» بل إن الزوايا - مهما اختلف 
اسمهاء وفي أي منطقة من العالم ‏ كانت تعتني بهذه الناحية 

وقد كان لهذه الوظيفة الاجتماعية تأثيرها في جذب عدد كبير من الناس إلى الطرق الصوفية» 
لمهم كانوا يضمون إلى الإطعام والإيواء الطقوس الصوفية التي تتوفر على جاذبية خاصة تجعل 
من المتكفل مهم مريدين شعروا أو لم يشعرواء كا ورد في هذه الرواية: (تساءل بعض الطلبة في 
فاس عن كيفية قضاء ليلتهم» فقال بعضهم: هل لكم في المبيت معهم ( المريدين) فتتفرج في 
حضرتهم أي السماع» ونشبع من الكسكس)" 

وقد ذكر الدكتور عبد اللطيف الشاذلي العلاقة القديمة بين التصوف والتكافل الاجتماعي» 
فقال: (تمثل عمليات الإيواء والإطعام عنصرا أساسيا في الجهاز الصوفي.. وهو نظام تطوعي 
)١(‏ نقلاعن: حنفوق إسماعيل» الطرق الصوفية في الأوراس» بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصرء 
تخصص تاريخ الأوراس» إشراف الدكتور صالح فركوسء سنة .7١٠١‏ ص 215١‏ وانظر: مقال بعنوان: (عن التصوف والصوفية 


في الجزائر) التاريخ: ١577-4-١5‏ ه الشهاب الثقاني» عبد المنعم القاسمي الحسنيء الرابط: موقع الشهاب للإعلام؛ 


أع مط 3ط أحاء . نالا لالالانا 
() الفاسي» محمد المهديء ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع وما لما من الأتباع» طبعة ا مغرب »١94915‏ ص /1. 
"> 


تكافلٍ مبني على التعامل بالمثل بكيفية توفر لكل مسافر من الصوفية إمكانية الاستفادة من بنية 
استقبال في أي مكان ذهب إليه)(") 

ولا حاجة لنا إلى الأمثلة عن دور الزوايا الجزائرية في هذا الجانب» فهو معروف مشتهر 
فالزوايا تقوم باستقبال كل أصناف الناس حتى المجانين منهم, لتكفلهم؛ أو تسخرهم في أعمال 
الزاوية الكثيرة» أو ليصبحوا بعد ذلك مريدين للطريقة التي تنتمي إليها. 

أما المصادر التي تؤهل الزاوية للقيام ببذه الوظيفة» فتتمثل في الاشتراك الذي يقدم من 
طرف المريدين» والذي يطلق عليه في مصطلح الطرق الصوفية (الزيارة)» ويعطى عادة للشيخ 
أو أحد مقدميه؛ تعبيرا عن الولاء والطاعة» وهو عبارة عن عطاءات عينية ونقدية» وهي واجبة 
ومحددة» وعادة يرسل المقدم الشاوش إلى من تخلف من الأتباع في دفعها لتحصيلهاء ولكن 
غالبا ما كانت عملية الدفع تتم عن طيب خاطر؛"» وهي بذلك لا تختلف عن الاشتراك الذي 
يقدم في التنظيمات الحزبية أو النقابية. 

بالإضافة إلى أموال الزكاة» والتي كانت من المصادر المهمة لمداخيل الزواياء وقد كان هذا 
من مواضع الخلاف بين جمعية العلماء والطرق الصوفية» فقد كان الإصلاحيون يرون حرمة 
أخذ الزوايا للزكاة باعتبارهم ليسوا من الأصناف الثانية الذين شرعت لأجلهم الزكاة» وى| 
هو معلوم» فقد كان مقصودهم الأكبر مهذا الشيخ ابن عليوة. وقد نشرت جريدة النجاح مقالا 
يتساءل فيه صاحبه عما يدفع من الأموال لأرباب الزوايا أو يستجلبونه بواسطة المقدمين بقصد 
الزكاة هل هو مجزي أم لا؟ 

فكتب ابن عليوة لجريدة النجاح يقول: (إن صرف الزكاة لغير الأصناف الثانية لا يحتمل 


(1) د. الشاذلٍ عبد اللطيفء التصوف والمجتمع نموذج القرن العاشر الهجريء مطبعة سلا 2١14/4‏ منشورة جامعة الحسن الثاني» 
ص 185 


.7١ أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي» ج 5» المرجع السابق. ص‎ )١( 
7 /اه‎ 


الجواز لآنها فريضة من الله» ولكن لا يمتنع أن يكون في أرباب الزوايا من يصدق عليه الوصف 
بعينه» كأن يكون مسكينا أو مديناء هذا من جهة» ومن جهة أخرىء يحتمل أيضا أن يوجد من 
أرباب الزوايا من يأخذها ليصرفها في أبوامها. لذا أقر بآن دفعها له غير سديد» ولكنه لم يمنع 
إرساها إليه» الشيخ ألح فقط على من أراد بإحسانه دفع زكاة أمواله- وأراد أن يتم صرف تلك 
الأموال بواسطته- أن يبين للشيخ أنها زكاة ليصرف ذلك المال في وجوهه الشرعية)(2 

بالإضافة إلى هذا كله كان هناك المتجردون الذين يقومون بالخدمة دون أجرة مقابل عملهم. 
وقد كان هذا من الأمور التي أنكرتها الجمعية على الطرق الصوفية» وخصوصا الطريقة 
العلاوية» فقد جاء في مقال للشيخ البشير الإبراهيمي منتقدا فيه إصلاحات الطريقة العلاوية 
قوله: ( وكان من تنقيحاتهم المضحكة تحديد مراحل التربية (الخلوية) لمعرفة الله بثلاثة أيام 
(فقط لا غير)» تتبعها أشهر أو أعوام في الانقطاع لخدمة الشيخ من سقي الشجرء ورعي البقرء 
وحصاد الزرعء وبناء الدور مع الاعتراف باسم الفقير» والاقتصار على كل الشعيرء ولئن 
سألتهم لم نزلتم مدة الخلوة إلى ثلاثة أيام؟ ليقولن فعلنا ذلك مراعاة لروح العصر الذي يتطلب 
السرعة في كل شيء» فقل لهم: قاتلكم الله. ولم نقصتم مدة الخلوة» ولم تنقصوا مدة الخدمة أيها 
الدجاجلة؟)7") 

خامسا ‏ مواجهة الانحرافات الاجتماعية: 

وهذا يظهر من خلال اهتمام الطرق الصوفية بالشريعة» من تحريم الحرام» وتحليل الحلال» 
وأداء الواجبات» فالشريعة -كم| يتفق كل مشايخ الصوفية- هي البوابة للسلوك الصوفي. 

ومن هذا المنطلق دعت الطريقة العلاوية المنكرين عليها من أعضاء جمعية العلماء إلى الاهتمام 


)١(‏ أحمد بن مصطفى العلاوي : أعذب المناهل في الأجوبة والرسائل»ءص18» نقلا عن: غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر 
ومكانتها الدينية والاجتاعية ١915‏ -1409, ص95١.‏ 


.١071١/١ آثار الإبراهيمى:‎ )١( 


بمواجهة الرذائل الاجتاعية التي تريد أن تنحرف بالمجتمع الجزائري عن هويته بدل الاهتمام 
بالجزئيات المرتبطة بالطرق الصوفية» يقول الشيخ ابن عليوة في هذا بلغته البسيطة والعميقة: ( 
دائرة الإسلام أوسع من أن تضيق بمذاهبه. إنم| تضيق بارتكاب الرذائل والموبقات التي أراها 
الآن على تم (كذا) انتشار.. الأمر الذي يقضي على الدين» والمروءة والأخلاق.. إذا فلم لا 
نتضامن على حطم ما يرى عند الجميع منكرا)(”) 

ولانشغال التيارات الوطنية في ذلك الحين بالعمل الحزبي» فقد دعا الشيخ ابن عليوة إلى 
تشكيل حزب ديني لحفظ دين الأمة وهويتهاء واقترح في صحيفة (البلاغ الجزائري) إحياء 
العمل بنظام الحسبة في الإسلام بإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرء لصيانة 
الأخلاق ومحاربة المتكرات» بواسطة رجال الحكومة ونواب الأمة". 

المطلب الرابع: الإصلاح السياسي عند الطرق الصوفية 

نحب قبل أن نتحدث عن تصور الطرق الصوفية للإصلاح السيامي أن نذكر أن من 
الحقائق التاريخية التي لا يجادل فيها أحد أن أول وأقوى من واجه المستعمر الفرنسبي عند 
احتلاله الجزائر هم الصوفية» ابتداء من الأمير عبد القادر الذي كان صوفيا عرفانيا بامتياز 
وانتهاء بالمقاومات المتفرقة التي قامت بها الطريقة ال رحمانية بفروعها المختلفة. 

وهكذا جرت حروب كثيرة أدرك بعدها الجزائريون - با فيهم الصوفية - أن الوقت لم يكن 
في صالح هذه المقاومات المتفرقة» وأن العدة والعدد والظروف الدولية وأشياء أخرى كثيرة 
تحول دون نجاح الجزائريين في طرد المستعمر من بلادهم. 

وقد اختلف الجزائريون حينذاك في النهج السلمي الذي يختارونه» ىا هو معروف في تاريخ 


..193717 أوت‎ 75-1١17557 صفر‎ ١1/ البلاغ: (إلى كتاب أمتنا ومفكريها)» البلاغ الجزائري»ع: 5 "ا مستغانم:‎ )١( 
(؟) محمد عواديء إرشاد النبيل لمقالات الأستاذ الجليل» مخطوط بأرشيف المطبعة العلاوية بمستغانم ص /7117» وص 2157 نقلا‎ 


عن: غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية 1404-1975 ص5١7.‏ 
الكل 


الحركة الوطنية» وقد رأت الطرق الصوفية أن كل تلك الحلول غير مجدية» فلذلك عارضت 
الحزبية بكل قوة» بل عارضت دعاة الوطنية والقومية أيضاء لأن طروح هؤلاء ستغذي من 
العصبيات ما يحول دون المشروع الذي هو في صميم منهجهم, والذي انتهجه من قبلهم الذين 
استطاعوا أن يحولوا التثار من عدو إلى صديق. 

وهذه السياسة التي انتهجوها أساء خصومهم - للأسف- فهمهاء فاعتبروا هذه الطرق 
صديق فرنسا الصدوقء وأخهم صنيعة الاستعمار وأشياء كثيرة لا زالوا يرمونهم مهاء وهي التي 
جعلت بعد ذلك من الدولة الجزائرية تقوم بتعتيم كبير على الطرق الصوفية وعلى الجهود 
الإصلاحية التي قاموا بها. 

وسنحاول هنا باختصار أن نذكر أسس مشروع الإصلاح السياسي ى) تتصوره الطرق 
الصوفية» وخاصة أنشط الطرق في ذلك الحين الطريقة العلاوية. 

أولا تجنب المواجهة المباشرة مع الاستعمار: 

وهذا الأساس يشكل الأرضية لما بعده» فقد كان الاحتلال الفرنسي ينقض على كل مجاهر 
بالعداوة له» ليحول بينه وبين الظهور على الساحة أولاء ثم على تفعيل ما يريد تحقيقه من 
أغراض ثانياء وهذا ما جعل الجمعية - على الرغم من توجهها الإصلاحي- تجامل الاستعمار 
في محال كثيرة ى| سبق ذكره. 

بالإضافة إلى هذا يذكر الباحثون المذهب العقدي الذي ينتمي إليه صوفية الجزائر» وهو 
المذهب الأشعريء الذي يسوغ الخضوع للإمام الجائر إذا اشتدت وطأته؛ ولم يمكن مواجهته. 

بالإضافة إلى هذين العاملين العامل المميز للصوفية» وهو التصوف نفسه. فالصوفي ابن 
وقته» وهو يتجنب المواجهة مع الآخر ما استطاع إلى ذلك سبيلاء وخاصة المواجهة التي تكون 


بالإضافة إلى هذا كله ربا يكون ما يسمى ب (مراعاة المصالح)؛ وهو مبدأ فقهي اتفقت عليه 


"٠ 


جميع الأمة هو السبب الأكبر في هذاء فقد كانت جميع المصالح بيد فرنساء ولم تكن الظروف 
لتسمح لأي طرف بانفراده أن يتمرد عليهاء ولذلك كان الأصلح في مثل هذه الأحوال أن 
تداهن لينال منها كل طرف ما يخدم مصالح الأمة» ولهذا آثرت الجمعية هذا التوجه. 
واستطاعت من خلاله أن تجني الكثير من النتائج الإيجابية. 

ثانيا ‏ المحافظة على الشخصية الجزائرية: 

كان الشيخ ابن عليوة يرى - كما يرى غيره من مشايخ الصوفية- أن المشكلة في الجزائر 
ليست مشكلة سياسية» ولا مشكلة استعار» وإنما هي مشكلة دين» فعندما هزل التدين في 
الجزائريين صارت لمم القابلية للاستعمار» وإذا رفع هذا الهزال بعودة الدين إلى المجتمع» فإن 
المصيبة لا محالة ترتفع» فا نزل بلاء إلا بذنب» ولا رفع إلا بتوبة. 

وقد كان يخاطب الجزائريين مهذاء فيذكر لهم أن الغرب وإن كان أستاذ العالم في الماديات» 
لكن العالم الإسلامي جدير بأن يكون أستاذا للغرب أخلاقيا وعقائدياء (فلو اهتدينا ببدي 
دينناء وعملنا بتعاليمه وتعاونا على تبليغه لاستفاد العالم الغربي من أخلاقنا ومعتقداتنا فيصبح 
العالم الإسلامي أستاذا للعالم الغربي في الأدبيات» ىا أضحى هو أستاذ العالم الشرقي في 
الماديات» ولكن أين العاملون؟)70) 

ولهذا ابتعد الشيخ وأتباعه عن الممارسات السياسة التي كانت تمارسها بعض الحركات 
الوطنية في ذلك الحين» واقتصروا على تعميق الدين في المجتمع بإحياء الشعائر التعبدية ومقاومة 
الانحرافات الخلقية» وقد وصف الشيخ محمد السعيد الزاهري - بعد أن تخلى عن حربه 
للطريقة العلاوية- الشيخ ابن عليوة بأنه من دعاة الإصلاح الديني الإسلاميء في الوقت الذي 


)١(‏ أضاميم المد الساري لصحيفة البلاغ الجزائري» ج »١‏ قدم له وحققه: عبد السلام بن أحمد الكنوني» راجعه وأشرف عليه: عدلان 
خالد بن تونسء. ط .١‏ طنجة» 05٠9/85.615١اءص .١79‏ 
5335 


يعتبر نفسه ضمن تيار الإصلاح الوطني السيامي'". 

وهذا أيضا ما صرح به محمد العوادي الذي وصف الشيخ ابن عليوة بقوله: ( كان الأستاذ 
العلوي رجلا دينيا محضاء لا يحب من الأحزاب السياسية إلا ما يقرر ترجيح الديانة على 
السياسة» ولا تربطه به أية رابطة سواها)() 

ولعل هذا ما جعل الشيخ ابن عليوة يظهر بصورة المدافع عن الاستعمار عندما يعاتب أو 
يوبخ الشعب الجزائري على تقصيره في الالتزام بالدين» فهو يذكر أن (حالة مسلمي الجزائر 
الدينية اليوم ليست هي عين حالتهم بالأمس.. بل لا يوجد فيما بين ا حالتين أدنى شبه إذا قابلنا 
ما بين مساجدنا الآن» وبين عددها بالأمس.. فعدد مساجد مدينة الجزائر وحدها كان يزيد على 
المائة مسجد ما بين حنفي ومالكي فضلا عن المدارس والزوايا وعدد مساجدها الآن لا يتجاوز 
عدد الخمسة)9) 

ثم يعقب على بيان السبب في هذاء وهو عنده ليس المستعمر» بل الشعب نفسه. بل إنه يكيل 
للمستعمر الثناء في تنوير الشعب”» ويلومه في نفس الوقت لأنه لم يفقه الطريق الحقيقية المؤدية 
إلى الإصلاحء يقول في ذلك: ( فكم هذا والقطر الجزائري متسربلا بالراية الفرنسوية متجملا 
برونقهاء والكل يعترف من أنها دولة من أسرع الدول سيرا في سبيل الإصلاح» ومع هذا لم 
نستفد من ذلك الإصلاح إلا ما نراه كاللازم من عمارة السجون بسفهائنا والطرقات بأبنائنا 
الفارغين من أعمال الدنيا والآخرة» ومع هذا فلست بقائل أن الحكومة تعمدت ترك الإصلاح» 


. 419 ص‎ ١7 أضاميم المد الساري لصحيفة البلاغ الجزائري» ج‎ )١( 

)١(‏ محمد العوادي: (جمعية التذكير)» لسان الدين»ع: ه””. الجزائر: 7٠١‏ جمادى الأولى 1707 ه.. 

(*) (مسلمو الجزائر وحالتهم الدينية)» لسان الدين»ع: 8» الجزائر: ٠١‏ فيفري 1977. 

(:) نحب أن ننبه هنا إلى أن ما اقتبسناه من نصوص عن ثناء ابن عليوة على الاستعمار» والتي كانت من باب المجاملات التي تستخدم 


لتحقيق المصالح العامة» قد ورد مثلها كثير عن كثير من الحركات الوطنية» بها فيها جمعية العلماء المسلمين أنفسهم. 
حسن 


كلا! إن| أقول: جهلت الطريق الموصلة إليه فأتت البيت من غير بابه)(") 

بل إنه فوق هذا يدافع عن فرنسا ضد من يرى بأن ( أولي الأمر لا يسمحون بإظهار شعائر 
الإسلام)» ويستدل لذلك بأن الحكومة الفرنسية هي الأعرق في تقرير حرية الأديان على 
اختلافها/". 

يقول معبرا عن هذا: ( فمتى اجتمع المسلمون على نحو تأسيس مدرسة علمية» أو جماعة 
أن تأمرهم بنحو ذلك رسميا. كلا! لأن ذلك ليس هو من وظيفتهاء فهي لا تأمر أبناء جنسها 
بمثله. ى| أنها لا تنهاهم أيضا عن تعاطيه. فكيف تريد أنت أيها المسلم أن تجعل لك درسا 
تأمرك فيه بتأسيس دينك...ألم يكفك أنها حملت على عاتقها احترام دينك وعوائدك؟ 0 

انطلاقا من هذا ركزت الطريقة العلاوية بقيادة شيخها على برنامج للإصلاح الديني 
يصحح الوضع في الجزائر» من غير أن يصطام في ذلك مع الاستعمار» فساهمت في بناء الزوايا 
التعليمة والتربوية الكثيرة» بل ذهبت إلى المناطق التي قصدت من طرف المبشرين كبلاد 
القبائل» فقامت بجهود كبيرة لحايتها من غير أن تصطدم مع المستعمر» وقد نقلت البلاغ 
الجزائري عن صحيفة النجاح قوها: (إن الشيخ ابن عليوة أنقذ مئات الآلاف من القبائل الذين 
استحوذت عليهم جمعية الآباء البيض في زواوة والحمامات وغيرهما) ') 

وهذا يرد على تلك الاتبامات التي وجهت للشيخ وطريقته من أغهم كانوا يدعمون التبشير» 
حتى أن صاحب صحيفة (المرصاد) نعته ب (الكاردينال المتروي)7)» وبمثل ذلك اتهم سعيد 
(1) (كيف نتوخى الإصلاح؟)» لسان الدين»ع: ”. الجزائر: 4 جانفي .١9717‏ 
(؟) ح.ع: ( مسلمو الجزائر وحالتهم الدينية»» لسان الدين»ع: ه. الجزائر: ١‏ جانفي 1977. 
() ح.ع: ( مسلمو الجزائر وحالتهم الدينية»» لسان الدين»ع: ه» الجزائر: 7٠١‏ جانفي 1977. 


5( أضاميم المد الساري. ج ١ءص‏ و5237" . 


)5( أحمد توفيق» حياة كفاح» ص 5 77. 


الزاهري الشيخ وطائفته بالدعوة المسيحية الإسلامية وأنه بين المسلمين مبشرا من ( المبشرين 
بالمسيح)(0 

وهذا كله بسبب سوء الفهم من كيفية التعامل في ذلك الوضع الخاص الذي تعيشه الجزائر 
من جهة» وعن تأثير التسامح في التغلب على الخصم الذي يملك من أدوات القوة ما لا يستطيع 
أن يواجه بمثلها. 

الثا- تقريب المستعمر من الإسلام: 

وهو منهج استعمله الصوفية قديا مع التتر ومع غيرهم, أي أن (يدخل الغالب في دين 
المغلوب)» والفلسفة التي ينطلق منها هذا المنهج بسيطة» وهي أنه عندما يصبح للمغلوب من 
القوة الروحانية والإييانية ما يستطيع أن يقهر به غالبه» فلابد أن يستسلم له أخيرا حتى لو كان 
منتصرا عليه بالقوة المادية» لأن القوة الروحية أقوى من القوة المادية. 

وقد عبر ابن عليوة عن هذا بقوله: ( لو أن الإسلام ظهر بتعاليمه الحقيقية على الأسلوب 
الملائم للعصر الحاضرء لوجد من الأنصار في أهل أورباء أكثر ما وجدته المسيحية في إفريقيا 
الشمالية وغيرها من الأنصاره على أن أنصار التعاليم الإسلامية يعتبرون من الطبقة العالية بين 
أهل العصر الحاضر....لو كان في الآمة من يقوم ببذه الدعوة الجليلة القدر بانتظام وحسن 
دراية» لكان الإسلام يعمل بسهولة في أواخر القوم أكثر ما عمل في أولهم...وعللى 
الأقل...لحسن ثقة الأجانب بتعاليم دينه» الذين (كذا) هم يتخيلونه الآن أشبه شيء بشبح 
مبهم...)(") 

وقد رأى أن تقريب المستعمر من الإسلام عبر هذا الأسلوب يستدعي أمرين: 

الأول: أن يتحول الجزائريون إلى مستوى ديني وأخلاقي صالح لأن يجعلهم نموذجا صا حا 


.7917 ص١ أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة» ج‎ )1١( 


(؟) البلاغ الجزائري» ع: 0. مستغانم: 0 جانفي .١9571‏ 
535 


لتمثيل الإسلام. 

والثاني: هو الدعاية التبشيرية للإسلام باللغة التي يفهمها الغربء والتي يرى أنه بحاجة 
إليهاء وفي هذه الحالة ينظر رجال الطرق إلى المستعمر لا كمحاربء. وإنا كإنسان يملك عقلا 
وقلبا وروحاء وبذلك يمكن مخاطبة هذه اللطائف فيه» واستع لما في إصلاحه. أو على الأقل 
التخفيف من حدة عدوانه. 

ولهذا كان الشيخ ابن عليوة يرى أن الدعوة للإسلام في الغرب ممكنة» وأنه يمكن تحويل 
الغرب إلى مسلمين إذا انتهجنا منهج الحكمة والموعظة الحسنة ونشر الكتب والمجالات 
والمحاضرات والمسامرات0©. 

ولهذا كان يرى أن تعرض تعاليم الإسلام با يتناسب مع العقل الأوروبي» وخاصة العقل 
الجاف البعيد عن الروحانية» ولهذا حاول أن يفسر سورة النجم با يتناسب مع العقل الأوروبي 
المسيحي ليقرب له بذلك الإسلام. 

وقد لقيت هذه المحاولة إنكارا وطعنا شديدا من بعض أعضاء جمعية العلماء المسلمين 
الجزائريين إلى درجة أن سعيد الزاهري أرسل سؤلا إلى جريدة البلاغ على صفحات جريدة 
الشهاب يسأها: (لماذا فسر شيخها العلوي سورة والنجم بتعاليم يسوع المسيح عليه الصلاة 
والسلام» وبما جاء في الإنجيل؟)!". فلم يتلق جوابا فعلق موضحا هدفه من السؤال بقوله: 
(سألتها هذا السؤال لأني أعتقد أن مبشرا مسيحيا...قد كتب هذا التفسير ثم أخرجه للناس 


باسم الشيخ ابن عليوة)!" موحيا بأن القس الكاثوليكي بالجلفة الأب جياكوبيتي الذي يدير 


(1) البلاغ: (إننا المحتاجون لبث دعاية إسلامية)» البلاغ الجزائري» ع: »١6١‏ الجزائر: 7 شعبان /115». أضاميم المد الساري» ج 
اءص 718 ..١‏ 
(؟) أحمد حماني: الصراع بين السنة والبدعة» ج ١‏ ص 7917. 
فيه المصدر نفسه. 
6" 


نشريه الاتحاد الكاثوليكي الأهلي هو صاحب التفسير» لكن الرسالة في طبعتها الأولى كانت قد 
صدرت عام »١4١7‏ أي قبل التقائه بالأب جياكوبيتي بعشر سنوات. 

وكان هذا الموقف من الزاهري من الأمور التي أنكرها عليها ابن باديس بعد ذلكء لما يعرفه 
عن جهود الشيخ ابن عليوة في إنقاذ المسلمين من الوقوع في حبائل المبشرين!". 

ولم يكتف الشيخ ابن عليوة بجهوده الفردية» بل دعا إلى تأسيس مؤسسة في الغرب تقوم 
بالتعريف بالإسلام والتحبيب فيه» وقد عبر عن هذه الرغبة بقوله: ( سأكون سعيداء إذا تمكنت 
في يوم ما أن أكون جماعة تكون لي ترجمانا بين أوروبا والمسلمين» لأنني متيقن من أنه إلى حد 
الآن لا تزال أوربا تجهل خصوصيات الإسلام. إذا أمكننا تأسيس هذه النواة القادرة على 
إيصال مقاصد الإسلام» لا أشك لحظة واحدة في زوال المسائل التي تفرقنا )7") 

وقد بدأت نواة هذه الجمعية» والتي سميت ب (أحباب الإسلام)”" في عهد الشيخ من طرف 
بعض الفرنسيين الذين أسلمواء وكانت هم مهم علاقة روحية» ولعل أهمهم (شارل طابيي) 


الذي كان سبب شروعه في تحرير كتاب الأجوبة العشرة» و(عبد الكريم جوصو).» بالإضافة 


)١(‏ من ذلك إنقاذه لجماعة من المسلمين من أيدي (جمعية الميتوديست البروتستانتية) وقد غطت صحيفة البلاغ الجزائري الحدث 
وأشركت معها أهل الأريحية من رجال قسنطينة لمساعدة المجموعة العائدة إلى دائرة الإسلام» بعد أن طردت جمعية الميتوديست من 
كفالتها مبارك بن سليمان السوفي القماري» مع بعض الفتيات حين كاتب الأستاذ العلوي الشيخ ابن باديس في الموضوع فسر بالعمل 
وأعانهم ماديا انظر: (استلفات لأهل الأريحية من رجال قسنطينة أضاميم المد الساري.. ج .١‏ ص .١55‏ 

1م١150‏ اقلاج + -./ا؟١‏ مامعزلعظ عع :١‏ مرعموع 1053لا رعغممكم مغ رقة “ص ,لأطعهم اع نقلا عن: غزالة 
بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية ”4-197 195. ص .751١‏ 

(*) جمعية أحباب الإسلام: أنشأها الشيخ عدة بن تونس ومقاصدها: التبشير بالدين الإسلام وبث تعاليمه بين المسلمين وغيرهم 
من مختلف الأديان والأجناسء وإعطاء صورة صحيحة عن الإسلام وتاريخه المجيد بعد أن شوهه كتاب مغرضونء ولم شعث 
الأوربيون الذين اعتنقوا الإسلام على يد الطائفة العلاوية ومدها بأنواع الإرشاد والتوجيه الديني» وتطورت هذه الجمعية وصارت 
لما هياكلهاء وندواتها وإصداراتها لتقوم بعملها الدعوي في الخارج وني الجزائر أيضا. عدة بن تونس: تنبيه القراء إلى كفاح مجلة المرشد 


الغراء» ج -١,159‏ ص 157. 
كك" 


إلى الفيلسوف الفرنسي الكبير (روني قينون)» والذين كان يوجه الأووسة الذين دخلوا 
الإسلام لسلوك الطريق على يدي الشيخ ابن عليوة. 


/ 


خاتمة الفصل 

من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل ما يلٍ: 

١‏ أن انقسام الصوفية إلى اتجاهات ومدارس هو الاعتقاد السائد عند أكثر 
الباحثين في التصوف سواء كانوا من المؤيدين له أو المتكرين عليه» وإن كان هناك 
من يرى الصوفية شيئا واحداء ومنهم بعض أعضاء جمعية العلماء المسلمين» وقد 
تعاملنا مع الاعتقاد السائد بتقسيم الصوفية إلى مدارس متعددة» لنرى من خلال 
ذلك الاتجاه الذي ينتمي إليه صوفية الجزائر الذين تعاملت معهم جمعية العلماء. 

؟ - رأينا أنه يمكن أن يقسم التصوف - بحسب وجوده في الواقع- إلى 
قسمين» أو مدرستين قد تتداخلان فيما بينهما» فيكون الصوفي الواحد في القسمين 
جميعاء ثم إن لكل قسم أنواعه الخاصة به كذلك» وهذان القسمان هما: التصوف 
السلوكي» والتصوف العرفاني. 

“ - التصوف السلوكي هو التصوف الذي يبتم بالسلوك والمجاهدات 
والأذكار ونحوهاء ويمكن تقسيمه بحسب المارسات السلوكية فيه إلى قسمين: 
قسم متفق على ممارساته السلوكية» وهو يدخل ضمن ما يسمى بالتصوف 
السني» وقسم ختلف في ممارساته» وهو الذي يسميه أعداؤه (التصوف 
البدعي)» ونحن نؤثر تسميته ب (التصوف المختلف فيه)» باعتبار أنه يستدل 
لممارساته باجتهادات فقهاء ومحدثين كبار من القدماء والمحدثين» ومثل هذا لا 


يستعجل فيرمى بالبدعة» وسنرى تفاصيل الخلافات الواردة في هذا النوع في 


الفصل الخاص بالسلوك الصوفي الظاهري. 

- التصوف العرفانٍ هو الذي يطلق عليه كذلك لقب «(التصوف 
الفلسفي)» وهو موجود ني كل الطرق الصوفية» وهو عادة تصوف النخبة من 
المثقفين الصوفيين» لآن فيه جوانب فلسفية لا يطيقها العامة» ولعل أحسن من 
يمثله في وقت الجمعية الشيخ ابن عليوة» وهو في الواقع أيضا ينقسم بحسب 
المعارف التي ببتم بها هذا النوع إلى أقسام كثيرة» تبدأ من العرفان الإلحي» وتنتهي 
إلى الاهتام بالسحر والشعوذة. 

5 حصل نوع من الجدل بين الجمعية والطرق الصوفية حول العلاقة بين 
التصوف والطرق الصوفية» فهناك من الجمعية من يرى الطرق الصوفية شيئا 
آخر غير التصوفء وهناك من يراهما شيئا واحداء ويحمل عليههم| حملة واحدة. 

5 - رأينا أن هناك في الواقع الجزائري من لا يفرق بين زوايا الطرق الصوفية 
التي تنشر الذكر وتربي المريدين عبر مناهج معينة» وبين زوايا المشعوذين 
والكهان وغيرهم» بحجة أن الجميع يسمي البناء الذي يارس فيه وظيفته 
(زاوية)» حتى أن الأمر تعدى إلى الزوايا العلمية» فنسبت هي الأخرى إلى 
الشعوذة والخرافة بحجة أنها تسمى (زاوية) 

- تتفق الطرق الصوفية جميعا مهما اختلفت توجهاتها وأساليبها في السلوك 
على شرطين: الشيخ المرشد, والذكر. 

رأينا أن الطرق الصوفية» وإن اتفقت في كثير من شروط السلوك أو 


مراحله أو نتائجه إلا أنها تختلف اختلافا جذريا في رؤيتها الإصلاحية» ذلك 
لأنها عادة ما تكون تابعة لشيخهاء فإن كان لشيخها نشاط سياسبي صارت 
الطريقة طريقة سياسية واقتحمت الحياة السياسية ومارست السياسة من أوسع 
أبوامهاء وإن كان شيخ الطريقة مقاوما عسكرية» صارت الطريقة بمريديها 
ومقدميها وزواياها جنودا لتحقيق غايته» فإن وضع السلاح وضعت السلاح 
معهء ثم لا تتحرك بعد ذلك إلا بأمره. وهكذا. 

4 يعتبر الصوفية عموما أن السبب في كل ما يحدث في الواقع من أحداث 
هو العلاقة مع الله المعبر عنها بالتدين» فبقدر ما تكون العلاقة مع الله متينة صلبة 
حية» بقدر ما تستقيم الحياة» وبقدر ما تنهار تلك العلاقة تن رالحياة» ولذلك لا 
يتشتت أصحاب الطرق في البحث عن أي حل» فالحل عندهم واضح. 

٠‏ -يعتبر الإصلاح الديني هو الإصلاح الأساسي الذي يمكن أن نقصر 
عليه دور الطرق الصوفية» ذلك أن دور الشيخ المربي - الذي هو مركز دائرة 
الطريقة - هو التوجيه الديني لمريديه أو الرقي بهم إلى درجات معينة من سلم 
الكمال الإيماني حسب) يراه» وهذا لا يعني أن سائر أنواع الإصلاح مستبعدة من 
الطريقة أو من شيخهاء ولكن المراد هو أن المنطلق في الإصلاح هو الدين؛ وأما 
ما عداه من سياسة أو تربية أو مجتمع هو نتيجة حتمية لتحقق التدين بمفهومه 
الشرعئ: 

١‏ -إن كان الكثير يحكم على الدور السياسي للطرق الصوفية في الفترة التي 


006 


تلت المقاومات الشعبية والطرقية للاستعار بالسلبية» فإن القليل جدا من 
الباحثين المنصفين من يحكم على دورهم التربوي والتعليمي بذلك. فقد كانت 
الزوايا ‏ مهما اختلفت الطرق التي تنتمي إليها ‏ تمارس هذا الدور بفاعلية في 
المدن والأرياف» وفي أي محل يكون لها وجود فيه ولهذا لم تنكر الجمعية ما تقوم 
به الزوايا والطرق الصوفية من أدوار في هذا الاتجاه» وإنم| تنكر عليها بعض ما 
يطرح في تلك المؤسسات من أفكار لا تتفق معها الجمعية. 


الفصل الثالث 

آثار التوجهات الفكرية على العلاقة بين الجمعية والطرق الصوفية 

بعد أن تعرفنا على التوجهات الفكرية والمشاريع الإصلاحية لجمعية العلماء 
والطرق الصوفية» نحاول في هذا الفصل أن نبحث عن آثار تلك التوجهات على 
العلاقة بين الطرفين. 

ونحب قبل أن نبحث في هذا أن نذكر بعضٍ الملاحظات المنهجية: 

١‏ - با أن كلا من الجمعية والطرق الصوفية تنتمي إلى مدارس خاصة لها 
امتدادها في العالم الإسلامي, فإن المنهج العلمي دعانا إلى عدم الاكتفاء بها ذكرته 
الجمعية» أو با ذكره رجال الطرق الصوفية الجزائرية من تصريحات ومواقف. 
وإنما نضم إليها ما ذكره غيرهم لبيان أثر التوجه الفكري في المواقف والعلاقات. 

؟ - أنا حاولنا أن نستقرئ التهم المتبادلة بين الطرفين» ونؤرخ لماء وهو ما 
جعلنا نعود إلى الجذور الفكرية التي ينتمي إليها كلا من الجمعية والطرق 
الصوفية. 

أنالم نكتف بسرد التهم» وذكر التصريحات الدالة عليهاء وإن) حاولنا أن 
نبحث عن العلل الداعية لهاء ومناقشتها. 

؛ - أنا - ىا فعلنا في سائر فصول الرسالة- لم نكتف بالوصف أو السرد. 
وإنما تدخلنا بالنقد العلمي في حال الحاجة إلى ذلكء لاعتقادنا أن السكوت عن 


البيان وقت الحاجة لا يجوز. 


تفيل 


بعد هذه الملاحظات,ء فقد قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين: 

تناولنا في المبحث الأول: التهم الموجهة من جمعية العلماء للطرق الصوفية. 

وتناولنا في المبحث الثاني: التهم الموجهة من الطرق الصوفية لجمعية العلماء. 

المبحث الأول 
التهم الموجهة من جمعية العلماء للطرق الصوفية 

كما عرفنا سابقاء وفي مواضع مختلفة أن من الأهداف الأساسية التي أسست 
لأجلها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» بل أسس لأجلها التيار السلفي 
بنوعيه» هو مواجهة الطرق الصوفية والرد عليها ومحاربتها بكل الوسائل. 

وقد ذكرنا الأدلة الكثيرة الدالة على هذاء سواء من الناحية الرسمية المتمثلة 
في قانون الجمعية» أو من خلال تصريحات أعضاء الجمعية» وقد عرفنا أن 
الخلاف بين أعضاء الجمعية في هذا ليس إلا في طريقة التعامل مع المخالف أو في 
بعض القضايا الفرعية. 

بناء على هذاء فإنا سنحاول في هذا المبحث أن نطرح التهم التي على أساسها 
قررت الجمعية إعلان الحرب على الطرق الصوفية» بل تقديم الحرب عليها على 
درب اللاستعان نفسة: 

وقد عبرنا عن هذه المواقف بكونها (تبما) بناء على التصريحات التي بثها رجال 
الجمعية» وهي #بم من جهة أنها تفتقر إلى الدليل» أو أن الدليل قد يختلف فيه 


وبالتاللي تبقى تهما مهما كان» خلافا لبعض الباحثين الذين يتصورون أن ما تقوله 


فين 


اجمعية حقائق لا انفكاك عنهاء والأمر ليس كذلك. كا أن الأمر بالنسبة 
للمخالفين ليس كذلك. 

وكمثال بسيط على ذلك أن الكثير من المواقف من الطرق الصوفية يعتمد 
فيها هؤلاء الباحثون على عدو الطرق الأكبر الشيخ الزاهري. فإذا اعتبر الزاهري 
الشيخ ابن عليوة أميا قبلوه ونشروا أقواله واعتبروهاء لكنه إن تكلم عن الشيخ 
الإبراهيمي» ووصفه بأدنى ما وصف ابن عليوة» نجدهم يستنكرون موقفه. 
ويعتبرونه عميلا وخائنا وأوصاف كثيرة. 

ونحن نقول لمؤلاء (الباحثين): حددوا موقفكم بدقة» فإن كان الزاهري 
خائناء فلا تجوز شهادته. لا على ابن عليوة» ولا على الإبراهيمي؛ وإن لم يكن 
خاتناء فلاذا لا تقبلون شهادته في الإبراهيمي كا قبلتموها في ابن عليوة.. أما إن 
قلتم: إنه كان مخلصا في وقت انضامه للجمعية خائنا بعد خروجه منهاء فهذا 
يفتقر إلى أدلة كثيرة لا يمكن لبشر أن يأتي بهاء لأنها تتعلق بالسرائر» ولا يعلم 
السرائر إلا الله. 

بناء على هذاء فقد رأيناء ومن خلال استقراء أصول التهم التي وجهتها 
الجمعية للطرق الصوفية انحصارها فيما يلٍ: 

-١‏ تهمة البدعة والخرافة 

؟ -تهمة الكفر والشرك 


#المفبفة انزان الأموال 


5 - تهمة مداهنة الاستعمار 

ولكل تهمة من هذه التهم فروعها المرتبطة بها. 

وقد حاولنا في هذا المبحث أن نذكر التهم» ونربطها بالتوجه الفكري 
للجمعية» مع ذكر الأدلة الدالة عليهاء أو الأدلة الناقضة لما في حال كون الاتهام 
باطلا في تصورنا. 

وقد وضعنا لكل تهمة مطلبا خاصا بها. 

المطلب الأول: تهمة التعبد بالبدعة والخرافة 

وهي أشهر التهم» وأكثرها طرحاء حتى صارت لفظة (الطرق) لا تذكر إلا 
مقرونة بكلمة البدع» وهي من التهم التي اتفق عليها المعتدل والمتشدد من 
أعضاء الجمعية» وليس الفرق بينهم| إلا في التعميم؛ فبين| نرى المتشددون يرمون 
كل أفعل الطرق بالبدعة والخرافة وما يستتبع ذلك من البعد عن الكتاب 
والسنة» نرى المعتدلين أقل حدة في هذه الجوانب» فلا يعممون أحكامهم. 

وبما أنا سنتناول بتفصيل الفروع المرتبطة با تعتبره الجمعية بدعة أو خرافة 
من سلوك الصوفية أو عرفانهاء فإنا سنقتصر هنا على التصريحات الرسمية أو 
الشخصية الدالة على هاتين التهمتين: 

أولا البدعة: 

صرحت الجمعية عند بيانها لأهدافها وغاياتها من حركتها الإصلاحية أن من 


لب أهدافها مواجهة ما تسميه ببدعة الطرق الصوفية» فقد نصت المادة السادسة 


حكلا 


عشر على أن (الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف ومبناها كلها على الغلو 
في الشيخ والتحيز لاتباع الشيخ وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ إلى ما هناك 


الشرور 7" 

ومن خلال تتبع منهج الجمعية في تعاملها مع الطرق الصوفية في هذا الجانب 
يمكن أن نلاحظ بعض الملاحظات: 

١‏ - انعدام الطرح العلمي: 


فمع أن علماء الجمعية اعتبروا ال مارسات الطرقية بدعة إلا أن لم أجد طرحا 
علمياء يصنف الأوضاع الطرقية واحدا واحداء ويتكلم عنها وعن أحكامها 
بطريقة الفقهاء المعتبرين» ليكون في ذلك فرصة لاطلاع المخالفء أو رده عليهاء 
ليقوم على أساس ذلك الإصلاح. 

لا نستثني من ذلك إلا رسالتين قصيرتين سنتحدث عن منهجها في الطرح 
عند الحديث عن وسائل الجمعية في تعاملها مع الطرق الصوفية» وهما رسالة 
(بدعة الطرائق في الإسلام)» ورسالة (الشرك ومظاهره)» وكلاهما أقل من جميع 
من النواحي من أن تستطيع أداء ما تتصور الجمعية أنها تواجهه من البدع. 

وللأسف - بدل أن تتوجه الجمعية للنقد مهذا الأسلوب- اختارت المنهج 
الخطابي» أو - أحيانا كثيرة - منهج السخرية والبذاءة» ولا يمكن بهذا الطريق 


)1١1 /7( آثار ابن باديس‎ )١( 
لحف‎ 


أن يتحقق الإصلاح, لأن العامي» وإن اقتنع با ذكرت الجمعية» فسخر من 
الطرق» وسقطت من عينه» فإنه سيسخر أيضا من الجمعية» وتسقط من عينه» 
وبالتالي لا يبقى أي مثل للإسلام. 

وهذا الذي وقع في الجزائر للأسف. ووهذا ولت الجزائر قبلتها بعد الاستقلال 
للعلانيين وغيرهم, لأها لم تجد من يستطيع بنزاهة وعلم وخلق وكفاءة أن يمثل 
الدين. 

؟ -إعطاء المختلف فيه حكم البدعة: 

والأمثلة على ذلك كثيرة منها حديثئهم عن السبحة وقراءة القرآن الكريم 
جماعة والذكر الجماعي وبعض العادات المرتبطة بالجنائز من الذكر والقراءة 
ونحوها ما سنراه بتفصيل في الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

التركيز على قضايا فرعية جدا: 

وهذا ما نعتبره خطأ منهجيا خطيرا حيث نلاحظ أن الجمعية ركزت عند ذكر 
البدع على قضايا فرعية جداء وخلافية جداء وحتى لو سلمنا بأنها من المجمع 
عليه» فلم تكن لما في ذلك الحين الأولوية» ولا أن تزاحم قضايا أخرى أكثر 
خطراء وسنرى الأمثلة على ذلك في الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

؟ - تقديمها لمواجهة البدع على مواجهة الاستعار والتبشير: 

والتصريحات الدالة على هذا كثيرة جداء وقد صدرت للأسف من أركان 


الجمعية الكبار» وخصوصا الشيخ الإبراهيمى» وقد سبق ذكر بعض ذلك» 


يغلا 


ونضيف إليه هنا مقالة نشرت في الشريعة» التي كانت حينها لسان جمعية العلماء 
كتبها (حمد جير فودة) تحت عنوان ( الدين الإسلامي بين المبشرين والمبتدعين 
)0 

وقد عقد في هذا المقال الخطير مقارنة بين ما تقوم به الطرق الصوفية من بدع 
حسب تصوره. وبين ما يقوم به المبشرون» وخلص إلى نتيجة فضل فيها المبشرين 
على الطرقيين. 

وسر تفضيله - كما يذكر - هو (أن جماعة المبشرين إنما يدعون إلى الخروج 
على الدين إطلاقا ويروجون لاعتناق دين غيره» وتلك دعوة ينبني على مجرد 
الجهر بها النفور عنهاء اللهم إلا عند نفر قليل تدفعهم الحاجة إلى الاستسلام 
وتغريهم الفاقة بالاستكانةا وهؤلاء لا يلبثون أن يصدوا عن الدعوة ويرجعوا إلى 
المدى عندما يرون بأعينهم أن المنشآت التي أعدت لهم بين أهل دينهم ستغنيهم 
عن التردد على أماكن المبشرين فتكتب لهم النجاة من المهاوي السحيقة التي كانوا 
على وشك التردي فيهأ ولكن ما ظنك بجماعة ليسوا من المبشرين حتى نجتنبهما 
ولا يدعون للخروج على الإسلام حتى نتحاشاهم وإنا هم مسلمون أولا 
يلبسون لباس الإسلام ويتزيون بزيه وجاءوا تحت ستار لباسهم الزائف يجتذبون 


نفرا من المسلمين ينفثون فيهم سموم خرافات وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان 


7١ جريدة الشريعة النْبِويّة» العدد السّادس | الصّادر يوم الاثنين 4 ربيع الثاني 1707 للهجرة الموافق ل‎ )١( 
للميلاد.‎ ١977 أوت‎ 
"1 


بدعوى أن تلك الخرافات من الدين وأن من لم يتبعها وينسج على منوالهم فيها 
يبوء بغضب من الله ورسوله ويكون من الكافرين)7١)‏ 

وقد أجاب عن هذا التساؤل بقوله: ( لا شك أن هؤلاء أشد ضررا على 
الإسلام من المبشرين الذين قدمنا أن معالجة أمرهم باتت وشيكة النجاح وأن 
دعوتهم عند الكثيرين لا تصادف ما قدر لها من رواج)7) 

وعندما عاد للحديث عن التفاصيل التي جعلت من الطرق شرا من 
المبشرينء لم يجد إلا أن (أرباب الطرق الذين يزعمون أنهم ينتسبون إلى 
(الصوفية) يصرفون جهدهم في إفهام عامة الشعب أن طريقتهم هي المثل وأن 
خطتهم هي القويمةأ وأن من لم يخضع لتقاليدهم لا يزكيه الله يوم القيامة ولا ينظر 
إليأوهم في هذا المضمار يتسابقون ويتنافسونا كل يرمي الآخر بالمروق والزندقة 
وكل يدعي لنفسه السبق والتفوق» !”ا 

ولم يذكر هو الآخر مصدره على هذه الدعوى الخطيرة» وغيرها من 
الدعاوى» لأن رجال الجمعية للأسف لم يعودوا كتابهم أن يلتزموا المنهج 


)0 جريدة لشريعة لنبويّة لعدد لسَادس لصادر يوم لاثنين 64 ربيع لثاني 1١7057‏ للهجرة لموافق ل ”١‏ 
أوت ١977‏ للميلاد. 
)١(‏ جريدة الشريعة النبويّة» العدد السّادس | الصّادر يوم الاثنين 59 ربيع الثاني 11207 للهجرة الموافق ل 7١‏ 
أوت ١977‏ للميلاد. 
(؟) جريدة الشريعة النبويّة» العدد السّادس | الصّادر يوم الاثنين 59 ربيع الثاني 11207 للهجرة الموافق ل 7١‏ 
أوت ١977‏ للميلاد. 



































العلمي» وإنما عودوهم أن يكتبوا المقالات الإنشائية التي لا يستقيم جماها إلا 
بقدر ما تحمله من أصناف المبالغات. 

وقد خلص في الأخير إلى نتيجة عملية عبر عنها بقوله: (من أجل هذا كان 
حقا على من بهمهم أمر الدين ويعنون بشؤون المسلمين أن يعملوا على تطهيره 
من أمثال هذه البدع وأن يضربوا بيد من حديد على رؤوس الذين يتخذون الدين 
متغازا يخفوق وراءه أغراضهم وماريب) 07 

عندما قرأت هذا المقال» وخاصة من شخصية لم أستطع أن أظفر بترجمتها م 
أشك في أن الاستعار اخترق الجمعية عبر أمثال هؤلاء» وعبر أمثال هذه 
المقالات. فإذا أقنعهم بأن المبشرين أفضل من رجال الطرقء أقنعهم بعدها بأن 
الاستعار أفضل من الأتراك» لأن الأتراك كانوا يشجعون رجال الطرق» 
والاستععار يشجع المبشرين» بل هذا ما كاد يصرح به ابن باديس كا ذكرنا ذلك 
سابقا عند تمجيده للكماليين» حتى في إلغائهم الخلافة» لسبب بسيط» وهو أن 
الخلافة كانت ملاذا وحضنا للطرق الصوفية. 

ثانيا ‏ الخرافة: 

ولعل أشد الألسنة لهجا مهذه التهمة» بل تكاد تكون تهمته الكبرى لهم هو 
الشيخ البشير الإبراهيمي», وذلك باعتباره - بالإضافة إلى ميله إلى الاتجاه السلفي 


7١ جريدة الشريعة النْبِويّة» العدد السّادس | الصّادر يوم الاثنين 4 ربيع الثاني 11207 للهجرة الموافق ل‎ )١( 
للميلاد.‎ ١977 أوت‎ 
ان‎ 


المحافظ- يميل إلى التنويريين» وهم لا يريدون أن يظهر المسلم بتلك الصورة 
التي يظهر بها رجال الطرق الصوفية. 

وقد كتب في خصوص هذا مقالات طويلة تحت عنوان (تعالوا نسائلكم)!") 
وقد صدر هذه المقالات بيان دافعه إليهاء وهو ما عبر عنه بقوله: (الشعب 
الجزائري المسلم بفطرته» الكريم في عنصره؛ الجاهل بحقائق دينه- في أكثريته- 
واقع اليوم بين قوتين تتجاذبانه: قوة العلماء المصلحين الداعين إلى الله وإلى 
الإسلام ى) جاء به محمد َي لا يبغون على ذلك جزاء ولا شكوراء وقوة الشيوخ 
الطرقيين الذين وقفوا- إلا أقلّهم - سدًا حائلًا بين العلماء وبين أتباعهم من عامّة 
الأمة.. فكان من واجب النصح للعامة أن تعرّف بحقيقة هؤلاء الشيوخ تعريقًا 
يتركهم أمام الأمة على حقيقة حالهم دون أي زيادة عليهم ولا تنقيص 
لشخصياتهم, (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيَةِ وَيخْيَى مَنْ حَيّ عَنْ بَنَِ 1 [الأنفال: 
000 

وهذه المقالات من حيث أسلوبها وقوتها وتأثيرها جيدة جداء وهي تدل على 
بعض ما يحصل في الواقع الجزائري ني ذلك الحين» ولكن الإبراهيمي- للأسف 


)١(‏ مقال متسلسل نشره الشيخ تباعًا باسم (كاتب نقاد) من أعضاء جمعية العلماء. 
المقال الأول: العدد (/) من جريدة "السئة". 77 ماي "197 م. 

المقال الثاني: العدد (9) من نفس الجريدة» في ه جوان ١9777‏ م. 

المقال الثالث: العدد )١١(‏ من نفس الجريدة» في ١9‏ جوان "1977 م. 


)١11 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
>21 


- في قضايا خطيرة مثل هذه يغلب الخطاب الأدبي على الخطاب العلمي» فيطرح 
#همه وأدلته عليها من غير تحقيق ولا توثيق إلا ما يسمعه. أو ما يتمكن من رؤيته» 
ثم يعمم ذلك تعميما. 

فقد اعتبر الإبراهيمي دليله على رمي الطرق جميعا هو ذلك التسليم المطلق 
الذي يقوم العوام حول المشايخ والصالحين» بل منهم من يعتقد فيهم ما يعتقد 
في الله نفسه. وقد عبر الإبراهيمي عن هذا الدليل بقوله: (نريد لهذا العامي أن 
يؤمن بالله ربًا وبالإسلام ديئًا.. وتريدون منه أن يؤمن مع ذلك أو قبل ذلك أو 
بعد ذلك بأنكم أولياء الله وإن استبحتم الحرمات وركبتم المحرمات» وأن 
يشرككم مع الله في الدعاء أو يدعوكم من دونه وأن يلتجئ إليكم حتى فيها هو 
من خصائص الألوهية» وأن يشِدٌ الرحال لبيوتكم كا يشدها لبيت الله» فاجبهونا 
بالتكذيب إن استطعتم)(" 

ثم خاطبهم بحدة قائلا: (أليس فيكم من يبيع الأولاد للعقيم ويبيع الراحة 
للسقيم؟.. أليس فيكم من بهدّد المسلم بخراب البيت وموت الأولاد وهلاك 
الحرث والماشية إذا هو قطع عادة أو قصر في شيء من رسوم الخدمة؟.. أليس 
فيكم من يقول في صراحة إنه يتصرّف في الوجود ويعطي من يشاء» ويمنع من 
يشاء ثم ينحل هذا التصرف غيره لتكون له أسوة؟ إن وجودًا يكله الله لتصرّفكم 
لأهون وجود. وهل بلغ هذا الكون البديع من الموان على الله أن يكله إلى 


)١١7 /١1( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
بحسن‎ 


تدبيركم أبها الحمقى ونحن نراكم أعجز الناس عن تدبير (خبزة) فلا تبلغونها 
إلا بدفع دينكم ثمءًا لها)(") 

وما ذكره الإبراهيمي من هذا الدليل - كما ذكرنا سابقا - يفتقر إلى تحديد 
وجهة الخطاب بدقة حتى لا يدخل البريء في التهمة» وذلك لا يكون إلا بحصر 
الطرق الصوفية؛ ثم بيان القائل منهم بهذاء ثم تبيين المحل الذي يدل على هذا. 

هذا هو المنهج العلمي الذي نراه في تقرير التهم» وخاصة تهمة خطيرة كهذه. 
أما استناده للعوام في تقرير التهم» فهو كاستناد من يريد اتهام أستاذ من الأساتذة 
ب| كتبه تلميذه؛ مع أن التلميذ قد يكون بليداء أو كتب مالم يمله أستاذه عليه. 

وهذا للأسف هو الوصف الصحيح لا تتعامل به الجمعية مع الطرق 
الصوفية في تقرير تهمهاء فهي لا تلجأ لصاحب الشأنء وإنما تلجأ للعامة» ثم 
تختار من العامة أكثرهم بلادة لتصوره بصورة تلميذ الطرق النجيب. 

والأمر في هذا الباب ليس كذلكء بل إن مشايخ الطرق» وخاصة أولئك 
المشايخ الكبار الذين عاصروا الجمعية وسردنا سيرهم كانوا أبعد الناس عن مثل 
هذه الدعاوى. 

نعم, لهذا الدليل وجه صحيح, ولكن لا يمثله رجال الطرق الصوفية» وإنا 
يمثله أولئك المشعوذون والعرافون الذين يسمون المحال التي يارسون فيها 
شعوذتهم زواياء والاتفاق في الاسم لا يدل على الاتفاق في المسمى. 


)١١7 /١1( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
1 


بل إن الشيخ الإبراهيمي يكاد ينطق بهذا الذي ذكرناه» فهو يقر بأن فيهم من 
ينكر هذا من غير تحديد من هو وكم يشكل في عالم الطرق» ولكنه لا يكتفي منه 
بذلكء بل يريده أن يستعمل نفس المنهج الحاد الذي يستعمله الإبراهيمي» يقول 
في ذلك: (وإننا لنعلم أن منكم من ينكر هذا في نفسه ويبرأ منهء ولكن لاذا لا 
يمد يده إلينا ويرفع صوته معنا بالإنكار لهذه الشناعات التي صارت لكم سمة 
ونعنًا وعرفتم بها وعرفت بكم؟ لماذا لا ينضمٌ إلينا فيكون لنا من بعضكم 
الصالح عون على بعضكم الطالح لولا أنكم تتقارضون سكونًا بسكوت لأن 
ضلالكم (مصلحي) والمصلحة أنواع)”" 

ولسنا ندري هل نسي الإبراهيمي أم تناسى تلك الدعوات الكثيرة التي 
وجهها رجال الطرق للجمعية للصلح, بل للتعاون في المتفق عليه» وهذا من 
المتفق عليه» لكن الجمعية رفضتء بل تشددت في رفضها كما رأينا ذلك سابقا. 

وعلى نمط الإبراهيمي نجد الشيخ مبارك الميلٍ لا يعمد إلى مؤلفات الطرق 
الصوفية الكثيرة» ولا إلى مشايخهم ليستفسرهم, وإن| يعمد لبعض العوام يسمع 
منهم حكايات لا يدري ما زادوا فيها ولا ما أنقصواء بل يعمد إلى الكهان. 
ويعمم حكمهم على الطرق الصوفية» ومن الحكايات التي حدثه به من لم يسمه 
قال: (حدثني بقرية أبي سعادة من حضر مجلساً فيه كاهن سكير تمن يعرفون في 
العرف بالمرابطين» فطلب رجل من مرابطه ذلك ولداً ذكراًء فأعطاه إياه» وعيّن 


)١11/ /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
>» 


له علامة تكون بجسمه عند الوضعء وقال له: إن وضع بهاء فهو مني» وإن خلا 
منها؛ فهو من الله!!)1) 

وذكر حادثة أخرىء فقال: (وقد كنت سنة أربع وأربعين مع فقيه ميلٍ بمقهى 
في قسنطينة» فقص علينا رجل مصيبة أيس من السلامة منهاء ثم حصل له 
الفرج» فعبر عن خطورتها قائلًا: لو ما الناس الصالحين... فقال له صاحبي 
فرشدا أ منكدا: وربي؟ فأجابه: ربي والناس الصالحين. فقال له: وربي وحده. 
فلم يجاره. وقال له: هكذا سمعنا الناس يقولون)!" 

ويذكر تحت عنوان (كلاب ابن الحملاوي) قوله: (فقد تواتر أن كلاب عبد 
الرحمن بن الحملاوي هامت ذات سنة في عدة جهات,. فكان الناس يكرمونها 
بالذبائح والضيافات» ولكنهم يؤلمونها بانتزاع شعورها تبركاً وزلفى)7) 

وقد عمم بناء على هذه الحكايات وغيرها حكمه على الطرق الصوفية بذكر 
أهم يعتمدون (في دينهم على الخرافات والمنامات وما يربي هيبتهم في قلوب 
مريديهم من حكايات» ولا يتصلون بالعلاء إلا بمن أعانهم على استعباد 
الدهماء» والرد على المرشدين النصحاء؛ بتأويل ما هو حجة عليهم» وتصحيح 
الحديث الموضوع إذا كان فيه حجة لهم)”) 


)١95 رسالة الشرك ومظاهره (ص:‎ )١( 
١95 رسالة الشرك ومظاهره. ص‎ (0) 
.5 5 ١ص 9ه رسالة الشرك ومظاهره.‎ 


5( رسالة الشرك ومظاهره. ص57 5. 
نكا 


وتحدث تحت عنوان (تبليه الطرقيين للناس) عن دور الطرق في (بث الجمود 
في الناس» وتلقيح غفلتهم,» ثم حثهم على زيارتهم والرحلة إليهم لاستدرار 
أموالهم ولاستغلال جمودهم وغفلتهم.. فمن أقوالهم الجارية: سلم تسلم» سلم 
للرجال في كل حالء اعتقد ولا تنتقد» زوروا تنوروا!! ومرادهم من الرجال 
الذين يسلم لهم ويعتقد فيهم من كان على مثل حالهم- لا علماء الدين ومن كان 
من أهل الغيرة الناصحين)7) 

إلى آخر الحكايات والأحكام الكثيرة المرتبطة بهاء ونحن من باب الحقائق 
العلمية لا يمكن أن ننكر هذاء بل إن مشايخ الطرق أنفسهم لم ينكروا وجود 
المخرفين والمشعوذين بينهم, وإنما الإشكال في التعميم. 

وكمثال يضاف إلى ما ذكره الشيخ مبارك الميلي من أمثلة ما ذكره الشيخ ابن 
عليوة عن نفسه قبل أن يهتدي للشيخ المربي» وكيف وقع فريسة بين أيدي بعض 
الطرق التي تميل إلى الخرافة» بل تمارس الخرافة من أوسع أبوابها. 

فقد حدث أنه في أول اهتمامه بالتصوف كان منجذنبا لتلك الخوارق التي 
تمارسها الطريقة العيساوية» فقال: (أول ميل كان وقع لي لأهل النسبة على 
الإجمال» تعلقي بأحد الرجال من السادات العيساوية» كنت أراه متعففا يظهر 
عليه أثر الصلاح» وبعد ذلك اشتغلت با تقتضيه تلك النسبة اشتغالا كُليا 


وأعانني على ذلك حالة الصّباء وما عليه الطبع الفطري من جهة ميله للخوارق» 


)0 رسالة الشرك ومظاهره. ص57 5. 
لمنلا 


وقد مهرت في ذلك وكانت بلي حظوة بين رجال تلك النسبة» وكانت عقيدتي فيا 
أتعاطاه إلا التقرب إلى الله عز وجل جهلاً مني ولما أراد الله أن يُلهمني» كنا ذات 
يوم ببعض اجتاعاتنا فرفعت نظري إلى ورقة كانت في حائط ذلك المنزل» فوقع 
بصري اتفاقاً على كلام ينسبه صاحبه حديثا فاستفدت منه ما ألزمني بترك ما 
كنت أتعاطاه من الخوارق» وألزمت نفسي على أن أقتصر في تلك النسبة على ما 
كان من قبل الأوراد والآدعية والأحزاب» ومن ذلك الحين أخذت أتنصل 
وأعتل للجماعة: إلى أن تركت جميع ذلك» وكنت أُريد أن أزحزح الجماعة بتهامهاء 
ولكنه لم يتيسر. أما أنا فتنصلت كما كانت نيتي» ولم يبق لي من ذلك إلا أخذ الحية» 
فقد استمريت على أخذها بانفرادي» أو مع بعض الأحباب)0) 

ثم ذكر كيف استغل الشيخ المربي ذلك الحال ليوجه الشيخ ابن عليوة من 
خلاله» فقال: (إلى أن اجتمعت بالأستاذ الشيخ سيدي محمد البوزيدي رضوان 
الله عليه. فقال لي ذات يوم وهو عندنا بدكاننا: إنه بلغني أنك تأخذ الحية ولا 
تخشى من لسعها. فقلتٌ له : نعم. كذلك كنت. فقال لي : هل يمكنك الآن أن 
تأتينا بواحدة فتأخذها بحصورنا؟ فقلت له : مُتيسر. وذهبت من حيني إلى 
خارج البلد» وبعد ما مر علي نصف يوم لم أجد إلا واحدة صغيرة يقرب طوها 
من نصف ذراعء فجئت بها ثم وضعتها بين يديه» وأخذت أقلب فيها ىا هي 
عادتي» وهو ينظر رضي الله عنه إلى ذلك» ثم قال لي : هل تستطيع أن تأخذ أكبر 


)00 الشيخ عدة بن تونسء الروضة السنية» المطبعة العلاوية» مستغانم» ص١‏ ؟. 
ا 


من هذه الحية مما هو أكبر منها جرما؟ فقلت له : إنها عندي على السواءء فقال لي 
: ها أنا أدلك على واحدة أكبر وأشد منها بأسأء فإن أمسكتها وتصرفت فيها 
فآنت الحكيم. فقلت له : فأين هي؟ فقال : نفسك التي بين جنبيك» فإن سمها 
أشد من سم الحية» فإن أمسكتها وتصرفت فيها فآنت الحكيم. ثم قال لي : اذهب 
وافعل بباته الحية ما هو عادتك أن تفعل بها ولا تعد لمثل ذلك. فخرجت من 
عنده» وأنا أتخيل في شأن النفس وكيف يكون سمها أشد بأساً من سم الحية)7" 

وهكذا استطاع الشيخ محمد البوزيدي» وهو من مشايخ الطريقة الدرقاوية 
الكبار أن يوجه الشيخ ابن عليوة إلى الطريق الصحيح في السلوك» وقد استفاد 
منه كثيراء بل تحول تحولا جذريا. 

ولهذا كان من مقتضى ما ذكره الإبراهيمي أن لا يكتفي با تفعله العيساوية» 
بل يعلم أن في الطرق الصوفية رجالا كثيرين مثل الشيخ محمد البوزيديء وأنه 
لايصح لذلك التعميم. 

أما تعظيم المشايخ والتأدب معهم., والذي اعتبره الإبراهيمي وغيره من 
الخرافة» فليس كذلك. بل إنه لولا تعظيم الطرق الصوفية لمشايخهم لما استطاع 
رجال المقاومة أن يجندوا تلك الآلاف المؤلفة في حرب المستعمر. 

بل إن من النتائج الخطيرة التي أفرزها التوجه السلفي وتوجه الجمعية بناء 
عليه هو عدم احترام العلماء والصالحين» وذلك أدى إلى عدم احترام الدين 


(1) الشيخ عدة بن تونسء الروضة السنية» ص77 
فذلا 


نفسه. لأن أول من يمثل الدين هم العلماء والصالحون. 

المطلب الثاني: الوقوع في الكفر والشرك 

وهذه التهمة الخطيرة التي لم تصب على مشايخ الطرق الصوفية فقط» وإنا 
صبت على العوام أيضا هي نتيجة حتمية للتأثر المبالغ فيه من طرف علاء الجمعية 
بالتيار الوهابي الجارف» والذي لم يستنكف عن تكفير العوام بحجة أنهم جٍ 
لزيارهم الأضرحة أو تعلقهم بالصالحين - قد وقعوا في الشرك الجلي» وقد كان 
دليل الجمعية أو المتشددين من أعضائها على رمي الطرق الصوفية بهذا الآدلة 
التالية: 

الأول: زيارة الأضرحة وإقامة الموالد 

والاهتمام بهذه الناحية يدل على مدى الصلة بين الجمعية والوهابية التي 
قصرت نشاطها الدعوي على مواجهة مثل هذه الأمور الفرعية الخلافية. 

وتما يدل على هذه الصلة هذا الخطاب الذي وجهه الميلٍ لزوار الأضرحة 
وغيرهم مشبها لهم بعباد الأوثان» فقد جاء فيه: (أين أنتم من هذا يا من اتخذتم 
من القبور والمزارات أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنياء وشيدتم عليها القصور. 
ورفعتم القباب» وأشركتموها برب الأرباب وجاوزتم ذلك تكثيرا لمظاهر 
الشرك؛ فبنيتم على القبور» واتخذتم من شجر البطم والسدر وغيرهماذات أنواط 
تعلقون به الخرق والخيوط» وتسرجون له الأضواءء وتعطرونه بالمباخير 
والرياحين» وجاوزتم ذلك إغراقا في الشرك إلى الصخور الضخمة والأودية 


11 


الموحشة» واستبدلتم بالتبرك المسنون تبرككم المبتدع المأفون؟! ها قد أوضحنا 
لكم ما في الزيارة من رشد وغي؛ فكونوا من عباد الله الذين يستمعون القول 
فيتبعون أحسنه» ولا تكونوا من حقت عليهم كلمة الله: (سَأَضْرِفٌ عَنْ آيَاتيَ 
الَّذِينَ يتكَبُونَ في الْأَرْض بعَيْرٍ لق وَإِنْ يَرَوا كُلّ آية لا يُؤْمنُوا با وَإِنْ يَرَوا 
سَبِيلَ الرشْدِ لا يَتَحِذُوهُ سَبيلا وَِنْ يَرَوَا سَبِيلَ الْعَيّ يَتَِذَوهُ سيلا ذَلِكَ يميم 
1 بوا بِأيَاتنا نَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 1 [الأعراف: 006 

وعلى نفس المنهاج كتب ابن باديس شارحا لما ورد في قوله 42: (لا تقوم 
الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين» وحتى يعبدوا الأوثان» وإنه 
سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي 
بعدي)7""» فقال: (من اعتقد مثل عقيدتهم أو فعل مثل أفعالهم أو قال مثل 
أقوالههم فقد لحق بهم وقد يكون اللحوق تاما حرجا عن أصل الإسلام» وقد 
يكون دون ذلك. فأصل عقيدة الشرك عند عرب الجاهلية أنهم يعلمون أن الله 
هو خلقهم وهو يرزقهم وهو المالك لجميع مخلوقاته» ولكنهم كانوا يجعلون 
توجههم وتقربهم وتضرعهم لآلحتهم على اعتقاد أنها هي تقربهم إلى الله. وفي 
الناس اليوم طوائف كثيرة تتوجه لبعض الأموات وتتضرع لهم وتقف أمام 


قبورهم بخضوع وخشوع تامين وتتضرع وتناديهم على اعتقاد أنهم يقربونها إلى 


(1) رسالة الشرك ومظاهره (ص: 55") 


6 سنن الترمذيء (5/ 69) وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح) 
53530 


الله ويتوسطون لما إليه. ويزيدون أغنهم يتصرفون لما بقضاء الحوائج وجلب 
الرغائب ودفع المصائب. ومن أعمال المشركين في الجاهلية أنهم يسوقون الأنعام 
لطواغيتهم فينحرونها عندها طالبين رضاها ومعونتها. وفي الناس اليوم طوائف 
كثيرة تسوق الأنعام إلى الأضرحة والمقامات تنحرها عندها إرضاءً لها وطلبا 
لمعونتها أو جزاء على تصرفها وما جلبت من نفع أو دفعت من ضر.. ومن أقوال 
المشركين في الجاهلية حلفهم بطواغيتهم تعظيما لماء وفي الناس اليوم طوائف 
كثيرة يحلفون بالله فيكذبون ويحلفون بمن يعظمونه من الأحياء أو الأموات فلا 
يكذبون. فهذه الطوائف الكثيرة ىا قد لحقت بالمشركين وصدق رسول الله- 
صل الله عليه وآله وسلم- في قوله: (لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي 
بالمشركين)!") 

ونلاحظ من خلال المقارنة بين موقف الجمعية من هذه المسائل وموقف 
الوهابية الاشتراك التام في أصول هذه المسائل وفروعهاء وبالتالي يمكن اعتبار 
الجمعية في هذا المحل خصوصا وهابية صرفة» وسننقل هنا لمن يشاء المقارنة 
بعض مقولات الوهابية في هذاء ونرى ردود الطرق الصوفية عليها في المبحث 
الثاني من هذا الفصل. 

فحد الشرك الأكبر الذي يجمع أنواعه وأفراده - عند الوهابية أو السلفية 


المحافظة - هو: (أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله.. فكل 


)١(‏ آثار ابن باديس: (؟771//5) 
323231”», 


اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع» فصرفه لله وحده توحيد 
وإيعان وإخلاصء وصرفه لغيره شرك وكفر)7 

ومما تضمنه (البيان المفيد) لعقائد الوهابية: (ونعتقد أن عبادة غير الله شرك 
أكبر» وأن دعاء غير الله من اللأموات والغائيين وحبه كحب الله. وخوفه ورجائه. 
ونحو ذلك شرك أكبر» وسواء دعاه عبادة» أو دعاه دعاء استعانة في شدة أو 
رخاء؛ فإن الدعاء مخ العبادة» وأن اعتقاد أن لشيء من الأشياء سلطاناً على ما 
خرج عن قدرة المخلوقين شرك أكبر» وأن من عظّم غير الله مستعيناً به فيا لا 
يقدر عليه إلا الله كالاستنصار في الحروب بغير قوة الجيوش.. والاستعانة على 
السعادة الأخروية أو الدنيوية بغير الطرق والسئن التي شرعها الله لناء يكون 
كا )ةا 

وهم يتفقون في جزء من هذا مع سائر المسلمين» بمن فيهم الصوفية 
فالصوفية - | سنرى - يعتقدون شركية مثل هذه الأفعال» ولكنهم يعتبرونها 
من الشرك الخفي بخلاف الوهابية الذين يعتقدون أنها شرك جلي مخرج عن الملة» 
ومبيح لدم معتقده» وهم لذلك يرون أنه إذا ثبت أن الذبح لله من أجل العبادات 


وأكبر الطاعات, فالذبح لغير الله شرك أكبر محرج عن دائرة الإسلام!". 


)00 عبد الرحمن بن ناصر السعديء (القول السديد في مقاصد التوحيد)» مكتبة المعارف» الرياض» ص53. 
() البيان المفيد فيا اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيدء ص 5. 
9ه البيان المفيد فيا اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيدء» ص57 ا 

533033 


وهكذا يرون با أن النذر عبادة» لمدح الله الموفين به وأمر النبي يي بالوفاء 
به فإن صرفه لغير الله شرك0". 

وقد أورد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جوابه على ردود ابن سحيم عليه 
في مسألة (النذر لغير الله)» وأنه (حرام ليس بشرك»» فقال مخاطباً ابن سحيم: 
(فدليلك قوهم أن النذر لغير الله حرام بالإجماع» فاستدللت بقولهم حرام على 
أنه ليس بشركء فإن كان هذا قدر عقلك فكيف تدعي المعرفة؟ يا ويلك ما تصنع 
بقول الله تعالى: ( قل تَعَالَوَا تل مَا حَرّمَ رَبُكُمْ عَلَيَكُمْ آلا تُشْركُوا به شَيْنَا 
وَبالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) [الأنعام: ]١5١‏ فهذا يدل على أن الشرك حرام ليس بكفر 
يا هذا الجاهل الجهل المركب» ما تصنع شل انه جنل ذل إن حَرَمَ رف 
الْمَوَاحِسََ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَابَطَنَ وَالِْنْمَ وَالْبَْيَ بِعَيْر الحَقّ وَأَنْ د شْركُوا بالله ما 
يُتَزّلْ به سُلْطَانَا 1 [الأعراف : “3"3] هل يدل هذا التحريم على أنه لا يكفر صاحبه 
؟ يا ويلك في أي كتاب وجدته؛ إذا قيل لك هذا حرام, أنه ليس بكفرء فقولك 
أن ظاهر كلامهم أنه ليس بكفرء كذب وافتراء على أهل العلم بل يقال ذكر أنه 
حرام؛ وأما كونه كفر فيحتاج إلى دليل آخرء والدليل عليه أنه مصرح في 
(الإقناع) أن النذر عبادة» ومعلوم أن لا إله إلا الله معناها لا يعبد إلا الله» فإذا 
كان النذر عبادة وجعلتها لغيره كيف لا يكون شركاً) 2 

ويذكر الشيخ ابن عبد الوهاب قاعدته في هذاء فيقول مخاطبا ابن سحيم: 
(1) البيان المفيد فيه| اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد ص 047 /4. 


.579/6 محمد بن عبد الوهاب, مجموعة مؤلفات الشيخ» مكتبة ابن تيمية»‎ )١( 
30 


(فاعرف قاعدة أهملها أهل زمانك» وهي أن لفظ (التحريم) و(الكراهة) وقوله 
(لا ينبغي) ألفاظ عامة تستعمل في المكمرات, والمحرّمات التي هي دون الكفرء 
وفي كراهة التنزيه التي هي دون الحرام؛ مثل استعم الها في المكفرات: قوم لا إله 
إلا الذي لا تنبغي العبادة إلا له. وقوله: [ْوَمَا يَنْبْهِي لِلرَّحْمْنِ أَنْ يَتَحِدَ وَلَدَا) 
[مريم: 47] ولفظ التحريم مثل قوله تعالى: [قَل تَحَالَوَا أن مَا حَرَّمَ رَبَكُمْ عَلَيْكُمْ 
ألا تشْرِكُوا به شَيْنَا 1 [الأنعام: »]١5١‏ وكلام العلماء لا ينحصر في قولهم (يحرم 
كذا) لما صرحوا في مواضع أخر أنه كفر» وقوهم (يكره) كقوله تعالى: [وَقَصَى 
رَبّكَ ألا تَعْبدُوا إلا اه [الإسراء : 73] إلى قوله : (كُلٌ د تَ كان سَيَئه عند ريك 
مَكْرُوَهًا ) [الإسراء: 78]» وأما كلام الإمام أحمد في قوله: (أكره كذا) فهو عند 
أصحابه على التحريم, إذا فهمت هذاء فهم صرحوا أن الذبح للجن ردة تخرج 
وقالوا: الذبيحة حرام ولو سمى عليها)”) 

الثاني: القول بالحلول والاتحاد 

بالإضافة إلى اتهام الجمعية للطرق الصوفية بالوقوع في الشرك, والذي شمل 
العوام والخنواصء فقد اتهموها أيضا بالقول بالحلول والاتحاد. وهو لاشك من 
العقائد المكفرة» والشواهد الدالة على اتهام الجمعية للطرق الصوفية بهذا لا تكاد 
تحصرء وسنكتفي هنا باقتباس بعض الناذج من مقالات ختلفة من صحيفة 
الشريحة الفوية: 


.5 /7” مجموعة مؤلفات الشيخ»‎ )١( 
50 


فقد جاء في العدد الرابع من صحيفة الشريعة النبوية تحت عنوان (بلاد 
القبائل والطريقة الحلولية» جواب عن كتاب (إلى أهالي زواوة): (قرأنا في عدد 
أخير من جريدة (السنة النبوية الغراء) ما كتبه الأستاذ الزاهري ووجهه إلى بلاد 
القبائل تحت عنوان (إلى أهالي زواوة) كسؤال لنا معاشر أهالي هذه البلاد عن 
صحة ما زعمته الطريقة الحلولية المخذولة» ونشرته للناس في بعض الأعداد 
الأخيرة من ورقتها الضالة المزورة وهو كله افتراء للكذب على المسلمين وزور 
ومبتان كا سيأتي في البيان والجواب.. وقبل أن نجيب عن هذا الزعم الباطل 
وهذا الادعاء الفارغ نقول: إن ورقة أو طائفة تدعي في أهالي (اليمن) حيث ذلك 
الإمام المصلح العظيم ما ادعته وزعمته من ذلك النفوذ الموهم لا يعسر عليها أن 
تأي با هو أشنع منه في بلادنا.. ثم الذي نقوله هذا باختصار كجواب عن أسئلة 
الأخ الشيخ السعيد الزاهري الذي نشكره دائ) على اهتمامه بشؤون الإسلام في 
سائر البلاد الإسلامية والذي يغار على الحقائق أن تشوه وتداس بالأقدام تحت 
ستار تلك المزاعم الباطلة هو أن أهالي (زواوة) ما كانوا يعرفون عن هذا الشيخ 
الحلولي الذي يقود هذه الطاتفة الشريرة إلى التعدي على الأشخاص والأعراض 
وهتك الحرمات إلا أنه واحد من هؤلاء الذين زعم أنه أنقذ مئات الآلاف من 
أيدههم وأسلم على يده الكثير.فلا يكادون يجدون أدنى فرق بين أخطار تبشيرهم 
وتبشيره ا حلولي فذاك يلتقط الصغار من اليتامى فيشملهم بعطفه وحنانه وهذا 


يلتقط الكبار فيشملهم بعفوه وإنقاذه ويغدق عليهم من نعمه ودراهمه وكلاهما 


لك 


00 
وفي الصفحة التالية نجد أمثال هذه العبارات: (فقد قالوا أخيرا في ورقتهم 
الضالة أنهم أسسوا مدرسة في مجاهل فلسطين وزارها اثنان منهم فكان ما سمعاه 
من تلاميذ هذه المدرسة التي لا وجود لما إلا في سطرين من ورقتهم هذه .. 
أناشيد حلولية لا يبعد أن تكون من أحسن وأبلغ ما لم يقل وأفصح ما ضمه 
ديوان شيخ ا حلول المشهور الذي تحسده دواوين غير الشعر على رواجه حتى أنه 
لو طبع ألف مرة لما بقيت منه نسخة مادام حلولي يمشي فوق الثرى ومادامت 
بلاد (ناطحات السحاب) تبيئ مدارسها من يفهمه ويغوص في بحر لآليه 
لاستخراج أسراره وأحجاره.. على أن هذا الديوان قد سد فراغا عظيما من 
الأدب الحلولي وولد كتبا كثيرة كلها تبحث في محاسن الحلول ولا يفهمها إلا 
علامة المعقول والمنقول! (وأنا لو كنت أضرب بسهم في علم الحلول وكان لي 
بعض إلمام بتطبيق قواعده المقررة لاقتنيت البعض منها للإحراق) وهكذا كانوا 
يطبرون بمفترياتهم وأضاليلهم من مركزهم فينزلون مها مرة (بنيويورك) ومرة 
(بلندن) أو (باريس) ثم يعلنون على رواجها فوق ورقتهم الحلولية حيث| وقعوا 
وطاروا وإن كان الواقع يكذبهم حيث! حلوا وارتحلواء وقد راموا هذه المرة أن 
يطيروا ويسقطوا ببلاد القبائل ىا يسقط الذباب على الطعام وينصبوا ظل 
أخبيتهم هناك فسقطوا ووقعوا في بعض الأودية التي لم يجدوا فيها إلا محلوقا أو 


)00 الشريعة النبوية المحمدية» العددً» ص/7. 
5355 


مخلوقين من أمثالهم (والطيور على أمثالها تقع)(١)‏ 

وهكذا لا تكاد تمر بصفحة في هذه الصحيفة إلا وتجد فيها هذه التهمة» وهي 
طبعا من التهم التي حفظها رجال الجمعية من ابن تيمية والوهابية مع أن 
الصوفية في كل الأزمنة يصيحون بإنكارهم الحلول وردهم عليه كما سنرى في 
الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

الثالث: بعض الفروع الفقهية 

مع اتفاق العلماء على عدم التكفير بالفروع الفقهية إلا أنا للأسف نجد من 
الجمعية من راح يكفر بسببهاء وقد سبق ذكر بعض الأمثلة على ذلك كالزيارات 
والذبح والتوسل وغيرهاء ونضيف إليها هنا #همة الكفر بسبب الرقص الصوفي» 
وقد استدل بعضهم بتكفير من يستحل الرقص مطلقا بقول ابن وهبان حيث 
قال : ( ومن يستحل الرقص قالوا بكفره ولا سيما بالدف يلهو ويزمر )”ا 

وقد رد الشيخ ابن عليوة على هذا التكفير المبالغ فيه بقوله: (ألا ترى أَنّه تقرّر 
لديك أنْ مستحل الرقص قالوا بكفره» فكيف بك إذا بلغك أن الحبشة دخلوا 
مسجد النبّي يك يوم العيد على هيئتهم المعروفة من الرقص ونحوه)7”" 

الرابع: بعض الدعاوى: 


)١(‏ الشريعة النبوية المحمدية» العدد؛» ص7. 
)١(‏ الشيخ عثمان بن المكي التوزري الزبيديء المرآة لإظهار الضلالات. دار الوطن للنشرء السعودين» ص8 ١‏ . 
(7) الشيخ أحمد بن مصطفى العلاويء رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف. المطبعة العلاوية» 
مستغانم» الطبعة الثانية» ص .8١‏ 

>33 


وأهم نموذج على هذا ما كتبه ابن باديس في فتواه المتعلقة بصلاة الفاتح() 
التي يرددها التيجانيون» ويعتقدون لها فضلا خاصاء ى) رأينا ذلك سابقا. 

وهي فتوى لا تزال تجد صداها مع خطورتهاء ولذلك نرى أن ندرسها على 
ما يقتضيه المنهج العلمي» وخاصة أن لازم قوله فيها كفر أكبر تجمع إسلامي في 
العالم» وهو التجمع التيجاني المنتشر في جميع أنحاء العالم» وخاصة إفريقيا. 

ونص السؤال هو حكم بعض الدعاوى المنسوبة للتيجانية» وهي أنهم: 

١‏ - يعتقدون أن قراءة (صلاة الفاتح) أفضل من تلاوة القرآن ستة آلاف مرة 
متأولين بأن ذلك بالنسبة لمن لم يتأدب بآداب القرآن. 

؟- أن (صلاة الفاتح) من كلام الله القديم» ولا يترتب عليها ثوابها إلا لمن 
اعتقد ذلك. 

"- وأن (صلاة الفاتح) علمها النبي 4# لصاحب الطريقة ولم يعلمها لغيره. 

- وأن مؤسس الطريقة التيجانية أفضل الأولياء. 

- وأن من انتسب إلى تلك الطريقة يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب 
وتغفر ذنوبه الصغار والكبار» حتى التبعات. 

ومع خطورة المسألة» ومع الانتشار الكثيف للتيجانية في الجزائر» وخصوصا 


)00 نص صلاة الفاتح هي: (اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق» والخاتم لما سبق» ناصر الحق بالحق» 
الحادي إلى صراطك المستقيم» وعلى آله حق قدره ومقداره) (أحمد محمد الحافظ التيجاني» أحزاب وأوراد القطب 


الرباني والعارف الصمداني. دار الحسام, الطبعة رقم ١‏ ص )١5‏ 


مده 


الجنوب الجزائري» لم يتحرز ابن باديس» ولم يستفسر عن مدى صحة هذه 
الدعاوىء بل راح يطلق الأحكام التي يخرج منها قارئها لا بتصديق الاتبامات 
فقط وإن| بكفر معتقدها أيضا. 

وسنذكر هنا باختصار بعض ما أجاب به؛ وما يستنتج منه الحكم بالكفر: 

١‏ القرآن كلام الله و(صلاة الفاتح) من كلام المخلوق ومن اعتقد أن كلام 
المخلوق أفضل من كلام الخالق فقد كفر. ومن جعل ما للمخلوق مثل ما لله فقد 
كفر بجعله لله نداً فكيف بمن جعل ما للمخلوق أفضل مما للخالق.. هذا إذا 
كانت الأفضلية في الذات فأما إذا كانت الأفضلية في النفع فإن الأدلة النظرية 
والأثرية قاضية بأفضلية القرآن على جميع الأذكار وهو مذهب الآئمة من السلف 
والخلف7". 

-١‏ أن من زعم - متأولا لتلك الأفضلية الباطلة - بأن (صلاة الفاتح) خير 
لعامة الناس من تلاوة القرآن لأن ثواءها محقق ولا يلحق فاعلها إثم والقرآن إذا 
تلاه العاصي كانت تلاوته عليه إث) لمخالفته لما يتلوه» واستدلوا على هذا بقول 
أنس الذي تحسبه العامة حديثاً: (رب تال للقرآن والقرآن يلعنه)!" فهو زعم 


باطل لأنه مخالف لما قاله أئمة السف والخلف من أن القرآن أفضل الأذكار ولم 


)١ 57 /”( آثار ابن باديس‎ )١( 
(؟) ذكره الغزالي في الإحياء(1/ 5 77) بدون سند وذكر نحوه عن بعض السلفء. وأقرب ما حديث إليه ما‎ 
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (ج:7 ص:17١7) عن ميمون بن مهران قال: إن الرجل ليصلي ويلعن نفسه في‎ 
قراءته فيقول([آا لَعْنَةُ الله عَلَ الظَالِينَ) [هود: 18]) وإنه لظالم.‎ 

حل 


يفرقوا في ذلك بين عامة وخاصة ولا بين مطيع وعاصء ومخالف لمقاصد الشرع 
من تلاوة القرآن("©. 

- ليس عندنا من كلام الله إلا القرآن العظيم» هذا إجماع المسلمين حتى أن 
ما يلقيه جبريل - عليه السلام - في روع النبي يي ساه الآئمة بالحديث القدسي» 
وفرقوا بينه وبين القرآن العظيم ولم يقولوا فيه كلام الله» ومن الضروري عند 
المسلمين أن كلام الله هو القرآن وآيات القرآن» فمن اعتقد أن (صلاة الفاتح) 
من كلام الله فقد خالف الإجماع في أمر ضروري من الدين وذلك موجب 
للتكفير!". 

4 - أن النبي يي بعث معلماء وعاش معلم| آخر لحظة من حياته. وقد أدى 
الرسالة» وبلغ الأمانة» وانقطع الوحي وانتهى التبليغ والتعليم» وهذا كله مجمع 
عند المسلمين» وقطعي في الدين» فمن زعم أن محمداً مات وقد بقي شيء لم يعلمه 
للناس في حياته فقد أعظم على الله الفرية وقدح في تبليغ الرسالة» وذلك كفرء 
فمن اعتقد أن (صلاة الفاتح) علمها النبي يه لصاحب الطريقة التيجانية دون 
غيره» كان مقتضى اعتقاده هذا أنه مات ولم يبلغ وذلك كفرء فإن زعم أنه علمه 
إياها في المنام فالإجماع على أنه لا يؤخذ شيء من الدين في المنام مع ما فيه من 
الكتم وعدم التبليغ المتقدم0". 

)١55 /”( آثارابن باديس‎ )١( 


)١55 /7( آثار ابن باديس‎ )١( 


(؟) آثار ابن باديس (7/ 5177 )١‏ 


ومن مقتضى الاعتقاد الباطل المتقدم أنه يَأ كتم عن أفضل أمته ما هو 
الأفضل وحرم منه قرونا من أمته وهو الأمين على الوحي وتبليغه» الحريص على 
هداية الخلق وتمكينهم من كل كمال وخير» فمن قال عليه ما يقتضي خلاف هذا 
فقد كذب عليه وكذب ما جاء به ومن رجح صلاته على ما علمه هو 35 
لأصحابه - رخ ضي الله عنهم - بوحي من الله واختيار منه تعالى فد دخل في وعد: 
(وَمَا كَانَ ومن وَلا مُؤْمئة إِذَا قََى الله وَرَسُولَة أمرًا أن يَكُونَ طم اليرَةٌ مِنْ 
أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَخْصٍ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلالَا مُبين))[الأحزاب:75]. 

- لا تثبت الأفضلية الشرعية إلا بدليل شرعي ومن أدعاها لشيء بدون 
دليل فقد تجرأ على الله وقفا ما ليس به علم وقد أجمعت الأمة على تفضيل القرون 
المشهود لا بالخيرية من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام فاعتقاد أفضلية 
صاحب الطريقة التيجانية تزكية على الله بغير علم وخرق للإجماع» موجب 
للتبديع والتضليل'!". 

5- عقيدة الحساب والجزاء على الأعمال قطيعة الثبوت ضرورية العلم» فمن 
اعتقد أنه يدخل الجنة بغير حساب فقد كفر(". 

وبناء على هذه الأدلة التي ساقها ابن باديس» خرج بنتيجة عبر عنها بقوله: 


(فالمنتدمج ف الطريقة ة التيجانية على هذه العقائك ضال كافر» والمندمج فيها دون 


)١ 517 /7( آثار ابن باديس‎ )١( 


(؟) آثار ابن باديس (”/ )١54‏ 


هذا العقائد عليه أثم من كثر سواد البدعة والضلال)7) 

ثم نقل من كلام الأستاذ محمد بن الحسن الحجوي وزير معارف الحكومة 
المغربية مقرا له قوله: (لحذه وغيره نقول أن الطريقة التيجانية ليست كسائر 
الطرق ني بدعها.. بل هي طريقة موضوعة هدم الإسلام تحت اسم الإسلام)7”) 

وقد علق ابن باديس على هذا بذكر مضار هذه الطريقة» والتي تؤهلها ىا 
يرى لكفر المنتسب طاء فقال: (فبهذا صارت الطريقة التيجانية في نظر أهل العلم 
بالسنة والكتاب كأنها مسجد الضرر ضد الإسلام, فالله يقول في نبيه خاتم 
النبيين» وهو يقولون في الشيخ التيجاني هو الختم وهو لبنة التمام للأولياء 
فحجروا على الله ملكه وقطعوا المدد المحمدي وهم لا يبالون أو لا يشعرون. 
وحتى إن شعروا فالمقصد يبرر الواسطة» وإذا سمعوا أن النبي أفضل النبيين 
قالوا إن التيجاني رجله على رقبة كل ولي لله» ببذه العبارة الجافة من كل أدب 
الجارحة لعواطف كل مسلم لأن الولي في عرفهم يشمل النبي إذ يقولون أن ولاية 
النبي أفضل من نبوته» ولا يبالون أن يكون أصابهم أفضل من أبي بكر وعمر 
والعشرة المبشرين بالجنة الذين كانوا يخافون الحساب ولا يأمنون العقاب, ولم 
يكن عندهم بشارة بالنجاة منهماء إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.. دعاء 
الإسلام إلى الجد ومحاسبة النفس والعمل على الخوف والرجاء في جميع نواحي 
الحياة الدنيا على أن يكون ذلك على السداد والإخلاص ليكون ذخراً لسعادة 


)١54 /”( آثار ابن باديس‎ )١( 


(؟) آثار ابن باديس (”/ )١54‏ 


الأخرى فجاءت عقيدة ضمان الشيخ ودخول الجنة بلا حساب)7) 

هذا ما ذكره وما نقله ابن باديس في فتواه» ول ينقل أي نص من كتب التيجانية 
المعتمدة» أو من شيوخهم المعتبرين في ذلك الحين» والذين زار بعضهم الجزائر» 
وصرح بخلاف التصريحات التي نقلت لابن باديس. 

بل إن الدليل الذي ذكره هو ما تعود رجال الجمعية على الاستدلال به من 
الحكايات والقصصء فقد حكى عن الحجوري قوله: (حكي لي بعض القضاة 
قال: كان في محكمتي تسعون عدلا في البادية» وقد تقصيت أخبار الصالح 
والطالح منهم لأعلم مقدار ثقتي بهم في حقوق المسلمين فوجدت عشرين منهم 
متساهلين لا يؤتمنون على الحقوق» وحين دققت النظر في السبب تبين لي أنهم 
جميعاً تيجانيون» فبقيت متحيرا حتى انكشف لي أن السبب هو اتكالهم على أنه لا 
حساب ولا عقاب يترصدهم فانتزع الخوف من صدورهم)”" 

وقد علق ابن باديس على هذه الحكاية بقوله: (هذا في العدول وهم من أهل 
العلم فكيف بالعامة؟ فهذه الطريقة ما وضعت إلالهدم الإسلام ولا أجزم بأن 
صاحبها هو الذي وضعها هذا الوضع فقد يكون فيمن أتصل به من كاد هذا 
الكيدء ودسّء وليس مثل هذا الكيد جديداً على الإسلام)7 

ثم ختم فتواه بهذه الرسالة التي وجهها إلى العلماء» وفي مقدمتهم صديقه 
)١(‏ آثارابن باديس (”/ )١59‏ 


)١59 /7( آثار ابن باديس‎ )١( 


(؟) آثار ابن باديس (7/ )١5٠‏ 


العلامة الأستاذ البشير النيفر التونسي» قال فيها: (إذني ادعوا كل عالم تيجاني إلى 
النظر في فصول السؤال والجواب فإن اقروا ما أنكرناه فليعلنوا إقرارهم له وإذا 
أنكروا ما أنكرناه فليعلنوا إنكارهم له» يصرحوا: 

-١‏ بأن (صلاة الفاتح) ليست من كلام الله. 

؟- وأنها ليست مثل الصلاة الإبراهيمية. 

؟'- وأن النبي يي لم يعلمها لصاحب طريقتهم. 

5 - وأن لا فضل له ولا لاتباعه إلا بتقوى الله. 

- وأن المنتسب إلى طريقتهم لا يمتاز من المسلمين عن غير المنتسب إليها. 

ثم ختم هذا الإعلان بقوله: (ومن لم يصرح ببذا باء بوزره ووزر الهالكين من 
الجاهلين وكان عليه أثم الكاتمين من العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل)27 

انطلاقا ثما ذكرناه» فإن المنهج العلمي السليم الذي نراه ليس هو أن نكتب 
مثل هذه الإعلانات» ثم نختمها بتلك الخاتمة المستفزة» لأن أي إنسان يرب أن 
تلصق به التهم قبل أن يحقق معه. 

ولذلك فإن الفقهاء يعتبرون المسائل المرتبطة بالتكفير مسائل قضائية لما 
يترتب عليها من أحكام شرعية كثيرة» ذلك أن من مقتضى فتوى ابن باديس هذه 
أنه لا يجوز الزواج من المرأة التيجانية» والمرأة التي تكون في ذمة تيجاني يفسخ 
زواجها منه» ولا يصلى على تيجاني» ولا يصلى خلفه» ولا يدفن في مقابر 


)١5٠ /7( آثار ابن باديس‎ )١( 


المسلين.يوغين. ذلك كبر 

وكان الأجدى بابن باديس مع مكانته الاجتماعية أن يتصل بمشايخ وعلماء 
التيجانية الكثيرين» ليستوضح منهم حقيقة ما ينسب إليهمء ولا يرجع في ذلك 
إلى استفتاء أو إلى كتب لا ندري من طبعهاء خاصة إذا أكرها علماء التيجانية(1), 
وتبرأوا ما فيها. 

المطلب الثالث: تهمة ابتزاز الأموال 

وهذه من أكثر التهم ورودا عند أعضاء الجمعية جميعا - على حسب ما نعلم- 
لأنهم يعتبرون الهدف الأسامي من الطرق هو استغلال أموال المريدين 
لمصالحهم الشخصية» بل يعتبرون أنه لولا ما يدر به المريدون والعوام من أموال 
على الزوايا ومشايخ الطرق لا بقيت هذه الطرق. 

ونحب قبل أن نتحدث عن هذه التهمة التي وجهتها الجميعة للطرق 
الصوفية» وخصوصا الطريقة العلاوية أن نذكر المصادر المالية لهذه الطريقة» بناء 
على ما أوردته الدراسة المهمة التي أشرنا إليها سابقاء والتي تحمل عنوان 
(الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتاعية )١94:09-- ١9175‏ 
للباحثة غزالة بوغانم. 

فقد ذكرت في دراستها أن الشيخ ابن عليوة عندما تصدر للإرشاد كان ينفق 


على من يقصده من الفقراء تما كان بين يديه من الأموال حتى اضطر لبيع أثاث 


)0 سنرى الوثائق الدالة على إنكار التيجانية لمثل هذه العقائد في محلها. 
ه.* 


مترله» واستمرت الضائقة المالية حتى بعد الحرب العالمية الأولى. ويذكر الشيخ 
أن نفسه لم تكن تسمح له بالأخذ من الفقراء. 

وحتى بعد أن اشتهر أمره وكثر المتجردون للخدمة في الزاوية ومرافقها وكثر 
أتباعه» كان ما يوصي به الشيخ ابن عليوة المذكرين الذين يوجه وفودهم 
السياحية لمختلف المناطق لتذكير الناس» بعدم النظر لم بأيدي الناس» ويأمرهم 
أن لا ستالوا النائج شيعا [لذاناه للوقووة . 

وتنقل عن بروباست بيرابان بأن الشيخ لم يفرض على أتباعه أي اشتراك 
سنوي بل ورفض عطاياهم, وأنه لم يستغل أبدا فقراءه ولم يغتن على حسابهم» 
وهو ما أكده الفرنسي الذي اعتنق الإسلام عبد الكريم جوصو أيضاء لكنه بعد 
أن كثر أتباعه» وكثرت حاجات الزاوية» وأصبح صاحب مشروع إصلاحي 
مضرى تقو متش وسان يجل تابه غرف القوايا (الويازة)1 وه 
عادة عبارة عن عطاءات عينية ونقدية» وهي واجبة ومحددة» وعادة يرسل المقدم 
الشاوش إلى من تخلف من الأتباع في دفعها لتحصيلهاء ولكن غالبا ما كانت 
عملية الدفع تتم عن طيب خاطر("أ» وهي بذلك كمن يدفع الاشتراك للتنظيم 
الحزبي أو النقابي الذي ينتمي إليه. 

ويذكر الدكتور أبو القاسم سعد الله أن هذه الزيارات أصبحت المفتاح الذي 
)١(‏ غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية ).١145094- ١19175‏ ص .١15١‏ 


)0( غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتماعية 9575 194094-1١‏ ص١159١.‏ 


(5) أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي» ج 5» المرجع السابق. ص .7١‏ 
كم 


تتحكم به السلطات الفرنسية في الطرق الصوفية» فمن شاءت وفرتها له 
وسمحت له بها فاستغنى وتنفذ وسكتء ومن شاءت منعتها عنه فغلب على 
أمره ولجأ إلى حيل أخرى أو افتقر("". 

بالإضافة إلى الزيارة كان من مصادر الدخل في الزاوية العلاوية بفروعها 
المختلفة عمل المتجردين من الخدمة في ممتلكات الشيخ دون أجرة» ومقابل 
عملهم يوفرون إنتاجا دون مصاريف تقريباء حيث تقتصر مصاريفهم على تأمين 
الملأوى لهم وكذا الآكل والشربء فكانت عائدات الأراضي الفلاحية وإيرادات 
المحلات التجارية التي يعمل بها المتجردون» تستعمل للإنفاق على الزاوية 
الكبرى بمستغانم ومرافقها المختلفة. 

كما كان الشيخ ابن عليوة يتلقى صدقات الأتباع حتى من الخارجء مما آثار 
ضده ضجة وأنه يأكل أموال الزكاة وهو ليس من مستحقيهاء فطلب من مرسلي 
الصدقات إليه توضيح طبيعتها لينفق ما كان منها زكاة في وجوهها الشرعية!". 

بالإضافة إلى هذا كان من مصادر الزاوية المالية جمع الإعانات والتبرعات» 
حيث كانت الزاوية ترسل لجمع التبرعات والإعانات كلم| *مت بإنجاز مشروع» 
و تخصص وفودا تقوم بالسياحة لهذا الغرضء أعلنت عنها لسان الدين الثانية» 
ولم أجد في البلاغ- فيما بين يدي من أعداده- مثل ذلك لكن جريدة البلاغ 
)١(‏ أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقانفي» ج 5» المصدر السابق. ص .7١‏ 
(؟) أحمد بن مصطفى العلاوي : أعذب المناهل» ص »18١‏ نقلا عن: غزالة بوغانم» الطريقة العلاوية في الجزائر 


ومكانتها الدينية والاجتاعية 5 197--214:09 ص"97١.‏ 
.5 


الجزائري نظمت حملة لجمع التبرعات لتأمين صدورها المنتظم. بعد أن مرت 
بأزمة مالية اضطرتها للتوقف عن الصدور بعض الوقت. وقد نشرت الصحيفة 
قوائم المتبرعين لها والمبالغ المتبرع مها. 

بالإضافة إلى هذا كله شكلت أموال الزكاة مصدرا هاما لمداخيل الزاوية» لذا 
شن المصلحون حملة على مشايخ الزوايا الذين يتمعشون من أخذ الزكاة» وهي 
محرمة عليهم؛ لكون أصحاب الزوايا إما من أهل البيت» أو ليسوا من الأصناف 
الثانية الذين شرعت لأجلهم الزكاة وقصدوا بحملتهم هذه بوجه خاص الشيخ 
ابن عليوة. وقد نشرت جريدة النجاح مقالا يتساءل فيه صاحبه عما يدفع من 
الأموال لأرباب الزوايا أو يستجلبونه بواسطة المقدمين بقصد الزكاة هل هو 
مجزي أم لا؟ 

فكتب ابن عليوة لجريدة النجاح يقول: أن صرف الزكاة لغير الأصناف 
الثانية لا يحتمل الجواز لأنها فريضة من الله» ولكن لا يمتنع أن يكون في أرباب 
الزوايا من يصدق عليه الوصف بعينه» كآن يكون مسكينا أو مديناء هذا من 
جهة» ومن جهة أخرىء يحتمل أيضا أن يوجد من أرباب الزوايا من يأخذها 
ليصرفها في أبوابها. لذا أقر بأن دفعها له غير سديدء ولكنه لم يمنع إرساها إليه. 
الشيخ ألح فقط على من أراد بإحسانه دفع زكاة أمواله- وأراد أن يتم صرف 
تلك الأموال بواسطته- أن يبين للشيخ أنها زكاة ليصرف ذلك المال في وجوهه 


الشرعية(). 

بناء على هذا الواقع» فقد وقفت الجمعية سلبيا من هذه المصادر التي تمون بها 
الزواياء من الملاحظات التي يمكن توجيهها للجمعية بسبب هذه التهمة: 

الملاحظة الأولى: 

أن حاجة الزوايا للمال لا تختلف عن حاجة الجمعية باعتبارها تمارس ما 
تمارس الجمعية من التربية والتعليم وتحفيظ القرآن» بل تمارس فوق ذلك دور 
الكفالة الاجتاعية» ونحوها مما سبق الحديث عنه عند ذكرنا لمشروع الطرق 
الصوفية الإصلاحيء وهو مما لا يختلف فيه» بل تقر الجمعية به» بل إن أكثر علماء 
الجمعية درس في تلك الزوايا. 

وهذه المدارس- باتفاق الجميع - نظامها داخلي» وهي لذلك تتكفل بكل 
حاجات الطلابء بل تتكفل الفقراء منهم تكفلا تاما. 

وهذا يدعو إلى التساؤل عن الكيفية التي تمون بها هذه الزوايا إن قطع عنها 
المدد المالبي الذي ينفقه المرتبطون بها من العوام أو المريدين. 

ولسنا ندري كيف تنكر الجمعية هذاء وقد أفتى شيخ الفتوى فيها الشيخ 
العربي التبسبي بأحقية المؤسسات التي #بدف إلى حفظ الدين والعلم في أخذ 


)١(‏ أحمد بن مصطفى العلاوي : أعذب المناهل في الأجوبة والرسائل» ص 18» نقلا عن: غزالة بوغانم» الطريقة 
العلاوية في الجزائر ومكانتها الدينية والاجتاعية 5 ١945094 ١917‏ ص155١.‏ 
921 


أموال الزكاة» فقال(١):‏ (الزكاة مشروعة لنشر الإسلام وإقامته ولسد حاجات 
الفقير المسلم. ذلك هو المقصد المستفاد من أصناف مصارف الزكاة التي منها 
سبيل الله. والفقهاء إذا اختلفوا قديه| في جواز صرف أموال الزكاة لبناء المسجد 
مثلا إنا كان ذلك أيام كان بناء المساجد من واجبات الحكومة الإسلامية. أما 
الآن وقد عدمنا حكومة إسلامية فلا يعقل أن يقال ببقاء الأمة في مدنها وقراها 
من غير مساجد ولا مدارس. لأن منع صرف صرف الزكاة في هذه المصالح 
الدينية يؤدي إلى ذهاب الإسلام بعباداته ومظاهره الاجتماعية كالجاعة 
والجمعة» وإلى موت لغة الإسلام بين المسلمين) 

وبين وجه الاستدلال في هذا نما ينطبق على الزويا انطباقا تاماء فقال: (ونحن 
اليوم في وطننا هنا إن لم نستعن بالزكاة لبناء المساجد والمدارس بقينا بلا مساجد 
ولامدارس. وهذا يؤدي إلى ضياع الإسلام شعائره ومظاهره ولغته. وإن استعنا 
بها في بناء المساجدء وإقامة الشعائر الدينية» وتعليم الإسلام» وصلنا إلى المحافظة 
على مساجدنا وعلى مظاهرنا الاجتماعية» وتربى أبناؤنا على ما يجب أن تتربى 
عليه الناشئة الإسلامية في علومها وآداءها ولغتها. فصار صرف الزكاة لبناء 
المساجد والمدارس وسيلة مباشرة لبناء المساجد والمدارس والمدارس اللذين لا 


إسلام ولا دين ولا عربية بعدمههما. وشاهد ذلك ما وصلت إليه الآمة يوم 


() نشرت هذه الفتوى في جريدة البصائرء السلسلة الثانية» السنة الثالثة» عدد .1١9‏ الإثنين 


6/ ماي/ م الموافق /7١8‏ رجب/759١ه‏ ص 7. 
ا 


أضاعت التعليم بسبب فقرها وانتثار جماعتهاء وجمود فقهائها اللذين باتت 
فتاوهم حجر عثرة في طريق الإسلام وتعليم الأمة» وتبين أن صرف الزكاة في 
ذلك وسيلة لأداء هذا الواجبء ووسيلة الواجب واجبة) 

والخلاصة التي خلص إليها من فتواه هي (أن الذي ندين الله به هو جواز 
صرف الزكاة للمساجد بناء وتعميراء وللمدارس بناء وتسييرا) 

ولانرى فرقا بين زاوية التعليم ومدارس التعليم إلا في الأسماء. والأسماء لا 
تؤثر في المعاني والحقائق. 

بعد هذا فإن الجمعية لو أنها - عند نقدها لهذا السلوك الذي تمارسه الزوايا 
- كانت عفيفة زاهدة» تنشئ المدارس من أموال أعضائها واشتراكاتهم لرب| 
عذرناها في ذلك» ولكنها تتبع نفس الأسلوب الذي تتبعه الطرق الصوفية» بل 
إنها تكاد تستجدي الناس استجداء» حتى صارت تلقب كا عرفنا سابقا ((جمعية 
العفو 

ونحن لا نلومها في هذا لأن المهام الخطيرة التي نذرت نفسها لها تستدعي 
ذلك» ولكن نلومها للمكاييل المزودجة.» أو | قالت العرب: (رمتني بدائها 
وانسلت)» أو كما ورد في الحديث (يبصر القذى في عين أخيه وينسى الجذع في 


عينه)() 


)0 قال عنه العجلوني» إسماعيل بن محمد الجراحي في (كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث 
على ألسنة الناس» دار إحياء التراث العربي» (7/ 078/8): (رواه أحمد عن أبي هريرة» وابن أب الدنيا في المداراة 
حلصن 


وحتى لا يكون حديثنا مجرد دعوىء فإنا سيؤيده بهذا الاقتباس من محاضرة 
طويلة ألقاها الإبراهيمي بنادي الترفي بالعاصمة عام ١979‏ م(" في الفترة التي 
كان يحضر فيها لتأسيس الجمعية» وقد كان كل جهد الإبراهيمي في هذه 
المحاضرة بيان الحاجة لللال لتأسيس الجمعية» فقد قال بعد أن بين الأهداف 
الكبرى التي تريد الجمعية تحقيقها: (ودوننا في الوصول إلى القدر الصالح منه 
عقبات أكبرها فقدان المال» فلو اجتمعنا وتظاهرنا وملأنا الدنيا أقوالا لما أفادنا 
ذلك من العلم قليلا ولا كثيرا بدون مال.. إذن فالواجب على هيئاتنا المجتمعة 
محاربة الجهل بالعلم» ولا يتم ذلك إلا بالمال وأين المال وما أقل ما يكفي منه)7”) 

ثم ذكر العقبات المرتبطة بهذا الجانب» فقال: (لا ننكر أن عند أغنيائنا مالا 
يكفي لبعض الواجبء ولكن يحول دون إخراجه في المشاريع النافعة أسباب: 
شح مطاع في البتعض وجهل بطرق النفع العام في البعضء وأخرى نشكو منها 
إلى الله وهي عدم ثقة بعضنا بالبعضء هذا الخلق المشؤوم الذي أصبح خلقا ذاتيا 
داولا تي هن ابه هذا ادي 


ولست أدري لم يعتبره خلقا مشؤوماء وهو قبل أن يحاضر هذه المحاضرة كان 


عن بكر بن عبد الله المزني قال إذا رأيتم الرجل موكلا بذنوب الناس ناسيا لذنبه فاعلموا أنه قد مكر بهء وروى 
الديلمي عن أنس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس) 

.١979 المجلد الخامس» جوانء» جويليه» أوت‎ )١ »5 مجلة الشهاب (الأجزاءه»‎ )١( 

)017 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 017) 
دض 


يحذر الناس من إعطائهم امال لرجال الزواياء ويقول لهم: إنهم يبتزونكم, وأنهم 
ليسوا بأهل لإعطائهم أموالكم. 

والناس عندما يسمعون هذا قد يكفون عن إعطاء أموالهم للزوايا ورجاهاء 
ولكنهم أيضا لا يعطون أموالهم للجمعية» فمن يضمن أن تصرف تلك الأموال 
في الها الصحيحة؟ 

ثم فوق ذلك كيف يتركون معلوما واضحا أمامهم, وهو الزوايا وما قامت 
به من أدوار فاعلة إلى جمعية لا يدرون مصيرهاء ومصير أموالهم معها. 

وقد ذكر الإبراهيمي, أنه وجد في هذا القطر في عهده الأخير جماعة من أبنائه 
البررة حاولوا التعليم بأسلوب قريب وطريقة منظمة» كل في دائرة اختصاصه. 
وجعلوا أعمالهم وأوقاتهم تضحية وطنية متكلين على التضحية الوطنية من 
جانب الأغنياء» لكنهم - ىم يذكر الإبراهيمي - (ما جاوزوا مبادئ العمل حتى 
أعوزهم الملل وأخطأ الاتكال» هنا وقعت المشادة الكبرى- قالوا للأغنياء: هاتوا 
المال» فقال بعضهم: هاتوا الثقة» وقال البعض: هاتوا الثبات» وقال بعضهم: لا 
أدفع مالي في غير ما يخص أهلي وعيالي.. أما الفريق الثالث فقد عذرناه لأنه 
مخلص لشحه وأنانيته» وأما الفريقان قبله فهها تحت رجم الظنون. وكانت 
خلاصة هذه المشادة أن تعطلت تلك المؤسسات العلمية النافعة في أول نشأتها 


وحرم الوطن من فوائدها وخرج الفريقان بالأعذار الباردة كل يتنصل من 


الدلد 


العهدة والعهدة على الجميع)”") 

وبناء على هذا الطرح المنطقي ذكر الإبراهيمي أنه لو وجدت (جمعيات منظمة 
تقوم بهذا العمل لما كنا نحرم هذا الحرمان المؤلم ولشدت عضد هؤلاء 
المجاهدين» ولكان لها من مكانتها شفيع عند الأغنياء يقطع عذر المعتذر منهم 
ويخفف عاطفة الشح من الشحيح)() 

ويتحدث الإبراهيمي - على حسب ما فقهه من مدرسة التنوير- عن تأثير 
المال وكونه عصب الحياة» (وأن مكان المال من الحياة مكان الوريد من البدن» 
وأن الزمان قد دار دورته وقضى الله أن يصبح المال والعدم سلاحين لا يطمع 
طامع في الحياة بدونه| فلننظر مكاننا منهما ومكانه| منا)7» 

هذا هو موقف الإبراهيمي من ضرورة المال في أي مشروع» وخاصة المشاريع 
الخيرية» ولسنا ندري لم يمنع الطرق الصوفية باعتبارها جمعية خيرية في أن يكون 
لما حظ من هذا المال لتؤدي به رسالتها. 

ولم يقف الأمر بالنسبة للجمعية عند حد المحاضرات والخطبء بل كانت 
تسعى بكل الوسائل لتحصيل المال» وكانت تمد يدها كل حين للمجتمع ليمدها 
ب| تقوم به مشاريعهاء فهذا الإبراهيمي في افتتاحه لمعهد سطيف يخاطب الحضور 
قائلا: (إن الجمعية الدينية تفخر بم| تم على يدها من هذا المشروع الواسع وتعترف 


)017 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
)017 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


(؟) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي /١(‏ 08) 
1م 


بأنها إنما قامت ببعض الواجب», وهي ساعية بتوفيق الله في إتمام بقية هذا الواجب 
وهي المدارس القرآنية.. وما وسائل التعمير إلا المال الذي يرصد لتكون حياة 
الجامع مضمونة وحياة هذه المؤسسات مضمونة. وما التعمير الحقيقي إلا العلم 
والتعليم)” 

وبناء على هذا طلب (من المحسنين أن يتعاهدوها بالإحسان ويمدوها بالمال 
فلا بقاء هذه المؤسسات إلا بالإحسان المتواصل والمدد المتوالي.. وإنها تعد نفسها 
قائمة بواجب كفائي لا ترجو عليه من المخلوق جزاء ولا شكورا وقد أحسن 
إليها قوم وأساء إليها آخرون. فقالت للمحسنين أحسنتم وللمسيئين هداكم الله 
عالمة أن من أساء اليوم سيحسن غدا إذا ظهر الحق واتضح السبيل» فهي تقابل 
الإساءة بالعذر تمهيدًَا لمقابلة إحسانه بالشكر)() 

ولسنا ندري سر هذه التفرقة العنصرية بين مؤسسات الجمعية ومؤسسات 
الزواياء ولسنا ندري سر حاجة مؤسسات الجمعية ومراكز تعليمها إلى المال» بين| 
لا تحتاج الزوايا إلى المال» والأخطر من ذلك أن يعبر عن إعطاء المال لمدارس 
الجمعية بكونه إحساناء بينا يعبر عن إعطاء المال لأختها من زوايا الطرق 
الصوفية ومدارسها بكونه بلاهة» ويعبر عن مستجدي المال لمؤسسات الجمعية 
من كونه داعية ومصلحاء ويعبر عن مستجدي المال للزوايا بكونه محتالا نصابا. 

الملاحظة الثانية: 


)480 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


)480 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
ام‎ 


قد يقر البعض با ذكرناء ولكنه يعتذر لذلك بأن في الجمعية ثقاة محترمون» 
بخلاف الزوايا والطرق الصوفية» وإثبات هذا صعب جدا من الناحية الواقعية 
لأن المتعاملين مع الزوايا ومع الجمعية كلاهما بشرء وكلاهما يحب المال» وكلاهما 
يخطئ ويصيبء وكلاهما قد يخطئ فيمد يده لما لا يحل له. وما دام الأمر كذلك» 
فلم نصف الجمعية بالعصمة المطلقة» ونصف الزوايا بالخطأ المطلق؟ 

ولا حاجة لنا لإثبات ذلك فالزاهري الذي كان محل احترام عظيم من 
الجمعية» بل رأس صحفهاء صار بعد ذلك عميلاء بل صار متهما في أمانته» وقد 
نقلنا موقف الإبراهيمي منه. وحديثه عن خيانته المالية. 

بناء على كل هذا نقول بآن الانحراف في التعامل مع الأموال» واستغلاهها 
للمصالح الشخصية موجود في الزوايا - ى) ذكر علاء الجمعية- ولكن لا يوجد 
فيها وحدهاء بل في كل المحال» والمصلح هو الذي يتعامل مع الأصلء لا مع 
الانحراف. 

بل إنا نرى أن الجمعية لا تقل في هذا السلوك عن الزواياء بل الأخطر من 
ذلك أن نرى تشريع ابتزاز الأموال عبر فتاوى لا نرى ها أي دليل عليهاء وفي 
حال وجود الدليل عليها من الصعب تحقيق مناطها. 

فقد قال الشيخ العربي التبسي في فتواه السابقة: (والموضوع لست بمحتاج في 
إلى الاستشهاد بنصوص العلماء في جواز دفع الزكاة للفقهاء ولو كانوا أغنياء. 
لأن العلة في ذلك هي اليوم في تعليم الأمة وبناء المعاهد والمدارس أبين منها في 


51 


الفقهاء. ولست أيضا في حاجة إلى نقل كلام الأئمة في نقل حق من لم يبق من 
الأصناف الثانية إلى من يشبههم في المعنى الذي استحقوا من أجله الزكاة 
مادامت المسألة في بيان حكم فقهي إلى العامة التي لا تطالبنا بالدليل. ونحن 
نوافق فتوى أخذ الفقهاء من الزكاة إذا كان أولئك الفقهاء قد حبسوا جهودهم 
وعلومهم وحياتهم للجهاد في سبيل الإسلام» ونشره؛ والدفاع عنه. أما فقهاء 
السوء طلاب الدنيا فإننا لا نقول بجواز أخذهم من الزكاة)() 

ولسنا ندري كيف يعرف العامة الفرق بين الفقهاء الصالحين وفقهاء السوءء 
لأن ذلك يستدعي البحث في النيات» والنيات محلها القلب» والقلب لا يطلع 
عليه إلا ربه. 

بل إن الشيخ العربي التسي بهذه الفتوى الخطيرة أعطى الرخصة لأي 
طويلب علم أن يبتز أموال الناس» بل زكواتهم» ثم يصرفها لنفسه حتى لو كان 
غنيا بحجة أنه فقيه» وأنه صالح. 

بل إني أرى على وزارة شؤون الدنيا أن تمنع من تسرب هذه الفتوى للأئمة 
والمشرفين على صناديق الزكاة وإلا فلن يرى الفقراء منها لا قليلا ولا كثيرا. 

المطلب الرابع: مداهنة الاستعمار 

وهي من التهم المشتهرة» والتي لا تزال تنداول على الرغم من أن أكثر 
المقاومات كانت من رجال الطرق الصوفية» ولكن ذلك - مع ذلك- لا يشفع 
)١(‏ جريدة البصائرء السلسلة الثانية» السنة الثالثةه عدد 2١١9‏ 5١/ماي/‏ ٠90١م‏ الموافق 


رجب/ اه ص 1 
5 


لهم عند أكثر الباحثين» نظرا لبعض التصريحات التي أدلوا بهاء والتي تنسخ جميع 
ما قاموا به من أعمال تدل على غيرتهم على وطنهم. 

مع أن الكثير من أمثال تلك التصريحات صدرت من رجال الجمعية» 
ووجدت التبريرات التي تسيغهاء وكأمثلة على ذلك نذكر بعض مواقف ابن 
باديس من أحداث متفرقة» وكيف كان يتعامل معها بلغة دبلوماسية قوية تجمع 
بين المطالبة والاحتجاج مع الحكمة التي تبعده وتبعد جمعيته عن التعرض لأي 
ضغوط من المستعمر: 

ففي التقرير الأدبي الذي ألقاه الشيخ ابن باديس في افتتاح اجتماع الجمعية 
السنوي سنة 1975م صور طريقة الجمعية في معالجة القضايا السياسية» وهي 
طريقة تحاول أن تجمع بين الاحتجاج وإظهار الثقة» فم] جاء فيه قوله: (لقد 
أبدت الجمعية ألم الآمة وألمها من ناحيتها الخاصة بها با نشر لها وبا أبرقت من 
برقيات وما أرسلت من كتبء وقد أبدت ما لها من أمل يوم قابل رجاها وزير 
فرنسا (م. ريفي) وسمعت منه ما قوى ذلك الأمل.. وكم كان يسرني- وأنا 
رجل مسلم طبعتني تربيتي الإسلامية على الاعتراف بالجميل- أو استطعت أن 
أذكر لكم اليوم شيئا من تحقق ذلك الأمل. لكن بغاية الأسف لا أستطيع أن 
أقول لكم إلا أنه لم يتحقق شيء منه» فالمساجد ما تزال موصدة الأبواب في وجوه 
الوعاظ والمرشدين والمكاتب العربية ما زالت تلقى العراقيل الشديدة» وصحيفة 
الجمعية ما تزال في نطاق المنع والتحجير وما يزال رجال من أشخاص الجمعية 


518 


البارزين تحت الرقابة والشدة بغير ذنبء غير أننا لا نقطع حبل الرجاء ما دام على 
رأس الإدارة رجل عالم خبير يقدر العلم وأهله ربم| انفسح أمامه المجال للعمل 
في عهد الولاية الجديدة» ومع ذلك فإنني إبقاء لصوت ال حق أرفع باسم جمعكم 
هذا إلى المراجع العليا الاحتجاج على بقاء هاته ال حالة التي يحال فيها بين علماء 
الإسلام ومساجد الإسلام» ويحال فيها بين الأمة وتعلم دينها في أماكن دينها 
ويعرقل فيها المسلمون على تعليم أبنائهم» لغة وعقائد وآداب دينهم. ويخنق فيها 
صوت جمعية دينية علمية فيحال بينها وبين الصحافة التي هي الأداة المشروعة 
المعترف بها لكل جمعية لنشر دعوتها والدفاع عن نفسها)'" 

وفي خطبة ألقاها الشيخ ابن باديس بقصر الجمعيات الفرنسية بتونس» نرى 
التكتيك الذي كانت تمارسه الجمعية في تعاملها مع الشؤون السياسية» فمم|ا جاء 
فيها قوله: (كانت مطالب الجزائر قبل انعقاد المؤتمر الجزائري الشهير مطالب 
متفرقة يقوم بها أفراد موزعونء ولما تأسس المؤتمر الجزائري في السنة الفارطة 
توجهت الأمة بمطالب عامة- سياسية» اقتصادية» علمية» عربية قومية- 
ومطالب الجزائر لا تزال في حيز الانتظار إلى الآن كا لا تزال مطالب تونس في 
حيز الانتظار.. وقد حدث شيء بعد ذلك وهو مشروع فيوليت الذي هو شيء 
واحد من المطالب التي قدمناهاء وهو يعطى حق الانتخاب لعشرين ألف 
وبضعة آلاف وحق التصوت في جملة الفرنسويين.. ولقد صعب تنفيذ هذا 
)١(‏ سجل مؤتمر العلماء المسلمين الجزائريين ص 5 - 175/ ١7‏ جمادى الأخيرة 05١ه‏ - ١0‏ سبتمبر 


ام. 
51 


المشروع لما اشترطه المؤتمر من المحافظة على الصفة الشخصية الإسلامية العربية» 
وهاهو الآن في مهب الريح يمكن أن يتم ويمكن أن لا يتم.. وقد قبلت أكثرية 
الأمة مشروع فيوليت بالشرط المذكور وباعتباره أقل المطالبء أما الأقلية فقد 
أبت قبوله تماما لأنها تخشى بعض الألاعيب التي لا تدري متى تكون.. ونحن 
نحترم رأي هذه الأقلية ونؤمل بقاءها على رأيهاء وهي تطالب بالاستقلال وأي 
إنسان يا سادة لا يحب الاستقلال؟ إن البهيمة تحن إلى الاستقلال الذي هو أمر 
طبيعي في وضعية الأمم.. أما موقف الحكومة التي أعطيناها ثقتنا من أول يوم 
فهو موقف التريث والتردد» تشاهد المعارضة من الرجعيين أصحاب المال 
الأقوياء» ونشاهد مطالب الجزائريين الضعفاء فتارة تعد كما قال م. فيانو وتارة 
تتوعد كما قال م. أوبو الذي يقول إذا أردنا الاحتفاظ على الشمال الإفريقي 
فلنحافط على القوة وقد أخطأ في ذلك» ولو كانت الحكومة تقبل نصيحتي 
كإنسان لنصحتها باستعمال الإحسانء الذي يمكنها به المحافظة على صداقة هذا 
الشمال الإفريقي)1" 

وقد حاول أحد أنصار ابن باديس أن يفرق بين ما كان يقوم به الشيخ ابن 
باديس باسم الجمعية وما كان يقوم به باسمه الشخصيء فهو ني ا حالة الأولى كان 
لا يخرج عن دائرة القوانين والتشريعات الجارية عندئذ, ولكنه في الحالة الثانية 


(1) آثارابن باديس: 5/ 0707 وانظر: البصائر: السنة الثانية العدد /١‏ الجمعة 4 ربيع الثانى 151157 جوان 


/117م. ص4ءع ١‏ و5 و" وص 5يع ١‏ و3. 
0 


كان لا يتردد في استعمال لهجة العنف والاحتجاج ضد الإدارة الفرنسية!". 

ولكن هذا - ى) يذكر د. سعد الله - ليس صحيحا دائاء ففي (الشهاب) 
التي كانت تمثل وجهة نظر ابن باديس الشخصية أكثر من وجهة نظر الجمعية 
كانت كثيرا ما تحتوي على مجاملات قد ينظر إليها غير المعاصرين على أنها مفرطة 
في المجاملة» من ذلك نشرها لصور الوالي العام وتهنئته وتعزيته ووصف بعض 
رجال الإدارة بالعلم والخيرة ونحو ذلك0". 

ومن ذلك - وهو أخطر من مجرد المجاملات- استدعاء ابن باديس للشرطة 
عند وقوع الهرج في نادي الترقي للمحافظة على الأمن» وقد انتقد في ذلك نقدا 
لاذعا وليم على استدعاء الشرطة (الفرنسية طبعا) لفض تنازع العلماء» لكن ابن 
باديس دافع عن الشرطة بحرارة!". 

وقد دافع سعد الله عن هذا الموقف الحرج الذي وقع فيه ابن باديس 
والجمعية» فقال: (ومن هنا يتضح أن موقف العلاء لم يكن سهلاء فقد كانوا 
يمشون على البيض كما يقول المثل الأجنبي» فهم من جهة كانوا يريدون تحقيق 
مبادئهم وأهدافهم بأية وسيلة مشروعة» ومن جهة أخرى كانوا واقعين تحت 


طائلة إجراءات استثنائية مستعدة لعرقلة سيرهم. بل وضعهم في قفص الاتهام» 


. ١7ص‎ .١975 بوكوشة. (المعرفة) الجزائرية» أبريل‎ )١( 
.47 // (؟) الحركة الوطنية:‎ 
أوت 77لم, وانظر: آثار ابن‎ - 0110١ غرة ربيع الأول‎ 504- 40١ انظر: الشهاب: ج 8. م 4» ص‎ )0( 
.71 7/5 باديس:‎ 
مض‎ 


لذلك كانوا يناورون ما وسعتهم الحيلة والمناورة ويجاملون ولكنهم لا يتنازلون 
عن مبادئهم؛ ومن أجل ذلك اصطدموا مرات بالإدارة)(2) 
المبحث الثاني: التهم الموجهة من الطرق الصوفية لجمعية العلماء 

تنطلق الطرق الصوفية في تعاملها مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من 
وصف يتكرر كثيراء ويعتبر بوابة لكل التهم التابعة له» وهي كون جمعية العلماء 
المسلمين الجزائريين ليست سوى فرع من فروع الوهابية في الجزائره وقد ذكرنا 
في الفصول السابقة أسباب هذه التهمة» وما يصح منهاء وما لا يصح. 

وهذا الاسم الذي أعطته الطرق الصوفية للجمعية هو الذي يسر عليها 
إسداء ما تشاء من التهم إليهاء ذلك أن الشيخ محمدا بن عبد الوهاب وأتباعه قد 
لقوا من العالم الإسلامي منذ ظهور حركتهم حربا شعواء؛ وألفت في الرد عليه 
وعليهم المصنفات الكثيرة» والتي كان يصل أكثرها إلى زوايا الطرق الصوفية!" 
فيجدون فيها القواسم الكثيرة المشتركة بين كلتا الحركتين» ولعل هذا ما يسر 
لظهور المؤلفات الكثيرة في الرد على ما تطرحه الجمعية على الطرق الصوفية من 
إشكالات وتهم. 

بناء على هذا نحاول في هذا المبحث أن نذكر أصول التهم التي وجهتها 
الطرق الصوفية إلى الجمعية» ونذكر علاقتها بالتهم الموجهة للحركة الوهابية» 


.98 /" الحركة الوطنية:‎ )١( 


(؟) سنرى بعض تلك المصنفات عند الحديث عن مؤلفات الطرق الصوفية في الرد على الجمعية. 
مض 


وذلك لا ذكرناه سابقا من ضرورة العودة إلى جذور الخلاف. 

وقد رأينا من خلال استقراء التهم الموجهة من طرف الطرق الصوفية 
للجمعية» أو للحركة الوهابية أنها أربع تهم كبرى» هي: 

التهمة الأولى: تهمة الجهل والغرور 

التهمة الثانية: تهمة المسارعة إلى التكفير 

التهمة الثالثة: تهمة إنكار الولاية وما يترتب عليها 

التهمة الرابع: تهمة العنف في التعامل مع الآخر 

وقد خصصنا كل تهمة منها بمطلب خاص. 

المطلب الأول: تهمة الجهل والغرور 

ويعتبرها الصوفية أساس جميع الأخطاء التي تتصور أن الطرف الآخر وقع 
فيهاء ولذا كثيرا ما نجد الشيخ ابن عليوة على المخصوص يوجه المخالفين له إلى 
المطالعة والبحثء أو يتهمهم في كونهم لم يبذلوا جهدهم في البحث في المسائل 
التي يطرحونهاء وكمثال على ذلك قوله للمخالف مخاطبا له: (.. قبّح الله الجهل 
وما في معناه» وأنّ تقصير المعارض في طريقة القوم فهو أشهر من أن يستدل عليه. 
لأنّه لو تكرّر على مسمعه من اصطلاحاتهم؛ وتمكّنت من قلبه بعض عباراتهم» 
وعلم أنْ ألفاظهم أقرب إلى المجاز منه إلى الحقيقة» لوجد في ذلك مجالا أوسع 
من أن يضيق من أقوالناء وبالأقل كان يحمل ما في ( المنح القدوسيّة ) من قوله 
(تطور في أطوار شتى لتظهر عظمته) عل المجاز بالخذف» لأنّ من أنواعه مايدل 


1-0 


-ه 


العقل على حذفه كقوله تعالى: (وَجَاءَ رَبّكَ) [الفجر: ؟؟].؛ فدلٌ العقل على أن 
فاعل جاء محذوفاء لاستحالة تصوّر المجيء من الحقٌ» ولم لا يقدر هذا المعارض 
محذوفاء إذا علم أنْ التطوّر لا يصمح من الحقٌ» ويقول تطور سرٌّه أو نوره وما هو 
من هذا القبيل» ولكن التعصّب يعمي ويصم)(" 

وختم هذا الوصف بقوله: (لأنَ عقل العموم أضعف من أن يتؤّصل لعلم 
القوم)7”" 

ومثل ذلك كتب للشيخ ( محمد الملالي ) المدرس بالحرم النبويّ الشريف 
يقول له: (أمَا أنا فلا أراكم إلا أنكم قستم من تعرفونهم على من لا تعرفوهم» 
حكمتم على الجنس بحكم النوع» وهو لا شك حكم تفتخرون به بين المناطقة» 
وتصولون بمثله على الأصوليين !» أيّهها الشيخ» أليس يكفيك أن تقوم بتدريس 
ما تعرفه من ضروريات الدين» وتتجنب ما لا تعرفه. حتى تكون على بينة ويقين 
؟ لم يبلعك: إن الصَمع وَالْبْصد وَالْمُوَاد كل أوليك كان عن مشثولا) [الإسراء: 
5] فالأحرى بنا وبكم أَبّا الشيخ أن لا نحكم بالسلب أو الإيجابء إلا على 
ما نعرفه من نفوسناء وإن كان ولا بد فعلى ما نعرفه ونتحققه في بعض أبناء 
جنسناء أمّا ما غاب عا وعنكم من أسرار الخلق» فتكل أمره للملك الحق» وهذا 
ماعن لنا نصحناك به لوجه الله تعالى» وعلينا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) 


.7 ١ص ابن عليوة» القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف.‎ )١( 


(؟) ابن عليوة» القول المعروف في الرد على من أنكر التصوفء ص١7.‏ 
يق 


)00 
وهكذا يخاطب الشيخ عثمان ابن المكي بقوله: (وكل ذلك أصابك ولعلّه من 
عدم الفقه في دين الله» ولحذا اشترط عليه الصلاة والسلام في حق الآمر بالمعروف 
والناهي عن المنكر أن يكون فقيها فيم| يأمر به فقيها فيا ينهى عنه. لتلا يأمر بمنكر 
وينهى عن معروف, ومن أجل ذلك تورّع أكابر العلماء عن القول في دين الله 
بغير نص صريح. أو ما هو كالصريح.. فإنْ من الحق عليك أن تنكر ما علمت 
إنكاره من الدين بالضرورة» وتأمر ب! تحققت معروفيته من الدين بالضرورة؛ 
وتحسن الظنّ فيها تفرّع عن اجتهاد المجنهدين من أثمة الدين من الصوفيّة 
وغيرهم؛ أو ليس في علمك قد يوجد من المشتبه ما ثبت حرمته في مذهب 

وإباحته في آخرء أو ندبه في مذهب» وكراهيته في الآعر ؟)[1) 

بل دله فوق ذلك على المراجع التي يرجع إليها في ثبوت هذه المسائل» بل ذكر 
له المراجع التي تتناسب مع توجهه المالكي المتشدد في موقفه من البدعة» فقال: 
(وإن أردت الاستطلاع على ذلك والتتبع لفتاوى الفقهاء الماهرين والأئمة 
العاملين في ذلك» فانظر ما على هامش رائية الشريشي فقد جمع من فتاوى الفقهاء 
قديها وحديثا ما يتعذّر علّ نقله. ولا تظنّ أن المومى إليهم هم من أطراف 


)١(‏ ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» 
ص78 .١‏ 
(0) ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» 
ص"9١.‏ 

ميض 


الفقهاء. أو هم ممن اشتهروا بالتصوّف حتى تطرقهم التهمة, لأنْ المذهب عندك 
متهم إِنّ) هم من محققي مذهب الإمام مالك كالشبرخيتي» وأضرابه» ومن 
محققي مذهب الإمام الشافعي كجلال الدين السيوطي وأصحابه» ومن محققي 
مذهب أبو حنيفة كالفيروزبادي صاحب ( القاموس ) وأمثاله» ومن هذه الطبقة 
جماعة)(0) 

وبهذا يوقف الشيخ ابن عليوة المخالفين له في موقف حرج بل يثبت هم أنهم 
لا يطالعون» بل لا يطالعون كتب المذهب المالكي الذي يدعون نسبتهم إليه 
وسنرى عند الحديث عن فتاوى الجمعية» وفتاوى الاتجاه السلفي عموما انتقائية 
عجيبة في التعامل سواء مع النصوصء أو مع أقوال العلماء عند الحديث عن 
أساليب التعامل بين الجمعية والطرق الصوفية. 

وأمثال هذا كثير في رسائله» | هي في رسائل غيره من الصوفية» وهم في 
هذه التهمة مقلدون للعلماء الذين اتهموا الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وحركته» 
والتي لم تكن الطرق الصوفية ترى أي فرق بينهما. 

ومن المؤلفات التي ألفت في هذا ما كتبه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد 
اللطيف. وهو أحد شيوخ محمد بن عبد الوهاب في الإحساءء فقد كتب رسالة 
يرمي فيها الشيخ بالجهل بعنوان (سيف الجهاد لمدعي الاجتهاد) 

كما ألف محمد بن عبد الرحمن بن عفالق رسالة وجهها إلى الشيخ محمد بن 


)١(‏ ابن عليوة» أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل» نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي» 


ص5١5.‏ 
مدن 


عبد الوهابء وكان عنوانها (تمكم المقلدين في مدعي تجديد الدين)» وقد 
تضمنت هذه الرسالة أسئلة علمية طلب من الشيخ أن يجيب عنهاء وثما ورد فيها 
قوله: (وبعد فأسألك عن قوله تعالى: (ِوَالْعَادِيَاتِ) [العاديات: ]١‏ إلى آخر 
السورة هي من قصار المفصل كم فيها من حقيقة شرعية وحقيقة لغوية وحقيقة 
عرفية» وكم فيها من مجاز مرسل ومجاز مركبء واستعارة تحقيقية» واستعارة 
وثاقية واستعارة عنادية واستعارة عامية واستعارة خاصية واستعارة أصلية 
واستعارة تبعية واستعارة مطلقة واستعارة مجردة واستعارة مرشحة وموضع 
الترشيح والتجريد فيها وموضع الاستعارة بالكناية والاستعارة التخيلية وما 
فيها من التشبيه الملفوف والمفروق والمفرد والمركب والتشبيه المجمل والمفصل. 
إلى آخر هذه الأسئلة)() 

بالإضافة إلى الجهل» فقد ا#بمت الطرق الصوفية الجمعية بالغرور» واهتتامها 
بصناعة الألفاظ دون الغوص في المعاني» وأنها لا تبحث في الحقائق بقدر بحثها 
في الألفاظ. 

ومن أمثلة ذلك ما رد به الشيخ ابن عليوة على من تستعبدهم الألفاظ ولا 
تروقهم المعاني» فقال عند حديثة عن العلم الباطن عند الصوفية: (فإذا كان 


هؤلاء القوم يستخرجون الجحدٌ من الهزل» فكيف لا يستخرجون الجدٌ من 


)0 (تبكم المقلدين)» ق5.» نقلا عن: الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف. دعاوى المناوئين لدعوة 
الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقضء وقد ذكر أن هذه الرسالة لا تزال مخطوطة في مكتبة الجامعة الملكية 
في تبونجن بالمانيا. 

يندرا 


الجدّء بل لهم ذلك لكونهم لا يقفون عند ظاهر الألفاظء وإِلَّا ينظرون إلى المعاني 
الدالّة على المراد» ولا يلتفتون للحن ولا للإعراب» بل يأخذون المعاني من حيث 
وجدوهاء فهم ناظرون لإشارة الأرواح» غافلون عم يتلفظ به اللسان» تراهم 
مع الله في كل حال وشأنء مع انّه كل يوم هو في شأنء ما اتخذ الله وليّا جاهلا إلا 
علّمهء وابتداء التعليم به ثم بأحكامه وأمّا بقيّة العلوم فليست شرطا في صحّة 
الولاية وإنَّ) هي شرط كمال وذلك كالنحو والصرف. والمعاني والبيان» وعلم 
اللغة» حيث من لم تغنه معرفة الله» فذلك هو الشقي)7”") 

وفيهما ذكره الشيخ تلميح إلى تلك السخرية التي كان يعاني منها من أعضاء 
جمعية العلماء لكون لغته بسيطة ولا تجاري لغتهم القوية» ولكو هما بعد ذلك ممتلئة 
باللحنء ومخالفة لقواعد اللغة من النحو والصرف. 

وهذا ينقل عن ( أحمد بن عجيبة ) قوله في هذا المقام: ( إصلاح اللسان دون 
إصلاح القلب فسق وضلالء وإصلاح القلب دون إصلاح اللسان كال دون 
كمال» وإصلاح القلب واللسان كمال الكمال)7" 

وينقل عن الفقيه ( ميمون ) قوله: ( أقبح كل قبيح أن يتعلّم الإنسان نحو 


(1) ابن عليوة» المنح القدوسية في شرح المرشد المعين على الطريقة الصوفية» ص5 ؟. 

(0) النص كما وجدته ني إيقاظ الحمم شرح متن الحكم (ص: )١11١‏ هو قوله: (كان شيخ شيخنا رضي الله عنه 
إذا ذكر من تقدم له في العربية يقول له أنت اترك شيئاً من عربيتك وأنا أترك شيئاً من جبليتي؛ يعني من اللغة 
الجبلية» ونلتفت للطريق» والحاصل أن من اجتمع فيه الخال وفصاحة المقال فهو كال الكمال» وذلك لأنه ينتفع 


بكلامه بعدموته كالغزالي والشترى والشاذلي والمرسي والشيخ رضي الله عنهم» فقد عظم النفع بكلامهم) 
مدن 


اللسان ويعلّمه. ولا يتعلم نحو القلب ويعلّمه مع أنه محل نظر الربّء فإذا كان 
نحو اللسان مع نحو الجنان كان صاحبههما في أمان» ولا يخشى عليه الخسارة 
والمخذلان» يوم وقوفه بين يدي الرحمنء لأن الله تبارك وتعالى لا يثيب العباد على 
إعرابهم؛ وإنّما يثيبهم على قلوبهم)”" 

وينقل عن الشيخ العربي الدرقاوي قوله: ( ما عرفنا من النحو إلا إعراب 
قوله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فَقَرَاءَ يُغْنِهمُ الله مِنْ فَضْلِو) [النور: 77]» إن حرف 
شرطء ويغنهم جواب الشرطء والمقصود بالغنى الغنى الأكبر فيكون خطابه 
للمتوجهين على طريق أهل الإشارة)7) 

بالإضافة إلى هذا نجده في مناقشاته مع الجمعية أو مع الاتجاه السلفي 
يرشدهم إلى المراجع التي يحتاجون إلى الرجوع إليها للتعرف على الحقائق» 
وسيأتي ذكر الأمثلة على هذا عند الحديث عن المناقشات الفقهية بين الجمعية 
والطرق الصوفية في الجزء الثالث من هذه السلسلة. 

المطلب الثاني: تهمة المسارعة إلى التكفير 

وهي من التهم التي وجهها رجال الطرق الصوفية إلى الجمعية بناء على ما 
ذكرناه سابقا من اتهام الجمعية للطرق الصوفية بالكفر والشركء ولو لأبسط 
الأسباب» وقد كتبت في هذا الإطار (البلاغ الجزائري) رسالة مفتوحة للشيخ 
ابن باديس تقول له فيها: (نحن لا يسوؤنا أيها الأخ أن تختار ذلك لنفسك لعلمنا 


)0 ابن عليوة» المنح القدوسية» ص .7١‏ 


)0( ابن عليوة» المنح القدوسية» ص١‏ 7. 
مدنا 


بأن الإنسان أحرص على نجاة نفسه من حرص غيره عليه إن| يسوؤنا أن تحمل 
الناس عليه» في حال أنه لم يتضح دليله للسابقين الأولين» فهو بالأحرى يخفى 
على الآخرين؟...وها هي كتب الأثمة الأربعة فهل رأيت فيها من ذكر في باب 
الردة أن من زار قبرا على قصد التبرك أو التوسل بصاحبه إلى الله في قضاء حاجته 
فقد أشرك بالله أو ارتد عن دينه والعياذ بالله)() 

وهذه التهمة لا يمكن دفعهاء ذلك أن الجمعية بها كانت تنشره في صحفها 
كاف لإثبات التهمة» فهي تتهم كل مخالف لما من رجال الطرق الصوفية إما 
بكونه شيخ حلولء أو كونه عابد وثن» ونحو ذلك مما مر بنا ذكره؛ وضرب 
الأمثلة عليه. 

هذا هو المبرر الأول أما المبرر الثاني فهو أخهم يجدون (الوهابية) التي دافعت 
عنها الجمعية دفاعا مستميتا من أكثر الجماعات الإسلامية مسارعة إلى تكفير 
المخالف» حتى أن مصطلح (نواقض الإسلام) يعتبر ابتكاراً وهابياًء فقد وضع 
مؤسس الوهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة في مصتفه (كتاب التوحيد) 
بعنوان (نواقض الإسلام)» وحدّدها في عشرة نواقض على النحو التالي: 

١‏ الشرك في عبادة الله تعالى» قال الله تعالى: (إنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ مُشْرَكَ به 
وَيَغْفِرٌ مَا دُونَ ذَلِكَ لِنْ يَسَاءُ وَمَنْ يُشْرِكُ بالل قَقَدِ افتَرَى إِنا عَظِيَا] [النساء: 
. ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر» أو للقباب. 

)١(‏ ( نصيحة ثمينة وموعظة عظيمة إليكم يا حضرة ابن باديس»» البلاغ الجزائري» ع: 23١١‏ السنة الثامنة» 


الجزائر: 78 ربيع الأول. 1787 0ه ”١‏ جويلية 1977. 
رض 


١‏ من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسأهم الشفاعة ويتوكل عليهم 
كفر إجماعا. 

من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر. 

5- من اعتقد أن غير هدى النبي يي أكمل من هديه» أو أن حكم غيره أحسن 
من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر. 

4 من أبغض شيئاً نما جاء به الرسول ي؛ ولو عمل به كفر. 

5 - من استهزاً بشىء من دين الرسول يي أو ثواب الله أو عقابه كفر.. 

السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر. 

مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى: (َوَمَنْ 
يتَوَكَّمْ مِنْكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ ِنَ للهلا َبدِي الْقَوْمَ الظَالِينَ ) [المائدة: ]0١‏ 

4 من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج من شريعة محمد يي ى| وسع 
الخضر الخروج من شريعة موسى عليه السلام فهو كافر. 

٠‏ الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلّمه ولا يعمل به» والدليل قوله تعالى: 
[وَمَنْ َظلَمُ َنْ ذْكَرَ بآيَاتِ رَبّْهِ ثم أعْوَضَ عَنْهَا إِنَا من الُْرمِينَ مُنْتقِمُونَ] 
[السجدة: ؟؟] 

ثم يختم بالقول: (لا فرق في جميع هذه النواقض بين الحازل والجاد والخائف. 
إلا المكره. وكلها من أعظم ما يكون خطرأء ومن أكثر ما يكون وقوعاً)!" 


)00 الشيخ محمد بن عبد الوهاب» جموعة رسائل ف التوحيد والإيان» الرسالة التاسعة» «(نواقض الإسلام)» 


موسوعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب» ص 785-/1/”. 
درون 


فهذا ما يتصوره الشيخ ابن عبد الوهاب وأتباعه من نواقض الإسلام, 
ولعلها كانت مرجعا للجمعية في كثير من أحكامها التكفيرية» ىا عرفنا ذلك 
سابقا. 

والأخطر مماذكرنا من المكفرات هو ما ورد فيها من عبارات غامضة وأحكام 
مطلقة» تجعل لكل من يشاء أن يكفر أحدا أن يستخدمها بسهولة» ولعله لأجل 
هذا خرجت الحركات التكفيرية من رحم الوهابية. 

وكمثال على ذلك نرى الشيخ ابن عبد الوهاب يربط بين الذبح الذي لا 
يقصد به إشراك أحد في عبادة غير الله» بالشرك بالله مع أنه قد يكون عادة جرت 
أن يذبح في مكان ولي للبركة» وليس للتعبد» ثم يوزع لحم الذبيحة على الفقراءء 
وهذا ما جرى به العمل في العالم الإسلامي» ب فيها الجزائر» والتي كانت تسمى 
(زردة»» ولقبها علماء الجمعية ب (أعراس الشيطان) 

وهكذا الأمر بالنسبة لما ذكره في الناقض الثاني» فهو يعتبر (الواسطيّة) وكأنها 
شرك يزاحم الله تعالى» مع أن المسلم إنا يرجو نيل شفاعة نبيه 5 كا في 
أحاديث مستفيضة عن شفاعته يي للعصاة من أمته يوم القيامة» وكقوله تعالى: 
(وَلَوْ أَتَتمْ إِذْ ظَلَمُوا أنْفْسَهُمْ خاذولة . واستهه و) اه وان عورف الرضول 


خف عي تلد 


لوَكُذو] ابه كر انا معن١][الشباء‏ 2" ]«قالآية الكريية الا جلت علد المع 
الفأمرال [وامسلارة الرمرد] [النساء: 175 لوجود آية أخرى صريحة: 


0 الله ) [آل عمران: »]١75‏ ولكن ضمٌ استغفار الرسول 


تدس 


يي للقوم الذين أرادوا التوبة رجاء لقبوها من الله. وهناك مواقف عديدة لا 
فيها الصحابة لبعضهم في مواقف شديدة طلباً لتحقيق أمر أو نزول بركة أو رحمة 
من الله» وكما فعل مع العباس عم النبي 42 . 

وقد رد الصوفية مدافعين عن أنفسهم منذ ظهرت هذه المقولات عند الشيخ 
محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في العالم الإسلامي» وتركزت ردودهم على تفنيد 
ما يزعمه الوهابيون من أن تعظيم الصوفية للصا حين أو لأضرحتهم أو توسلهم 
مهم إلى الله لا يعني الشرك» ولا علاقة له بها كان يفعله أهل الجاهلية. 

فهذا الشيخ القبان يخاطب الشيخ ابن عبد الوهاب قائلا: (فهل سمعت عن 
أحد من المستغيثين أنه يعتقد في الرسول يَي أو في الولي المستغاث به أنه إله مع 
الله تعالى يضر وينفع» ويشفع بذاته ى| يعتقد المشركون فيمن عبدوه..) 007 

ويذكر (الحداد) عن أتباعه أنهم (مهما عظموا الأنبياء والأولياء» فإنهم لا 
يعتقدون فيهم ما يعتقدون في جناب الحق تبارك وتعالى من الخلق الحقيقي التام 
العام وإن| يعتقدون الوجاهة لهم عند الله في أمر جزئي» وينسبونه لهم مجازا 
زيغتفدون أن الأضلن والفعل بل سان 7 


ويقرر (دحلان) ما قرره سائر المسلمون في جميع العصور قبل مجيئ الوهابية» 


)0 الشيخ القبان» فصل الخطاب ني رد ضلالات ابن عبد الوهاب» ق١1‏ (نقلا عن: الشيخ عبد العزيز بن 
محمد بن علي العبد اللطيف. دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقضء» ص 777) 
)0( (مصباح الأنام)» ص ©6. (نقلا عن: الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيفء. دعاوى المناوئين 


لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقضء ص5 )١5‏ 
الذرون 


وهو أن الشرك في حقيقته ليبس سوى اعتقاد التأثير لغير الله» وليس هناك مسلم 
يعتقد التآثير لغير الله» يقول في ذلك: (فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية 
غير الله سبحانه» أو اعتقاد التأثير لغير الله.. ولا يعتقد أحد من المسلمين ألوهية 
قن اش اتجان ولا تانر الخد سو 01 

وهذا نرى (الزهاوي) يؤكد مثل من سبقه على أن المشركين الأولين كانوا 
يعتقدون لأصنامهم أنها تنفع وتضر بذواتها فيقول: (إن المشركين إنا كفروا 
بسبب اعتقادهم في الملائكة والأنبياء والأولياء أنهم آلهة مع الله يضرون وينفعون 
بذواتبم)7) 

ويرد (العاملٍ) على ابن عبد الوهاب في ادعائه أن مشركي العرب ينكرون 
ربوبية الله - كما ذكر ذلك ابن عبد الوهاب في رسالتيه: (كشف الشبهات)» 
و(أربع قواعد) - فيقول: (لا شيء يدلنا على أنهم - أي مشركي العرب - لا 
يعتقدون في الأصنام والأوثان ومعبوداتهم أنه لا تأثير لما في الكونء وأن التأثير 


وحده لله تعالى وهى شافعة فقطء إذ يجوز أن يعتقدوا أن ها تأثير بنفسها بغير ما 


.77 4 المرجع السابق» ص‎ )1١( 
باختصار (نقلا عن: الشيخ عبد‎ 0١ (؟) الفجر الصادق في الرد على منكري التوسل والكرامات والمخنوارق» ص‎ 
العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف. دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض»‎ 
0117: ص5‎ 

رون 


في الآآيات المستشهد بهاء فتشفي المرض وتكشف الضر)(1) 

ويذكر الشطي في معتقد الوهابية في الاستغاثة» فيقول: (فإ:هم يصرحون بأن 
من يستغيث بالرسول عليه السلام؛ أو غيره» في حاجة من حوائجه؛ أو يطلب 
منه أو يناديه في مطالبه ومقاصده. ولو بيا رسول الله أو اعتقد على نبي أو ولي 
ميت وجعله واسطة بينه وبين الله في حوائجه فهو مشرك حلال الدم والمال..)(") 

ويرد على ذلك بآن ما يفعله العوام لا يرقى إلى هذه الدرجة» فبذكر حكاية 
مهمة لجحده تبين دوافع العوام فيم| يفعلونه من التعلق بالأولياء والصالحين» فقال: 
(ومرة دخل جدي جامع بني أمية في الشام» فسمع عجوزاً تقول: يا سيدي يحبى 
عاف لي بنتي» فوجد هذا اللفظ بظاهره مشكلاًء وغير لائق بالأدب الإلمي. 
فأمرها بالمعروف. وقال لما: يا أختي قولي بجاه سيدي يحبى عاف لي بنتي» فقالت 
له: أعرف أعرفء ولكن هو أقرب مني إلى الله تعالى» فأفصحت عن صحة 
عقيدتها من أن الفعال هو الله تعالى» وإنما صدر هذا القول منها على وجه التوسل 
والتوسط إلى الله تعالى» بحصول مطلوبها منه)7”) 


)١(‏ كشف الارتياب» ص .17١‏ (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض 
ونقض» ص 715) 
(؟) الشيخ القباني» فصل الخطاب ني رد ضلالات ابن عبد الوهاب. ق١5.‏ (نقلا عن دعاوى المناوتين لدعوة 
الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض» ص 0777 
(؟) النقول الشرعية» ص .٠١١‏ (نقلا عن دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض» 
ص : 0737 

حرض 


ويرد ابن عفالق على كل ما يذكره الوهابية من مكفراتء بل يعتبر أنها في أشد 
أحوالها ليست سوى ذنوب ومعاص لا ترقى لحد الكفر» فقد قال - في معرض 
نفيه أن يكون الذبح والنذر لغير الله شركاً -: (فاجتمعت الأمة على أن الذبح 
والنذر لغير الله حرام» ومن فعلها فهو عاص لله ورسوله.. والذي منع العلماء 
من تكفيرهم أنهم لم يفعلوا ذلك باعتقاد أنها أنداد لله)(١)‏ 

بل إن الشيخ سليمان بن عبد الوهاب» وهو الأخ الشقيق لمحمد بن عبد 
الوهاب يستنكر استنكارا شديدا موقف أخيه من تكفير من ذبح أو نذر لغير الله 
ويستغرب من تكفير من دعا غير الله فيقول: (من أين لكم أن المسلم الذي يشهد 
أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إذا دعا غاتباً أو ميتاً أو نذر له أو ذبح 
لغير الله» أن هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه) 
00 

ويضيف في موضع آخر: (م يقل أهل العلم من طلب من غير الله فهو مرتد 
ول يقولوا من ذبح لغير الله فهو مرتد.. 29 

وهكذا بالنسبة للاستغاثة» فالشيخ محمد بن محمد القادري لا يرى في 
)١(‏ جواب ابن عفالق على رسالة ابن معمرء ق50. (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد 
الوهاب عرض ونقضء ص 5 '717) 
(؟) الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية»ه ص 5. (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد 
الوهاب عرض ونقضء. ص /7177) 
(5) المرجع السابق» ص 7. (نقلا عن: دعاوى المناوين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض» 


ص 7717) 
اخرضسن 


الاستغاثة بغير الله - ما دام أن المستغيث بغير الله لا يعتقد أن غير الله هو الموجد. 
وأنه لا تأثير إلا لله وحده شركا - يقول في تقرير ذلك: (وقول يا سيدي أحمد أو 
شيخ فلان ليس من الإشراك؛ لآن القصد التوسل والاستغاثة.. ولا يشك في 
مسلم أن يعتقد في سيدي أحمد أو غيره من الأولياء أن له إيجاد شيء من قضاء 
تصلئحة اوها الابارادة اندو 0 

ومثل ذلك النذر للأولياء» فهو عندهم من الشرك الذي لم ينص عليه غير 
الوهابية» فيقول: 

(وأما نص النجدي بمنع النذر مطلقاً للأكابر» فمن افترائه على كتب الشريعة 
وجهله المركب)7") 

وبناء على هذه فإن هذه النواقض العشرة التي تبناها الوهابية» وتبناها 
أتباعهم في العالم الإسلامي تعتبر - ى) يذكر بعض الباحثين- (المدخل الذي يرد 
منه كل من أراد الترويج لثقافة التكفير» على قاعدة أن من لم يكفّر كافراً فهو كافر» 
ومن شك في كفره فهو كافر» الأمر الذي يشجّع الناس على الإنغماس في عقائد 
بعضهمء فيخرجون من يشاءون من الدين ويدخلون إليه من يشاءون. 


ويعقدون نادياً للتداول في] انعقدت عليه قلوب المؤمنين» فهذا مؤمن» وذاك 


)١(‏ الشيخ القباني» فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب» ق١5.‏ (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة 
الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض» ص 07737 
(؟) مصباح الأنام» ص 5 5 . (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض» 
ص 7717) 

خض 


كافر» وذلك منافق؛ وقد يصدرون أحكاماً بقتل فلان بتهمة الردّة عن الدين؛» 
لمجرد أنه يختلف مع المذهب الرسميء وتطال آخر تهمة الإنحراف عن العقيدة» 
والضلال؛ ويتكفُل رسل الموت من أهل الدعوة بإيصال رسائل التهديد للكتّاب 
كا فعل الفوزان)() 

وكمثال على هذه النزعة التكفيرية ما نشأ من حركات متطرفة كثيرة لا تزال 
تنشر سمومها في المجتمع الإسلامي لتشوة الإسلام وتشوه السلام الذي جاء 
به ولعل من أشد تلك الحركات سرعة إلى التكفير (جماعة المجرة والتكفير)» 
والتي انطلقت في أحكامها المتسرعة من كونها (جماعة المسلمين»» وآن الخارج 
عليها ضال مضل إلى أوصاف كثيرة تزعمها لنفسها. 

وللأسف نجد مثل هذه النزعة عند الجمعية في تعاملها مع المخالف. فهي 
تنصور أنها الحق المطلق» والآخر هو الشر المطلق» وقد مضى ذكر الكثير من 
الأمثلة على هذاء ونضيف إليه ما صرح به الشيخ التبسبي - بمناسبة سقوط 
الخلافة الإسلامية - فقد كتب مقالا مطولاء حاول أن يبرهن فيه على أن جمعية 
العلماء المسلمين الجزائريين هي «الطائفة التي توفرت فيها أوصاف جماعة 
المسلمين الشرعية)!" التي لا ينبغي التعامل معها إلا بالطاعة المطلقة. 


7 - سعد الشريف. الوهابية: مذهب الكراهية» مشايخ التكفير الجزء الخامس‎ )١( 
/02031/3/غ+221.56 زع |3. للاللاللا//:مخخط)‎ ٠7٠١/٠١ 7 مجلة الحجاز الإلكترونية على هذا الرابط (7ماغط.‎ 
(؟) نقلا عن: منارات من شهاب البصائر كار الشيخ العربي بن بلقاسم التبسبي) للدكتور أحجمد عيساوي»‎ 


ص97.. 
ا 


ومن ضمن ما جاء في مقاله قوله: (وقد وجب على كل مسلم في الجزائر أن 
يعترف بأن جماعة المسلمين في الجزائر هي جمعية العلماء لا ينازع في ذلك إلا من 
أضله الله على علم أو جهلء أو كان من الذين سبقت عليهم الشقوة» فأنساهم 
الشيطان والحوى وحظوظ أنفسهم القيام بالقسط والشهادة ولو على أنفسهم)!2 

ثم ذكر المبررات التي تصور من خلاها أحقية الجمعية لهذا اللقب العظيم» 
فقال مخاطبا الجزائريين: (فيا أمها المسلمون الجزائريون: اعلموا أنه إذا كانت 
جماعة المسلمين بالعلم» فأكثر علاء الجزائر في هذه الجمعية» وإذا كانت الدعوة 
إلى الله فهي المجاعة المخلصة المؤمنة المجاهدة التي عاهدت ربهاء وكتبت ميثاقا 
على نفسهاء أنها الداعية بجاعتها وأفرادها إلى دين الله» وإلى كتابه» وسنة نبيه» 
وإذا كانت بالعمل لتوريث الجيل الجديد الميراث الإسلامي الأخلاقي والأدبي 
بها فيه من علوم» ومن مآثر رجال وشخصيات تاريخية» وما في الإسلام من فضل 
على الإنسانية» وما في ظهوره يوم ظهر من هداية وسعادة. فإن الجمعية بدروس 
رجاها وبمدارسها تقوم بنقل هذا الميراث إلى الأحداث والجيل الجديد حتى 
يعرف نفسه ويعمل بدينه ويرتبط بتاريخه» وحتى يمتد الإسلام إلى من يأت 
بعدناء وإذا كانت باعتراف الأمة الإسلامية» وبالأهلية الدينية والعلمية 
والتضحيات المبذولة عن طيب نفس. فإن الآمة الجزائرية تعترف بذلك لجمعية 
العلماء» وترجع إليها في دينها وعلومها. تسلم إليها أبناءها ليتلقوا الإسلام 


)0 المرجع السابق» ص17. 
كرون 


وعلومه على يد هذه الجمعية)!" 

ولسنا ندري بعد هذا كيف نرد على هذه التهمة» وقد ثبتها رجال الجمعية با 
لا مزيد عليه» فلم تجرؤ جماعة في يوم من الأيام - عدا جماعة الحجرة والتكفير - 
أن تعتبر نفسها (جماعة المسلمين)» وأنها الحق المطلق. لأن الحق المطلق ليس إلا 
عند المعصوم. أما سائر الناس» فيصيب ويخطئ. 

المطلب الثالث: تهمة مخالفة جماهير العلماء 

وهي من التهم الكبرى التي تخفي خلفها الكثير من آلوان التهم الفرعية» وقد 
ذكر الإبراهيمي اتهام الطرق له وللجمعية ببذه التهمة» فقال: (إن الجزء الأخير 
من كلامك مقتبس مما يشنع به علينا خصوم الإصلاح» وهو أننا ننبش القبور 
ولا نحترم الأموات» وننكر كرامات الأولياء ومراتبهم (من غوثية وقطبانية) إلى 
أكاذيب يلفقونها وأراجيف يتناقلونها عنا)7”) 

وهو يقرر أن ما يذكره رجال الطرق الصوفية من الخلاف في ذلك؛» وأن من 
العلماء الكبار من يؤديهم فيه صحيح» ولكن الحق أحق أن يتبع» وأن (حجة 
الإسلام قائمة» وميزانه منصوبء وآدابه متمثلة في سيرة الصحابة والتابعين» 
واننا لآ نعرف في الإسلام بعد قرونه الثلاثة الفاضلة ميزة لقديم على محدث,. ولا 
ميت على حيء وإنما هو الهدى أو الضلالء والاتباع أو الابتداع» وليست التركة 
التي ورثناها الإسلام عبارة عن أسماء تطفو بالشهرة وترسب بالخمول ويقتتل 
)١(‏ المرجع السابق» ص 95. 


)1177 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 
6 


الناس حوطا كالأعلام أو يفتنون بها كالأصنام. وإن) ورثنا الحكمة الأبدية 
والأعمال الناشئة عن الإرادة» والعلم المبني على الدليل)!" 

بناء على هذا الإقرار على مصداقية هذه التهمة يذكر الصوفية مخالفة الجمعية 
لما عليه جماهير العلماء قديم| وحديثاء يقول الشيخ ابن عليوة: (أما جمهور الأمة 
وأكابر الملة فجميعهم مطبقون على أن التصوف هو زبدة الدين والغاية القصوى 
من سئن الموحدين» وكفاه فضلاً أنه عبارة عن السير في مقامات الإحسان الذي 
هو أحد أركان الدين الثلاثة المصرح بها في حديث جبريل عليه السلام.. وماذا 
عسى تقوله الأئمة ومن لهم اطلاع على أحوال قوم وهبوا أنفسهم لله وبذلوا 
جهدهم في طاعة الله» وأسسوا قوائم مجدهم على تقوى من الله إلى أن عرفوا بين 
الخصوص والعموم بأنهم أهل الله وخاصته من خلقه. دانوا لله بخالص التوجه. 
فدانت لهم العباد وأشرقت بأنوار هداهم النواحي والبلاد)7") 

بل إن الشيخ ابن عليوة - كسائر علماء الطرق الصوفية- يقتبس من كلام 
جماهير العلماء» بل من كلام العلماء الذين تزعم الجمعية أنها تستند إليهم سواء 
من علماء السلفية المحافظة» أو السلفية التنويرية» ما يبين مخالفة الجمعية هم. 

وسنذكر هنا - باختصار- بعض ما ذكره الشيخ في معرض رده على علماء 
الجمعية من بيان أن من يستند إليهم علماء الجمعية سواء كانوا من أئمة المذاهب 


)1177 /١( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي‎ )١( 


6 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص١‏ 7. 
5١‏ 


الأربعة ومن تبعهم من الفقهاء الكثيرين» أو من أئمة السلفية المحافظة كابن 
القيم وابن تيمية» أو من أئمة السلفية التنويرية كمحمد عبده والأفغانٍ ورشيد 
رضا لا يرون رأيهم. 

أولا خالفة الجمعية لفقهاء المذاهب الأربعة: 

يذكر الشيخ ابن عليوة مخالفة الجمعية في موقفها من التصوف والطرق 
الصوفية لما عليه أئمة المذاهب الأربعة» فيقول: ( إن الأئمة المجتهدين رضي الله 
عنهم كانوا في عصرهم أحرص الناس على متابعة السنة واجتناب المبتدعات 
ومذهب التصوف كان في عصرهم شائعاً ذائعاً وإذاً فلم لم ينقل عنهم التنبيه عنه 
والتحلين منه لكان غالقاً للدي أوجاء خل غير سد الموتحديق ؟ وكنا [ذ] نجه 
في كتبهم ونرويه عن أتباعهم بالتواتر» وبكل صراحة كا بلغنا عنهم التحذير من 
الخوض في علم الكلام وغير ذلك مما لم يكن الخوض فيه مأثوراً عن الصدر 
الأول» إذ لا مذهب إلا وتجده يعلن التحذير من ذلك بكل صراحة)() 

وبناء على هذا ينقل الآدلة من المصادر المالكية على مخالفة الجمعية لمذهب 
مالك» فيقول: (وأما ما جاء صريحاً عن الإمام مالك في هذا الباب ونقل عنه في 
غير ما كتاب قوله: (من تصوف ول يتفقه فقد تزندق» ومن تفقه ولم يتصوف فقد 
تفسق» ومن جمع بينه| فقد تحقق) نقله التنائي في شرحه على مقدمة ابن رشدء 


وكذلك الشيخ زروق في القاعدة الرابعة من قواعده» ونحن حيث تلقينا هاته 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف». ص١‏ 7. 
5 


القولة عن الإمام من أوثق المصادر اتضح عندنا يقيناً أنه رحمه الله كان صوفياء لا 
محباً للصوفية فقطء وإلا لزم تسلط الحكم عليه المستفاد من صريح قوله (فقد 
اب )برا اي الف 

ثم يستخلص من تلك المقولة المنسوبة لمالك ما يحاول به أن يجعل منه صوفيا 
كسائر الصوفية» فيقول: (وهذه الصراحة من الإمام كافية في إعظامه لمذهب 
التصوف. وكفى أنه جعله قريناً للفقه بدونه عاطل كم أن التصوف بدون الفقه 
باطل» وخلاصة القول أن الإمام رضي الله عنه كان جامعاً بين التصوف والفقه. 
وهذا لا يستبعد من الإمام مادام التصوف عبارة عن صدق التوجه إلى الله عز 
وجل)”" 

وأجاب على الشبهة التي يوردها بعضهمء وهي أن مالك لو كان صوفيا أو 
له علاقة بالتصوف لاشتهر ذلك عنه أو لألف فيه ىا فعل المشتهرون بالتصوف 
من هم في طبقته كا حارث المحاسبي وغيره. فقال: (إن عذر الإمام (يعني الإمام 
مالك) في ذلك هو قيامه بما دعت إليه الضرورة من لزوم حفظ القواعد الفقهية 
وضبط النقول الشرعية خصوصاً وهو يرى من نفسه الكفاءة للأمر الذي لم 
يتوفر لغيره غالبا وكل ذلك لا يمنع أن يختص الإمام في خاصته وحد ذاته بها 


اختص به غيره من خاصة المتصوفة بأن تكون له المشاركة في علمهم ودقائق 


)0 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص 70. 


)0( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص 70. 
انا 


أسرارهم التي أمروا بعدم إفشائها لغير أهلها)!" 

ويستدل لهذا با نقله عن الشاطبي في كتاب الموافقات من قوله: (وأخبر 
مالك عن نفسه أنه عنده أحاديث وعلوم ما تكلم فيها ولا حدث بها( 

ثم علق على ذلك بقوله: (وعليه» فهل ترى أبها الأخ أن هذا العلم المخبر عنه 
هو من مدخول الفقه ؟ فم| أظن. إذ لو كان كذلك لما ساغ له كتمانه لما أن الفقه في 
الدين يشترك في لزوم معرفته جميع المكلفين ويجل عن كتمانه العلماء الأعلام لما في 
ية الكتمان وحديث الإلجام» ولكنك تستبعد أن يكون لما لك من العلوم الموروثة 
عن النبي يَأ غير ما دونه للعموم؛ وهذا الاستبعاد إن| يتصور مع عدم الاطلاع 
على ما اشتملت عليه دفاتر السنة من النصوص الثبتة لنظير ذلك)7) 


1 


ثم استدل لهذا بما ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: (حفظت عن رسول 
الله يه وعائين من العلم أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم مني هذا 
البلعوم)!") 


أما ما يستند إليه المخالفون مما رواه عنه عبد الملك بن زياد قال: كنا عند مالك 


فذكرت له صوفية بلادناء» فقلت له: يلبسون فواخر ثياب اليمن ويفعلون كذا 


)0 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص5 /. 
(؟) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبيء الموافقات» تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن 
حسن آل سلمان. دار ابن عفان, الطبعة الأولى /411١ه/‏ 19917م, (5/ »)١7١‏ وانظر: ابن عليوة» الناصر 
المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص5 7. 
9ه ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص5 7. 

ا 


وكذا فقال: ويحك أوهم مسلمون؟)2 

وقد رد الشيخ ابن عليوة على هذا الاستدلال بمحاولة فهمه على عكس قصد 
الجمعية» فذكر بأنه (إذا حددنا النظر في مضمون هذا النقل على فرض صحته 
لابد أن نستخلص منه مسائل)» وهذه المسائل - كما ذكرها الشيخ ابن عليوة - 
ا 

١‏ - ما أوردوه من قول مالك - على فرض صحته - دليل على (أن مذهب 
القوم ثابت الدعائم من عصر التابعين» لأن مالك كان من معاصريهم)7) 

- أن المذهب كان في نظرهم في غاية الإعظام لأن السائل لم يسأل الإمام 
على المذهبء ولا الإمام أخبر على فساده. (وإن| السؤال يفيدنا أن هناك جماعة 
انتسبت للتصوف مع أنها تفعل كذا وكذاء فكان جواب الإمام يفيد استبعاد أن 
يكون أولئك من عامة المسلمين» فضلاً على أن ينتسبوا للتصوف الذي هو عبارة 
عن السير في مراتب الإحسانء وهذا ما تعطيه العبارة عن مضمون السؤال)؟) 

وبمثل هذا المنهج يذكر مخالفة الجمعية للشافعي» فينقل النصوص الدالة على 
احترامه للصوفية ومجالسته لهم» ويعقب عليها بقوله: (ونحن إذا نظرنا إلى انتماء 
الإمام للصالحين وحبه للمتصوفة وكثرة مجالسته لهم لا تستبعد أن يكون له 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص4 . 
6 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف». ص .١٠١‏ 
9ه ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف». ص .١٠١‏ 


5( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف». ص .١٠١‏ 
تان 


نصيب من المشاركة في علومهم حسبا تقدم عن الإمام مالك)(") 

ويرد على ما يورده المخالفون من أن الشافعي قال: (لو أن رجلاً تصوف أول 
النهار لا يأتي عليه الظهر حتى يصير أحمق) بقوله: (ونحن إذا استخلصنا من 
أقوال الإمام ما به الحاجة بعد فرض ثبوتها عنه فنجد الأمر منحصراً في إثبات 
الحمق لمن ينتسب إلى المتصوفة لا غير مع أننا لا ندري هل إثبات الحمق لهم إن| 
هو في نظر من سواهم كا سيأتي أم هو ثابت في نفس الأمر؟ فإن قلنا بالأخير 
فلابد أن يكون مطرداً في عموم أفراد المتصوفة وعليه فإن يكن الأول فالأمر 
محتمل وإن يكن الثاني فالواقع يجري على خلافه بدليل المشاهدة.. ولا أراني 
متغالياً يا حضرة الأخ إن قلت لكم أنه قد يوجد في رجال التصوف من يكاد 
عقله يرجح بعقول سائر كتاب عصرناء وإن كنت أنا وأنت من أفرادهم.. وهب 
أنه يثبت عنهم نوع من الطيش في طباعهم فهل يصح أن يكون عنواناً على فساد 
العقيدة ؟ فيبعد يا حضرة الأخ أن نستخلص من ذلك النقل ما نحتج به لأنك 
بصدد إثبات فساد المذهب لا بصدد إثبات تفاوت العقول ورجحانهبهاء وزيادة 
أنك تعلم من أن رجحان العقل في مرتبة يعتبر نقصاناً في الأخرى. ألا ترى أن 
العاقل بين أهل الدنيا يعتبر أحمق عند أهل الآخرة)”) 

وهكذا نقل عن الإمامين أبي حنيفة وأحمد بن حنبل» ثم عقب على ذلك 
بقوله: (وإلى هنا ينتهي بنا ما وعدنا بنقله عن الآئمة الأربعة» وفي ظني أنه يعتبر 


)0 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص79. 


)0( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص١١‏ . 
541 


كافياً في نقض ما حاولتم إثباته عنهم من كونهم كانوا برأهم الله لا يقيمون وزناً 
للتصوف وأهله اعتماداً منكم على تجرد ما وقع بأيديكم من كتاب (تلبيس 
إبليس) قاطعين النظر عما وراء ذلك ثما حوته كتب الفروع والأصول وفي ظني 
أن هذا مما يعتبر شبه خيانة في النقل لفاعله وتدليساً في الرواية وشأن الناقل أن 
يكون أميناً)(2 

ثانيا - مخالفة االجمعية لأئمة السلفية المحافظة: 

لم يكتف الشيخ ابن عليوة ببيان مخالفة الجمعية للأئمة الأربعة في موقفها من 
التصوفء بل بين مخالفتها لآئمة السلفية الكبار وخصوصا لابن تيمية وابن 
القيم. 

حيث يذكر الشيخ ابن عليوة مخالفة الجمعية لابن القيم» فيقول: (أما ابن قيم 
الجوزية رحمه الله فد ينقل عنه أكثر بكثير ما ينقل عن غيره من جهة ما يرجع 
لاحترام مذهب التصوف ورجاله ولول يوجد عنه إلا هاته الفقرة الآتية لكانت 
كافية في الموضوع)”"" 

ثم ينقل قول ابن القيم: (الصوفية ثلاثة أقسام: صوفية الأرزاق وصوفية 
الرسوم وصوفية الحقائق وبدع الفريقين المقلدين يعرفها كل من له إلمام بالسنة 
والفقه وإنا الصوفية صوفية الحقائق الذين خضعت لهم رؤوس الفقهاء 


)0 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص37 


6 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص09. 
7 


والمتكلمين فهم في الحقيقة علماء حكماء)(") 

ويعلق عليه بقوله: (فتأمل قوله يرحمك الله : (فهم في الحقيقة علماء حكماء. 
خضعت لهم رؤوس الفقهاء والمتكلمين)» أليست هذه قولة شافية وصراحة 
كافية في إثبات شرف القوم على غيرهم من الفقهاء خصوصاًء وقد قالها ابن القيم 
الذي لا يفوتكم ماله من حدة الانتقاد» والذي ترجون أن يكون لكم أكبر 
صاعقة على المتصوفة, لولا أن النتيجة جاءت عن خلاف ما في الآمال)7) 

ولا يكتفي الشيخ ابن عليوة بهذا الاقتباس من ابن القيم الدال على احترامه 
للصوفية» وإنم| ينقل عنه ما هو أخطر من ذلكء وهو تقريره لما يذكره الصوفية 
من العرفان» أو ما يعبر عنه الشيخ ابن عليوة بغوامض التصوف. كما سنرى ذلك 
عند الحديث في الجزء الثالث من هذه السلسلة عند الحديث عن العرفان 
الصوني. 

وينقل عنه حديثه عن الشطحات الصادرة من الصوفية» والتي تحكم الجمعية 
كالتيار السلفي المتشدد على الواقعين فيها بالكفرء بل بأبشع أنواع الكفرء بينما 
يتحدث ابن القيم عن بلغة علمية مهذبة» فيذكر أنها (أوجبت فتنة على طائفتين 


من الناس أحدهما : أحجبت عن محاسن الطائفة ولطف نفوسهم وصدق 


)١(‏ لم أجد النص في كتب ابن القيم كا ذكر الشيخ» ووجدته في مجموع الفتاوى لابن تيمية» (انظر: تقي الدين 
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ا حراني» مجموع الفتاوى, تحقيق: أنور الباز - عامر الجزار» دار الوفاء» 
الطبعة : الثالئة» ١577‏ ه/ 0١6٠5م.(١9/11١1)‏ 


)0( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص09. 
5 


معاملتهم فأهدروها لأجل هذه الشطحات وأنكروها غاية الإنكار وأساؤوا 
الظن بها مطلقاًء وهذا عدوان وإسرافء فلو كان من أخطأ أو غلط ترك جملة 
وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معاملتهاء 
والثانية : حجبوا با رأوه من محاسن القوم وصفاء قلومهم وصحة عزائمهم 
وحسن معاملتهم عن عيوب شطحاتهم ونقصاهها فسحبوا عليها ذيل المحاسن» 
وأجروا عليها حكم القبول والانتصار وهؤلاء مقتدون مفرطون. والطائفة 
الثالثة وهم أهل العدل والإنصاف وهم الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا 
كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا على الصحيح بحكم المعلول ولا على المعلول 
السقيم بحكم الصحيح)”" 

وبعد أن نقل هذا النص بطوله قال مخاطبا المخالف له ومن وقف موقفه من 
أصحاب الاتجاه السلفي: (وما كان بودي أن نبعثك ايها الأخ على مطالعة هاته 
النقول» ولا نبعث غيرك لولا ما فاجأتمونا به من نقولكم المتضمنة كون الجنيد 
وعصباته كانوا أحط درجة من الخوارج في نظر كثير من الأئمة)7") 

ويرد على هذه الدعوى المتشددة بذكر ما كان عليه ابن القيم من احترام 
للجنيد وغيرهم من الصوفية» فيقول: (وذلك هو الآمر الذي بعثنا على 
الاستغرابء ولربما يبعث الغير عن تصديقكم مهم كان خالي الذهن مما ينقل عن 


)١(‏ محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية» مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» تحقيق : محمد حامد 
الفقي, دار الكتاب العربي - بيروت. الطبعة الثانية» /١( 191 - ١195‏ 7780) 


6 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص57. 
541 


الآئمة على أن ابن القيم رحمه الله ينقل عنه في الجنيد وعصابته خلاف ما حكيتموه 
أنتم)(" 

وبعد أن نقل الشيخ ابن عليوة للجمعية وللاتجاه السلفي المتشدد ما نقله عن 
ابن القيم ذكر لهم ما يقوله ابن تيمية» والذي يتصورون أنهم منتهجون لنهجه. 
فقال: (ولا شك أنكم تعتبرون هاته النقول عن ابن القيم من الغرابة بمكان 
ولكن الأغرب من ذلك أن الكثير من أبناء العصر يعتقدون في الإمام ابن تيمية 
أنه على أبلغ ما يكون في تخطئة القوم وتسفيه أحكامهم, وهذا الزعم الفاسد هو 
الذي دفعهم إلى المثبى في الأرض مرحاء حتى إذا أوقفت أحدهم على ما صح 
من النقول عن الإمام المذكورء أو عثر هو بنفسه على شيء من ذلك ثما يخالف 
ظنه وزعمه على خط مستقيم» رجع مبهوتاً خجلا من سوء ظنه وفهمه. وكان 
حينئذٍ مضطراً لأحد أمرين: إما الرجوع عما كان يعتقده. واما ظنه بأن النقل قد 
اختلف عن الإمام المذكور)”" 

ثم دعا إلى العودة إلى تراث ابن تيمية ودراسته للتأكد والتثبت من موقفه. 
فقال: (وإني أرجوك أيها الأخ أن تعطي هاته النقول حقها من الاهتمام رجاء أن 
تكون هي الباعث على تحويل معتقداتكم في رجال التصوف على أن الرجوع إلى 
الحق أولى من التمادي على الباطل وهذا مقرر عند العقلاء بإجماع)7”) 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص .1١‏ 
)0( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص57. 


9ه ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص17. 
م 


بعد هذا التقرير ذكر الشيخ ابن عليوة منهج ابن تيمية في التعامل مع الصوفية 
والتصوف. فقال: ( إن ابن تيمية رحمه الله ما كان من عادته أن يجر ذيل الإنكار 
على مذهب التصوف برمته» ولاعرف بنظير ما تظاهرتم به أنتم ومن تقاسمكم 
في غلطكم. انما في غلطكم إن) ينتقد بعض كلمات على جماعة خخصوصين» ومع 
ذلك تجده يلتمس ما يستطاع من الأعذار لرجال التصوف, وهكذا تجده يحرص 
جهده في طريق حمل ما يصدر عن القوم من الألفاظ المبهمة والمتشايهة على ما 
ينبغي حمله عليه)!") 

ثم نقل عنه بعض النصوص التي عذر فيها من وقعوا في بعض الشطحات 
أو الألفاظ الموهمة للحلول والاتحاد من الصوفية» كما سنراه في الجزء الثالث من 
هذه السلسلة» ثم علق عليه بقوله: (وأطال النفس في ذلك كثير» وهذا شأنه في 
التئاس المخارج للسادات الصوفية وكثيراً ما يشاركهم في أذواقهم ومشاربهم 
العذبة)27) 

ونقل عنه موقفه من المصادر الغيبية التي يعتمدها الصوفية كالكشف وغيره. 
وهو قوله: (وأما حجة أهل الذوق والوجد والمكاشفة والمخاطبة فإن أهل الحق 
من هؤلاء لهم إلهامات صحيحة مطابقة ك| في الصحيحين عن النبي يي أنه قال: 
(قد كان في الأمم محدّثون فإن يكن في الأمة أحد فعمر)'”» وكان عمر يقول: 
)1١(‏ ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التتصوف» ص7 . 


6 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص 16. 


اميم قار 010/2 


اقتربوا من أفواه المطيعين فإنها تجلى لهم أمور صادقة)() 

بل ينقل عنه ما توجه إليه علماء الجمعية بالنقد الشديد» وهو (مجالس الذكر 
المعهودة عن الصوفية» واعتباره لها من السنة بمكان)7"» كما سنرى ذلك في الججزء 
الثالث من هذه السلسلة. 

وما ذكره الشيخ ابن عليوة من مخالفة الجمعية لابن تيمية وابن القيم ذكر مثله 
الكثير من الذين اهتموا بالرد على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في هذه 
المسائل أو غيرهاء ولعل الشيخ اقتبس منهم ذلك» فقد كانت كتب الرد على 
الوهابية منتشرة في الزواياء وكان الحجاج - قبل احتلال الوهابية للحجاز - 
يأتون بباء | يأتون بها من تركيا وغيرها. 

فابن عفالق ينقل كلام لابن تيمية في الاستغاثة بالرسول يله جاء فيه: (فإن 
كان الاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول يه ما هو اللايق لا ينازع فيها 
مسلمء ومن نازع في هذا المعنى فهو كافر إن أنكر ما يكفر» وإما مخطيء ضال) 
020 

وعقب ابن عفالق على هذ النص بقوله: (فانظر هذا الكلام النفيس» وتأمل 
قوله: (فإن كان الاستغاثة.. )» فهذا حال المنكر للتوسل به يي يدور بين الكفر 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص 50. 
6 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص 16. 
(*) رسالة ابن عفالق لابن معمر ق 5540 (هكذا نقل ابن عفالق العبارة)» (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة 


الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض. ص5 7) 
ادعلا 


والضلال» فكيف بمن أنكرهاء وقال من قال: يا رسول الله فهو كافر» ومن لم 
0000000 

وفي موضع آخر بين كيفية تعامل ابن عبد الوهاب مع كتب ابن القيم؛ فقال: 
(والذي أوقع هذا الرجل في هذه الورطة العظيمة أنه ينظر في كتب ابن القيم 
فيأخذ منها ما وافق هواه» ويترك ما خالفه» ويأخذ من أول الفصل ويترك آخره 
ان 

ويذكر ابن عفالق قول البوصيري: 

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم 

والذي اعتبره ابن عبد الوهاب وأتباعه نوعا من الشرك الأكبر» فيقول: (وهو 
كذب صراح إن كان ينقله عن العلماء» وإلا فهو افتراء منه وببتء فإن ابن القيم 
مع تعصبه وخلافه لجميع الأمة في مثل هذا الباب عد هذا من الشرك الأصغر.. 
انظروا كتبه ك (شرح المنازل) في باب الشرك الأصغرء و(إغاثة اللهفان)29) 

وهكذا نجد منهج سليان بن عبد الوهاب في رسالته التي رد بها على أخيه 


)١(‏ رسالة ابن عفالق لابن معمر ق 55 » (نقلا عن: دعاوى المناوثين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب 
عرض ونقض» ص55 7) 
(؟) المرجع السابق ق 55. » (نقلا عن: دعاوى المناوتين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض» 
ص4 : )١‏ 





(؟) المرجع السابق ق 55 . , (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض» 


ص١6١)‏ 
هم 


فقد كان يذكر له كل حين ما كتبه ابن تيمية وابن القيم» ثم يعقب عليها با يدل 
على قصور أخيه عن فهمها أو عن الاطلاع عليها. 

وكمثال على ذلك ما نقله عن ابن تيمية من قوله: (النذر للقبورء ولأهل 
القبور» كالنذر لإبراهيم الخليل عليه السلام» أو الشيخ فلان نذر معصية لا يجوز 
الوفاء به وإن تصدق با نذر من ذلك على من يستحقه من الفقراء أو الصا حين 
كان خيراً له عند الله وأنفع)17) 

ثم عقب على هذا بقوله: (فلوا كان الناذر كافراً عنده لم يأمره بالصدقة؛ لأن 
الصدقة لا تقبل من كافرء بل يأمره بتجديد إسلامه» ويقول له خرجت من 
الإسلام بالنذر لغير الله) 

ومثل ذلك ما نقله عنه من قوله: (من نذر إسراج بئر أو مقبرة أو جبل أو 
شجرة أو نذر له أو لسكانه لم يجزء ولا يجوز الوفاء به ويصرف في المصالح مالم 
يعرف ربه) 

ثم عقب عليه بقوله: (فلو كان الناذر كافراً لم يأمره برد نذره إليه» بل أمر 
بقتله) 

وبعد إيراده مثل هذه النصوص عن ابن تيمية قال: (فانظر كلامه هذاء 
وتأمله» هل كمر فاعل هذاء أو كمُر من لم يكفره أو عد هذا في المكفرات هو أو 


)١(‏ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد ا حليم بن تيمية الحراني» الفتاوى الكبرىء تحقيق: محمد عبدالقادر عطا 
- مصطفى عبدالقادر عطاء دار الكتب العلمية» الطبعة الأولى 508 ١ه‏ - /19/1م (7/ /45) 
هم 


غيره من أهل العلم كا قلتم أنتم) 

ونفس الشيء ذكره عن ابن القيم» (الذي ذكر النذر لغير الله في فصل الشرك 
الأصغر من (المدارج)» واستدل بالحديث الذي رواه أحمد عن النبي يَ: (النذر 
حلفة)!')» وذكر غيره من جميع من تسمونه شركاً وتكفرون به في فصل الشرك 
الأصغرء وأما الذبح لغير الله» فقد ذكره في المحرمات ول يذكره في المكفرات» 
إلا آن ذبح للأصنام, أو لما عبد من دون الله كالشمس والكواكبء وعده الشيخ 
تقي الدين في المحرمات الملعون صاحبها كمن غيّر منار الأرضء وقال الشيخ 
تقي الدين: ى] يفعله الجاهلون بمكة شرفها الله تعالى وغيرها من بلاد المسلمين 
من الذبح للجنء ولذلك نهى النبي يي عن ذبائح للجن.. ولم يقل الشيخ من 
فعل هذا فهو كافره ومن لم يكفره فهو كافر كما قلتم أنتم) 7" 

بل إن داود بن جرجيس كتب كتابا في مخالفة الوهابية للشيخين ابن تيمية 
وابن القيم سماه (صلح الإخوان من أهل الإيهان وبيان الدين القيم في تبرئة ابن 
تيمية وابن القيم) 

ثالثا ‏ مخالفة الجمعية لأئمة السلفية التنويرية: 

من باب إدراك الشيخ ابن عليوة لقيمة أئمة السلفية التنويرية بالنسبة 


(1) ذكر ابن القيم هذا الحديث في (مدارج السالكين)» وعزاه إلى السئن من حديث عقبة بن عامر. انظر: (مدارج 
السالكين) 0١‏ * ولم أجده . 
(؟) (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) ص 28 4. » (نقلا عن: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد 


هه 


للجمعية» فإنه ينبههم إلى مواقفهم المعتدلة من التصوف مقارنة بمواقف 
الجمعية. 

وقد أشاد في ذلك بكتاب (النصرة النبوية) الذي جمع فيه صاحبه (جملاً كافية 
ونقولاً كثيرة من ذلك النوع تختص بعلماء مصر ونواحيهاء وكذلك علماء تونس 
لم يشتهر عنهم إلا الذب عن مذهب التصوف بكل ما في استطاعتهم كبيرهم 
وصغيرهم؛ ويكفينا دليلاً على ذلك ما كتبوه في هذا العصر الأخير من تقريظاتهم 
لكتاب (السيف الرباني) لخبر المتأخرين الشيخ (المكي بن عزوز) رحمه الله الذي 
كان ينافح فيه عن الإمام الجيلاني رداً على من كان يحاول تنقيصه من جهة النسب 
والمشربء وقد توفر عدد الكتاب في ذلك إلى ما يزيد عن الأربعين عالماً ما يرجع 
إيلهم في المعضلات من علاء تونس جزاهم الله خير])17) 

وبناء على إدراكه لأهمية الشيخ محمد عبده خصوصا عند الجمعية» فإنه يذكره 
ويذكر مواقفه من التصوف كل! اقتضى المقام ذكره ليبين لهم أنهم مع احترامهم 
له يخالفونه في| يرتبط بالتصوفء وكأنه بذلك يريد أن ينفي صلتهم به ليؤكد 
صلتهم بالوهابية. 

فقد جاء في معرض رده على ما تبثه الجمعية وغيرها من المواقف ضد 
التصوف - بعد إيراده للنصوص ال منقولة عن كثير من العلماء المتقدمين -: (ظهر 
لي أن أزيدكم نافلة مما ينقل عن نقاد المتأخرين وممن اشتهر بالذكر في الخافقين 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص1 لا. 
م 


خصوصاً بين أبناء العصر الآخر كجناب الشيخ محمد عبده رحمه الله» وها أنا 
الآن أتكلم فيه بخص جنابه. لا من ناحية كونه كان صوفياً بأتم معنى الكلمة)7" 

وقد بدأ حديثه عنه» وبيان مخالفة الجمعية له. ببيان علاقته القديمة بالصوفية» 
ونقل من ذلك ما ذكره الشيخ رشيد رضا - الذي كان من أخص أتباع الشيخ 
محمد عبده - وسنرى ذلك في الجزء الثالث من هذه السلسلة عند بيان موقف 
الطرق الصوفية من ضرورة الشيخ المربي. 

وبعد أن نقل ذلك قال: ( وفي ظني أن هذا النقل كاف في صحة ما أثبتناه من 
كون الأستاذ المذكور كان صوفياً حقيقياً أو تقول كان صوفياً بكل معنى 
الكلمة)7) 

بل إنه ذكر أن الشيخ محمد عبده لم يكن صوفيا سلوكيا فقط بل كان فوق 
ذلك صوفيا عرفانياء يقول الشيخ ابن عليوة: (أما معلوماته في مشرب القوم 
الصوفية فهي تبرهن بنفسها على أن له قدماً راسخةً في معلوماتهم رضي الله عنهم 
وإن شئت قلت: رحمه الله من المتغالين في إثبات وحدة الوجود على ما يشبه 
مشرب (ابن العربي الحاتمي) حسبما قدمناه)7) 

وما ذكره الشيخ ابن عليوة صحيحء بل إن الوهابية المعاصرة تكفر الشيخ 


محمد عبده» وتتهمه بالقول بوحدة الوجود؟ 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص72 . 
)0( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص59. 


9ه ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص19. 
لاه" 


وهكذا نقل موقفه من الصوفية الذين يتعامل معهم الكثير من علماء الجمعية 
بشدة وقسوة. بين| كان الشيخ محمد عبده على عكس ذلك تماماء يقول الشيخ ابن 
عليوة: (أما ما يرجع لأفراد المتصوفة في نظر هذا الإمام يتضح لكم با ذكره في 
شرحه على مقامات (بديع الزمان الهمذاني) عند قول المصنف: (فل] تجلينا 
وأخبرنا بحالنا أسفرت القصة عن أصل كوفي ومذهب صوني)”" 

ثم نقل ما قاله الشيخ محمد عبده» وهو قوله: (والصوفي نسبة إلى الصوفية 
وهم طائفة من المسلمين همهم من العمل إصلاح القلوب وتصفية السرائر 
والاستقبال بالأرواح وجهة الحق الأعلى جل شأنه حتى تأخذهم الجذبات لله 
عمن سواه وتفنى ذواتهم في ذاته وصفاتهم في صفاته» والعارفون منهم البالغون 
إلى الغاية من سيرهم في أعلى مرتبة من الكمال البشري بعد النبوة)”" 

ثم عقب عليه بقوله: (فلتتأمل يا حضرة الأخ قوله: في درجات الكمال 
البقترى بعد النبوة)1© 

بل إنه فوق ذلك ينقل عن الشيخ محمد عبده نصا مهما يعبر عن منهج 
إصلاحي ذكره الشيخ يدل على مدى اهتامه بالتصوف ومدى تعلقه به» وهو ما 
ذكره تلميذه العلامة رشيد رضا قال: (قال لي يعني (الشيخ محمد عبده) مرة 


أخرى: إن بقاء الأزهر متداعياً على حاله في هذا العصر محال؛ فهو إما أن يعمر, 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف». ص١/.‏ 
)0( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف. ص77. 


9ه ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص .7(١‏ 
51 


وإما أن يتم خرابه» وإني أبذل الجهد المستطاع في عمرانه» فإذا دفعتني الصوارف 
إلى الإياس من إصلاحه. فإني لا آيس من الإصلاح الإسلاميء بل أترك 
الحكومة؛ واختار أفراداً من المستعدين فأربيهم على طريقة التصوف التي ربيت 
عليهاء ليكونوا خلفاء لي في خدمة الإسلام)7) 

ويعلق على هذا بقوله: (ولاشك أن بهذا النقل تتجلى لك نفسية الشيخ محمد 
عبده في أجلى مظاهرها من جهة علاقته بالتصوف)”" 

بل إنه يذكر أن سر العلاقة الحميمية التي جمعته بالشيخ الأفغاني كان مبدؤها 
التصوف. فيقول: (وبالجملة إن رغبتهم في الفن هي التي جمعتهم بالسيد جمال 
الدين الأفغاني رحمه الله» وهي التي أحدثت تلك الرغبة بينهما في أول الصحبة)7) 

وينقل للدلالة على هذاء ما ذكره الشيخ رشيد رضا من قوله: (وأما ملاقاته 
- يعني الشيخ محمد عبده لجمال الدين الأفغاني - فهي أن أحد المجاورين برواق 
الشام» قال له: جاء من مصر عالم أفغاني عظيم» وهو يقيم في خان الخليي» فسر 
به وأخبر الشيخ حسناً ودعاه إلى زيارته معه. فألفياه يتعشى؛ فدعاهما إلى الأكل 
معه. فاعتذرواء فطفق يسألهما عن بعض آيات القرآن. وما قاله المفسرون 


والصوفية فيها ثم يفسرها لهم فكان هذا مما زاد فقيدنا به عجباً وشغفه حباًء لأن 


(0 مجلة المخار (4/ 407) 
)0( ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص١‏ 7. 


9ه ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن جد التصوف» ص .7١‏ 
0 


التصوف والتفسر هما قرة عينه أو كمال مفتاح سعادته)(" 

وبناء على هذا كله ذكر الشيخ ابن عليوة أن البناء الإصلاحي التنويري 
مختلف تماما عم تمارسه الجمعية» وأنها لذلك وهابية أكثر منها عبدوية» فيقول: 
(إن هاته التعاليم التي أخذت مأخذها من نفس الشيخ محمد عبده والسيد جمال 
الدين الأفغاني» والتي هي نفس التعاليم التي ثبتت جذور أصوطا في صميم 
علماء السنة خلفاً عن سلف حسبا تقدم لكم نقله هي التي تبقى راسخة في 
قلوب الأشحة على دينهم ما دام للدين جناب يحترم بين أبناء المسلمين» وهر 
التي نرى خاصة الكتاب المعتدلين محتفظين بها إلى الآن وما كان احتفاظهم بها 
إلا احتفاظاً بجوهر الدين من أن يلحقه ما يذب بصبغة أو يمس بجوهره على 
أن التصوف عند من حقق مباديه هو منتزع الجوهر من خصال الدين الحميدة 
وممثل للطائفة الروحية وعلى هذا التعريب تنطبق سائر التعاريف في القديم 
والحادث)7) 

بل إن الشيخ ابن عليوة يذهب إلى أبعد من ذلك حين يبين للجمعية مخالفتها 
لصديقها الحميم محمد رشيد رضاء فيعقب على بعض النصوص التي تبين موقفه 
المسالم للتصوف بقوله: (وني ظني أنه لا شيء أبين من هذا فيما نريد إثباته وزاد 
على ذلك حضرة الكاتب ما أثبته للصوفية من تأثير الإرادة وغيرها من الخوارق 
التي تعتبر عند البعض من أهل العصر الحاضر من الخرافات ولا مستند لهم في 
)١(‏ مجلة المنار (4/ 7317/94 


6 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص ”لا 
م 


ذلك إلا سوء الظن وعدم اعتبارهم ما للروح من الكمالات والخصائص الذاتية 
وهذا من حضرة الكاتب أبلغ ما يعتبر في الصراحة وأوضح ما يتأتى في 
التعريف)7) 

المطلب الرابع: تهمة العنف في التعامل مع المخالف 

وهي من التهم التي توجهت بها الطرق الصوفية للجمعية» ى] توجهت بها 
الجمعية للطرق الصوفية ى| رأينا ذلك سابقاء وما سنراه في الباب التالي» ولكنا 
بالبحث والتدقيق في دلائل عنف أعضاء الجمعية سواء كانوا من الصادقين في 
نسبتهم أو من المحسوبين عليهاء فإنا نجد عنفهم أشد وعلى مستوى أعلى» 
بخلاف الطرق الصوفية» التي لم تتعد تهم العنف فيها أفرادا من العامة» من دون 
أن يتبناها شيوخ الطرق أو يبتموا بها. 

بخلاف العنف الذي مارسه بعض رجال الجمعية أو عوامهاء فإنا نجد 
الجمعية في صحفها الرسمية تتبناه وتشجعه» ووكمثال على ذلك نسوقه هنا لما 
نرى من تعتيم عليه من المتحدثين عن الجمعية ومآثرها ما حدث للشيخ الحافظي 
بعد خروجه من الجمعية» أو طرده منهاء فقد ذهب إلى عنابة التي كانت معقلا 
من معاقل الطريقة العلاوية» وذهب كا يذهب أي رئيس جمعية أو حزب إلى 
المؤيدين له لكنه للأسف قوبل من المؤيدين الجمعية | وصفته (صحيفة 


الصراط) متهكمة في مقالة تحت عنوان رئيسى يقول: (كيف دخل الحافظى عنابة 


)00 ابن عليوة» الناصر المعروف بالذب عن مجد التصوف» ص 6/. 
51١‏ 


وكيف خرج منها)!"» وتحته عنوان فرعي يقول (دخلها متشعّب الأطماع عظيم 
الآمال بين الشّكٌ واليقين وخرج منها مُتكسر الخاطر خف حُنِين)» وتحت هذين 
العنوانين الممتلئين بالإثارة كتبت تصف ما حصل بنبرة تمتلئة بالتهكم والسخرة 
والحقد مقالا طويلا هذا بعض ما جاء فيه: (وما جاء ضحى الغد حتّى شاع وذاع 
أن الإذن قد دُبّر له بإلقاء خطاب في الجامع الكبير فانتشرت شيعة العليوي في 
البلد لدعوة الناس فضلا عن إطلاق برّاح أوما طرق هذا النّبأ أسماع رجال بونة 
الأحرار وحظرت ساعة الحافظي العيّنة حتّى هرعوا إلى المسجد من كل فوج 
على مختلف طبقاتهم فغصّت أفنيته واكتضّت رحابه.. شرع الحافظي في إعادة 
سرد الآيات أوفي تلك الأثناء سمعنا صوتا من سدّة المسجد: ( فاقوا )» فدخلت 
أوجه الشيعة الْتهلّلة وشيخهم في طور الاصفرار وانكشف لهم ما وراء السّتار 
وذهل الحافظي, فأشير عليه بالتّادي وما كاد يفوه بكلمات بعد سرد الآيات حتى 
ارتفعت الأصوات بالسّخط عليه وعلى شيخه العليوي من كل جانب وأسمع 
أيضا ألفاظا بذيئة.. وفي الحال نادى مناد أبّها الثناس الخروج الخروج فائتمروا 
مُبادرين وتجمهروا بصحن المسجد وخارجه محيطين به من كل جانب وعلا 
الضجيج: (أخرجوه أخرجوه أخرجوا الحافظي أخرجوا بائع الدمة أخور ا 
نصير العليوي وخديمه) عند ذاك شاهد الموت الأحمر بعينيه فانتقلب فرحه ترحا 


وسروره غَنًا وصار يُفككّر في الخروج من هذا المأزق وإلى أين الفرار وكيف النجاة 


.٠/ جمادى الثانية ؟165١١ه. ص‎ ١5 .2١05( جريدة الصراط السويء العدد‎ )١( 
حون‎ 


فبادر العليويون إلى الكوميساريّة وأعواهها.. وبقي مختفيا بالمسجد هُنيهة حتّى 
قدم بعض الأعوان مع رئيسهم فأخرج محروسا بهم تعلوه الكابة مُنتقع اللون 
مُرتجف الفؤادأوما تخطى باب المسجد حتّى دخل في دور الطَّماطم والبيض وحتّى 
المندي رغما عن كونه خاطا بالأعوان ودفاعهم أ ولتكتف عن ما وراء هذا با 
نشرته الصّحف الفرنسويّة والعربيّة.. وبعد فراره في سيّارة أحضرت ذا المهم.. 
فأمطرت عليها حجارة من سجّيل وكثر الصّياح والضجيج حوطا مد سيرها 
إلى فرع الزّاوية العليويّة بقي بها مُستترا تحرسه شيعته حتى أتاه على السّاعة 
الحادية أو الثانية عشرة ليلا أمر رسمي يقتضي عدم السّماح له بالمبيت فيها 
فغادرها حالا غير مأسوف عليه إلى قرية مندوفي قانعا من الغنيمة بالإياب)7) 

والعجيب أن الصحيفة الرسمية للجمعية» والتى نقلت هذا الخبر بطريقة 
ممتلئة بالإثارة» لم تنتبه إلى أن هؤ لاء الذين أخرجوا الحافظي من المسجدء ومنعوه 
من الكلام» ورموه بها رموه به لم يكن لأجل أفكار طرحها لم تكن مقبولة لديهم» 
فالرجل بمجرد بدثئه بقراءة القرآن كمقدمة لحديثه بدأ الإنكار عليه ىا تنقل 
الصحيفة. 

وفي هذا رسالة واضحة تدعو من خلالها الجمعية إلى عدم سماع الآخر» بل 
المباردة لطرده ورميه بالطماطم والبيض والمحندي كما فعل بالحافظي. لأن 
الصحيفة وصفت هؤلاء الذين قاموا بذلك بكونهم (أحرار عنابة) 


.٠/ جمادى الثانية ؟165١1ه. ص‎ ١5 .205( جريدة الصراط السويء العدد‎ )١( 
كدان‎ 


ونحن في هذا الموقف - مع إنكارنا لكثير من الأساليب القمعية التي مارسها 
المستعمر الفرنسي مع الشعب الجزائري - إلا أنا لا نستطيع أن ننكر عليه إغلاق 
مثل هذه الصحيفة الداعية إلى الفتنة والشغب الذي لا مبرر له. 

بل إن الجمعية في صحفها الرسمية لم تكتفي بتشجيع العنف المحلي» بل 
راحت تشجع العنف الذي مارسه الوهابيون» وغيروا على أساسه معالم التاريخ 
الإسلامي التي كانت محفوظة لأجيال طويلة في الجزيرة العربية. 

فقد ذكر الزاهري في صحيفة الشريعة النبوية» وهي صحيفة رسمية 
للجمعية» ما فعله الوهابيون بالأضرحة وغيرها في الحجاز مؤيداء وذلك في 
بعض قصصه في الشريعة» حيث قال: (.. وأما القباب المهدومة فإن الحكومة 
العربية الإسلامية السعودية قد أحسنت كثيرا إلينا معشر الحجاج؛ فإنها بذلك 
قد وجهت وجهتنا كلها إلى الله وحده فأقبلنا عليه تعالى بأفتدتنا وقلوبنا 
وبأساعنا وأبصارنا وكان حجنا إليه خالصا وكنا نقضي مناسكنا مخلصين له 
الدين» ولولا ذلك لتوزعت نياتناء ولكان لنا في حجنا من هذا القباب شركاء 
مع الله على أننا ذهبنا بنية أن نحج إلى بيت الله الحرام ونزور قبر سيد الوجود 5 
وم تكن نيتنا أن نحج إلى تلك القباب المنصوبة أو المهدومة ولو لم يكن ذلك 
مرادنا لما حملنا أنفسنا مشقة السفر إلى الحجاز ولاكتفينا بزيارة هذه القباب التي 
ملأت علينا بلادنا سهولما وجبالها فمن منا يصعد جبلا أو هبط أرضا أو يقطع 


واديا دون أن يجد كثيرا من القباب و((المزارات))؟ وإني أعتقد أن بعض 


ان 


المطوفين في الحجاز هم أيضا يهولون من أمر هذه القباب المهدومتا ويبالغون في 
تعظيمها ويكثرون من التأسف عليها ويصفونها بعبارات مؤثرة تبعث في أنفس 
الحجاج الحسرة والأسى وتسثتير حزنهم على ذهابها وحنقهم على هادمها (!!) 
يقول المطوف للحاج مثلا: هنا كانت قبة سيدنا فلان صفتها كيت وكيتا 
وهدمها الملك! وهنالك في موضع كذا كانت قبة سيدتنا فلانتا ويصف هذه القبة 
بأروع الصفات وأجمل النعوء تأ ثم يقول له: وقد هدمها الملك أيضا! فيظن الحاج 
المسكين أنه بذهاب هذه القباب قد فاته خير كثير.. ولو أن الحكومة العربية 
السعودية قد نظرت في أمر هؤلاء المطوفين الذين يشوهون سمعتها عند الحجاج 
فوضعت لحم نظاما كالنظام الذي وضعته كثير من حكومات أروبا للأدلاء 
والمترجمين الذين يرافقون السواحين الذين يزورون بلادها الحسنت سمعتها 
ولقضت على هذا النكير الذي يثيره عليها الجامدون من المسلمين ولسلمت من 
هذه التهم والأقاويل التي تشاع عنها في كثير من بلاد الإسلام ولعلها فاعلة إن 
شاء الله) 

بل إن الجمعية لم تكتف بتشجيع ما فعله الوهابيون في الحجازء وإنما راحت 
تشجع ما يفعله الوهابيون في الجزائر» أو تنشئ وهابيين جدد في الجزائر» وكمثال 
على ذلك ما ورد في صحيفة الشريعة النبوية في عددها الثاني» فقد جاء فيه تحت 
عنوان (داعية السنة في جبل أوراس) هذا الخبر: (جاءنا كتاب من بعض سكان 


هذا الجبل يثنون فيه على ما قام به الأخ الشيخ المسعود بن علي من مقاومة 


ا 


الشركية الكبرى المنتشرة في جهات عديدة من القطر وهي الشجرة التي تزار 
وتقام حوها الزردات وتذبح لها الذبائح وتنذر لها النذور وتدعى بالشجرة أم 
الخبوط. فقد كانت عندهم شجرة عظيمة من هذا النوعفقام الشيخ بوعظ الناس 
وإرشادهم وتذكيرهم بالقرآن العظيم والأحاديث النبوية حتى أقلعوا عنها 
وتأسف الذين كاتبونا على أن لم يكن غير هذا الشيخ يقوم بمثل ما قام به.. نحن 
نشكر لهذا الأخ عمله جازاه الله بأحسن الجزاء ونذكر غيره من جميع الإخوان 
أهل العلم أن يقوموا في نواحيهم بمثل ما قام به فإن الأمة متهيئة لسماع الحق 
وقبوله وإن لكلام الله تعالى وحديث نبيه يي من فم مرشد مخلص حكيم لأبلغ 
الأثر في القلوب وأنجح الدواء للنفوس] وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)17) 

وهذا من أكبر الأدلة على مدى الصلة الرابطة بين الجمعية والفكر الوهابي 
المتطرفء والذي لم يكتف بالعنف اللفظيء بل راح يضم إليه العنف بكل 
أصنافه. 

خاتمة الفصل 

من النتائج المهمة التي يمكننا استخلاصها من هذا الفصل: 

١‏ -با أن كلا من الجمعية والطرق الصوفية تنتمي إلى مدارس خاصة لما 
امتدادها في العالم الإسلامي» فقد كان لذلك أثره في التهم المتبادلة بين الطرفين» 


وهذا ما جعلنا نعود إلى الجذور الفكرية التي ينتمي إليها كلا من الجمعية 


.0 جريدة الشريعة النبوية المحمدية» العدد 7» ص‎ )١( 
امن‎ 


والطرق الصوفية عند سرد التهم المتبادلة. 

؟ - رأيناء ومن خلال استقراء أصول التهم التي وجهتها الجمعية للطرق 
الصوفية انحصارها في: - تبمة البدعة والخرافة ‏ مهمة الكفر والشرك - تهمة 
ابتزاز الأموال ‏ تهمة مداهنة الاستعمار ولكل تهمة من هذه التهم فروعها 
المرتبطة بها. 

تعتبر تهمة التعبد بالبدعة والخرافة من أشهر التهم التي وجهتها الجمعية 
للطرق الصوفية» وأكثرها طرحاء حتى صارت لفظة (الطرق) لا تذكر إلا 
مقرونة بكلمة البدع» وهي من التهم التي اتفق عليها المعتدل والمتشدد من 
أعضاء الجمعية» وليس الفرق بينهما إلا في التعميم, فبينم| نرى المتشددون يرمون 
كل أفعل الطرق بالبدعة والخرافة وما يستتبع ذلك من البعد عن الكتاب 
والسنة» نرى المعتدلين أقل حدة في هذه الجوانب» فلا يعممون أحكامهم. 

؛ - تعتبر تهمة وقوع الطرق الصوفية في الكفر والشرك من أخطر التهم التي 
لم تصبها جمعية العلماء على مشايخ الطرق الصوفية فقط. وإنما صبتها على العوام 
أيضاء وهي نتيجة حتمية للتأثر المبالغ فيه من طرف علاء الجمعية بالتيار الوهابي 
الجارفء والذي لم يستنكف عن تكفير العوام بحجة أنهم - لزيارتهم الأضرحة 
أو تعلقهم بالصالحين - قد وقعوا في الشرك الجلي. 

تعتبر تهمة ابتزاز الطرق الصوفية الأموال من أكثر التهم ورودا عند 


أعضاء الجمعية جميعا - على حسب ما نعلم- لأنهم يعتبرون ال هدف الأسامي من 


571/ 


الطرق هو استغلال أموال المريدين لمصالحهم الشخصية» بل يعتبرون أنه لولا ما 
يدر به المريدون والعوام من أموال على الزوايا ومشايخ الطرق لما بقيت هذه 
الطرق. 

5 - تعتبر #بمة مداهنة الطرق الصوفية الاستعمار من التهم المشتهرة» والتي 
لا تزال تتداول على الرغم من أن أكثر المقاومات كانت من رجال الطرق 
الصوفية» ولكن ذلك - مع ذلك- لا يشفع لهم عند أكثر الباحثين» نظرا لبعض 
التصريحات التي أدلوا بهاء والتي تنسخ جميع ما قاموا به من أعمال تدل على 
غيرتهم على وطنهم, مع أن الكثير من أمثال تلك التصريحات صدرت من رجال 
الجمعية» ووجدت التبريرات التي تسيغها. 

- تنطلق الطرق الصوفية في تعاملها مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 
من وصف يتكرر كثيراء ويعتبر بوابة لكل التهم التابعة له» وهي كون جمعية 
العلماء المسلمين الجزائريين ليست سوى فرع من فروع الوهابية في الجزائر» وقد 
ذكرنا في الفصول السابقة أسباب هذه التهمة» وما يصح منهاء وما لاا يصح. 

4 أن هذا الاسم الذي أعطته الطرق الصوفية للجمعية هو الذي يسر عليها 
إسداء ما تشاء من التهم إليهاء ذلك أن الشيخ محمدا بن عبد الوهاب وأتباعه قد 
لقوا من العالم الإسلامي منذ ظهور حركتهم حربا شعواء, وألفت في الرد عليه 
وعليهم المصنفات الكثيرة» والتي كان يصل أكثرها إلى زوايا الطرق الصوفية» 
فيجدون فيها القواسم الكثيرة المشتركة بين كلتا الحركتين» ولعل هذا ما يسر 


51 


لظهور المؤلفات الكثيرة في الرد على ما تطرحه الجمعية على الطرق الصوفية من 
إشكالات وتهم. 

4 رأينا من خلال استقراء التهم الموجهة من طرف الطرق الصوفية 
للجمعية» أو للحركة الوهابية أنها أربع هم كبرى» هي: #بمة الجهل والغرورء 
وتهمة المسارعة إلى التكفير» وتهمة إنكار الولاية وما يترتب عليهاء تهمة العنف 


في التعامل مع الآخر. 


57184